شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إيقاعات النوتة الحديثة في الشعر
وددت أن تكون هذه النوتة شاملة للإيقاع الشعري الكلاسيكي القديم الذي قمنا بكتابتها وشرحها وتفصيلها فيما مضى من جزء هذه النوتة مستعينين بمن سبقونا من رجال أكْفَاء لهم مكانتهم ووزنهم في هذا المجال.
ومستفيدين بما لنا من ممارسات واطلاعات ورأي متواضع على هذه الإيقاعات.
لذلك وجدت لا بد من الحديث عن إيقاعات النوتة الحديثة في الشعر العربي المعاصر للوقوف بإعجال وإيجاز على أهم النزعات التجديدية فيها منذ العصر العباسي حتى عصرنا هذا.
عملاً مخلصاً للأمانة العلمية دون أن تأخذني موجة التعصب للقديم فأكون رافضاً للجديد سادناً له ودون أن أكون متعاطفاً مع الجديد على حساب غفلان القديم.. فهو تراثنا.. وأساسنا.. وهويتنا ومسار حضارتنا وعزنا وفخرنا بين الأمم.
فالحضارات جميعها على مختلف العصور لا يمكن أن تقوم إلا إذا كان لها ماضٍ مشرق مجيد.. وتراث حضاري يؤهلها لصنع حضارة حديثة ومن غير تواصل تراثي بين الحضارات لا تقوم حضارة في مجتمع ما.
فمن خلال هذا العصر التاريخي وجدتني متحفزاً لكتابة هذه النوتة الإيقاعية الحديثة لنرى ما فيها من جديد.
ولنقف عليها بتأنٍ واستراحة وأمان. متجاوزين الصدامات التي قامت وتقوم دائماً بين المتشبثين بالقديم الرافضين لكل جديد.. وبين المنادين إلى التجديد.. وترك القديم لأنه لم يعد يلبي حاجة العصر.. فالقدامى يرون أن نوتة الشعر القديم تراث وأثر خالد لا يمكن تجاوزها إلى غيرها والمحدثون يرون التجديد سمة الحضارة والمرونة.. فلا بد أن تكون لنا هويتنا المتميزة ولا بد أن يكون لنا طريقة في التصوير والتعبير مخالفة لطريقة من سبقونا.
ومن هنا وجد الخلاف على أشده بين أنصار القديم وبين أنصار الجديد وكلمة عجلى أقولها.. لأحبائنا أنصار القديم الرافضين لأي تبديل أو تحديث فيه.. هل تعتقدون أن علم الخليل..من العلوم الوقفية؟ التي لا تقبل زيادة أو تبديلاً؟! لا أعتقد أن كائناً من كان لديه الحجة والإقناع بأن هذا العلم علم توقيفي مع إدراكي مسبقاً أن ما جاء به الخليل من نوتة موسيقية ليس من مخترعاته فهي موجودة في الشعر العربي.. ولكن الرجل بحكم تمتعه بشفافية الإحساس الراهف استطاع أن يكشف الستار عن هذه النوتة.. ولا أدل على ذلك من إدراك الأخفش عليه بحراً غفل عنه وهذا يعطينا الحق في قبول المستدرك والجديد.
أقول ليس من حق أحد رفض الجديد لمجرد خروجه عن القديم المألوف.. وإنما علينا أن نوجد التواصل والمرونة بين الشيوخ والشباب لنرى ما عند شبابنا من جديد لإعطائه حق الإمعان والتروي في الحكم والنظرة.
فإذا ثبت لنا صلاحيته وقدرته على أداء وظيفته كتب له البقاء وسمح له بالدخول وإن لم يكن كذلك فالهلاك والويل دونه.
إن المعركة بين القديم والجديد معركة مفتعلة جنودها الوهم والخيال بين متعصبين للقديم ومتحمسين للجديد.. فهنا يملي علينا الواجب الإنساني أن نحتوي أبناءنا ولا نفرط فيهم لنرى ونسمع ما عندهم.. ومن خلال هذا التواصل يمكننا أن نقيم جسراً آمناً بيننا وبينهم.. وبنظرة عاجلة على ما جدَّ على هذه النوتة يتضح لنا أن التغيير والتبديل إضافة وحذفاً كان قد ورد من قبل رجال عظماء لهم مكانتهم البارزة في الشعر القديم.
.. فهذا أبو العتاهية الشاعر العربي الكبير.. من شعراء العصر العباسي.. العصر الذهبي للشعر العربي.. نراه وقد تجاوز علم العروض في أبيات له مشهورة.. لما قيل له تجاوزت علم الخليل أو علم العروض، قال قولته المشهورة… أنا قبل العروض وقيل.. أنا فوق العروض.. ومن غريب الصدف أن الشاعر المذكور معاصر/ للخليل بن أحمد.. واضع علم العروض ولكنه لم يبخل علينا بالجديد حين جادت قريحته بهذا التجاوز المبدع.. وهذا ينقلنا إلى الإنصات إلى مقولة.. مفادها.. أنه لا يوجد شعر.. ولكن يوجد شعراء.. ولا يوجد أدب.. ولكن يوجد أدباء.. ولا توجد موسيقى.. ولكن يوجد موسيقيون.
خلاصة ما عندي أن الخروج على القديم إذا كان من قبل المحنكين القادرين في خوضه بكل ثقة وأمانة.. فهو تجديد مقبول لأنه إعلان عن الرفض في لحظة تجلٍ وانبهار.
أما ما نسمعه من ((قصيدة النثر)) أو الشعر المنثور.. فأغلب الظن أن دعاته من الشباب الكسالى كل همهم هو الخروج والانفلات عن طوق القافية والوزن لما تتطلبه من معاناة وجهد وإطلاع وممارسة.
فجاءت صيحات على لسان شباب من لبنان تدعو إلى اتخاذ ما يسمى ((بقصيدة النثر)) بدلاً عن الشعر المعروف.. فكان كل ما كتبوه نثراً أدبياً يقوم على كثرة استعمالات علامات الترقيم من استفهامات وعلامات تعجب ونقط وفواصل.. وكثرة أقواس.. وأذكر منهم/ ((الدكتور وبول شاوول)).. ولنعطي فرصة الاطلاع على شيء من هذا الهراء.. نسمع بول شاوول ماذا يقول في كتابه النثري:
((أيها الطاعن في الموت)) من موضوع بعنوان ((وحدها الدموع العالية بين الأمطار)):
رأيته وافداً بين أسراره
يطوق المدينة بذراعيه ويمحو بنظره
طرقاتها وأحزانها:
وقف بين المنعطفات بعدما فقد الدرب الواحدة
((ماذا يعني أننتظر الشهب))
حملق أمامه لكنه ارتدَّ
((ماذا يعني الانبهار))
بسط كفيه ورفع عينيه إلى الفضاء
((هل يمكن أن تعلق عيناه هناك))
وماذا يمكن أن ترسم خطاه
بعدما أغلق على جسده بوابة الوهم
تقدم كي يحفر أكثر في الرمل
ومن دون أصوات تمدد على خطاه
هنا الأرض بلا جماهير
والرمل غزير
فلا تعمق في الرمل
ماذا في يديك أيها الواقف بين
المنعطفات
عاجزاً في الوحدة وأمام العيون
كيف ستحزم خبايا الحدائق أو بعاد
الأجنحة وتغلق أصواتاً علقت في القاع
والأجساد
مسبوقاً تجري وبلا أنفاس
هنا الأشجار للذكرى والواحات تعد
بالرحيل
والطفل الذي يقطع من هضبة إلى
حزن يحلم بالوقوف
لكن أرق اليقظة يخطف المسافة من
دون انبهار
ماذا عن اشتعال الصبح والنساء
والجري
سبقناك حتى انتفاض الرقصة
الخطره
سوف نلقاك تحت المطر السكون
والحشرجات الطويلة
ليس لدي أي تعليق على هذا النمط النثري الجميل الذي يحاول أصحابه أن يعمموه في ((الشعر)) فأي شعر هذا الذي يكتبون؟! أين الإيقاعات الحركية.. أين الوحدة الموضوعية.. أين التجانس الأدائي.. أين.. أين؟! كل هذا لا يخرج عن كونه نثراً.. كتب بطريقة التقطيع الفني الجميل.
وأكثر من ذلك نرى بعضهم يسرف في الخيال المنحط مثل:
ليتني وردة جورية في حديقة ما
يقطعني شاعر كئيب في أواخر النهار
في حانة من الخشب الأحمر
يرتادها المطر والغرباء
ومن شبابيكي الملطخة بالخمر والذباب
تخرج الضوضاء ((الكسول))
لا شك أنك واجد في مثل هذا المسخ عري الأداء وفضيحة التصوير وتبرج الخيال وسفور المعنى مع مسخ واضح في الإيقاع الحركي وهرجلة تتسم بالفوضى والركود فكراً وعاطفة وخيالاً وإحساساً.
هذه الفئة من الشباب التي تميل إلى تهتك الألفاظ وسفور المعاني وتبجح الخيال.. أمثال شاوول وغيره من الكتّاب الذين يقذفون علينا عشرات الكتب يومياً بمثل هذا الهراء السخيف.. لذلك لا يستطيع أحد ما أن يتقبل منهم مثل هذا اللون الرديء والقمىء معنَّى ولفظاً وتعبيراً وإحساساً.
أن يحل محل النوتة الشعرية المنضبطة.. وأن يكون بدلاً عنها.. وهذا لا يمنع من قبول لون من الشعر يسمى ((الشعر الحر)) أو شعر التفعيلة.. الذي كتب فيه كثير من الشعراء الكبار الذين نثق فيهم وفي قدراتهم وسعة اطلاعاتهم أمثال.. محمد حسن عواد.. حمزة شحاته.. سعد البواردي.. من السعودية، ونازك الملائكة.. وعبد الوهاب البياتي من العراق، والفيتوري من السودان، ومحمود إسماعيل.. وعلي باكثير.. ومحمد فريد أبو حديد من مصر، والشاعر الأردني عرار.. ولويس عوض وغيرهم كثير.. هؤلاء الشعراء لهم القدرة الفائقة في إنشاء الشعر على النوتة الشعرية القديمة، وقد أجادوا فيها كل إجادة.. ثم ما لبثوا أن تفتحت لهم أبواب جديدة حاولوا الكتابة على صورتها.. فكان شعر التفعيلة الآنف ذكره أخذ مكانه في الشعر العربي المعاصر..
تقول نازك الملائكة في كتابها ((من قضايا الشعر المعاصر)):
((إن بداية الشعر الحر كانت في 1932م.. لشعراء مصريين منهم علي أحمد باكثير.. ومحمد فريد أبو حديد: ومحمود إسماعيل.. فلو نظرنا إلى هذا اللون من الشعر نجده يقوم في إيقاعه الحركي على نظام التفعيلة.. الذي تنشأ عنه موجات موسيقية متدفقة طليقة حرة غير مقيدة بنظام البحر أو القافية المتكررة)).
((ومن عيوبه أنه ينحصر في عشرة بحور بدلاً من ستة عشر بحراً وليس منه بحر الطويل.. فكل العيب فيه يكمن في التركيبة العضوية للتفعيلة إذ أنها محدودة ذات نفس قصير مما يسبب رتابة مملة خاصة في المواضيع التي تحتاج إلى إسهاب وتطويل)). ولكنه على أية حال نمط جديد فيه الموسيقى المتجددة.. يمكن إضافته إلى رصيدنا التراثي من النوتة القديمة واعتباره نَفَساً جديداً لرئة الشعر بأسلوب مغاير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :760  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 95
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج