شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دار الأرقم بن أبي الأرقم (1)
أول مدرسة في الإسلام
على الجانب الشرقي لهذا الوادي المبارك، الذي اختاره الله تعالى حمى لنبيه وموطناً لأكرم خلقه؛ ومهدا للدين الذي ارتضاه لهداية البشر، تقع دار الأرقم بن أبي الأرقم بالقرب من الصفا، يشرف عليها جبل أبي قبيس؛ القائم على ناحية هذا الوادي؛ كالحارس الأمين؛ يحرس هذه البقعة المقدسة؛ ويشيد بما لها من كرامة عريقة وعزة قعساء.
وصاحب هذه الدار - هو الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي؛ أحد السابقين الأولين إلى الإسلام؛ شهد بدراً وأحُدَاً وغيرهما من المشاهد العظام، واقطعه النبي صلى الله عليه وسلم داراً بالمدينة، وفيها توفي سنة خمس وخمسين من الهجرة!
دار الإسلام - أطلق هذا الاسم على دار الأرقم، إشارة إلى أنها حصن الإسلام الأول، ومعقل قادته السابقين، وإشادة بما لها من فضل في نصرة الدين وحماية دعوته، وإيواء أبطاله، فكان اسماً جديراً بماضي هذه الدار وأثرها في خدمة الإسلام.
دار الخيزران - ثم عرفت بدار الخيزران، وهو الاسم الذي تعرف به الآن. ويروي لنا التاريخ في سبب هذه التسمية أن أبا جعفر المنصور اشترى هذه الدار من ولد الأرقم بن أبي الأرقم، ومنحها ولده المهدي، ثم أعطاها المهدي للخيزران أم ولديه الهادي والرشيد.
وعلى باب هذه الدار الآن حجارة نقشت عليها عبارة تشوبها العجمة، تشير إلى أن هذه الدار دخلت في حوزة شيخ الإسلام السيد فيض الله بن السيد محمد حبيب المقني سنة ثلاث عشرة ومائة بعد الألف (1113هـ) من الهجرة.
صفة الدار
ـ تتألف هذه الدار من رواقين وفناء وحجرة داخلية، الرواق الغربي وهو مستطيل الشكل، يتوسطه محراب في قبلته، وتعلوه قبة مستديرة وأمامه فناء مستطيل، وإلى الشرق من هذا الفناء، رواق ذو سقف مجصص، تقرب مساحته من مساحة الرواق الغربي، وفي الجهة الشرقية من هذا الرواق باب يفضي إلى صفة مسقوفة أمامها أرض مكشوفة مرتفعة قليلاً، تدل أعالي (جدرانها) على قبة كانت معقودة فوقها.
هذا وصف مجمل للدار التي كان يقيم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته الأولين يلقنهم أصول الدين، ويثقفهم بتعاليمه، ويؤدبهم بآدابه السامية.
أقام النبي صلى الله عليه وسلم مع صحبه الأبرار في هذه الدار إلى أن تكامل عددهم أربعين، كان آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان حدث إسلامه يوماً مشهوداً في تاريخ هذه الدار، كبر له المسلمون تكبيرة هزت أصداؤها أرجاء مكة، وماجت لها أندية قريش، وخرج الرسول على أثرها بين صفين من أصحابه في أحدهما عمر وفي الآخر حمزة، حتى دخل المسجد في ذلك الموكب المهيب فكان ذلك مبدأ عزة المسلمين، وطليعة نصرهم على المشركين.
إن داراً هذا مجمل وصفها، وذلك بعض أثرها في خدمة الإسلام، لهي سجل حافل بأعظم الذكريات وأمجدها، سجل ينطوي على أبلغ صفحات التفاني في سبيل العقيدة، وأروع أمثلة الشجاعة والبطولة في الدعوة إلى الحق وإعلاء كلمته. في هذه الدار هبط الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بأعظم رسالة هبطت من السماء فاستضاء بها ذلك القلب الكبير، وأضاء بذلك النور القدسي قلوباً أضحت مصابيح هداية للعالمين.
من هذه الدار انبعث أول شعاع غمر العالم بأنواره الساطعة فبدد ظلماته المطبقة ثم أبدله بحياة الشقاء والعبودية، حياة الحرية والسلام.
وفي هذه الدار نَشَّأَ محمد صلى الله عليه وسلم الرعيل الأول من أصحابه، وأعدهم لإنقاذ البشر من جحيم الجهالة والضلال، وهدايتهم إلى فراديس السعادة والطمأنينة.
ليس بدعاً بعد هذا أن تعتبر هذه الدار أول مدرسة في الإسلام، فهي أول دار أذاعت دعوة الإسلام ومبادئه، وفيها تخرج أعظم قادته وأبطاله. وناهيك بمدرسة من رجالها الخلفاء الراشدون، والقواد الفاتحون، والحكام العبقريون، الألى رفعوا راية الإسلام في الخافقين، وثلّوا عروش كسرى وقيصر، وشادوا على أنقاضهما حكماً ما رأى العالم أعدل ولا أرحم منه، وحضارة لا تزال آثارها ناطقة بفضل العرب المسلمين، تشهد لهم بسمو الفكر، وبعد الهمة، وقوة الإبداع.
فما أحرانا إذاً أن نستلهم صفحات هذه الدار المطوية أسمى آيات الجهاد في سبيل الحق والعقيدة، وما أجدرنا أن نتخذ من تاريخها حافزاً لنا على استعادة مجدنا الغابر وعزتنا التالدة.
إن أربعين مسلماً خرجتهم هذه الدار بعد أن نشَّأهم محمد صلى الله عليه وسلم على الحنيفية السمحة، استطاعوا أن يغيروا معالم الدنيا، وأن يخطوا على صفحتها عالماً جديداً حفيلاً بالخير والفضيلة والسلام، يدين بدين الإسلام، دين الأخوة والمدنية والعمران، ويتخاطب بلغة القرآن، لغة العلم والأدب والبيان، وينشىء حضارة من أرقى الحضارات وأبعدها أثراً في سعادة الإنسان.
إن أربعين رجلاً استطاعوا أن يضعوا أساس أعظم انقلاب في تاريخ العالم بفضل العقيدة التي اعتنقوها، والروح التي بثها فيهم المرشد الأعظم صلى الله عليه وسلم، لخير قدوة لنا معاشر المسلمين فيما نستهدفه من نهوض وإصلاح، فلو صدقت منا العزائم، وتجردت في كل قطر طائفة لنصرة هذا الدين بإخلاص وبصيرة وعملت بهدي من عقائده الصحيحة وأحكامه الرشيدة، واقتدت بهذا السلف الصالح، لاستطاع المسلمون أن يستردوا غابر مجدهم وسالف عزتهم، ولأصبحوا سادة الدنيا وقادة العالم فيما ينشده من خير وتقدم، ولحققوا قول الله تعالى فيهم: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (آل عمران: 110).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :537  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.