شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بين يَدي الكتاب
بقلم: عبد العزيز الرفاعي
أشعر بضآلة حقاً.. وأنا أكتب هذه الكلمة.. أكتبها تمهيداً بين يدي هذا الكتاب.. لا تعريفاً.. أكتبها لكي أذكر قصتي معه، ومع مؤلفه العلامة الجليل..
أشعر بتلك الضآلة.. كما شعرت بها كثيراً في صدر صباي، حينما كنت أقعد مقاعد الدرس أمام أستاذي الكبير السيد أحمد العربي..
ذلك تاريخ من التاريخ..
فقد كنت قبل أن ينعقد العقد السادس الهجري من هذا القرن، طالباً من طلبة المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة.. وكان مدير هذا المعهد هو الأستاذ الجليل السيد أحمد العربي..
كان أستاذي الجليل - ولا يزال - يتميز بشخصية فذة.. لا أدري كيف أصفها؟
هل أقول: إنها شخصية نفّاذة؟ ربما كان هذا الوصف، من وجهة نظري، اصدق الأوصاف لهذه الشخصية..
وبرغم أن أستاذنا السيد أحمد العربي، لا يتصف من حيث المظهر بطول فارط.. ولا بعرض سميك.. بل على العكس تماماً، فإنه ناحل الجسم نحولاً لافتاً للنظر.. إلا أنه يسيطر بشخصيته النفّاذة على طلبته.. بل على طلبة مدرستين كبيرتين هما أكبر مدارس المملكة العربية السعودية آنذاك.. في حقل الدراسة الرسمية، وهما المعهد العلمي السعودي، ومدرسة تحضير البعثات.. فقد كان مديرهما معاً.. حيث أطلق عليه لقب (مدير المعهدين).. وكان من بين طلبته من يكاد يقاربه في السن..
ولم يبهرنا السيد أحمد العربي بشخصيته الحازمة النظامية الدقيقة.. فحسب.. أو بحسن تصرفه، وبعد نظره، وعمق إدراكه للأمور.. فقط.. بل لقد كان هناك شيء هام آخر، هو علمه الواسع، وأدبه الجم، واطلاعه الكبير..
كان يبدو لنا - نحن طلبته - شخصية متكاملة.. فهو مهيب حازم، بارع الحديث، حسن الصوت، متناسق الملامح، بعيد النظر، وهو مع ذلك أديب، عالم، شاعر..
إنه بكل ذلك يعد قدوة مُثلى..
ولقد كان لنا نِعْمَ القدوةُ حقاً..
ترجع فصاحته، وحسن التزامه للغة العربية، ودقة معلوماته في التراث العربي.. إلى (درعميته).. فهو خريج (دار العلوم) بمصر، فقد كان من أولى بعثات المملكة العربية السعودية إلى القاهرة.
إذن.. فقد كنا نعجب بأستاذنا أيما إعجاب..
وكان مما يضاعف هذا الإعجاب، في أوساط الطلبة المعنيين بالأدب والشعر.. أن أستاذنا شاعر أديب.. يسهم في المناسبات بشعره وأدبه..
ولمن شاء أن يرجع إلى (وحي الصحراء) ليرى بعض آثاره.. أو إلى الصحف التي كانت تصدر في أواخر العقد الخامس وما بعده من هذا القرن الهجري ليقف على مساهماته الأدبية والشعرية..
وعدا كل ذلك.. فقد كان مع حزمه، يشعرنا بأبوته.. وبأننا نجد في صدره الرحب، قلباً كبيراً يتفهم - بعمق - مشاكلنا.. فهو يقوّم المعوج برفق وتؤدة وحكمة.. ويشجع الأسوياء على السير قدماً في الطريق المستقيم.. أما النوابغ والنابهون، فهو كثير الحدب عليهم، شديد العناية بهم.. لا يدخر وسعاً في حفزهم إلى الأمام.. ولعلّ الأدباء من الطلبة، والشعراء منهم كانوا يلقون منه رعاية خاصة، قد لا تدانيها رعاية أخرى.. ولا غرو فهو أديب شاعر.. شديد الولع بتعويد الألسنة والأقلام على اللغة العربية ناصعة سليمة.. حتى إنه ليكاد يلتزم اللغة الفصحى في حديثه كله.. على شتى المستويات..
ولقد كنت منذ عنيت بإصدار هذه السلسلة من كتيبات (المكتبة الصغيرة)، أتطلع بشوق كبير إلى أن أحمل أستاذنا الجليل على أن يسهم فيها، طامعاً بالدرجة الأولى في شعره، فإن لأستاذنا الجليل شعراً يتسم بالنصاعة، والسلاسة، وصدق العاطفة، منه، على سبيل المثال قصيدته في العيد، التي عنوانها (أيها العيد) وقد فضلت أن أوردها كاملة، لما اشتملت عليه من معان نبيلة:
أيُّها العِيدُ كمْ تثيرُ شجونِي
وتورِّي مِنْ وَجْدِيَ المكنونِ
فلكمْ خلفَ ثوبِك الفاتنِ الخلاّ
بِ من لوعةٍ وشجوٍ كمينِ
* * *
أيها العيدُ كم تخطيتَ قوماً
هم من البؤسِ في شقاءِ قطينِ
لم تزدهم أيامُك الغرُّ إلا
حسرةً في تأوهٍ وأنينِ
أبصروا المترفينَ فيك وللنعمسى
عليهم رواءُ يسرٍ ولينِ
كلُّ رهطٍ يفتنُّ في المأكلِ
الملذوذِ والملبسِ الأنيقِِ الثمينِ
لا يبالي ما أنفقْتَهُ يداه
في الملاهي من طارفٍ ومصونٍ
وإذا ما دعاه للبرِ داعٍ
فهو في المكرماتِ جَدُّ ضنينِ
* * *
أيها العيدُ ربَّ طفلٍ يعاني
فيكَ من بؤسهِ عذابَ الهونِ
هاجَه تِرْبُهُ بملبسهِ الزا
هي، وكمْ فيه للصبا (1) من فتونِ؟
فَرَنَا نحوَه بطرفٍ كليلٍ
ليس يقوى على احتمالِ الشجونِ
ثم ولَّى والحزنُ يفرِي حشاهُ
مستغيثاً بعطفِ أمٍّ حنونِ
وجثَا ضارعاً إليها يناجيها
بدمعٍ من مقلتْيهِ هتونِ
وَيْحهَا ما عسى تنالُ يداها
وهي خِلوُ الشمالِ صفرَ اليمينِ
كلّ ما تستطيعُهُ عبراتٍ
من عيونِ مقرّحاتِ الجفونِ
أيها الناسُ إنما العيشُ ظلٌّ
زائلٌ والحياةُ كالمنجنونِ (2)
فلكم فَوَّضَ الزمانُ صروحاً
وصروفُ الزمانِ شتى الفنونِ
ربَّ ذي نعمةٍ وجاهٍ عريضٍ
صار (3) ذا شقوةٍ وهمٍّ مبينِ
* * *
أيها الموسرونَ رفقاً وعطفاً
وحنانَا بالبائسِ المحزونِ
ربما باتَ جارُكمِ طاوياً جوعاً
وبِتُّمْ تشكونَ بشَمِ البطونِ
ربما ظلَ طيلةَ العيدِ يستخفي
من الصحبِ قابِعاً كالسجينِ
يتوارى من سوء منظره المز
ري ومن حاله الكريه المهين
أي فضلٍ للعيدِ يستأثرُ المثروَن
فيه بالمظهر (4) المضنونِ؟!
والفقيرُ الكئيبُ يرجعُ منه
بنصيبٍ المرزِّ المغبون
* * *
ليتَ شعري متى يكونُ لنا عيد (5)
بشيرٌ بالطالعِ الميمونِ؟
فيشيعُ السرورُ (6) في كلِّ بيتٍ
ويواسى فؤادَ كل حزينِ
قد لعمري أنّى لنا أن نرى
العيدَ مشاعاً وقرَّة للعيونِ
ومن روائعه قصيدة حيا فيها الطلبة السعوديين الأوائل الذين تخرجوا في إيطاليا في الطيران، وهي بعنوان (ولقد بدأنا اليوم نشعر بالحياة وبالنشور..) وفيها يقول:
بالجد يكتسب العلا
لا بالأماني والغرور
لو أن بالآمال والأ
قوال تنقاد الأمور
لم يُلف في الجُلَّى لنا
ندَّ، ولم يذكر نظير
فلقد ملأنا الوهم آ
مالاً تضيق بها الصدور
ولقد ملأنا الصحف أقو
الاً تضيق بها السطور
ولقد وقفنا والزمان
وكل ما فيه يسير
ولقد هجعنا والحيا
ة وكل ما فيها يمور
ولقد بدأنا اليوم نشعر
بالحياة وبالنشور
* * *
عجباً أنحن سلائلُ الأ
عراب معجزة العصور
عجباَ أنحن بنو أسا
تذة الحضارات الصدور
أنكون أول مبدعي الطيرا
ن آخر من يطير؟
أسفاً وقد يجدي التأ
سفُ حين يحتث الشعور
ولعلَّ في هذا الشعو
ر بوارق العهدِ المنير؟
ولكن محاولاتي في أن ينشر أستاذنا شيئاً من أشعاره في هذه السلسلة.. لم تجدِ..
ولكني لم أيأس.. حاولت من جديد أن أحصل على شيء من بحوث استاذنا، وهي فيما أعتقد غير قليلة، بينها المحاضرات التي كان يلقيها عبر حياته في التدريس، حتى تفضل فأظفرني بهذا البحث عن الإمام الشافعي..
ولا أكتم أستاذنا الجليل، ولا أكتم القراء، أنني سررت إذ ظفرت بهذا البحث عن الإمام الشافعي بالذات.. ذلك لأن من الأماني التي أتطلع إليها أن تتناول هذه السلسلة (المكتبة الصغيرة) تقديم دراسات ميسرة عن الأئمة الأربعة لتعريف قرائها بهم.. حقاً أن الكتب المؤلفة عنهم كثيرة.. وحقاً أن الطلبة في مدارسهم وفي كتبهم المدرسية، يقرؤون سيرهم.. ولكني أحرص في هذه السلسلة، على تقديم هذه السيرة في منهج جديد.. وسط بين الإيجاز والإسهاب، وأن تلقى الأضواء على جوانب جديدة من حيواتهم.. أو ما يعبر عنه بالجانب الآخر..
ولقد وفق أستاذنا الجليل السيد أحمد العربي.. كل التوفيق في تحقيق هذا الغرض.. فقد أوجز سيرة الشافعي العظيم.. وأبرز جوانب القدوة في حياته.. ثم تناول الجانب الأدبي.. أعني شاعرية الشافعي، وحسه الأدبي.. ولغته الرفيعة.. وهو الجانب الذي قلما يتناوله كاتبو سيرته.. ولذلك يعتبر هذا الكتيب ملخصاً جيداً لسيرة الشافعي الفقيه، والشافعي الأديب..
أما أسلوب أستاذنا السيد أحمد العربي، فلا أمتدحه وهو ماثل أمام القراء بكل نصاعته، وحسن تأتيه.. وببيانه السهل الممتنع..
وإنني لأسأل الله مثل هذا التوفيق، لتقديم سيرة حياة الأئمة الثلاثة الباقين بحيث تتناول أيضاً الجوانب المتعددة لحيواتهم.. والله الموفق، وهو من وراء القصد؟
الطائف 24 رمضان 1397هـ
عبد العزيز الرفاعي
 
طباعة

تعليق

 القراءات :958  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 97 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.