شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جاك سيل
(لقد ربح ما يقرب من عشرة جنيهات على كل كلمة في كتاب واحد ألفه ثم ندم على تأليفه)
ذلك الكتاب هو كتاب ((الخصوصيات))، والمؤلف هو جاك سيل. وكتاب الخصوصيات يعتبر الكتاب الأول الذي كتبه جاك سيل، والكتاب الوحيد لهذا المؤلف أيضاً، وكان المؤلف ضعيف الثقة في رواجه فلم يطبع سوى ألفي نسخة منه في الطبعة الأولى، ونفدت كلها على غير ما كان ينتظر في ستة أسابيع، ولم يلبث أن انتشر في القارة الأمريكية انتشار اللهب في الغابة التي لحقتها النار، وقد بيعت منه نسخ أكثر مما بيع من كتاب (الأرض الطيبة)، ولا شك أن أي مؤلف مهما كان متواضعاً سيملأ الغرور نفسه عندما تقرر الأرقام أن ما بيع من نسخ كتابه أكثر مما بيع من (كتاب الأرض الطيبة)، ولكن جاك لم يمر بنفسه أي شيء حتى شبح مثل هذا الغرور، بل ندم كثيراً على تأليف هذا الكتاب، ندم لأن الغايات السامية التي كان يرمي إليها في هذا الكتاب فهمت على عكس ما أراد من قبل كثير من الناس.
ومن جهة أخرى فقد كان فخوراً بالنجاح الذي حققه، وكان يرتبك عندما يقرظ الناس الكتاب في حضرته ويفضل أن لا يذكروا عنه شيئاً أمامه، خصوصاً إذا كان المقرظون من الفئة التي فهمت مغازي الكتاب فهماً سطحياً وبتفكير عامي، وقد بكت مرة ابنته بكاءاً عنيفاً لأنها أحست أن انتشار الكتاب كان فضيحة عائلية.
والمصادفة وحدها هي التي جعلت منه مؤلفاً، إذ الحقيقة أنه كان ممثلاً مشهوراً، وكان واحداً من أبرع الممثلين للأدوار الخلقية دون تصنع أو زيف، والمصادفة أيضاً هي التي جعلت منه ممثلاً، فقد كان ميكانيكياً يعمل في أحد معامل السكة الحديدية في مدينة أربانا في ولاية ألينوس، وكانت أخته الكبرى تهوى المسرح فسافرت إلى شيكاغو لدراسة الفن المسرحي في إحدى المدارس هناك، وعندما جاءت إلى بلدتها لقضاء عطلة عيد الميلاد أقامت حفلة مسرحية انتقدت فيها بطريقة هزلية، العادات والتقاليد السيئة في بلدتها. وبعد انتهاء الحفلة قال لها جاك: أهذا كل ما ذهبت من أجله إلى شيكاغو؟! أمثل ذلك من دون أن أدخل المدرسة!
وتحدته أخته أن يفعل، فنزل إلى المسرح وقدم فصلاً مضحكاً قلد فيه موزع البرقيات في البلدة. وفي بضع دقائق جعل الجماهير يتدحرجون من كراسيهم من شدة الضحك، وفي الأسبوع التالي جاءت إلى البلدة فرقة تمثيلية لتقديم بعض التمثيليات، وكان في الفرقة ممثل هزلي يقوم بأدوار هزلية بين الفصل والآخر للترويح عن النظارة..
وحدث أن مرض هذا الممثل. وسمع ((جاك)) من ذلك فقدم طلباً للعمل كبديل من الممثل الهزلي المريض.. وشكّ مدير الفرقة في قدرته، فعرض عليه ((جاك)) الأدوار التي يستطيع أن يقوم بها بطريقة فعلية، فقبل رئيس الفرقة أن يعمل جاك.
وكان هذا الأسبوع نقطة التحول في حياة جاك. الأضواء الكاشفة وبريق الشهرة ومئات المعجبين والهاتفين جذبوا جاك إلى المسرح، فلم يكن من الممكن أن يفكر في العودة إلى العمل في معمل الميكانيك مرة أخرى، فحمل حقيبة ملابسه واندفع إلى شيكاغوا وتحصل على عمل في أحد المسارح، واستأجر غرفة في سكن جماعي رخيص، وبدأ يتمرن على أداء الأدوار المرحة المضحكة. وكان يعتقد أن الشوارب الطويلة تظهره بمظهر مناسب للأدوار التي يقوم بها، ولم يتيسر له أن يعرف من أين يشتريها فاستعان بكمية من حشو مفرشة ومزجه بشعرات من ذيل الفرس وصنع لنفسه عدداً من الشوارب المستعارة، واستعملها مدة ثمانية أشهر، إلى أن اهتدى إلى شوارب صناعية صنعت خصيصاً للغرض الذي يريده، وكان دخله بسيطاً، وكان كل درهم له قيمته الكبيرة عنده.. وليميت شهيته للطعام، كان يمتص بعض أنواع الحلوى الرخيصة حتى لا يأكل كثيراً فلا يستطيع أن يدفع ثمن ما أكل.
وأصيب أخيراً بمرض في معدته ربما كان سببه الحلوى الرخيصة التي كان يمتصها، وقد صرف كثيراً على العمليات التي أجريت له في المعدة واضطر إلى أن يصحب معه طباخاً خاصاً يهيىء له طعامه أينما ذهب، لأنه لم يكن يستطيع أن يتناول طعاماً في أي مطعم بسبب مرض معدته، وكان يحمل معه صندوقاً معمولاً على هيئة خزانة يحمل فيه آلافاً من المعدات التي كان يستعملها في تمثيله لأدواره الهزلية. وقد كانت لديه مجموعة من أكبر المجموعات في العالم للمعدات الهزلية، ورغم ذلك فإنه لم يكن يستعمل الهزل إلا على خشبة المسرح. وكان يبدو رزيناً جاداً في حياته العادية. وقد اشترك في ست روايات كوميدية موسيقية في برودواي. ولكنه مع ذلك كان يجهل الرقص والغناء جهلاً تاماً. وكان يعتبر أشهر عازف على الناي في الولايات المتحدة. ولكنه لم يستعمل الناي في الروايات التي مثل فيها، وربح عشرة جنيه في تمثيلياته عن باريس.. ومع ذلك، فإنه لم يكن قد رأى باريس في حياته أبداً، وقد كان يلتزم لبس حذائه الخاص على المسرح مدة ستة عشر عاماً. وقد كان هذا الحذاء أول حذاء لبسه عندما مثل دور الرجل العجوز، وكان يعتقد أن هذا الحذاء يجلب له الحظ فكان يصر على ترقيعه كلما بلي، ولا يستبدل غيره به.
وعندما كان يقوم بتمثيل رواياته في فلادلفيا، وقع في غرام فتاة من مونتانا سحرته برقتها ولطفها وجمال خلقتها.
و ((جاك)) الذي لم يكن يبالي بآلاف الأعين وهي ترنو إليه حين يقوم بأداء أدواره على المسرح - تلعثم وأصابته الرجفة عندما ذهب لفتاته ليخطبها فاستأذنها وانصرف إلى غرفته في الفندق، وهناك رفع سماعة هاتف وبثها غرامه وعرض عليها خطبته، فقبلت وتزوجها وأنجبا أربعة أطفال.
وبعد أن ربح كثيراً من كتابه ((الخصوصيات)) ألف كتاباً آخر أسماه ((دارسو الحبوب يحطمون الصور على شاشة السينما)) ولكن هذا الكتاب لم يجمع ما صرف على طبعه من المال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :609  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 118 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج