شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لورانس تايبت
في عام 1922 كان لورانس تايبت يعيش في ضاحية من ضواحي لوس أنجلس يكافح بجهد لكسب لقمة العيش، كان يغني في فرقة الكنيسة كل يوم أحد ويكسب حسب التيسير في كل فترة وأخرى جنيهاً من الغناء في حفلات الأعراس، وقد أمضى في المدرسة أعواماً عديدة ولكنه لم يستطع أن يفوز، كان له صديق يدعى روبرت يؤمن بقدرته قال له هذا الصديق - إن لك موهبة صوتية عظيمة ويجب أن تنتقل إلى نيويورك لتدرس، وكان هذا التشجيع المتواضع عاملاً قوياً ليكون نقطة التحول في حياة تايبت، فأوجد في نفسه روح الأمل واستدان مبلغ خمسمائة جنيه وتوجه نحو الشرق، وتحدث إلى نفسه: ما الذي سيحدث لو قدر لي أن أفشل؟ حسناً لو حصل هذا فسأعود إلى كاليفورنيا وأعمل في شركة بيع سيارات النقل! هذا كان تفكيره في عام 1922 فما هو مقدار نصيبه من العمل اليوم في مكتب بيع سيارات النقل؟ إنه فوق ذلك بكثير، إنه يبيع إنتاجه في مجموعات ضخمة في مدينة هوليود ومن المحتمل أن تكون قد رأيت أيها القارىء صوراً عاطفية ذات أثر بالغ في أغانيه المعروضة على الشاشة وسمعت صوته العذب خلال الأثير، ولعلًه يدهشك أن تعرف أنه يأخذ ستين جنيهاً في الدقيقة أو جنيهاً في الثانية ليغني لك.
في عام 1922 كان لورانس تايبت في حالة من الفقر بحيث لا يستطيع أن يدفع أجر المسكن داخل البلدة، فاستأجر مسكناً في الريف، ومن حسن حظه أن سكنه كان يقع وسط كرم فكان يحصل على فرط العنب المتساقط من شجر الكرم ليعيش عليه مجاناً، وقال مرة إنه كانت تمر عليه أيام لم يجد فيها شيئاً يأكله غير العنب المتساقط، وكانت أجرة السكن في الشهر جنيهين وعشرة شلنات وهي على قلتها كان يعجز في بعض الأحيان عن دفعها من عمله كمغن،ٍ وتراكمت عليه مرة أجرة عشرة شهور فاضطر للعمل في المزرعة يقطف العنب ويشذب أشجاره ليسدد الدين، كانت أجرة البيانو الذي يعزف عليه جنيهاً في الشهر، وكان لا يستطيع وضعه في الغرفة الأمامية، لأن المسكن القديم الذي يسكنه كان يقع على منحدر فوق حافة تل وكانت الواجهة تستند على أعمدة خشبية عالية، فكان يخاف أن ينزلق البيانو على الأرض ويتدحرج بين أشجار الكرم حتى يصل إلى سفح التل. وعندما وصل إلى نيويورك لم يكن في استطاعته أن يشتري تذكرة من الدرجة الدنيا للدخول في دار أوبرا متروبوليتان، فكان يدفع عشرة شلنات ليستطيع أن يقف في موضع خلفي من الأوبرا الشامخة ليسمع القطع الخالدة لسكوني والحسناء ماري قارون.
وكان في تلك الأيام يقترض من أصدقائه ليدفع أجرة الدراسة والغرفة التي يدرس فيها، ومع ذلك وبعد عشر سنوات، كان هو نفسه يتمخطر باعتزاز على مسرح متروبولين الشامخ يثير إعجاب الجمهور المجنون ويتقبل عشرات الدعوات بالعودة إلى الجمهور ليتقبل تحياته وإعزازه على أغنياته التي امتازت بالتفرد.. وأصبح صوته اشهر صوت عرف لمغنٍ فنان في العالم.
في كل عام يفد على نيويورك مئات من الشباب الطامحين ومعهم مؤهلات صوتية صالحة وفي نفوسهم رغبة للشهرة والمجد والجاه والمال، وكنت أعجب كيف يضل هؤلاء سبيلهم ويفشلون! وسألت لورانس تايبت عنهم فقال: تسعة وتسعون من الألف أو الأغلبية من هؤلاء لا يفشلون لأن أصواتهم غير صالحة ولكن لعجزهم عن تطبيع أصواتهم مع أمزجة الجمهور، المهم أنهم يفشلون لنقص في كفاءتهم الاستعراضية ولنقص كفاءتهم في الاستيلاء على جمهورهم بجعله يحس بصدق التعبير وحسن الأداء.
عاش لورانس تايبت طفولته في الحقول في كاليفورنيا حيث كان والده من رعاة البقر يركب معها لحمايتها ويعمل في بناء أسوار حظائرها ويرعى نتاجها ويحارب عصابات السطو عليها، وكان الرجل العجوز يحمل في حزامه مسدساً كبيراً زين مقبضه باللآلىء، وكان مصوباً ماهراً قتل اثنين من عصابة رجال السطو على الماشية وهو الآن (شريف) ضاحية كرة في كاليفورنيا، وفي بيته ترسانة منظمة للأسلحة ويحتفظ بكلب سلوقي ضخم له أذنان طويلتان وفي عينيه نظرة حزينة مربوط بسلسلة طويلة في فناء الدار. وعندما يحدث أي سطو على الماشية في المنطقة، يدق جرس الهاتف في دار الشريف فيخطف الشريف تايبت بندقيته ويقود كلبه ويخف إلى مكان الحادث ويترك الكلب يقتفي الأثر ويسير - رود - وهذا اسم الكلب العجوز وهو يعوي يقطع الحقل ويتسلل بين أشجار البساتين ويجري خلفه الشريف تايبت والمقود في يده يلوح بذراعه ويصيح هيا! يا رود اقبض عليه حالاً، اقبض عليه حالاً، ولكن رود بدلاً من أن يقبض على المجرم كان يصل بالشريف إلى بقرة عجوز أو ذئب فلاة. وكان يخيل لتايبت الصغير أن العمل (كشريف) يبدو مثيراً ولامعاً، لذلك كان يطمح في طفولته أن يكون شريفاً كأبيه، وفجأة حصل ما لم يكن الحسبان.. وقعت دراما محزنة فقد أصيب والده برصاصة وقتل في قتال مع ((جم مكني)) أحد المشهورين في السطو على البنوك والمقاتلين الذين لا يخطئون الهدف في الناحية الغربية، وكان لهذا الحادث أثره في تغيير خطط لورانس كلها - فقد كان والده متديناً شديد التمسك يقاوم بشدة التدخين والرقص ولعب الورق والحضور في المسارح، وقد قال لي تايبت إنه لولا أن والده قد قتل فإنه لم يكن ليجسر أن يعمل كمغنٍ وممثل، ولا يزال تأثير تربية والده في نفسه حتى الآن: فهو لا يدخن أكثر من سيجارة واحدة طوال العام، وعندما يدخن يشعر بأنه يقوم بعمل خاطىء جداً وأن الشيطان يقف بجانبه في تلك الساعة يغريه ليحطمه. وعندما كان غلاماً في المدرسة الإعدادية لم تظهر عليه دلائل النجابة قط كانت والدته تدير بنسيونا ولم يكن عنده غير بذلة واحدة وكان البنطلون قصيراً جداً ولم يكن يستطيع أن يقدم لفتاته التي كان يفضلها كاس آيس كريم صودا، وكان رفقاؤه التلاميذ ينتهرونه ولا يلقون له بالاً، فعزم على أن يثبت شخصيته ويكتسب تمييزاً، فحاول أن يكون عضواً في نادي المدرسة فلم يمكنوه من ذلك، وحاول أن يكون له نصيب في الألعاب فلم يعره أحد اهتماماً وعندما وقف هذا الغلام الذي قدر له أن يكون أشهر مغنٍ في العالم أنجبته كاليفورنيا - ليغني مع أفراد جوقة المدرسة أصاب البرود جسمه واعترته الرعشة والذهول، ولم تلمع في صوته لمعات العبقرية إلا بعد أن تخطى الثانية والعشرين من عمره، ويقول تايبت:
الموسيقى العظيمة هي التي تهز مشاعرك هزاً وإن قسماً كبيراً من موسيقانا جيد وجيد جداً وقطعة (نهاية يوم) من أوسع الأغاني، انتشاراً وكلماتها من أفضل ما كتب في الأغاني ولقد اقتنى نسخاً منها خمسة ملايين من الناس. ويقول تايبت: إن تلك الأغنية المتواضعة هي أعظم الأغنيات وهو يعتقد أن أغنية
(The Rha Pody Blue)، (Oldmariver) أجمل أغنية كتبها أكبر الكتّاب الأحياء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :693  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 122 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.