شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأخلاق
ـ 3 ـ
الباعث على العمل
معنى الباعث أي الدافع للعمل ويستعمل هذا الباعث في معنيين فيما يدفعنا للعمل أو للغاية التي تجذبنا إليه، ومثال ذلك كالمعلم الذي يضرب التلميذ للغضب في المعنى الأول وتأديب في المعنى الثاني. والذي يوجب بحثنا هو المعنى الثاني أي الباعث النائي من العمل، ثم إن اللذة التي تصحب العمل هي المقصود منها اللذة الشخصية وهي ما يعبر عنها بالأثرة أو لذة الناس ومنفعتهم وهي ما يعبر عنها بالإيثار. فهناك خلاف بين علماء النفس وعلماء الأخلاق والذي ذهب إليه الأكثر هو أن الإنسان قد يبعثه على العمل تحصيل لذته وخيره أو نفع الناس وخيرهم، فهو بطبيعته أثر مؤثر قد يبعثه على العمل هذا تارة وذاك أخرى وعمل الأخلاق تهذيب الناحيتين فكلاهما إذا بولغ فيه ضاع المقصود منه. وفي الحديث الشريف عن ابن عمر رضي الله عنه: إن لنفسك عليك حقاً وإن لربك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه وقديماً وضعت المبادىء الأخلاقية لمحاربة الأثرة والحض على الإيثار وبه جاءت الشرائع السماوية وعنها ندبت الشفقة والرحمة وفرضت زكاة المال وفي الحديث الشريف: أحبَّ لأخيك ما تحب لنفسك.
الخلق
والخلق: اعتياد الإنسان عمل شيء ما ويسمى خلقاً أو تغلب ميل من الميول النفسية على حسب الاستمرار، فالكريم من يغلب عليه ميل العطاء كلما وجد الباعث إليه، والبخيل من يغلب عليه ميل المنع مع وجود باعث العطاء، وبذلك لا يكون الرجل كريماً ما لم يتغلب عليه ميل الكريم باستمرار؛ أما الذي يميل إلى العطاء مرة والشح أخرى مع وجود الداعي إليه، فلا يعد كريماً ولا بخيلاً وليس له خلق ثابت يتصف به، وكما أن الشجرة الطيبة التي تؤتى أكلها يانعاً على الدوام فكذلك الخلق الطيب في الإنسان لأنه مولع بالتقليد والمحاكاة، وكثير من النابغين عزى نبوغهم إلى أنهم وفقوا إلى اختيار صاحب أو رفاق أثروا فيهم أثراً صالحاً ونبهوا قوى كانت فيهم كامنة؛ ففي مطالعة سير الأبطال والأنبياء والصالحين والعلماء والزعماء قدوة حسنة، فإن حياتهم توحي إلى القارىء الاقتداء بهم حسب ميول القارىء، وكثيراً ما دفع الإنسان إلى العمل حكاية قرأها عن رجل عظيم أو عالم حكيم وحسبنا معشر المسلمين بمطالعة سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم فقد جمعت أكمل الصفات وأحسن العادات القائل في حقه جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4) ومما يساعد الإنسان في تنمية الخلق الطيب أن يخصص لنفسه نوعاً من أعمال الخير العامة فيتخير ما يلائم ذوقه واستعداده، كنشر العلم بين الناس أو تحرير المقالات الأدبية الهادفة أو تقوية ملكته الشعرية أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو السعي لرقي أمته من ناحية اقتصادية أو سياسية، وفي كل هذا ينمو حبه لأفراد أمته والسعي لخير بلاده. وأما علاج الخلق السيىء، فمقاومته بضده فإن أحس بإفراط في الشهوات فليقاومها بالزهد وإن تغلب عليه ميل الغضب فليمل إلى الحلم وإن أحب الحرب فليجنح للسلم وهكذا يقاوم سورة الأخلاق السيئة.
الوجدان والضمير
هو تلك العادة الكامنة في النفس التي تحذر الإنسان من فعل الشر وتحاول أن تصده عن فعله، فإذا فعله أحس بتوبيخ نفسه على ما فعل، وإذا كانت القوة المذكورة تأمر بفعل الخير والقيام بالواجب فإذا فعله شعر بارتياح عظيم فتلك القوة هي الوجدان وقد أشار القرآن الكريم إلى هاتين القوتين في سورة القيامة: وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة: 2) (بالنفس اللوامة المعنى النفس المطمئنة) فعنى بالنفس المطمئنة المعنى الثاني فدل ذلك ما لهاته القوة من الرفعة ومزيد.. والمتحضرة أو المتمدنة والمتأخرة لأن كل أمة تختلف في تقويم بعض الخير والشر فنرى البدوي مثلاً لا يأنف أن يأتي بيت جاره في غيابه بينما الحضري يعدّ ذلك خروجاً على الأدب والمألوف، كما أن الرجل المتمدن لا يأنف أن يكتشف الطبيب على عورته، بينما الرجل المتأخر يعد ذلك عيباً وشيئاً غير مألوف. وقد يخطىء الوجدان في إرشادنا للحق والواجب لأنه يأمر دائماً بما يعتقده واجباً، فإذا كان الاعتقاد خطأ كان الوجدان مخطئاً، ولذلك يجب على الإنسان أن يطلب حقائق الأشياء ليحكم عليها عن نظر وحسن اعتقاد ولا يلام المرء بعد الاجتهاد ومنه كان للمجتهد إن أصاب أجران وإن أخطأ أجر واحد للوجدان درجات نماها شعور بعمل الواجب خوفاً من الناس وثانيها شعور بضرورة ما تأمر به القوانين الوضعية الصالحة وشعور بما تأمر به الأوامر الدينية وثالثها شعور بما تراه النفس حقاً خالف الناس أو وافقهم مع مراعاة القانون الإلهي وذلك أرقى الوجدان وبشرط أن تكون تلك النفس بلغت من التربية والتعليم الغاية من الكمال كالأنبياء والحكماء والمصلحين. وللوجدان أهمية كبرى في سعادة الإنسان في حياته لأنه هو الذي يحمله على أداء واجبه وإتقان صناعته وإخلاص عمله بوجدانه الكامن في نفسه وهو الذي يطالبه بأعمال الخير على التوالي، وكلما كانت الأمة قوية الوجدان كانت إلى الخير أقرب وإذا فقد وجدانها فقدت سعادتها وهناءها.
المثل الأعلى
أسلفنا لكل ذي لبّ وتفكير له مبادىء وغايات في حياته ومن عاش بلا مبدأ فهو خليق أن يعدّ في عداد العجماوات رعاية كل شخص تتباين حسب فطرته وتربيته ومعلوماته وميوله فهي ترقى وتنحط تبعاً لبلوغ غايته وعمرو غايته أن يصبح مليونيراً فهو لا يفتأ دائباً في استحصال الدرهم والدينار، وخالد مناه أن يكون زعيماً يشار إليه بالبنان، بينما عرفة الخامل يكتفي أن يكون كأبيه الزبال، فعليه يجب على كل إنسان أن تكون عنده صورة كاملة لما يود أن تكون عليه حياته المقبلة فالصورة التي في ذهنه ويود تحقيقها هي المثل الأعلى. وتختلف المثل العليا بين الأفراد كما قدمنا حسب تربيتهم وتدرجهم في العلوم والمعارف وللمثل العليا تأثير على النفوس فهو دائم المثول أمام الإنسان أمام الإنسان المجد يجذبه لتحقيقه وأعمال الإنسان في سلوكه وأعماله تدلنا على مثله الأعلى، والمثل العليا كثيرة والصعوبة في اختيار أحسنها وليس في وسع الأخلاق والحكيم أن يرسم مثلاً دقيقاً يوافق كل فرد من الناس مع اختلاف الطبائع ودرجة محيط التعليم، والممكن المعقول أن يكون المثل الأعلى للشخص صورة كاملة لخير الإنسان في كل شأن من شؤون حياته في اعتقاده وعمله ودينه ومعاملته للناس. وأهم عامل في تكوين المثل المنزل والمدرسة والدين، وبالجملة البيئة التي تحيط بالإنسان من حين نشأته إلى بلوغه سن الرشد وغريزته الطبعية، والمثل ينمو مع الإنسان من صغره فهو ليس بالجديد عليه ليعرف من أين أتاه، فإذا خرج الشاب إلى معترك الحياة جدد غايته ووضح مثله وكلما اتسع نظره كبر عقله وتمت أجزاؤه وهو عرضة للنقص والضيق لمن لم يجد سبيلاً لتوسيع فكره وإنارة عقله وتوسيع معلوماته وذلك ما نشاهده في طبقة العمال والصناع الذين يقضون سحابة نهارهم في عملهم الآلي غير ملتفتين في أوقات فراغهم إلى حصول فائدة وحياتهم ليست إلا عملاً متكرراً كالآلات الصماء. وفي ذلك من تحديد المثل ونقصه كما لا يخفى.
وها أنا في ختام مقالي هذا أزجي نصحي لإخواني وبني وطني أن يتخذوا لنفسهم مثلاً سامياً يسعون إليه في جميع أعمالهم؛ وقد حض الرسول صلوات الله عليه وسلامه على معالي الأمور ونهى عن سفاسفها حيث قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقال الشاعر العربي:
ولو إنني أسعى لأدنى معيشة
كفاني ولم أطلب قليلاً من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
وقد يطلب المجد المؤثل أمثالي
وقيل أيضاً:
بقدر الكد تكتسب المعالي
ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن طلب العلا من غير كد
أضاع العمر في طلب المحالِ
وقال المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
فعلينا أن نسعى بجميع الوسائل للوصول إلى المثل العليا، فإن كان من طريق العلم وجب علينا أن لا نأنف من الدرس والمطالعة وطلب العلم مهما كثرت أعمالنا وعلا مقامنا، فطلب العلم من المهد إلى اللحد، وإن كان من طريق المادة وجب علينا أن ننخرط في أعمال التجارة واقتناص كل فرصة تدر علينا بالربح الحلال متخذين الأمانة شعاراً، وإن كان من طريق الزعامة وجب أن نظهر بمظهر الأخلاق الوديعة والتحمل والصبر ومساعدة الناس وقضاء مصالحهم والسعي لجلب الخير لهم والدفاع عنهم وإنصاف المظلومين منهم والتشنيع على الظالم بالحكمة والموعظة الحسنة.
وكم يسرنا اليوم أن نرى نخبة من شبابنا يزينون بعض كراسي الوزارة والإدارات العامة ساعين لخير أمتهم وبلادهم، وإنا نرقب المزيد من هؤلاء العاملين وفقنا الله وإياهم إلى سواء السبيل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :710  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 56 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

زمن لصباح القلب

[( شعر ): 1998]

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج