شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العلم والعلماء في ظل الإسلام (1) - 2 -
لقد كان لدعوة الإسلام إلى العلم وسياسة الرسول صلوات الله عليه - في بثه وإذاعته - أبلغ الأثر في إقبال المسلمين الأولين على العلم وإكبارهم لشأنه، وكان الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم - في طليعة العاملين على إشاعة المعرفة بين جمهور الأمة، فنصبوا أنفسهم لنشر العلم في أنديتهم ومجتمعاتهم، وأوصوا به قادتهم وأمراءهم وبالغوا في إيثار أهل العلم بأجل المناصب، وتكريمهم في المجالس والمحافل، فكان منهم بطانتهم ووزراؤهم وأهل شوراهم ونجواهم. وكان في مقدمة ما يعنى به الخليفة من أمر البلاد المشمولة براية الإسلام - بعث البعوث العلمية لتعليم الناس وتفقيههم في دينهم. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفارس المجلى في هذا المضمار، فقد ضرب للأمة الإسلامية أعلى الأمثلة في الحض على التعلم والتعليم، فكان في حياة الرسول عليه السلام يحرص الحرص كله على حضور مجالسه والاقتباس من هديه حتى إذا حالت بينه وبين تلك المجالس الكريمة بعض مهام الحياة ومعاناة أسباب المعاش - تناوب وجاراً له من الأنصار الاختلاف إلى دروس النبي العظيم، فينزل عمر يوماً لينهل من ذلك الينبوع الصافي النمير، فإذا عاد إلى منزله في بعض أرياض المدينة، أخبر صاحبه بما تلقاه في ذلك اليوم. وينزل صاحبه الأنصاري في اليوم الثاني فيصنع مثل صنيعه. أما حرص عمر على نشر العلم بين عامة المسلمين وصرامته في إلزامهم بتلقي مبادئه فإن له من سيرته شواهد ملؤها الطرافة والعبقرية. فمن ذلك أنه جعل في المدينة أشخاصاً يفحصون المارة، فمن وجدوه غير متعلم أخذوه إلى الكتّاب قسراً ومن ذلك أنه كان يبعث إلى أهل البوادي من يستقرئهم فمن لم يقرأ ضربه. ومن شواهد اهتمامه بشأن التعليم خطبته التي ألقاها في أحد المواسم وقد حشد إليه عماله من مختلف الأمصار؛ وخطب فيهم خطبته الزاخرة بأروع مثل العدالة والشفقة على الرعية والعناية بالمحافظة على حرية الأمة وكرامتها، وصيانة أموالها وحقوقها وهي التي يقول فيها: أيها الناس إني والله لم ابعث إليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم ولكن أبعثهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنة نبيكم. فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلي. فوالذي نفسي بيده لأقصنه منه. ولم تكن عناية الفاروق مقصورة على تعليم الدين وأصوله، بل كانت تستهدف ضروباً شتى من الثقافة قد يحسبها البعض من مبتكرات هذا العصر. وقد يعدها فريق آخر من ألوان الترف الثقافي؛ فقد كتب عمر إلى ولاة الأمصار يقول لهم: علموا أولادكم العوم والفروسية وما سار من المثل وما حسن من الشعر، وإذا تبادر إلى بعض الأذهان أن هذا اللون من الثقافة قصد به أبناء الولاة دون غيرهم، فإن أبلغ رد على هذا الرأي سيرة عمر المطبوعة بطابع العدالة والمساواة، فهو إذن لم يوجه هذه الدعوة إلى أبناء الولاة إلا لأنهم القدوة الذين يقتدي بهم الشعب وعلى نهجهم يسير.
ولا غرابة بعد هذا في أن نرى العناية بالعلم والتعليم فاشية بين جميع طبقات الأمة؛ لا يختص بها الأمراء، دون عامة الشعب ولا يستأثر بها الرجال دون النساء.
ولعلَّ بعض المفتونين بحضارة الغرب يظنون أن الدعوة إلى تعميم التعليم وجعله حقاً مشاعاً كالماء والهواء - إنما هي من محدثات هذا العصر عصر الحرية والنور كما يزعمون، ولذلك نراهم يكثرون من ترداد هذه الدعوى في إعجاب ومغالاة، ولكن الذين يمعنون النظر في تراث الثقافة الإسلامية يجدونه زاخراً بالمثل والشواهد الدالة على أن كثيراً من أعلام التاريخ الإسلامي قد هتفوا بهذه الدعوى وعملوا لها منذ مئات السنين بعد أن وضع أساسها إمام المربين وخلفاؤه الراشدون.
وسنذكر فيما يلي أمثلة من ذلك تنويهاً بفضل السلف الماجدين وإشادة بما أحرزوا في هذا المضمار من سبق وتقدم باهرين: فهذا الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يصور لنا شعور المسلمين بالحاجة إلى العلم وتقديرهم لخطره وأهميته في الحياة منذ مائة وألف سنة ونيف فيقول: الناس محتاجون إلى العلم قبل الخبز والماء، لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة والخبز والماء في اليوم مرة أو مرتين؛ وإذا كان علماء الأمة وقادة الرأي فيها يؤمنون بهذه الفكرة ويبثونها في مجالسهم وأنديتهم ويذيعونها على الشعب بشتى الطرق والأساليب، فليس غريباً أن تصدع الأمة بهذه الدعوة العظيمة تساهم جميع الطبقات في اقتباس العلم وإشاعته وتيسير سبله للأفراد كافة. وهذا الإمام الشافعي رضي عنه يضرب لنا أنبل الأمثلة على الشغف بالعلم والتفاني في إذاعته فيقول: وددت أن كل علم أعلمه يعلمه الناس؛ أوجر عليه ولا يحمدونني.
ولقد بلغ من حرص الناس على تحصيل العلم في عصور الإسلام الذهبية أن كان أحدهم ينفق جميع ما يملك في صدد هذا الطلب النبيل، فالإمام الشافعي أفلس ثلاث مرات في هذا السبيل، فكان يبيع قليله وكثيره حتى حلي ابنته وزوجته. والإمام أحمد يسأل عن رجل له خمسمائة درهم يصرفها في الغزو والجهاد أو يطلب العلم؟ يقول: إذا كان جاهلاً يطلب العلم أحب إلي فهو يفضل إنفاق تلك النقود في طلب العلم للجاهل على إنفاقها في الغزو والجهاد. وهذه أم ربيعة الرأي تنفق على تعليم ولدها ثلاثين ألف دينار وهو ما خلفه لها زوجها عندما أراد الخروج للغزو فلم يكن بدعاً أن تنجب تلك الأم الرشيدة عالماً جليلاً يكون شيخاً من أجل شيوخ الإمام مالك.
وتلك أم سفيان الثوري تضرب أروع الأمثلة للأمهات في ترغيب أبنائهن في طلب العلم وإيثارهم بصفوة كدهن في سبيل هذه الغاية السامية مع حسن التوجيه إلى ما يكفل للطالب الراغب النجاح والتفوق وذلك إذ تقول لأبنها: ((اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل في نفسك زيادة فابتغه وإلا فلا تتعنى)).
هذه طائفة يسيرة من آثار السلف الخالدة في الحض على التعليم والترغيب في شرف العلم سنعززها بطائفة أخرى من مواقفهم الرائعة في تنشيط حركة التعليم وتشجيع المتعلمين، وذلك موضوع مقالنا التالي إنشاء الله تعالى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :563  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 74 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

البهاء زهير

[شاعر حجازي: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج