(( كلمة المحتفى به معالي المهندس محمد سعيد فارسي ))
|
ثم تحدث معالي المهندس محمد سعيد فارسي فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم، حقيقة لقد غمرتُ سعادة بهذا الحب العام الذي لمسته من جميع الأصدقاء والمحبين، وقد بعدت عن جدة جسدياً ولكنها لم تغب عن ذهني طيلة مدة غيابي، والشعور العام الذي ألمسه يضاعف من سعادتي ومن مسؤوليتي تجاه الالتزام وتجاه الاستمرارية، لتحقيق الأماني والطموحات التي نحلم بها جميعاً. |
|
- لم يعد أمام المسؤول أي مبرر للتقصير، والدولة حفظها الله بقيادة جلالة الملك فهد هيأت كل الإِمكانيات لعمل المطلوب على أعلى مستوى، وجدة بفضل من الله تحققت لها كل الأسس والبناء الجذري لكل الهيكل للمدينة في كافة الخدمات والمرافق. المرحلة القادمة كما نعلم جميعاً هي مرحلة الاستمرارية في الشيء، ومحاولة الحفاظ على ما أنجز، وأن تكون الإِضافات التي ستقام في المدينة ذات نوعية وجودة معينة، حتى تستمر المدينة في اتجاهها الذي بدأ يعطيها ملامحها. |
|
- عودة للماضي كما تحدث الأخ عبد المقصود، حقيقة أنا والأخ عبد المقصود أبناء حارة واحدة، وهي المسفلة في مكة المكرمة، وكنا نلعب سوياً، وكنا طلبة في مدرسة تحضير البعثات، وكان الأستاذ عبد الله بغدادي مديرها. والحقيقة أن علاقتي بجدة بدأت من الصغر.. كان والدي رحمه الله يصطحبنا إلى جدة، وكان عمري في ذلك الوقت لا يتجاوز الثامنة، وحينما رأيت البحر ذهلت بكمية المياه واللون الأزرق، ولم يكن في المعلومات البسيطة التي تلقيناها جزءاً عن البحر، فذهلت واستفسرت وعرفت أنها منحة من الله. وكانت المنافذ للبحر محدودة، وكان الوصول إلى رؤية البحر العميق لا تتم إلا عن طريق الميناء القديم. وبدأت علاقتي بالبحر من ذلك التاريخ، وشاء الله أن تتم دراستي في الإِسكندرية، ويعود ارتباطي بالبحر مرةً أخرى. |
- عشت مرحلة الجامعة في الإِسكندرية، وكان لكورنيش الإِسكندرية دور كبير أو تأثير في حياتي، لأنه اتضح أنه يجب أن تكون المدينة الساحلية واجهتها على البحر، وإذا لم يكن هناك كورنيش فهذا يعني أن كل مداخل البيوت ستكون على الشوارع الجانبية، وسوف لا يُستفاد من البحر الاستفادة الأساسية. وكان حلمي يراودني منذ أن تخرجت من الجامعة أن يكون لجدة كورنيش، وشاءت الظروف أن أعمل في التخطيط منذ عام 63 تقريبًا، وأعتقد أنني كتبت ذات مرة عن جدة والزمن، وأن الإِنسان حينما يتخرج من الجامعة يكون متأثراً بالبيئة التي درس فيها أو البيئات التي قرأ عنها، فكان تأثرنا بمصر. |
- وبدأنا في التخطيط نمارس أعمال التخطيط متأثرين بالعوامل النفسية التي عشناها أو اطلعنا عليها، وقضينا فترة من الزمن تحت هذا التأثر، ووجدنا بعد هذا أننا سنفقد هويتنا في الاستمرار في التقليد، فكان لا بد أن تظل مكة هي مكة، وجدة هي جدة. وبدأنا نبحث منذ ذلك التاريخ عن أنفسنا، وعن تراثنا، وعن أصالتنا حتى لا تذوب بين المؤثرات. ومنذ ذلك التاريخ ونحن في التخطيط.. تخطيط المدن، بدأنا مرحلة تحديد الذات والبحث عن الأصالة في كل ما تُرك، وكان هذا المشوار تقريباً منذ عام 65 ثم في أول تصوير جوي تمَّ لجدة كان عام 64 ومن هنا بدأت المرحلة الأولى في متابعة دراسات التخطيط. |
|
- طبيعي أنا استلمت الأمانة في جدة سنة 72 م أو 92 هجرية تقريباً، وكانت إمكانيات المملكة لا تسمح بالطموحات التي نحلم بها جميعاً، ولو أن إنساناً بدأ يفكر أن ينفذ كل ما يرد في ذهنه لاستحال تنفيذ أي شيء، ولكن كان التفكير أن نبدأ بالإِمكانات المتاحة في ذلك الوقت، حتى نستطيع تدريجياً تحقيق الآمال والطموحات.. حقيقة كان الدور الأول لجلالة الملك حفظه الله منذ أن كان وزيراً للداخلية وولياً للعهد، ما كنت أقدم مشروعاً حسب إمكانات الدولة في ذلك الوقت إلا ولَبَّاهُ. |
|
- لقد كانت البدايات عبارة عن نصف المليون ولا تتجاوز المليونين، ومن هنا بدأ المشوار على أساس كيف نبدأ؟ وأعتقد أنني تناقشت ذات مرة مع بعض الإِخوة عشاق مدينة جدة، ومنهم الأخ أمين عبد المجيد والأخ عبد الله خياط، وكان الإِخوة في ذلك الوقت يطالبون بأعمال النظافة في جدة، فقلت لهم: إن النظافة عملية ذاتية وإن الزمن كفيل بها، ولكن لا يمكنني أن أعتني بالنظافة في بلد لا يوجد به طرق مزفتة، لأن ذلك يضطرني إلى أن أصرف عليها مجهوداً أكبر مما تستحق، بالنظر إلى الإِمكانات المتاحة في ذلك الوقت، أي في عام 1975 – أو 76، وقلت لهم: هل الأفضل بالإِمكانات المتاحة أن أعمل كباري وطرقاً أم الأفضل أن نحضر قلابات لحمل القمائم؟ على ضوء ذلك تركت مهمة النظافة بشكل أو بآخر وبدأنا نلتفت إلى بناء الهيكل الأساسي للمدينة. |
- اختلفنا مرة أخرى مع بعض الصحف، وكان منهم الأخ عبد الفتاح أبو مدين، كانوا يرون ضرورة الأمام بجدة القديمة، وكان رأينا ضرورة الاهتمام بجدة الجديدة أولاً، لأن الاهتمام بجدة القديمة سيدفعنا إلى الإِنصات إلى آراء متعددة، ومن ثم لن نستطيع أن نعمل شيئاً. فكان هذا الفارق في التفكير، نحن نرى أن نسبق الناس ونُهيِّئ لهم مدينة في الخارج كما هو موجود في المنطقة التي أنتم فيها الآن. وأعتقد أن هذا هو الرأي الصحيح أو الحل الأمثل، وهو أن تبدأ بالمنطقة التي تتوقع انتقال الناس إليها؛ غير أن كثيرين قالوا إن المهندس سعيد يملك خارج المدينة أراضيَ كثيرة، لذلك فهو يهتم بالمناطق التي تقع بها ملكياته.. لكن الحقيقة لم نجد حلاً غير الصبر والقناعة، وعمل ما هو الأفضل حسب معرفة الإِنسان لطبيعة العمل الذي يؤديه.. ومرةً أخرى أكد الزمن أن الاتجاه الصحيح هو الخروج السريع لخارج المدينة حتى نهيئها لانتقال الناس وعمل الشوارع بأي مقياس نريده، وتركنا أماكن الجسور والكباري بأي مساحة نريدها، وهيأنا المنطقة كما هي موجودة الآن. |
- الحقيقة هذا ما كان في الإِمكان حدوثه لولا الدعم الأساسي من جلالة الملك، ولولا دعم الأهالي أنفسهم. والحقيقة أن نوعية الناس في جدة نوعية متجاوبة تماماً، ولا أعتقد أن هناك فردا من الأفراد طلب منه مَدَّ يَدِ المساعدة ورفض، الكل كانوا متجاوبين وملبين لكل طلبات الأمانة، وكنا نبغي من وراء ذلك إظهار المدينة بالمظهر اللائق بها كمدينة حديثة عصرية، وقد لمس الناس هذا، وهو ينعكس على إيجارات البيوت أو إيجارات المحلات. وعلى العموم فقد كان للناس وللأهالي دور كبير جداً في تحسن المستوى، والتنازل عن أجزاء من الملكيات في سبيل التوسعة التي تمت في جدة. |
- الناحية الأخرى أن الله وفقنا في وجود جهاز في الأمانة ممتاز، استطاع أن يجعل له دوراً في عملية البناء، الناحية الأخيرة هي وجود فئات من المسؤولين في الدوائر الحكومية الأخرى، تساعدنا وتقف بجانبنا ونتناول وجهات النظر معها، بغية الوصول إلى تنسيق متكامل الهدف النهائي منه هو المصلحة العامة. كان كل ذلك يتم باللقاءات المستمرة لا بالمعاملات الرسمية ولا الرسائل المتبادلة، وإنما بالزيارات واللقاءات الدورية. والحقيقة أن ما أنجز خلال العشر السنوات الفائتة في جدة يعتبر إعجازاً بكل المقاييس، ثم بفضل من الله وبالدعم والتعاون، وكل إنسان من الموجودين ومن غير الموجودين له دور أساسي، وشكراً لكم، وشكراً للأخ محمد عبد المقصود، والسلام عليكم ورحمة الله. |
(( تعليق الأستاذ حسين نجار ))
|
ثم علق الأستاذ حسين نجار على كلمة المحتفى به معالي أمين مدينة جدة المهندس محمد سعيد فارسي فقال: |
- إن ما سمعناه من معالي الأمين هو رحلة مقتضبة عاشتها جدة سنوات من الكفاح، والعطاء، والجهد المبذول لا شك، والكلمات التي قيلت إنما هي تقرأ على الطرقات العامة، وفي الحدائق العامة، وفي المجسمات الجمالية وفي المنازل التي بنيت على الطرز الحديثة، وعلى مدينة جدة القديمة أيضاً لمن أتيحت له الفرصة أن يتجول بين أحيائها وأزقتها.. كل ذلك بلا شك هو شاهد على عصره. |
- ما يقال حول كل هذا الإِنجاز هو ما أوجزه معالي الأمين من الجهود المخلصة التي التقت حوله ومعه في هذا الطريق الطويل، وكلمات الإِشادة في هذه المناسبة هي كثيرة، ولعلها هي أيضاً كلمات مخلصة تعطي دفعاً جديداً لعطاء مستمر إن شاء الله لهذه المدينة التي هي جزء لا يتجزأ من هذا الوطن الغالي الكبير، الذي انتعشت فيه الحياة المدنية والعمرانية في كل أجزائه من أقصاها إلى أقصاها. |
|
|