شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ترجمة حياة السيد أمين مدني
ولد السيد أمين في ذي الحجة سنة 1328هـ بالمدينة المنورة في حياة والده السيد عبد الله مدني وفي مساء يوم ولادته بعثه لدى أظهاره من قبيلة عوف المروحية فأتم رضاعته فيهم وتوفي والده بعد شهرين من ولادته وبعد السابعة جيىء له بأستاذ خصوصي في البيت يعلمه مبادىء القراءة والكتابة، ثم دخل المدرسة الابتدائية الأميرية واستمر فيها حتى نال الشهادة ثم أخذ يحضر دروس الشيخ محمد الطيب الأنصاري بالحرم الشريف وتخرج عليه ثم عيّن مساعداً لسكرتير مجلس الإدارة وسكرتير اللجنة مطالبة أوقاف الحرمين ثم أنتخب مديراً لجريدة المدينة ثم سافر لمكة المكرمة وتعين مفتشاً بوزارة المالية بواسطة الشيخ محمد سرور الصبان ثم سكرتيراً لديوان التفتيش ثم عاد للمدينة وتعيّن رئيساً للبلدية ثم استقال منها وقد انتخب عضواً في عدة وفود رسمية نيابة عن المدينة، وله من المؤلفات كتاب (العرب في أحقاب التاريخ). انتهى ما كتبه عنه الأستاذ عبد القدوس الأنصاري في المنهل. أما صلتي بالسيد أمين ومعرفتي به فترجع من سنة 1344هـ لما رجعت من الهند وتعينت مدرساً بمدرسة العلوم الشرعية وكان السيد أمين يتلقى بعض الدروس العربية في المدرسة وأذكر أنه قرأ عليّ شيئاً من علم البلاغة واستقلت من المدرسة المذكورة لقلة مرتبها وتوظفت معلماً أولَ بالمدرسة الأميرية الابتدائية فوجدت السيد أمين منتظماً في الصف الرابع وكنت بدوري أدرس الجغرافيا والتاريخ والمحفوظات فتشرفت به تلميذاً ضمن تلامذة الفصل المذكور. وبناء للأزمة الاقتصادية التي حلت بالمملكة يومئذ فقد استئجزت من المعارف لمدة شهر وسافرت لمكة المكرمة سنة 1350هـ على أن أسافر للهند فرغّبني ـ السيد أحمد العربي أن أكون منتدباً ومراسلاً لجريدة صوت الحجاز التي أنشأها الشيخ يوسف نصيف مكان رئيس التحرير هو السيد حسن فقي الأديب الممتاز فقبلت. وكان السفر محظوراً على الحجازيين فتوسط لي المرحوم الشيخ محمد سرور الصبان لدى عبد الله السليمان بالسفر مع هيئة اللاسلكي الذاهبة للرياض وغيرها، وكان رئيس الهيئة أحد أصدقائي يحيى زارع فركبت مع الهيئة ووصلنا الرياض بعد المشقة حيث لم يكن الطريق مرصوفاً، وبعد وصولنا للرياض زرت مع الهيئة المغفور له الملك عبد العزيز وكنت عملت في الليل قصيدة قصيرة نسيتها وأذكر مطلعها وكانت مع قصرها جيدة.
مليك العرب دم وانعم صباحا
فسعدك في سما الإقبال لاحَا
وحسبك ما اعتصمت به ملاذا
كتاب الله والسنن الصحاحا
فسرَّ جلالته ونفحني بمائة ريال خاصة أنه علم بأني منتدب عن جريدة صوت الحجاز.
وفي اليوم الثاني سافرت مع باقي الهيئة إلى الإجارة وكان بها محمد الطويل مدير جمارك الأمناء، فلما علم بانتدابي عن الجريدة استضافني بمكتبه ثم سافرت معه إلى البحرين ومنها سافرت للكويت فكتب لها بالمعتمد السعودي بتعجيل سفري فنزلت عنده وأعطاني جواز السفر فسافرت في مركب للبصرة ومنها لبغداد واتصلت بالشيخ يوسف خشيرم أحد معتمدي الملك فيصل ابن الحسين وكان يتصل بالملك دائماً فأخبره بمقدمي كمنتدب جريدة ورغّبني الشيخ يوسف بزيارة الملِك فقلت كيف يتسنى لي زيارته فقال أنا أرتبها لك وصحبني في اليوم الثاني إلى البلاط الملكي وأجلسني مع بعض الضيوف وأفهمني أن لا أطيل الجلوس أكثر من خمس دقائق فدخلت على الملك وكان واقفاً فأمرني بالجلوس /وسألني عن أحوال المدينة وبعض من كان يعرفهم من الأعيان فأفدته بما أعلم عنهم ثم قام فعلمت بانتهاء الزيارة وخرجت فأخبرني الشيخ يوسف بأن الملك يخشى على شاب مثلي وصدف أن سافر في اليوم الثاني إلى مصيفه ببلدة (بنجوين بشمال العراق فاستأذنت بدوري من الشيخ يوسف وكان الحر شديداً في بغداد فطلبت أن أبقى لأحصل على المنحة التي كان الملك يمنحها لمن يزوره من الحجازيين وسافرت من بغداد لدمشق وهناك نزلت بفندق متواضع واتصلت بالمرحوم السيد محمود الحمصي مدير المدرسة فأمضيت الصيف بدمشق ورجعت للمدينة، وكان السيد سافر مع ابن عمه السيد جعفر والسيد ماجد مدني للهند للعلاج فذهبوا لحيدر آباد واتصلوا برئيس الصحة العامة الدكتور خواجه معين الدين فأسعفهم بعلاجات شافية ورجعوا بعد أشهر وتعرفوا بأعيان حيدر آباد ورجعت بدوري للمدينة وتوظفت بمعمل النسيج محاسباً وكان يديره ابن السيد زين العابدين مدني رئيس لجنة العين، فبقيت معه كمحاسب مدة سنة ثم استقال من العمل وتعين رئيساً للجنة العين لوفاة والده المذكور فتعين لإدارة المعمل السيد أمين بإيعاز من الخواجه معين الدين فتولى الإدارة وكنت توظفت محامياً لمالية المدينة وذلك فقط بالحضور في جلسة نيابة عن المالية في الدعاوى التي يَدّعي أصحاب الدور الذين تخلوا عنها أيام سفرهم لدمشق واستولت عليها المالية خوفاً من أن يضع أحد يدهم عليها وذلك حفظاً لأموال الغيب وكنت كثيراً ما أتغيب فلم يعتب عليّ السيد أمين بل كان يحترمني وبعد أن عمل مدة استقال من العمل وأسندت إليّ الإدارة بعد استقالته وبقيت أديره حتى استقلت منه بعد استيلاء حكومة الهند على حيدر آباد وعندئذ توقف ما كان يبعثه مجلس إدارة المعمل بحيدر آباد. وفي تلك الأثناء، توفي الدكتور خواجه معين الدين نقلت استقالتي هنا وهناك كانت صلة ملموسة بيني وبين السيد عبيد مدني شقيق السيد أمين فقد كنت زاملته بالمدرسة التحضيرية الفيصلية أيام رجوعه إلى المدينة من الشام سنة 1337 فدخلت المدرسة المذكورة ووجدت السيد عبيد في أول رحلة الصف فانتظمت معه حتى نلت وإياه الشهادة التحضيرية ثم خرج هو وبقي يدرس في البيت وفي الحرم وخاصة على الشيخ محمد العمري في فنون الشعر والأدب حتى أصبح شاعراً مرموقاً ومؤرخاً للمدينة وقد كنت دائم الاتصال به وكثيراً ما كنت أتغدى معه في بيتهم بالسوق الذي كان مشهوراً ببيت المفتي وكان لوالده مكتبة في البيت بها كثير من كتب التاريخ والقصص فكنت أستعير كتب القصص ثم أردها وكان بيت والده المرحوم السيد عبد الله مثابة للوارد والصادر من الزوار والحجاج الحجازيين وكان خوانه ممدوداً كل يوم وقد أخبرني من أثق به أن كثيراً ما يناول بعض جلسائه ممن يعرفهم من ذوي الحاجة بجنيهات ذهبية صار البعض يأخذ حق نشوقهم فيضع جنهين أو ثلاث، وهو الذي بنى الفندق المشهور يومئذ بفندق المدني وأسماه دار السلام فكان ينزل فيه من أعيان الحجاج وقد نزل فيه بعد وفاته أنور باشا ـ وجمال باشا السفاح وطلعت باشا، أذكر ذلك لأن بيتنا كان مجاوراً للفندق، ولما نشبت الحرب العامة سنة 1334هـ وأجلى فخري باشا أهل المدينة لدمشق استولى عليه فخري باشا وجعله مستشفى عسكرياً، وبعد رجوع أهل المدينة من دمشق وغيرها تولاه السيد عبيد وكان يؤجر بعض غرفه بأجر ضئيل وكان يأتي كل مساء فيجلس في حديقته الخارجية وكنت أزوره هناك حتى اتفق لإخوانه لبيعه بإشارة صديق الطرفين السيد ولي الدين أسعد فباعاه لابن لادن وتقاسما الثمن واشترى كل واحد منهما داراً بمصر فكان يذهبان كل سنة للاصطياف إلى القاهرة وكنت بدوري بمصر وكنت أزور المرحوم في الشقة التي استأجرها القريبة من النيل لأن العمارة التي اشتراها كانت بعيدة وكان يحب أن يكون متصلاً بأصحابه وخاصة ابن عمه السيد محمد مدني الذي كان مقيماً بمصر والسيد ولي الدين أسعد وابن عمه الدكتور عمر وعلي أسعد ولما قام عبد الناصر بنشر الاشتراكية ـ وتوقف رواتب الموظفين السعوديين ومنهم الداعي حيث كنت أقمت مع أولادي بعد إحالتي للتقاعد من محاماة المالية فاضطررت للرجوع ورجع السيد عبيد والسيد أمين وأنابا عنهما السيد ولي الدين لتأجير العمارتين وبعث أجرتهما، وقد اجتمعت بالأخوين في الحفل الذي أقامته بكلية الآداب بجدة للأدباء القدامى بالمملكة فكان الداعي مدعواً بصفته من الأدباء القدماء وألقيت المحاضرة عن الشاعر أحمد شوقي وألقى السيد عبيد رحمه الله محاضرة بالمثل، ورجعت قبل إتمام الحفل المذكور للمدينة حيث كنت مريضاً بالقرحة وقبل عامين على ما أظن احتفل النادي الأدبي بالمدينة لإقامة حفلة التكريم للسيد عبيد وغيره من الأدباء وكان الحفل أشبه بحفلة تمثيلية ثم بعد أن شفيت من مرضي ذهبت للسيد عبيد في دارته بطريق سلطانه فتلقاني بالتكريم والترحاب وعلمت منه أنه ملازم للدار في مكتبته الحافلة بالكتب القيمة، وقال إنه أوكل أعماله لابنه الأكبر السيد عدنان مدني، فسألته عن تاريخ المدينة التي نوهت مجلة المنهل والحفيد الأستاذ عبد القدوس بنشر مقال عنه فقال لي إن شاء الله سيطبع عما قريب فودعته وانصرفت شاكراً، ولما ذهبت لمصر علمت أنه جاء للاصطياف بدوره وكنت أحب أن أزوره فلم أعلم بمكانه وكان الشهر شهر رمضان فرجعت للمدينة فسمعت بوفاته بمصر وسيؤتى به للمدينة لدفنه فيها فاتصلت بالأستاذ عبد القدوس وعلمت منه أنه قدم من مصر أيضاً للاشتراك في تأبينه وتعزيته وقد كتبت مقالاً بدوري بعنوان:
وما كان زيداً هلَك هلك واحد
ولكنه بنيان قوى تهدما
ونشر المقال بالمنهل فكان ذلك بعض ما يجب عليّ من وفاء صديق لصديقه بعد وفاته رحمه الله رحمة واسعة وأفاض عليه من سحائب رحمته ورضوانه وفي هذه الليلة المباركة من النصف من شهر شعبان يقيم رئيس النادي الأدبي سعادة عبد العزيز الربيع هذه الحفلة لتكريم العالم الفاضل السيد أمين مدني وأنا بصفتي عضواً أفخر بها بهذا النادي أقدم شكري للأستاذ الربيع.
ولم أكن أعرف من قبل أن السيد أمين شاعر بحق إلا بعد أن قرأت مقاله المنشور في المنهل أبّن فيه أخاه المرحوم السيد عبيد وأضيف إلى ترجمة حياة السيد أمين: القصيدة التي نشرت بالمنهل 17/11/1396هـ.
قدر طوى صنوي فصرت وحيداً
وغدا الشقيق رؤى يلوح بعيدا
ما كنت أحسب عندما ودعته
أني أودع هالكاً مفقودا
فكأنه رفض الترحل صحبة
للموت يبقى زاهداً موعودا
نزل القضاء به ففرق بيننا
يا ليته حَيّ وكنت فقيدا
يا من تقحم في الحياة كؤودها
قد كنت تعبر شاهقاً وصعيدا
قاسيت أمراضاً لأمت جراحها
أنّى تكون بعثرة موؤداَ
الموت قناص ونحن فريسة
يصطاد منا واهناً وجليدَا
كم كنت أرجو أن تكون مؤبني
يا شاعراً نظمَ الدموع عقودَا
شاطرتني حلو الحياة ومرّها
فلكم وقفت بجانبي صنديدا
كنا معاً نسعى لنيل مطامع
سهلاً نكون وتارة جلمودَا
قطعت بنا الأيامُ شرخ شبابنا
والجهدُ يأبى أن يكون قعيدا
والمجد صعب والمسالك وعرة
والنفس جانحة تريد مزيدا
أوقفت عمرك جامعاً تاريخها
نصاً يكون فريدا
والبحث مضنٍ والحقائق غمة
تحتاج تحقيقاً يكون وئيدا
والعمر محدود يضيق نطاقه
مما تهم به النفوس صعودا
ونهضت تدعو للجديد مطوِّرَا
أدب المدينة نثره وقصيدا
ونظمت للتاريخ شعراً رائعاً
يومي بما فعل الزمان نشيدَا
حمل الفجيعة باكياً متأوهاً
مات المغرد صوته تنهيدا
ينعي عبيداً في قلوب أحبةِ
سعدوا به وبهم يظل سعيدا
أبشرْعبيد بجنة ونعيمها
طوبى لمن نزل الجهاد شهيدا
وآمل أن يتحفنا السيد أمين بأجود قصائده لإضافته لتاريخ حياته الحافل بالعلم والتأليف، وقد أنجب السيد أمين ابنه النبيل السيد أياد مدني وكثيراً ما قرأت له بجريدة المدينة مقالاً في السياسة الدولية فأعجبت بها ولا غرو فالشبل من ذاك الأسد اقر الله ـ عين والده وقد قيل في المثل (ابن النجيب لا ينجب وإن أنجب أعجب). وهنا انتهى بنا مجال الكلام في الحلقة البيانية ـ لهذا وإني أعرف الكثير من تاريخ السادة المدانية قد لا يعرف بعض السيد أمين فقد استفتينا من صديقي ابن عمه السيد جعفر مدني رعاه الله الذي كان يقص علي من أخبار جده السيد محمد مدني الذي تولى نيابة القضاء وأرني إعلام حكم صادر من جدة بخط الشيخ الجميل وغير ذلك من الأخبار فقد كان يودني ويكرمني من رحمه الله رحمة واسعة وأفاض عليه من شآبيب رحمته ورضوانه ـ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1903  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 73 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج