نموذج شعري على نظام النوتة الحرة |
من قصيدة لشاكر بدر السيّاب:
|
كان بعض الساحرات |
مدت أصابعها العجاف الشاحبات إلى السماء |
توحي إلى سرب من الغربان تلويه الرياحْ |
في آخر الأفق المضاء |
حتى تعالى ثم فاض على مراقيه الفساحْ |
|
نموذج آخر للشاعر عبد الوهاب البياتي
|
أترى الظلالُ الهائمات وراءه وعت الفناء |
فاسترسلت في شبه حلم واستفاقت للسماء |
تروي أحاديث الصبيات اللواتي كنْ يصطدن الرجالْ |
بغنائهنَّ وراءَ أسوارِ الليالْ |
|
نموذج ثالث للشاعر بلند الحيدري
|
يا صديقي.. |
لم لا تحمل ماضيك وتمضي عن طريقي |
قد فرغنا وانتهينا |
وتذكرنا كثيراً ونسينا |
|
نموذج رابع للشاعر السعودي المرحوم حمزة شحاته
|
أتقول قد طال الطريق؟ |
نعم لقد طال الطريق |
وأي شيء لم يطلْ |
في رحلةٍ بدأت ولم تجد الختامْ |
الوعرُ والوعثاء والظلماء |
والأمل البعيد |
والذكريات مضى بها |
عَبْرَ الفضاء إلى الظلامْ |
مدى سحيق |
والأيْنُ والعثراتُ |
والزمنُ العنيد |
نَعَم وسخرية النجوم بنا |
بأحلام العبيد |
تخوض معركةَ الظلام |
إلى سنى الفجر الجديد |
قل يا صديقْ |
ألا ترى في حلمك الفجرَ الجديد؟ |
أفلا تناضل.. يا شريد |
لكي تراه؟ |
أفلستَ تزرع في خيالك |
عن هواه وعن رؤاه |
وفي رباه.. ألفَ عيد؟ |
ولا تقل طال الطريق |
فلن يقصِّرَه الكلام |
واحمل على قَدَمَيْكَ |
واقتحم الهجير.. وليس فيه ما يجير |
سوى العذاب |
خلال معركة السراب وقل معي |
طُلْ يا عذابْ |
|
إضاءة: |
على ضوء ما قدمناه من نماذج حية للنوتة الشعرية المعاصرة.. التي تقوم إيقاعاتها الحركية على نمط تفعيلي متجدد، وموجات موسيقية متساوقة في الأداء والتصوير.. |
تقول نازك الملائكة في كتابها ((قضايا الشعر المعاصر)) عن نظام نوتة الشعر الحر.. تقوم على البحور الصافية وهي التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات وتكون في بحر الكامل.. الرمل.. الهزج.. الرجز ومنها ما يتألف شطره من تفعيلة واحدة أربع مرات من بحر المتقارب والمتدارك.. |
وكذلك مجزوء الوافر الذي يقوم على تفعيلتين.. أما البحور المزدوجة التي يتألف فيها الشطر من أكثر من تفعيلة واحدة على أن تتكرر إحدى التفعيلات هما السريع والوافر.. |
ثم تضيف نازك قائلة ((أما محاولة بعض الناشئين من أن يكتبوا شعراً حراً من البحر الطويل فقد انتهى إلى الفشل)) . |
وأضيف أنا أن سبب فشل هؤلاء الناشئين في خوض هذا البحر.. لأنه البحر الوحيد في الشعر العربي الذي لا تكون نوتته الإيقاعية إلا تامة.. |
فلا يجزأ ولا يشطر ولا ينهك فكل تفعيلاته تجيء تامة.. أربع في الصدر، وأربع في العجز.. وذلك كان سبب فشلهم في هذا البحر.. |
من خلال ما قدمنا من نماذج نوتية لهذا الشعر المنطلق من قيود القافية المتكررة والتفعيلات المتساوية يتضح لنا أننا أمام نوتة شعرية جديدة ذات أداء جميل وخيال راهف وموسيقى محدثة أدت وظيفتها بكل جمال في نقل الفكرة والصورة في جوقة موسيقية جديدة قامت على تجزيئات البحور العشرة التي سبق ذكرها.. |
وهذا بالتالي يدعونا إلى تقبل مثل هذا النمط النوتي الجديد في الشعر.. لأنه ليس من حق أحد أن يمنع غيره من التنفس الصحي.. إذا أحس قدرة تؤهله للعزف على مثل هذه الأوتار الصوتية ذات الحركات المتماوجة في الإيقاع والرسم.. ثم كل ما جاء من هذا الشعر.. لا يخلو أبداً من العنصر الأساسي لأسلوب الشعر.. وهو الموسيقى.. فالموسيقى موجودة ومحسوسة ولكنها بطريقة أخرى.. صحيح إنهم تجاوزوا القافية.. وتحرروا منها ولكن اعتمدوا على لازمة الشطر بحيث تكون هي قفلة الإيقاع.. فللحقيقة العلمية أقول.. إنه لا مانع من دخول مثل هذا الشعر إلى ساحة شعرنا القديم.. لأنه تصور جديد.. وأسلوب متمايز في الأداء النوتي للحركة الشعرية.. ولا أحسبه ينافس أو يحل محل الشعر القديم.. بقدر ما هو إضافة جديدة إلى تراثنا الخالد.. علينا أن نفسح له المجال.. ونتجاوب معه بكل قدراتنا وإنتماءاتنا التراثية.. لأنه امتداد صحي للنوتة الشعرية القديمة بصورة فيها من الجمال والانبهار ما يؤهلها أن تأخذ مكانها اللائق في شعرنا العربي.. خاصة وأن هذا الشعر جاء من قبل شعراء كبار لهم خبرتهم واطلاعاتهم وثقافتهم المتميزة كما أن لهم قدراتهم الإبداعية في قول الشعر على النوتة القديمة بكل ما تحمله الجودة والإبداع من معنى.. |
فتحية إعجاب وإكبار لموروثنا الشعري النابض بحركاته وإيقاعاته وموسيقاه الكلاسيكية المتزنة. |
وتحية مخلصة لمحصولنا من الشعر الجديد ذي اللون المميز والصورة الراقصة والموسيقى المتجددة.. وما أحوجنا إلى قديم عزيز متمكن وجديد معتدل لافح بكل معاناتنا وأشجاننا وعواطفنا نحو كل ما هو حولنا. |
|