شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة عن العرب (1)
قال الدكتور عبد العزيز القوصي رئيس وفد مصر في المؤتمر الثقافي العربي المنعقد أخيراً في بغداد.. في كلمته التي ألقاها في حفلة افتتاح المؤتمر ما يلي:
".. نحن لا نريد أن نفخر بالماضي، ونعيش عليه فقط.. وإنما نريد أن نحول دراستنا للآثار والجغرافية والتاريخ إلى قوة ودعامة تدفعنا إلى الأمام!".
ثم مضى الدكتور القوصي يقول:
"إن كتبنا ومناهجنا مليئة بالألغام الثقافية.. ومليئة بالسموم الثقافية فما زلنا نتعلم أن والد العلوم الطبيعية هو "دالتون" وأن والد العلوم الرياضية هو "نيوتن" وأن والد علم الأحياء هو "دارون" وأن والد علم الوراثة هو "مندل". لقد آن أن نتعلم أن هؤلاء جميعاً "تتلمذوا" على علوم العرب.. وأن نعلم أولادنا فضل "الخوارزمي" على الرياضيات.. وفضل "ابن سينا" على الطب.. وفضل "الغزالي" و"ابن رشد" و "ابن خلدون" و"ابن الهيثم" وغيرهم.. إن هؤلاء وغيرهم من آلاف العلماء العرب قد شع فضلهم من بغداد ودمشق وشمال إفريقية وقرطبة وغرناطة إلى أواسط أوروبا.. ".
هذا ما يقوله الدكتور القوصي عن العرب.. وعن أستاذية العرب على العالم.. وأحسب أن قارئاً متعلماً لا يمكن أن يجهل من هو الدكتور القوصي، وما مكانه بين العلماء والمفكرين!
إنه أحد كبار رجال التربية والتعليم والثقافة في مصر.. فكل ما يقوله إذن له وزنه على هذا الاعتبار.
وفي الواقع أن ما يقوله الدكتور القوصي عن الألغام الثقافية والسموم الثقافية.. هو الحقيقة التي لا مراء فيها.. فما أكثر ما ملأ الدساسون والمغرضون من أعداء العروبة والإسلام كتب التعليم ومناهج التعليم بهذه الألغام وبهذه السموم!
إنه الاستعمار - أيها القارئ الكريم - ولا شيء غير الاستعمار!
هذا الاستعمار هو الذي ملأ هذه الكتب وهذه المناهج بتلك السموم وتلك الألغام..
هذا الاستعمار هو الذي عندما سيطر على أجهزة الحكم ردحاً من الزمن في أكثر من بلد عربي واحد أحال مناهجها التعليمية إلى هياكل عظمية ليس فيها أي روح، وليس فيها أية حياة..
ويا ليت الأمر مع الاستعمار قد وقف به عند هذه الناحية السلبية فحسب.. بل إنه زاد على ذلك أن ملأ هذه الهياكل العظيمة بشتى أنواع السموم!
ومن هنا.. ومن هنا فقط أمكن للاستعمار السياسي أن ينشئ له زميلاً آخر، لا يقل عنه شراً.. بل ربما يزيد.. وأعني به الاستعمار الثقافي.
ومن هنا.. ومن هنا فقط كان لا بد من أن ينحرف معظم الذين تلقوا علومهم في ظل تلك المناهج.. ومن هنا أتوماتيكياً كان لا بد من أن تكون السمات الغالبة على أكثر الناشئين هو الجهل الفاضح بحقيقة تاريخ العرب وحقيقة تاريخ الإسلام!
ومن هنا مع الأسف أصبحنا نجد أنفسنا أمام فوضى لا مثيل لها.. فوضى في الأخلاق، وفوضى في الأدب وفوضى في العلم وفوضى في التاريخ وأخيراً فوضى في جميع الآراء..
حتى أنك لتجد - والأسى والحزن يملأن قلبك - من يسمعك بصريح القول أن أولئك العرب المسلمين القدامى عند ما فتحوا أقطار الأرض في عصورهم الذهبية الأولى لينشروا فيها أنوار الإسلام، إنما كانوا غزاة مستعمرين..!
أجل.. ((مستعمرين)) هكذا تسمعها من أحد المستشرقين.. بل تسمعها من عربي مسلم، يعيش في بلاد عربية إسلامية!
والعجيب في الأمر أن يقولها دون أن يتردد أو يتلعثم.. حتى ليكاد يخامرك الشك في أن من يتلفظ بهذا الكلام أمامك إنما هو أحد المبشرين أو أحد المستشرقين، أو أحد أولئك الناقمين على العرب والمسلمين من بقايا الشعوبيين وأحفاد الصليبيين!
إنها ألغام الاستعمار وسموم الاستعمار.. هي السبب في تنشئة هذه العقليات الغربية!
وأنه لحق لا ريب فيه.. ما قاله المربي الكبير الدكتور القوصي في خطابه الذي أسلفنا الإشارة إليه من أنه قد آن لنا أن نعلم أولادنا فضل علماء العرب على مختلف العلوم، وبالتالي فضل العرب على الإنسانية والحضارة.. وما من شك في أن المادة الأولى في هذه الخطوة التعليمية الكبرى إنما تتركز قبل كل شيء وبعد كل شيء في إصلاح برامج التعليم (2) في العالم العربي كله من أساسها.. على شرط واحد هو أن نزيل - أولاً - تلك الألغام وتلك السموم!
فهل يمكن أن يتحقق هذا؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :562  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 75 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.