شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العودة (1)
أقمت بالقاهرة عاماً كاملاً لضرورة علاج الأهل ومراقبة الأولاد بالجامعات وذلك بعد إحالتي للتقاعد من (وظيفة محامي وزارة المالية والاقتصاد) وكان عاماً طويلاً عليّ لأني لم أغادر المدينة إلا لشهور فقط (منذ خمس وثلاثين سنة) وقد أمضيتها في المطالعة وتحرير بعض المقالات التي نشرت بالمنهل في العام المنصرم سنة 1381هـ كما اشتركت مع صديقي الأديب اللامع عمر توفيق في تعلم الإنكليزية بمدارس (فكس) يوماً بعد يوم لمدة أربعة أشهر تحصلنا خلالها على قسط وافر من هذه اللغة وإن كان حظ زميلي أحسن مني لمذاكرته وتمرينه، فهو شاب وأنا على أبواب الستين وكان جل قصدي قطع أوقات الفراغ في تحصيل شيء مفيد عملاً بالقول المأثور: ((اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد)). صمنا شهر رمضان سنة 81 بالقاهرة ولم نحس بوطأة الصوم أبداً لأنه جاء في أواخر الشتاء مع قصر النهار وقد وفقنا الله بصيامه وقيامه مع الأولاد ومن المؤسف أن لا يهتم به كثير من إخواننا المصريين قدر ما يهتمون بالياميش وكعك العيد، أما الصلاة فيكفي أن تكتظ المساجد يوم الجمعة والاكتفاء بالجماعة باقي الأيام؛ وهذا خلاف ما عليه الحال بالوجه البحري والصعيد ((الوجه القبلي)) ـ والعجيب أن يقضي بعض المصريين عيد الفطر بين المقابر ((القرافة)) ويقضون سحابة نهارهم هناك. غير أن الكثيرين يقضونه في الجنائن والمتنزهات وما انقضت أيام العيد حتى هاج بي الشوق والحنين إلى المدينة الحبيبة فتذكرت الأبيات التي نظمتها في يوبيل ((جريدة المدينة)) التي لما يصدر عددها الممتاز:
أمسيت منسياً أداري غربتي
أعتز في نفسي وفي أولادي
وغدوت نهباً للحوادث موثقاً
من لي بحل مشاكلي وقيادي
أرجو وآمل أن أعود لكي أرى
شأن المدينة فاق كل بلاد
ذللت بعض مشاكلي وحللت وثاقي وعزمت على العودة بطريق الظهران فالرياض لزيارة بعض أقاربي وتعقيب بعض المعاملات. ركبت من القاهرة طائرة ((كوميت نفاثة)) فوصلت الظهران بعد ساعتين ونصف وكان في استقبالي صهرنا الأستاذ عبد العزيز التركي مدير التعليم بالمنطقة الشرقية وأخي محمد عبد القدير مدير التعليم بمدارس السكة الحديدية فحللت ضيفاً لدى الأخوين وشاهدت ما طرأ على الظهران والدمام والخبر وبقيق من آثار التمدن بفضل البترول، ولقد طاف بي الإخوان على مراكز شركة أرامكو في هذه المدن فكان فرقاً كبيراً بينما شاهدته قبل عشر سنوات وما شاهدته اليوم. وبعد ثلاثة أيام قصدت الرياض عاصمة المملكة بطريق القطار وكانت رحلة ممتعة في صالون مكيف به بوفيه يحتوي أصناف الثريات. قطعنا الرحلة في سبع ساعات فوصلت الرياض بعد الظهر فوصل لاستقبالي بالمحطة ابني عبد العزيز (الملازم الأول في الدفاع) وهو متخرج في جامعة القاهرة كلية التجارة قسم الاقتصاد السياسي وكان لا بد له أن يعمل بهذه الوزارة حيث كان يدرس على حسابها وكان تخرج من قبل في سلاح المهندسين لذلك فهو يحمل رتبة عسكرية (ملازم أول) ورتبة فنية (في الاقتصاد السياسي) ولكنه الآن في السلك العسكري (مدير موازنة أفراد الجيش)، شكا لي الابن ما يعانيه من إرهاق في هذه الوظيفة وتبخر معلوماته في التجارة والاقتصاد السياسي فنصحته بالصبر حتى نهاية عقد الأربع سنوات.. كنت مررت بالرياض منذ عشر سنوات خلت فإذا هنا اليوم بلد كأجمل بلدان الشرق الأوسط، فهذه الشوارع الجميلة بعرض ستين متراً أو يزيد، وهذه العمارات الضخمة والحدائق الزاهرة بوسط البلدة والنافورات المكهربة والأسواق العامرة بمختلف البضائع الأمريكية والإنكليزية واليابانية مصفوفة في خزائن من البلور، وهذه المعارض الكبيرة لمختلف أصناف السيارات حتى الروسية (مسكوفتش) موجودة بأرخص الأثمان لأنه لا بد أن يعود حاصل البترول للمملكة في جميع أصناف الخردوات والمكيفات والثلاجات وأنواع السيارات ومواد البناء، وأحسن بدل هو ما ذقناه في بلادنا من العمارات. أما باقي الأصناف فمصيره للخراب.. ماذا أحدثك أيها القارىء عن عاصمة المملكة وما طرأ عليها من الرقي والعمران، لقد دخلت البلاط الملكي (قصر الناصرية) وبها من تنسيق الحدائق والقصور الضخمة والمسجد الجميل وإيوان الملك المسجى بأبهى الرياش والأثاث الفاخر ما يسر فؤاد كل عربي مخلص وحسبك أنه قصر فخر ملوك العرب سعود بن عبد العزيز أعزه الله ونصره. زرت أكثر الوزارات للزوم مراجعة بعض المعاملات ومنها معاملة إحالتي للتقاعد، فقد كانت نائمة في أحد الدواوين فأيقظناها بالتعقيب للنهاية وكانت هناك معاملة ثانية بوزارة المعارف لم نعثر على رقمها وتاريخها فقد قيل لنا إن تلك المعاملة قدمت لمعالي الوزير ليبدي عليها مشافهة رأيه الكريم، وثالث معاملة وجدناها مفقودة الصلة بسابقتها حيث إن رئيس (2) المصلحة أقيل مع موظفيه فبقيت المعاملات في مكتبه السابق بدون موظف أو معقب مسئول، ولما لم أجد فائدة من التعقيب قلت: رب رحماك من هذا الروتين العجيب! وحاشا أن يرضى رئيس الوزراء عن ضياع حقوق الأفراد وإهمال الموظفين، وهنا لا بد من معقب لكل معاملات الأفراد في الوزارات. مكثت عشرين يوماً اجتمعت فيها مصادفة بالأخ فضيلة محمد القبوري عضو محكمة جدة، وكان لقاءً غير منتظر فأنسنا ببعضنا وزرنا أكثر معالم الرياض ودوائرها، والشيخ القبوري لطيف المعشر لا يعرفه إلا من اختلط به لأنه كان مشهوراً بحكمه القاسي على الجناة والفاسقين (حينما كان قاضياً للمحكمة المستعجلة بالمدينة ثم رفع إلى محكمة جدة وفقه الله).
وهناك بالرياض كانت لي معاملة خاصة لدى المعلم ابن لادن فتوسلت إليه بأخوي الشيخ عبد العزيز دغستاني والشيخ محمد سنبل فلم يبخلا علي بجاههما وذهبا معي لدار معاليه فقابلنا بكل لطف ووعد بمساعدتي فيما حضرنا من أجله وقد وعدني الأخوان النبيلان بتعقيب المعاملة وها أنا في الانتظار.. في تلك الآونة انعقد مجلس الجامعة وجاء وزراء خارجية الدول العربية وكان أول اجتماع من نوعه بعاصمة الملك وكان مندوبو الصحف المحلية يزودون صحفهم بما يجري في المجلس من قرارات وما يتلقفونه من أحاديث الوزراء وانطباعاتهم نحو البلاد، فكان أكثر تلك الأحاديث ينطوي على شكر صاحب الجلالة على كرم الضيافة وما لاقوه ولمسوه من رقي وتقدم في جميع نواحي الحياة، وأخيراً انتهى المجلس بالدعاء الحار لخير العروبة والثناء العاطر على عاهل المملكة العربية السعودية المضياف الكريم.
مكثت عشرين يوماً بالرياض لم أهنأ فيها بالماء الزلال، فقد كان الماء الآتي في (فيلا) ابني عزيز من بئر محفورة هناك وكانت بها ملوحة لا تروي الظامىء ولا تنتظم بالشاي..
غادرت الرياض إلى المدينة فوصلتها بخير وسلام ونزلت ضيفاً مكرماً بدار صديقي وجاري الشيخ عبد المجيد حسن معاون رئيس المحكمة، فخصص لي غرفة بداره جامعة لمرافق الراحة ومكيف ممتاز، كنت سعيداً بأوبتي إلى مسقط رأسي ووطني العزيز وأنست بالاجتماع بالأقارب والأحباب ثم الصلاة بالمسجد النبوي والسلام على صاحب القبر الأعظم صلى الله عليه وسلم والصحابة وتمثلت بقول الشاعر:
يا سعد رفقاً لقد فزنا بكل منى
هذا حماهم وهذا الربع والدار
هذي الديار التي يحمي النزيل بها
نعم الديار ونعم الأهل والدار
لقد سرني ما شاهدته من الاصلاحات بالمدينة والمشروعات التي تمت والتي بدأ بها من جانب البلدية التي يرأسها صديقي السيد علي حافظ، وكنت قد تكهنت له بهذه الرئاسة لعلمي أنه خير من يقوم بخدمة البلدة الطاهرة، وإن المشروعات التي قامت بها البلدية لا شك في أنها كلها من صالح البلد، إلا أن هناك شيئاً أهم من المهم، فمثلاً مما يلفت نظر الزائر والحاج لا سيما لو كان ملكاً أو رئيس وزارة أو زعيماً ذلك المنظر الكئيب الذي يقابلك وأنت خارج من باب السلام، وأبشعه منظر قهوة وقف مديني ومنظر الهدميات الممتدة إلى درب الجنائز، فهذه القهوة يجب أن تزال إما من جانب البلدية أو الأوقاف أو مكتب المشروع، وهناك سوق كومة حشيفة الضيق الذي لا يتجاوز عرضه متراً وبعض المتر في أوله يجب أن تنزع ملكية البيوت الممتدة من بيت وقف كلي، إلى فرن أبي الجود بسقيفة الشيخي وبذلك يتنفس السوق من الضيق الذي كثيراً ما أطاح بالمارة من زوار وحجاج من الزحام. وسوق المناخة وما أدراك ما سوق المناخة بشكله المزري وضيق ممراته كسوق التمارة وسوق الطباخة وسوق الفلتية؟ فكلها يجب إزالتها وبناؤها من جديد على شكل هندسي لطيف بحيث تحتوي على دكاكين ومعارض وشقق علوية تصلح مأوى للمسافرين ومكاتب للتجارة والدكاترة والمهندسين أما كيف؟ ومن أين يأتي المبلغ؟ فأظن السيد علي يذكر بحثنا للموضوع إبان وجوده بالقاهرة في العام المنصرم حينما أبلى من مرضه، واقترحنا أن تقوم بالمشروع بلدية المدينة ليعود عليها بالنفع والكسب الوفير والكلام في الفضاء غيره لما يتسلم الرجل كرسي الرئاسة فهناك كثرة الأعمال والمسؤوليات والمشروعات ويصبح كما قال الشاعر:
تكاثرت الظباء على خراش
وما يدري خراش ما يصيد
زرت السيد علي بعد أن زارني وذلك بمكتبه برئاسة البلدية مرتين وكان لدي كلام كثير أفضي به إليه، غير أنه لكثرة أعماله اقتصرنا على السلام والترحيب وجمل المجاملات، على أنه لم يتفضل علي لأتشرف إلى داره برغم أنه كان بيننا عتاب سابق ومناقشة ودية لم تنته بعد.. على أني أدعو الله أن يوفقه لما فيه صالح البلدة الطاهرة لتأخذ بعض رونقها ليعود لها ماضيها المجيد.. أمضيت عشرين يوماً بالمدينة ضيفاً كما ذكرت لدى الشيخ عبد المجيد الذي كنا نأنس بالسمر معه وجارنا الشريف زيد والشريف فيصل وبعض الإخوان وكانت حديقة الشريف زيد في بضاعة مجمع الإخوان والخلان نسمر عنده حتى بعد العشاء الأخيرة ثم يذهب كل منا إلى المنام.
اشتدت الحرارة قليلاً وكان آخر ذي القعدة فتاقت نفسي لحج بيت الله الحرام فتوجهت من المدينة إلى جدة وحللت ضيفاً بدار أخي عبد الحميد عنبر (عضو مجلس الشورى) وأخي عبد الحميد وأخوه محمد عبد القدير أخواني من الرضاع وأبناء الخالة وكانت والدتهما بمثابة والدتي التي توفيت وأنا صغير فكانت رحمها الله بمثابة والدتي الحنون، وأخي عبد الحميد وعبد القدير شقا لنفسهما طريقاً في الحياة فلقد نشأ يتيمين من الأب ونشأت يسيراً من الأم وربينا في بيت واحد وكنا أشد تعاطفاً ومحبة من الإخوان وعبد القدير سافر منذ ربع قرن حتى استقر أخيراً بالدمام وأخي عبد الحميد من الذين لا يقيمون للحياة وزناً يعيش مع أولاده الكبار منهم والصغار بدون تكلف ولا نظام.
وكثيراً ما اعترضت على تصرفاته فأبدى لي عذره من هذه التصرفات هداني الله وإياه إلى سواء السبيل، وفي جدة تلاقيت بصديقي الأستاذ عبد القدوس الأنصاري الذي كان يترقب أوبتي بطريق جدة فقد أكرم وفادتي ودعاني لحفلة فاخرة أكرمه الله، والأستاذ الأنصاري من الذين لا يهتمون بالمادة بعد أن أنعم الله برزق الكفاف وولد صالح وإني أجل الأستاذ الأنصاري وأحله في طليعة العلماء والأدباء المفكرين في هذه البلاد.
وحسبي ما قلت فيه في يوبيل مجلة المنهل أذكر منها هذه الأبيات:
إيه عبد القدوس عمرك الله
ووقيت فتنة الحدثان
أنت شيخ الصحافة في العهـ
ـد السعودي مفرداً في البيان
هاك تاج الفخار في يوبيلك الفضي
تزهو به على الأقران
هذه مهجتي إليك ترامى
بين حر النوى ومن أشجاني
فليدم (منهل العلوم) يروي
كل صاد على ممر الزمان
توجهت أول ذي الحجة سنة 1381 هـ إلى مكة معتمراً ونزلت ضيفاً لدى أخي وزميلي السيد أحمد العربي مدير الأوقاف العام وإن الصداقة والمودة التي بيني وبين هذا السيد الكريم صداقة متينة تأصلت جذورها من الصغر حينما كنا معاً في الكتاب إلى المدرسة إلى دروس الحرم النبوي وكنا لا نفترق إلا بعد العشاء كل يوم ثم شاء القدر أن أسافر للهند سنة 1341 هـ ويسافر هو إلى مصر سنة 1342 هـ وانتظمت في مدارس الهند العالمية وانتظم هو بالأزهر ثم بدار العلوم حتى نال دبلومها العالي ثم رجعت أنا عام 1344 هـ ورجع هو بعدي بسنين بعدما نال كل منا من التحصيل ثم سافر إلى مكة بحكم وظيفته وبقيت أنا بالمدينة أنتقل من مدرسة إلى مدرسة إلى مصنع ثم إلى المالية وبقي هو في مكة منتقلاً من المعارف إلى الشورى إلى مديرية الأوقاف. آنست بصديقي السيد وآنس بي وتذاكرنا في شتى الشئون، ومن عادة السيد أن يعمل في وظيفته لا يتحشر لدى أحد ولا يسمر عند أحد محتفظاً بمكانته ومقامه المرموق، وبهذه المناسبة أذكر أن للسيد وزملائه يوم كان بالمعارف الفضل في إضاءة المشعل الأول في ميدان التعليم وقد اضطلع السيد بمهمة مدير مدرسة البعثات وكان الساعد الأيمن لمدير المعارف يومئذ السيد طاهر الدباغ رحمه الله، ومهما نسي الناس فضل السيد العربي فلن ينسى الشباب أنه (أستاذ الجيل) أسبغ الله عليه ثوب العافية وأطال بقاءه..
لقد حججت مع السيد ورافقته في جميع المشاعر وكنت هانئاً مرتاحاً معه بدائرة الأوقاف وكانت حجتي هذه العاشرة أرجو الله أن يتقبل منا بمحض رحمته وغفرانه.
ولقد شاهدت ولمست هذه المرة الإصلاحات الجبارة التي قامت بها البلدية من توسيع الشوارع وتعبيد الطرق وتحسين بلد الله، كما رأيت الطرق المعبدة إلى المشاعر وإحداث طريق للمشاة ثم إيجاد الماء الكافي في جميع المشاعر ووفرة الثلج أمام الحج ووجود المراكز الصحية والإسعافات وتنظيم التنظيفات في منى وعرفات كما قامت الأوقاف بتعمير مسجد الخيف ومسجد نمرة وإيجاد مراحيض بجانب المسجدين.
ولا ننسى نشاط أمير مكة الشاب ونزوله الأسواق واتصاله دائماً بالإدارات المختصة لراحة الحجاج.
وفكرة تشجير طريق منى وعرفات عمل جليل نرجو أن يتم في هذه السنة ويلاحظ سقي الشجيرات حتى لا تموت، ولا بد من إيجاد مراحيض أكثر في كل من عرفات ومنى على بعد خمسمائة متر وتوظيف خدم لها وإيصال الماء الكافي إليها للغسل والتنظيف، وهناك في منى السلخانة (المذبح) يعين له حراس شداد حتى لا يفلت أحد بذبيحته، فلقد رأينا الكثيرين يسوقون ذبائحهم لمحل إقامتهم ليذبحوها هناك. كما شاهدنا سخالاً ضعيفة وأباعر هزيلة ذبحت ورميت أشلاؤها على الطرق والشوارع، فيجب والحالة هذه مراقبة هذه الحيوانات من جانب وزارة الصحة قبل ذبحها لأن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً ولحوم الذبائح هذه التي لم نجد لها حلاً سوى دفنها في الحفر أو حرقها مع الزبالة يجب النظر فيها وجلب ماكنة تعليب لها ثم تقسم هذه المعلبات على دور الأيتام والسجون أو يؤتى لها بثلاجة كبيرة تحفظ فيها اللحوم ثم تقسم على الفقراء والمساكين وحبذا لو تبرع أحد المحسنين بثلاجة أو بماكينة تعليب وأظنه قادراً على ذلك المحسن الكبير (3) وإلى أن يهيىء الله بالثلاجة أو ماكنة التعليب فهناك طريقة بدائية لا تحتاج إلا إلى بضع عشرات الموظفين لأيام معدودة يقومون بتقديد هذه اللحوم كما يفعل التكارنة واليمنيّون، وهذا اللحم المقدد يأكله الكثير من الضعفاء والفقراء والمساكين.
ولدي اقتراح آخر أزجيه لوزير الحج والأوقاف وهو أن يخصص مكاناً في عرفات لكل جنس من العالم الإسلامي فيكون هناك مخيم للعربية المتحدة ومخيم لسورية وللبنان ومخيم للهند والأفغان ومخيم لتركية وإيران حتى لو فقد أو تاه أحد منهم رجع بسهولة بدون كثير مشقة ولا عناء، ولقد زرت مخيم وزارة الحج والأوقاف وفي نظري أنه ينقصه موظفون عالمون باللغات وينقصه صالون كبير ليضم عدداً كبيراً من أعيان وكبار الحجاج، وحبذا لو خصصت الوزارة ليلة ثالث منى ودعت أكابر وأعيان وعلماء حجاج العالم العربي والإسلامي ليتعرف بعضهم إلى بعض وليتباحثوا في مشاكل العرب والمسلمين وليبدوا اقتراحاتهم في الإصلاحات، هذا عدا المؤتمر الإسلامي الذي عقد هذه السنة والذي سيعقد إن شاء الله في كل عام. وأقترح على قلم المرور بالشرطة أن ينظموا طريقة رمي الجمرات بحيث يرمي الحاج من جهة اليمين ويخرج من الشمال، أما أن يدخل ويخرج من مكان واحد ففيه تعب ومشقة على كل المرمى.. كما أن موضوع الطواف حول الكعبة يجب أن ينظم بحيث يكون هناك وقت للرجال ووقت للنساء ووقت للعجزة المحملين على أعناق الرجال الذين لا يبالون بغير محمولهم مهما دعسوا الطائفين.
هذه ملاحظاتي أحببت أن أبديها لعلّها تأخذ حظاً من الالتفات لدى أولي الأمر والمسؤولين..
نزلنا من منى في اليوم الثالث مساءً فاستأذنت من أخي السيد أحمد للعودة إلى المدينة فأصر أن نجلس أياماً ولكني زهقت من الحرارة وحل بي التعب فأذن لي رعاه الله، فتوجهت إلى جدة ومنها للمدينة وكان الحر قد اشتد أيضاً فيها حتى بلغت درجة الحرارة 47 درجة ففكرت في السفر وكانت لي رغبة شديدة لرؤية (استانبول) حيث إني من المخضرمين الذين أدركوا الحكم التركي في آخر ايامه وكنت دخلت المكتب الابتدائي إلى الصف الثالث وحفظت الكثير من الألفاظ التركية وكنا نأخذ التاريخ والجغرافيا باللسان التركي فكنت مشتاقاً لرؤية دار الخلافة وقصور السلاطين؛ ولا بد للمسافر إلى تركيا أن يمر ببيروت أو دمشق فآثرت السفر إلى دمشق ومنها إلى تركية بطريق حلب فغادرت المدينة في 7 المحرم سنة 1382 في طريقي إلى الآستانة (استانبول).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :742  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 35 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي

[الجزء الخامس - التقطيع العروضي الحرفي للمعلقات العشر: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج