شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بُنَاةُ الْعِلم
السيد أحمد الفيض آبادي
ايه يا أحمد الخصال فإنا
قد عهدناك زاهداً وتقيا
إن مهد العلوم في ركن طه
سوف يبقى على الزمان نديا
ليسمح لي الصديق الفاضل الأستاذ عبد القدوس الأنصاري أن أستعير عنوان هذا المقال من رسالته (بناة العلم) والصديق لم يترك مجالاً لمزيد في مناقب المترجم، بيد أني حاولت في مقالي هذا ذكر بعض النواحي التي لمستها من الراحل بمناسبة مرور ثلاثين سنة ونيف على وفاته تغمده الله بشآبيب رحمته ورضوانه، وها أنا أذكر نبذة مختصرة من ترجمة آله الكرام. إن السيد حبيب الله أو (الشاه حبيب الله) كما يلقبون السادة بالهند نشأ في بلدة (تانده) من أعمال فيض آباد شرقي الهند وكان مشهوراً بالتقوى والصلاح متمسكاً بأهداب الدين مبغضاً للاستعمار الإنكليزي، فعوّل على الهجرة مع أهله وأولاده فباع أرضه وعقاره وتوجه للحرمين عام 1316هـ، وبعد فراغه من الحج جاء مع أولاده الخمسة: (صديق أحمد) و ((حسين أحمد)) و (سيد أحمد) (1) و (جميل أحمد) و (محمود أحمد) إلى المدينة المنورة موطن آبائه وأجداده وأول ما عمل أن ترك تبعيته الإنكليزية والسلك في تبعية الدولة العثمانية فاشترى قطعة أرض بنى عليها داراً للسكن وداراً ثانية أشبه بمدرسة واصطحب معه مكتبة قيمة تشتمل على العلوم العربية وكتب التفسير والحديث والفقه على أن تدرس للطلبة في تلك الدار بوساطة ولديه الكبيرين السيد صديق أحمد والسيد حسين أحمد (2) على أن يلحق بهما العلامة محمود الحسن شيخ الهند ويجاور بالمدينة ولكن لم يكن بالإمكان فتح مدرسة بدون استئذان من الحكومة المحلية والسلطات الحكومية في المدينة لم تكن لتوافق على مثل هذه المشروعات العلمية، فأشار الوالد على ولديه الكبيرين (صديق أحمد وحسين) بالتدريس في الحرم النبوي مجاناً بدون مقابل فقام السيدان حسب رغبة والدهما بالتدريس في الحرم النبوي صباح مساء، ومرت السنون سراعاً توفي بعدها السيد صديق أحمد تاركاً ابنه الوحيد (وحيد أحمد) وتوسعت حلقة دروس السيد حسين أحمد من سكان المدينة والمهاجرين من أتراك وهنود ومغاربة قازانية وتعددت الدروس إلى عشرة فأكثر. درس فيها كتب الفقه والتفسير والحديث والعلوم العربية، وإني لأذكر وأنا صغير لا أتجاوز السابعة، حلقة دروسه كما اذكر والدهم السيد حبيب الله نفسه فقد كان ربعة القوام اقرب إلى القصر أسمر الوجه بلحية خفيفة وعيون نفاذة وعمامة بيضاء يتوكا على عصا وكان صديقاً لجدي لأمي يزورنا الفينة بعد الفينة ويصف لمرضانا العلاج المناسب.
كان يتعاطى الطب اليوناني خاصة لأهله وأصدقائه، وكان السيد أحمد يعاونه (3) في شؤون البيت ويعمل ناسخاً لبعض الكتب النادرة أما الأخوان الصغيران جميل أحمد ومحمود أحمد فأدخلا في المدارس التركية وأنتدب جميل أحمد كطالب مبتعث إلى (استانبول) مع بعض طلاب من المدينة وكان ذكياً فطناً فأصيب بداء اضطره للرجوع إلى المدينة فقضى نحبه رحمة الله عليه. وأما السيد محمود فقد تخرج من المدرسة الإعدادية وتوظف كاتباً بالمحكمة الشرعية بالمدينة وجاءت الحرب العظمى عام 1914م وقام الشريف الحسين بن علي بثورته على الترك وأطلق أول رصاصة من قصره بالغزة إيذاناً بالثورة في شعبان عام 1334هـ وفي هذه السنة كان شيخ الهند محمود الحسن وتلميذه البار السيد حسين أحمد في بلدة الطائف فقبض عليهما باعتبارهما أسيرين من مؤيدي دولة الخلافة وسلما إلى القنصل البريطاني بجدة فلم يكن منه إلا أن أركبهما على إحدى البواخر الإنكليزية وسجنا في جزيرة (مالطة).
والسيد حبيب الله وأبناه السيد أحمد والسيد محمود أحمد أجليا من قبل السلطات التركية إلى (الروملي) مع الفوج الثاني الذي أجلاهم الحاكم العسكري (فخري باشا) (4) من أهل المدينة المنورة وذلك أنه بعد ورود الخبر بثورة الشريف الحسين أخذ الباشا بإجلاء كل من وقعت عليهم الشبهة فاختلط فيهم الحابل بالنابل ورمى أهالي المدينة بعضهم بعضاً، ثم صدر الآمر بإجلاء سكان المدينة جميعهم إلى سورية والأناضول لقلة وجود الأرزاق فخلت المدينة من أهلها ولم يبق فيها إلا بضع مائة ليس غير، وكانوا يعدون في الإحصاء بثمانين أو سبعين ألفاً ولم يرجع بعد الحرب إلا ربعهم فقط كان في جملتهم الأخوان: السيد أحمد والسيد محمود أحمد فرجعا عام 1338 (5) وعين مولاي السيد محمود أحمد رئيساً لكتاب المحكمة الشرعية بالمدينة المنورة واشتغل السيد أحمد وكيلاً لبيت الدهلوية بمكة ترد إليه حوالات الحجاج وكانت تأتي بعض الصدقات على يده لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين فأخذت تراوده فكرة والده لإنشاء مدرسة دينية بالمدينة فبدأ يتعرف على الطلبة المتفوقين والطلبة الأيتام وكان كاتب المقال من المتفوقين بمدارس الحكومة يومئذ فكان يختبرنا أنا وابني الخالة عبد الحميد ومحمد عنبر ومحمد كشميري وعبد القيوم صقر ويمنحنا منحا سخية تزيد من اجتهادنا في الدروس، كما كان يحبب لنا طلب العلوم العالية في خارج المدينة واستضافني المرحوم في شهر رمضان عام 1341 وصليت التراويح طوال الشهر في تلك الليالي حتى السحور، وكنت أختم القرآن في ثلاثة أيام، فعرضت عليه فكرة السفر إلى الهند فساعدني، سافرت في شوال من العام المذكور، قاصداً الحج أولاً ثم السفر إلى جدة وكان رحمه الله قد أعد العدة لفتح المدرسة التي كان ينوي فتحها، اشترى داراً قديمة شرقي المسجد النبوي على أن يبنيها فيما بعد على الطراز الحديث وبدأ بإلقاء الدروس في صحن تلك الدار وعين للمدرسة مجلس إدارة من المرحوم العلامة الشيخ محمد الطيب الأنصاري والمرحوم إسماعيل أفندي حفظي رئيس ديوان الإمارة يومئذ والسيد محيي الدين تورة البخاري والسيد محمود أحمد، وما علم بافتتاح تلك المدرسة مدير المعارف (الشيخ عبد القادر الشلبي) حتى استحصل أمراً بغلقها حتى يؤذن لها من جانب الملك حسين فانتقل المرحوم إلى الحرم النبوي يدرس فيه مع ثلة من تلاميذه وبعد أن استوثق الحكام بأن المدرسة ستكون مدرسة دينية لا تخدم مصلحة أي حكومة أذن له بفتحها فشرع في هدم البناية القديمة وبناء مدرسة بالأحجار المنحوتة على أحسن طراز وجعل منهاج الدروس ثلاثة أقسام (قسم ابتدائي) و (قسم حفظ القرآن) وشعبة للعلوم الدينية واسمي المدرسة (مدرسة العلوم الشرعية ليتامى بلدة خير البرية) وتطوع الشيخ محمد الطيب الأنصاري مع تلاميذه للتدريس في هذه المدرسة ومعه تلميذاه اللامعان عبد القدوس الأنصاري ومحمد عبد الله وغيرها وبعدما رجعت أنا وزميلي الشيخ عبد الكريم البخاري عيننا المرحوم مدرسين للعلوم العربية وسارت الدروس على أحسن وجه وناهيك بدروس الشيخ محمد الطيب الأنصاري فانهال الطلاب على دروسه وقد أخرجت المدرسة إعداداً طيبة من حفظة القرآن ورجال علم وأدب مرموقين يشار إليهم بالبنان منهم الوزير الشيخ محمد عمر توفيق ورئيس المحكمة الكبرى المساعد الشيخ عبد المجيد حسن ورئيس محكمة جدة الشيخ محمد الحركان وعضو محكمة المدينة الشيخ محمد الحافظ وشيخ الصحافة ورائد الأدب الأول عبد القدوس الأنصاري وعضو مجلس الشورى عبد الحميد عنبر والأخوان مساعد وعبد الرحمن السديري والمدير العام لمدرسة العلوم الشرعية سعادة السيد حبيب محمود (6) وغيرهم (7) وإسناد إدارة المدرسة الثانوية السيد أحمد بشناق إلى خير خلف السيد حبيب مشت المدرسة سنين عدة على النمط الذي رسمه منشؤها المرحوم ثم بدأت شعبة العلوم تنكمش بافتتاح كثير من المعاهد وأخذ الطلاب يتوجهون إليها، غير أن القسم الابتدائي نظم بدقة وعناية وفق منهج وزارة المعارف، ثم قل إقبال الطلبة على حفظ القرآن وأصبح المسؤولون في إدارة المدرسة يبذلون جهودهم لإنجاح التلامذة في الشهادة الابتدائية، ونحن اليوم إذا أعدنا ذكر بانيها ومؤسسها المرحوم نرى لزاماً علينا أن نرجع لتنفيذ فكرته وفكرة والده بنشر العلوم الدينية. فهل لنا أن نأمل ونلتمس من خليفته سعادة السيد حبيب وعلى رأسه والده الوقور مولانا السيد محمود أحمد إيجاد كلية شرعية (8) ولو كان بادىء ذي بدء كلية متوسطة يقبل فيها الطالب من القسم الإعدادي؟
إني باعتباري أحد المدرسين القدامى أتوسل بالأفاضل من متخرجي المدرسة الذين ذكرتهم وأرجو بحرارة أن تتقبل هذه الفكرة وتنفذ في السنة الدراسية الجديدة وإني اقتطع من قصيدة في رثاء السيد أحمد الفيض آبادي يوم تأبينه.
مولاي أحمد قد أفضت (مناهلا)
من (فيض) سحك طيلة (ألآباد)
سيدوم فضلك جارياً في (معهد)
أسستَه بالعلم للأحفاد
سيكون (جامعة) تضم (معاهداً)
شتى لنا ومثابة للضاد
واحتفظ بالوثيقة التقديرية التي منحنيها المرحوم بتوقيعه (9) رحمة الله عليه وجعل الجنة مثواه آمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :783  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج