شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هتي جرين
المرأة التي كانت تبيع جريدة الصباح مرة أخرى بعد قراءتها وتمضي الساعات في تبويب أكياس الخيش لتزيد في ثروتها المقدرة على الأقل بثلاثة عشر مليوناً من الريالات.
هتي جرين كانت في أيامها تعتبر أغنى امرأة في أمريكا، وعندما توفيت قدرت ثروتها في الأقل بمبلغ 13،000،000 بثلاثة عشر مليوناً من الجنيهات وأوصلها بعضهم إلى عشرين مليوناً، ومع ذلك فإن أية خادمة بسيطة كانت تلبس فستاناً أحسن مما كانت تلبسه هتي جرين وتأكل أحسن مما كانت تأكل وتنام على فرش أوثر من فرشها. كان مدخولها جنيهاً واحداً في الدقيقة أو ستين جنيهاً في الساعة ومن شدة حبها للمال - كانت تشتري جريدة الصباح لتقرأها ثم تبيعها مرة أخرى، وفي أيام الشتاء كانت غالباً تلف نفسها بورق الجرائد القديمة لتقيها شر البرد، كانت تملك عدداً من الأسهم في شركات السكك الحديدية وكانت متعهدة لبيع الأقفال والبراميل وأشياء أخرى لهذه الشركات، ولكنها عندما كانت تسافر فيها لم تسمح لنفسها بالركوب في العربات المرفهة والمزودة بالأسرة للراحة والنوم فكانت تجلس طيلة الليل على مقعد الركاب العادي وتنام عليه.
واستضافت مرة أصدقاءها لحفلة عشاء وعينت لهم أحد الفنادق الفخمة في بوسطن، وقد استغرب كل المدعوين وانتظروا عشاءً فخماً ولبست السيدات منهن ثياب السهرة والرجال الثياب الخاصة بحفلات العشاء، والذي حصل بعد أن تم عقد المدعوين، أن قامت المضيفة وسارت بضيوفها خارج الفندق ومشت بهم مسافة طويلة إلى مطعم متواضع وقدمت لهم وجبة لا تزيد قيمتها على شلن واحد، وعندما كانت تعيش في بوسطن كانت تأكل في مطعم متواضع لا تزيد قيمة الصحن الذي كانت تأكله من الخضر على بنس ونصف بنس، والفطيرة التي معه على بن ((جزء صغير من البنس)) وكان دخلها في ذلك الوقت أكثر من أربعة بنسات في الثانية ويعني ذلك أنها لتعادل بين مصرفها ودخلها، عليها أن تأكل أربع فطائر في الثانية!
وعندما بلغت الثانية والسبعين من عمرها سألها مخبر صحفي عن سر احتفاظها بنشاطها وصحتها، فأجابت بأن وجبة طعامها تتكون من قطعة لحم من الورك وبعض البطاطس المحمرة وقدح من الشاي، وشيء من الحليب في صباح كل يوم، ثم بعد ذلك تمضغ بصلاً طوال اليوم لتقتل به الجراثيم الموجودة في قطعة اللحم وكمية الحليب، ولم تذكر لسوء الحظ ما الذي كانت تمضغه لتقتل به الجراثيم الموجودة في البصل! وفي أحد أيام الصيف المحرق عام 1893 زحفت ((هتي جرين)) إلى داخل مستودع في الطابق الثاني من الدار التي ورثتها عن أبيها حين كانت شمس يوليو المحرقة تكاد تصهر سقف الطابق المصنوع من الحديد، وتشتغل هتي جرين في ذلك الجو المحرق عدة ساعات، وماذا كانت تشتغل؟! كانت تبوب أكياس الخيش الأبيض منه والملون، إلا أن قيمة الأبيض في الأُقة الواحدة تزيد نصف بني على قيمة الملون! وكانت تقضي أكثر أوقاتها في مسالك (وول استريت) تتبع سير فوائدها وأرباحها، وكان من الخطورة بمكان - وهي تعرف ذلك - أنها لو استأجرت شقة في نيويورك أو حتى امتلكت قطعة من الأثاث في الولاية، فإن جامعي الضرائب سيلاحقونها ليأخذوا ضريبة تقدر بستة آلاف جنيه أسترليني سنوياً، فهي لتحتال عليهم وتراوغهم تنتقل على الدوام من غرفة رخيصة للإيجار إلى غرفة أخرى رخيصة، فكان حتى أقرب أصدقائها لا يعرفون مقراً لها أكثر الأوقات، وكانت تسكن تحت أسماء مستعارة وتلبس ثياباً مهلهلة وتحمل حقيبة قذرة حتى إن أصحاب الغرفة المستأجرة يشكون في قدرتها على الدفع فيطلبون الأجر مقدماً.
وعندما تقدمت في السن حصلت حادثة مدهشة! فقد أقنعها صديق لتصرف ستين جنيهاً للقيام بعملية تجميل، وقد تعهد بها الطبيب أن كل دورة في العلاج ستكسبها الرجوع إلى الشباب لمدة سنة، وكانت تصر على عدم إمضاء شيكات مسبقاً، فقد كانت تخشى أن يقلد إمضاءها محتال، فشيكاتها لا تمضى إلا حين التسلم، وكانت لا تمزق الظروف التي تصلها بالبريد بل كانت تحرر رسائلها على الوجه الثاني من تلك الظروف وكان ذلك يوفر لها إعادة كتابة اسمها والإمضاء عليها.
وقد قال لي صديق اشترك في تأليف كتاب اسمه ((هتي جرين المرأة التي أحبت النقود!)) قال لي إن هتي جرين اعتادت أن تحفظ رصيداً ضخماً في البنك الأهلي في نيويورك. وهكذا اتخذت من بناية البنك بيتاً لها فكانت تحفظ حقائب أمتعتها وحقائب ملابسها في بناية البنك وتترك الكراكيب في أحد مخازنه تحت الأرض؛ وأحضرت مرة سريراً قديماً عشّشَ فيه البق وأودعته في الطابق الثاني من بناء البنك، وكانت كلما يعوزها السكن الذي تريده ترمي أمتعتها إلى البنك، ومع كل ذلك فقد كان لها قلب رحيم ومساعدات بشتى الوسائل!.. وعلى سبيل المثال كان أحد خدام البنك وهو رجل عجوز قضى عمره في مسح وتنظيف زجاج وأبواب البنك وأعمال المراسلة، كان هذا العجوز قد فصل من عمله، وأسفت هتي جرين وحزنت لحاله وقضت أسبوعاً كاملاً من وقتها تفتش له عن عمل ولم تتركه حتى اشتغل! توفيت هتي جرين في سن الواحدة والثمانين بمرض شلل مفاجىء أصابها، ولم تأذن للممرضات اللاتي قمن بتمريضها في فترة مرضها القصير أن يرتدين ثياب الممرضات، وطلبت أن يكن في لباس الخادمات العاملات، لأن المرأة العجوز لم ترد أن تعترف أنها استخدمت قسماً غير عادي من الناس ودفعت لهم أجراً كبيراً وهي في آخر مرحلة من مراحل حياتها، فإن ذلك ربما يجعلها تموت غير مطمئنة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :643  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 119 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج