شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الوحدة العربية - كيف تتحقق؟ (1)
((إن مستقبل الإسلام يتوقف على وحدة العرب، فإذا تمت وحدة العرب علا شأن الإسلام)).
((السيد إقبال))
(شاعر الهند الإسلامية)
ما هام العربي في حياته بشيء هيامه بحريته واستقلاله، ولا أغرق في أمر إغراقه في تمجيدها وتقديسها إلى الحد الذي كادت تصبح فيه قطعة من حياته وصفة من أخص صفاته. وسواء أحسن العربي استخدام حريته أم أساء، فإنه مما لا ريب فيه أن ميزة احتفاظ القومية العربية بعناصرها وميزاتها خالصة نقية، يرجع أكبر الفضل فيه إلى تعلق أفرادها بأهداب الحرية وتفانيهم في الذود عن حياضها وإن هاته الحرية التي لازمت ابن الصحراء في جاهليته ملازمة الشمس لسمائه لم يكن الإسلام - وهو الدين الذي أعلن الحقوق الإنسانية وأقرها كاملة غير منقوصة - ليهدرها في العربي ويسلبه أقدس نعمة أنعم الله بها على عباده. أجل، لقد أظل الإسلام الحرية بجناحه وأقامها على أساس من الحكمة والاعتدال. فلم يفقد العربي في كنف الإسلام ذلك المحبوب الذي طالما شغفه حباً وهياماً، وإذاً فمن الطبيعي أن يكون العربي الذي يقسر على التنازل عن قسط من حريته لا يتنازل عنه إلا ريثما يسستجمع قواه لاسترداده وافراً غير مبتور.
من أجل ذلك حينما أحس أحرار العرب زراية الترك بهم واستبدادهم بحريتهم - ما عتموا أن ثاروا ثورتهم الكبرى غير متهيبين ما تتطلبه من ضحايا جسيمة، فأقدموا على ساحات الخطر أقدام الأبطال، واستطاعوا أن يغسلوا ما لحق أمتهم من وصمة العار والاستكانة للذل بما أراقوه من نفوس شريفة. وإذ ذاك أمكنهم أن يدقوا باب الحرية المحبوبة بيد مضرجة بدمائهم الزكية. واستطاعوا أن يسطروا بهاتيك الدماء الغالية. ((إن عربي اليوم هو ابن عربي الأمس لا يعنوا للذل ولا يرضخ للاستعباد)) لكن - والأسف يملأ ما بين الجوانح - لم تطل نشوة العرب بما أحرزوه من ظفر لحريتهم، ولم تدم غبطتهم بنعمة الاستقلال الذي أقاموه على أشلاء ضحاياهم وشهدائهم الأبرار. فما هي إلا أيام معدودات حتى فوجئت بعض شعوبهم بنكبة الاستعباد مرة أخرى، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله والعروبة وما ضعفوا وما استكانوا، بل أعلنوا حياة الجهاد والكفاح وعاهدوا الله والوطن المقدس ألاّ يرضوا من الحرية بديلاً، وهكذا رأينا البلاد العربية - ولما تجف بعد دماء شهدائها ولما تندمل كلومهم - تضرم نار الثورة من جديد وتشهد الإنسانية جمعاء بأن الشعوب العربية لن تقر الضيم ولن ترضى بالهوان، فثار العراقيون ثورتهم المجيدة وصمدوا للكفاح صمود الأشاوس وبرهنوا على أن في العراق شعباً لا يحني للحيف رأساً ولا يطأطىء للذل هاماً، وأعلنوا للعالم أجمع بأن على الرافدين:
أمة تنشىء الحياة وتبنى
كبناء الأبوة الأمجاد
ولم يكن أبناء سوريا وهم سلائل أولئك العرب الأحرار بأقل إباء للضيم ونضالاً في سبيل الاستقلال من إخوانهم العراقيين، وإن تكن الأقدار لم تهيىء لهم ما هيأت لإخوانهم أبناء العراق من نجاح وتوفيق. وإذا كانت الأحداث قد عصفت بالأماني العربية حين تنكرت لها فمزقتها شر ممزق، فإن القدر كان أرحم بها من أن يسلبها كل أمر في الحرية والاستقلال، فقد قيض للقسم الأكبر من جزيرتها عاهل العرب العظيم جلالة الملك عبد العزيز السعود. فنهض بهذا الأمر واضطلع بأعبائه واستطاع أن يكلأ معقل العروبة وأن يقف دون حماها وقوف الليث دون عرينه. بيد أنه مما يؤسف له أن هذا القسم من الجزيرة أيضاً لم يسلم من الفتن والقلاقل، إذ لا تكاد تمضي حقبة من الزمن إلا وتحدث في الجزيرة مأساة تقض مضجع كل عربي كريم وتذهب نفسه من جرائها حسرات. ولولا حكمة صقر العروبة وبطلها الكبير لاستعرت نيران الفتنة من كل جانب ولأودت بالبقية من عتاد العرب وذخرهم الثمين، فعسى الله أن يوفق ملوك العرب وزعماءهم الأمجاد لجمع شمل الشعوب العربية والإبقاء على تلك النفوس الكريمة، درع الأمة العربية وجناحها الذي به تنهض:
وهل ينهض البازي بغير جناحه
وإن قص يوماً ريشه فهو واقع
ولله در معاوية بن أبي سفيان إذ يقول: ((ألا إن دروع هذا الحي من قريش إخوانهم من العرب المتشابكة أرحامهم تشابك حلق الدروع التي إن ذهبت حلقة منها فرقت بين أربع. ولا تزال السيوف تكره مذاقة لحوم قريش ما بقيت درعها معها وشدت نطقها عليها، فإذا خلعتها من رقابها كانت للسيوف جزراً)). والآن وقد ألقينا نظرة سريعة على بعض مراحل جهاد العرب في سبيل حريتهم واستقلالهم - ننتقل إلى ذكر الهدف الأسمى الذي كان ينشده عقلاؤهم من كفاحهم ونضالهم والوسائل المؤدية إلى تحقيقه.
أما المثل الأعلى الذي هو مطمح كل عربي صادق في عروبته، فهو وحدة العرب الكاملة التي تنظم شمل الأمة العربية في جميع نواحيها وتحكم ما بين جماعاتها من وشائج الرحم وأواصر القرابة وروابط التعاون والاتحاد، حتى تصبح في مأمن من كيد الكائدين وأطماع الطامعين. وأما الوسائل المفضية إلى ذلك، فيمكن إجمالها في الأمور الآتية: (ومن دواعي الابتهاج العظيم أن بعضها قد تحقق بفضل الملوك العظام والزعماء المخلصين). وها هي ذي الأمور المنوه عنها:
1 ـ إبرام معاهدات تحالفية بين ملوك العرب وأمرائهم وأرباب السلطة والنفوذ فيهم.
2 ـ عقد اتفاقات تذلل بمقتضاها الحواجز الجمركية وتوطد العلاقات التجارية على قواعد تكفل تبادل المصالح وسهولة الانتفاع بها في كل بلاد عربية.
3 ـ تأسيس شركات اقتصادية تقوم باستثمار خيرات البلاد العربية واستنباط موارد الثروة فيها وإنشاء المشروعات العمرانية التعاونية.
4 ـ توحيد برامج التربية والتعليم إلى الحد الذي لا يتنافى مع حاجة كل قطر الطبيعية.
5 ـ نشر التأليف والروايات والصحف التي تبث في الأمة روح الوحدة والعزة والطموح والسيادة القومية.
6 ـ تنظيم الصلات وتوثيق الروابط بين الجمعيات والهيئات العلمية والأدبية.
7 ـ تنشيط تبادل الزيارات والرحلات بين هذه البلاد، ولا سيما رحلات القادة والمفكرين وطلاب العلم وفرق الكشافة.
8 ـ عقد مؤتمرات متداولة تمثل فيها جميع الأقطار العربية لمواصلة السعي في كل ما يهم العرب ورقي بلادهم وينهض بشؤونهم الاجتماعية.
9 ـ تنسيق معارض دورية تتعاقب في الأقطار لترويج حاصلاتها وترقية منتجاتها.
10 ـ توحيد المصالح الممكن توحيدها، كوسائل المواصلات والبريد وما إلى ذلك.
11 ـ تأسيس اتحادات عامة بين طوائف العمال تسعى لتنظيم جهودهم ورفع مستواهم الاقتصادي والأدبي في جميع البلاد العربية.
12 ـ تنظيم مكاتب في الداخل والخارج لترويج الدعاية للقومية العربية والثقافة العربية وكل ما هو عربي. وبدهي أن تحقيق هذه الوسائل يتطلب جهوداً كبيرة تساهم فيها جميع الهيئات والجماعات المحترمة، على أن واجب الزعماء والقادة وأصحاب رؤوس الأموال أعظم، والتبعة الملقاة على عاتقهم أكبر، فهم المالكون لأسباب قيادة هذه الحركة والقادرون على تسيير دفتها، فالأنظار إليهم متطلعة والآمال على مساعيهم معقودة. وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :549  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 78 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج