شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جولة في الولايات المتحدة
(الدنيا الجديدة)
ـ 1 ـ
لم يخطر ببالي يوماً أن أرى الولايات المتحدة برغم وجود أكثر أولادي في مختلف مقاطعاتها (1) وكان ذهابي للقاهرة لإجراء عملية جراحية لأم الأولاد، غير أن الطبيب المعاين أشار بإجرائها في الخارج وفضل أن تكون في أمريكا لوجود الإمكانات الكبيرة. عزمت على السفر مكرهاً فراجعت القنصلية السويسرية القائمة بأعمال حكومة الولايات المتحدة فطلب مني إثبات ما يدعو للسفر فذهبت للقنصلية السعودية وأتيت بشهادة تثبت وجود أحد أولادي للدراسة هناك، وبعد الحصول على ((السمة)) قطعت تذكرتين من القاهرة إلى نيويورك مرجعاً بما يبلغ ستة آلاف ريال مع تخفيض 25% بسبب ذهاب زوجتي معي وذلك على طائرات الشركة العالمية (TWA). وفي صباح 17 مايو عام 1969م طرنا من القاهرة قاصدين نيويورك بطريق أثينا فروما فمدريد فلشبونة، وفي كل بلد ينزل ركاب ويركب آخرون، ومن لشبونة ركب أكثرهم من الأمريكان وجلهم شيخات وشيوخ آيبين من سياحة في إسبانيا والبرتغال لقد انتفعت برصيدي القليل من اللغة أيام كنت أدرس مع أخي معالي الأستاذ عمر توفيق في مدارس (فكس) بالقاهرة، وعلمت من هؤلاء الركاب أنهم قضوا شباب عمرهم في الكد والعمل وهم اليوم يتمتعون بمدخرهم من المال في السياحة والمتع النفسية.
قضينا في الطائرة سبع عشرة ساعة. كانت أول مسافة من لشبونة إلى نيويورك سبع ساعات فوصلنا نيويورك قبيل العصر وذلك لاختلاف الزمن من الشرق للغرب ولما حلقنا في سماء نيويورك مكثنا نصف ساعة في الفضاء لنجد لنا مكاناً ننزل فيه وبعد نزولنا بالسلامة وجدنا بباب الجمرك من ينتظرنا الأولاد والأرحام وفي مقدمتهم زوج أختي الأستاذ عبيد ترجمان ممثل وزارة الاعلام حيث إنه كان يحمل بطاقة سياسية فقد وعدنا بسرعة الاجراءات وعدم تفتيش الحقائب. ومطار نيويورك (مطار كندي) هو أهم مطار في العالم يعج بالطائرات المتنوعة وبألوف المسافرين. وبلدة نيويورك أكبر ميناء المحيط الأطلسي وكان العرب يسمونه (بحر الظلمات) وفي نيويورك يجتمع أكثر ناس العالم ويبلغ عدد نفوسها سبعة ملايين نسمة ولا يفوقها في هذا العدد غير طوكيو عاصمة اليابان. ومن القصص الطريفة أن الهولندي (بيتر مينوث) اشترى جزيرة مانهاتن بأربعة وعشرين سنتاً وعشرة دولارات من الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، وأول ما رأينا في البحر تمثال الحرية التي نادى بها (واشنطن) محرر أمريكا ولكن الحرية للبيض لا للسود ولو بطل الرق من مائتي سنة أو يزيد.
قطعنا شوارع نيويورك الكبيرة ومررنا على جسور، فوق جسور، وأنفاق تحت الأرض، ولا تسل عن زحام السيارات وحركات المرور، وشاهدنا لأول مرة ناطحات السحاب وبيوت المال والأعمال وتركنا نيويورك ميمّمين (نيو جرسي) إلى سكن مضيفنا الأستاذ عبيد، ومسكنه دارة أنيقة في بلدة (إيست أورنج) استضافنا ثلاثة أيام تجولنا خلالها ببلدة نيويورك فشاهدنا كبريات ناطحات السحاب (امباير استيت) ويبلغ ارتفاعها (380) متراً وعدد أدوارها (102) دور، وعدد المصاعد (63) مصعداً وعدد من يعمل في العمارة يزيد عن 000، 25 خمسة وعشرين ألفاً وباقي الناطحات لا تزيد على (400) متر. وفي نيويورك مبنى الأمم المتحدة وأحياء المال والأعمال وحديقة الحيوان والنبات وبقربها جزيرة (جرينتش) قرية الفنانين، وفي نيويورك معظم يهود الولايات المتحدة وبيدهم تجارة المال والبنوك وكبريات الصحف الأمريكية، وبالجملة بيدهم حركة أمريكا الاقتصادية والسياسية.
وفي نيويورك (حي هارلم) حي الزنوج ويمتاز بضعته وبؤس سكانه، ففي نيويورك مئات الألوف من الزنوج يعيشون عمالاً وموظفين في الدرجة الثالثة وهكذا قضت العنصرية أن يعيشوا عبيد الأعمال وإن تحرروا في النفوس.
عرضنا مريضتنا على أحد كبار الجراحين فأشار بإجراء العملية (بعيادة كليفلاند) بمقاطعة أوهايو الشهيرة بعيادتها ومستشفاها الشهير وقال: إياكم أن تجروها في نيويورك فأنا أحق بإجرائها ولكنني أشير عليكم بعد أن علمت الداء، بعد سماعنا لأقوال هذا الطبيب المستشار سافرنا بالطائرة مع الابن عبد العزيز إلى شيكاغو ومنها إلى بلد سكناه: (بلومنجتن) بلد جامعة انديانا الشهيرة.
وشيكاغو ثاني بلد في أمريكا بعد نيويورك وسكانها أربعة ملايين نصفهم من الملونين، وهي مشهورة بنشاطها السياسي والإجرامي وأنديتها الليلية ومتحفها التاريخي والطبعي ومتحف العلوم والصناعات، وفي بلدة (بلومنجتن) استقر عصا الرحلة لدى مسكن الابن عبد العزيز مع أهله وعياله في شقة من عمارة كبيرة، ذات سبعة أدوار مخصوصة للطلاب المتزوجين، وتطل هذه العمارة على ميادين خضراء منسقة بالزهور الملونة والأشجار الظليلة.
وجامعة أنديانا من جامعات أمريكا التي تبلغ ألفاً وخمسمائة جامعة و 644 كلية تحضيرية وتشمل الجامعة كليات الطب وطب العيون وطب الأسنان والعلوم والصحة والآداب والرياضة والموسيقى والتمريض والخدمات الاجتماعية وشهرتها في الموسيقى والقانون، وتكاليف الدراسة للطالب الواحد ألف دولار حيث إن التعليم العالي في أمريكا بالأجر وهناك تخفيض لسكان الولاية التي بها الجامعة وعدد طلاب الجامعة ما بين أربعين وخمسين ألف طالب وطالبة؛ وللجامعة مبانٍ رفيعة ضخمة وحدائق وأحواض للسباحة وأستاذ للألعاب وبها مكتبة شيدت بمبلغ أربعين مليون دولار وبها ما يقرب من مليون كتاب وبها مبان كبيرة لسكن اثني عشر ألف طالبة وطالب منها ما هو خاص للشباب الأعزب ومنها ما هو خاص بالإناث ومنها ما هو خاص بالمتزوجين. وفي الجامعة 63 أجنبياً و 64 طالباً عربياً أكثرهم سعوديون منهم خمسة عشر ذوو عوائل والسعوديون يتصلون ببعضهم تعرفنا إلى أكثرهم ومن طلاب الكويت أيضاً. ومن السعوديين السيد إبراهيم عبيد ابن صديقنا السيد محمد عبيد الذي يحضّر للدكتوراه، والشيخ حسين بندقجي يحضّر للدكتوراه، ومحمد الغي ويوسف بخارى ومحمد الكويتي وعيسى الكويتي ونذير العظم السوري وشيخه علي شيخ وغيرهم.
مكثنا في (بلومنجتن) ثلاثة أسابيع سألنا: هل تقام صلاة الجمعة في مكان فعلمنا أن هناك رابطة للعرب يجتمعون نهار كل جمعة في قاعة في مبنى قاعات النشاط يقيمون فيها الصلاة فذهبنا إليها غير أنه لم يجتمع بالقاعة سوى نفر قليل صلينا بهم الجمعة وسبب تخلفهم في هذه الأيام اشتغالهم بالمذاكرة ولكنه لم يكن بالعذر المبرر لترك صلاة الجمعة وفي كل يوم أحد نذهب لبحيرة (الليمون) ونجتمع هناك أكثر الطلبة السعوديين والكويتيين مع أهلهم وأولادهم نجلس على ضفاف البحيرة فراقة مع كثير من الطلاب والطالبات الأمريكيات ويفرحون باليوم المشمس فيأخذون حمامات شمسية ويتطلبون السمرة من أشعة الشمس ويتمرغون في البساط السندسي وهم أقرب ما يكون للعري. وبعضهم يسبح في البحيرة وبعضهم يلعب بالكرة وغيرها من الألعاب. وعلى ضفاف البحيرة أرائك منصوبة ثابتة وكراسي متنقلة وصنابير للمياه العذبة وحمامات نظيفة لقضاء الحاجة ودكان لمبيع المشروبات المثلجة وفي كل ركن (شواية) لشي اللحم وأشهر الأكلات الشعبية الكفتة المعروفة لديهم (هامبركر) و (هات دوك): السجك. وهناك اجتمعنا بأكثر النساء العربيات وهن كاسيات عاريات فقد غلبتهن الموضة (ميني جوب) قلتُ لواحدة منهن: ألك والدان؟ قالت: نعم. قلت: كيف لو رآك والدك بهذا الزي؟ قالت: لو رآني هكذا لقتلني. قلت: ولم لا تلبسين الثوب الساتر لما تحت الركبة؟ قالت: أما ترى بقية زميلاتي من النساء؟.. قلت: ألا ترين أولئك الهنديات المسلمات كيف هن متسترات بملابس (الساري) أو السروال للقدم والقميص والخمار؟ قالت: إنهن لا يتركن هذا الزي حتى في الشتاء ولكن نحن نساء العرب قلدنا الأجانب على طول ولو تسترت أكثر من هذا لأصبحت سخرية بينهن.. قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإذا سكتنا عن هذه الموضة فهناك الاختلاط بالرجال بهذا الزي الفاضح وكأنهم أعضاء أسرة واحدة. أما عن حال الطلبة الأمريكيين في التصرف الجنسي والخلقي فاسمع بعض ما قاله الدكتور كنزي سنة 1948.
(دلت الاحصائيات على أن موانع الحمل بين طلاب الجامعات منتشر جداً ولكن حوادث الحمل والأمراض الجنسية قليلة وحوالى 37 بالمئة من السكان لديهم تجارب جنسية في سن المراهقة وترتكز العوامل الجنسية على عدة عوامل: أ ـ مستوى التعليم، ب ـ المستوى الاقتصادي، ج ـ المستوى الاجتماعي).
ومن المهم جداً قبل دراسة هذه الاحصائيات التي شهد شاهد من أهلها أننا ندرس حضارة أجنبية وأناساً لهم قيم ومثل تختلف عنا؛ وعلى كل فإن أي علاقة غير شرعية في نظر القانون والأخلاق غير معترف بها وكثير من الناس يحاربونها ولكنهم لا يستطيعون عمل شيء أمام التيار الجارف، ومما يؤسف له أن بعض طلاب العرب اتخذوا صديقات وكثيراً ما ينتهي الأمر بالزواج وهذا ما يعوق الطالب عن دراسته وما تغرب لأجله عن وطنه، ولقد أحسنت وزارة المعارف السعودية بشأن من يتخلف عن النجاح سنتين بإعطائه نصف المخصص ثم الربع ثم لا شيء، ولقد رأينا بعض طلابنا الذين رجعوا بزوجاتهم الأجنبيات من أوروبا وأمريكا بعد أن دخلن في دين الإسلام. ولقد رأيت فتاة لبنانية متزوجة بطالب مصري فسألتها ابنتي عن مذهبها فقالت إنها كانت مسيحية (مارونية) وتحببت لهذا الطالب فأسلمت لتقترن به. وهذا مثال للأخت العربية فكيف بالأجنبية أذكر بيتاً من قصيدة للشاعر أحمد محرم رحمه الله يقول في هذا المعنى:
ما كفاكم في الشرق جيش احتلال
فجلبتم في الدور جيش احتلال
وقد أعجبنا بالطالبة (شيخة علي) من إمارة أبي ظبي بالخليج العربي تعد للدكتوراه في الأدب الأمريكي بعد أن حازت (ماجستير) في الأدب الإنكليزي قلت لها: هناك فرق بين الأدبين؟
قالت نعم.
قلت: أما كان يكفيك درجة ماجستير في الأدب الإنكليزي؟
قالت: إني أحب أن أستزيد في الدراسة .
قلت: إن بلادك في حاجة للابتدائي أكثر من دكتوراه وماجستير في الأدب؟
قالت: هذه هوايتي وهي لا تتجاوز خمساً وعشرين سنة، وكانت مهذبة كريمة الأخلاق علمت أن بها عقدة نفسية فقد توفي ابن عمها وخطيبها في حادث اصطدام فهي تتسلى بالدرس والتحصيل.
اجتمعت بلفيف من الشباب العربي المتعلم ومنهم كما ذكرت من يعد للماجستير والدكتوراه في بحوث مختلفة قلت لهم.
لقد رأيت من بعضكم قصوراً في إقامة الصلوات الخمس… قالوا: صح إنه لا يمكننا إقامة الصلوات في أوقاتها. قلت ويمكنكم أن تتغدوا في أوقات الجامعة المحددة. هذا غريب يا إخواني. قالوا: نجمع الصلوات؟ قلت: هذا مخصوص بالمسافر فقط. قال بعضهم: لا أصلي غير الصبح فقط.. وقال آخر إني لا أصلي ولا أصوم ولكني لا أؤذي أحداً. قلت: هذا لا يغني عن الصلاة: وقال آخر أليست الصلاة لمعنى الدعاء فإننا ندعو الله دائماً؟ قلت: سبحان الله كأنك تنكر الأعمال الحركية الثابتة من زمن الرسول وتواترت عن الآباء والأجداد طيلة أربعة عشر قرناً. قال آخر: يا أستاذ قال الله تعالى: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها (البقرة: 286) قلت يا هذا إن ذلك في غير ما هو معلوم في الدين بالضرورة، والصلاة هي ركن في الإسلام وإقامتها مفروضة وأخيراً لم أتمكن من إقناعهم فهم يرون أنهم أكبر مني علماً ومعرفة.
في نهاية الأسبوع الثالث من إقامتي في (بلومنجتن) أقامت الجامعة حفلاً كبيراً بمناسبة تخرج قسم كبير من طلبتها، دعينا لذلك الاحتفال باعتبار أننا أهل لأبننا الطالب عبد العزيز الذي نال (ماجستير) العلوم السياسية. وفي صباح الاثنين من يونيه ذهبنا لمكان الحفل وهو الأستاد الجامعي الذي يتسع لعشرات الألوف من الحاضرين بترتيب منظم ما أحوجنا إليه لأداء مناسك الحج وخاصة يوم عرفة وأيام العمرة والطواف. جلس المتخرجون متكتلين جماعة فجماعة على الأرائك الممدودة الثابتة في جلبابهم العلمي (الروب) وجلس منهم المتفرجون المدعوون ما يقرب من عشرة، وأمام هذه الجموع الغفيرة حلقة موسيقى وعلى المنصة رئيس الجامعة وعلى يمينه وشماله عمداء الكليات. أول ما عزفت الموسيقى بالنشيد الأمريكي الجمهوري فقام الجميع لأداء التحية ثم قام الرئيس بإلقاء خطابه الجامع بدور الجامعة في نشر العلوم وتخرج أربعة آلاف طالب في مختلف الكليات، وبعد خطاب الرئيس وزعت شهادة الدكتوراه الفخرية لبعض الأساتذة الكبار ثم قام عمداء الجامعة عميداً فعميداً ذاكراً للرئيس عدد طلبته المتخرجين هذه السنة، ومن جملة تقاليدهم يقول العميد في الوقت الذي يكون فيه طلبته واقفين مشرئبين لكلامه.
يا سيادة الرئيس
إن هؤلاء الطلبة قد أتموا ما هو مطلوب منهم من درس المواد اللازمة لنجاحهم فهل تأمر بتخرجهم؟ فيجيب الرئيس بالإيجاب وعندئذ تصدح الموسيقى بإعلان الفرحة والسرور. ومما لفت أنظارنا أن تكون متخرجات كلية التمريض كلهن من الفتيات مع أن متخرجي باقي الكليات من الشباب والشابات، على أن متخرجي كلية الموسيقى كان أكثرهم من الرجال.. بعد ساعتين من الزمن انتهى الحفل بالنشيد القومي والعزف الموسيقي وذهب الطلاب لتناول شهاداتهم وخرج المدعوون بسلام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :666  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.