شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أندرو كارنيجي
((الرجل الذي صنع عدداً من أصحاب الملايين لم يستطع أحد من الرجال أن يصنع مثلهم))..
عندما جاء المخاض والدة أندرو كارنيجي، لم يستطع أبوه أو حتى أحد من أقاربه أن يحضر لها طبيباً أو ممرضة لاستقبال الطفل القادم، فقد كانوا من الفقر بحيث لا يستطيعون دفع أجرة الطبيب أو الممرضة.
وعندما بدأ حياته العملية، بدأها بأجر يومي قدره سنتان، ومع ذلك فقد جمع ثروة قدرت بأربعمائة مليون دولار.
وقد زرت مرة المسكن الذي ولد فيه أندرو كارنيجي في مدينة دنفر ملين بأسكوتلاندا، فوجدته يحتوي على غرفتين فقط، إحداهما سفلية كان يستعملها أبوه لعمله كحائك، وأخرى علوية صغيرة مظلمة كانت العائلة تستعملها للطبخ والأكل والنوم.
وعندما هاجر والده إلى أمريكا، اتخذ له عربة يدوية وبدأ عمله كبائع متجول يسير بعربته من باب لباب يعرض بضاعته القليلة من الألبسة والقمصان وعملت أمه كغسالة، وفي خرز الأحذية في مصنع لصناعة الأحذية.
ولم يكن أندرو كارنيجي يملك سوى قميص واحد، كانت أمه تغسله وتكويه له كل ليلة عندما يأوي إلى فراشه وكانت تعمل بمعدل ست عشرة ساعة في اليوم.
كان أندرو كارنيجي يحب أمه حباً جنونياً حتى إنه عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره أخذ على نفسه عهداً أن لا يتزوج ما دامت أمه على قيد الحياة خشية أن تعكر الزوجة صفو حياة أمه وتكون سبباً لبعده عنها؛ وحافظ على عهده ولم يتزوج إلا بعد وفاة والدته، وبعد ثلاثين عاماً من ذلك التاريخ فكان عمره عندما تزوج اثنين وستين عاماً.
وعندما كان صغيراً كان يكرر القول على والدته فيقول ((سأصبح يوماً ما غنياً يا أماه وسيكون لك خدم وحشم ولباس من حرير وعربة فاخرة)).
وكان يقول دائماً إنه ورث ذكاءه من أمه وأن محبتها التي يحتفظ بها في طيات قلبه هي نبراسه في كل أعماله.
وكان أثر الصدمة على نفسه شديداً عندما توفيت والدته، حتى إنه لم يستطع أن يلفظ اسمها مدة خمس عشرة سنة، فإن مجرد ذكر اسمها كان يسبب له حزناً أليماً وقد دفع مرة مبلغاً كبيراً من المال لفك حجز سيدة لمجرد أنها كانت تشبه أمه.
كان يعرف أندرو كارنيجي بملك الصلب رغم أنه لم يكن يعرف عن صناعة الصلب الشيء الكثير، وكان عنده المئات بل الآلاف من خبراء الصلب الذين يخدمون بإخلاص، فقد كان يعرف كيف يستخدم الناس ويستغل كفاءاتهم، وهذا كان سر نجاحه في جمع الملايين. وقد ظهر استعداده (لبلف) الناس واستخدامهم منذ كان صغيراً، فقد تحصل مرة على أرنبة مع صغارها فأسس لها جحراً مناسباً، وما لبث أن احتار كيف يطمعهم فلمعت في ذهنه فكرة ونفذها. دعا أولاد الحارة وأطلعهم على أرنبة وأولادها ثم قال ((تعرفون يا أولاد)) أني عزمت أن أسمي كل أرنبة على شرف اسم الولد الذي يسعى لإحضار الحشيش والبرسيم لها)) وهكذا تسابق الأولاد لإحضار الطعام للأرانب ونجحت الفكرة.
وبعد سنوات من هذا التاريخ، استعمل كارنيجي الطريقة السيكلوجية نفسها في حياته العملية، وعلى سبيل المثال: كانت سكة حديد بنسيلوانيا مجالاً واسعاً لتصريف بضاعته من الحديد، وكان مدير سكة حديد بنسيلوانيا في ذلك التاريخ السيد ادجار توماس، فلم يتردد كارنيجي وبنى معملاً كبيراً للصلب في بنسبورج وسماه على شرف المستر أدجار توماس ((معمل الصلب والحديد لخدمة مشروعات المستر ادجار توماس)).
وكان طبيعياً أن يسر السيد ادجار بذلك وأن لا يحتاج إلى دعاية أكثر ليأمر بشراء كل ما تتطلبه سكة حديد بنسيلوانيا من الحديد والصلب من المعمل الذي يحمل اسمه.
أول عمل اشتغل فيه كارنيجي كان مراسلاً في إحدى إدارات التلغراف بأجرة يومية قدرها خمسون سنتاً، وكانت تلك أجرة مغرية بالنسبة لشخص مثله فقد كان غريباً في البلدة. وخوفاً من أن يفقد مركزه لعدم معرفته مواضع البلدة، كان يجوب البلدة ويحفظ عناوين البيوت التجارية والمراكز الصناعية وكل ما يمت إلى عمله بصلة؛ وبعد أن استقر في العمل طمح أن يكون مأموراً تلغرافياً فبدأ يأخذ دروساً ليلية في التلغراف ويبكر صباحاً إلى المكتب ينتهز فرصة عدم حضور المأمور ويتمرن عملياً على آلة التلغراف.
وفي صباح أحد الأيام حيث بكر إلى المركز للتمرين، كانت أسلاك البرق تهتز تحمل أخباراً هامة، وكان المأمور في فلادلفيا يطلب بإلحاح مأمور بتسبورج ولم يكن في ذلك الوقت أي مأمور في المركز، فلم يكن من كارنيجي إلا أن أخذ موضعه في مركز المأمور واستقبل الرسالة وسلمها في الحال، وكان هذا الحادث كافياً لترقيته وتعيينه مأموراً لاسلكياً بمرتب مضاعف!
وأسست سكة حديد بنسيلوانيا مركزاً تلغرافياً بها، ولفت نظرها نشاط كارنيجي وسهره الدائم، فعينته مأموراً لمركزها الخاص ثم سكرتيراً خاصاً بقسم الإشراف.
وفجأة حدث في أحد الأيام ما غيّر مجرى حياته وقاده إلى طريق الثروة والغنى، فقد جلس إلى جانبه في إحدى عربات القطار أحد المخترعين وأطلعه على نموذج جديد لعربات النوم من اختراعه.
وكانت عربات النوم في تلك الأيام مصممة على طريقة بدائية فكانت أسرة النوم مثبتنة بمسامير على جوانب عربات الشحن، وكان هذا الاختراع الجديد يشبه كثيراً عربات البولمان في عصرنا الحاضر. وأبصر كارنيجي بفطرته الأسكوتلاندية المدى البعيد الذي يحققه هذا الاختراع، فقد قدر أن هذا الاختراع سيكون له مجال واسع في مستقبل السكك الحديدية التي سيعم انتشارها وتصبح وسيلة هامة للنقل في أمريكا، فلم يتردد في أن يقترض مبلغاً كبيراً من البنك واشترى أسهماً لصالح الاختراع.. ونجحت هذه الشركة نجاحاً كبيراً، وعندما بلغ كارنيجي الخامسة والعشرين من عمره كان ربحه العادي من أسهم هذه الشركة خمسة آلاف دولار سنوياً.
وأحترق مرة أحد جسور السكك الحديدية المقامة من الخشب وتعطلت الحركة أياماً، وكان كارنيجي في ذلك الوقت في قسم الإشراف في سكة حديد بنسيلوانيا، فتنبأ أن الجسور الخشبية سيحكم عليها بالزوال إلى الأبد بعد هذا الحادث، وتحقق لديه أن المستقبل سيكون للجسور الحديدية، فاقترض مبلغاً من البنك وأسس شركة لبناء الجسور الحديدية وكان الإقبال على هذه الشركة إقبالاً كبيراً لم يكن يحلم به.
لقد أصبح ابن الحائك هذا لا يلمس شيئاً إلا ويتحول إلى ذهب! وارتفع صيته واتسعت شهرته وعرف بالظرف واللطف. كان الحظ معه دائماً، الحظ بكل ما فيه من الغرائب والعجائب. اشترك مرة هو وبعض أصدقائه في شراء مزرعة وسط حقول الزيت في بنسيلوانيا بأربعين ألف دولار، ولم تمض سنة حتى كان ربحهم منها مليوناً من الدولارات.
وفي الوقت الذي بلغ فيه هذا الأسكتلندي (الملحاح) السابعة والعشرين من عمره كان دخله ألف دولار في الأسبوع الواحد، ولم يكن دخله قبل خمس عشرة سنة سوى سنتين في اليوم!
في عام 1862 كان الرئيس لينكولن يحكم في البيت الأبيض وكانت الحرب الأهلية في أقصى حدتها وارتفعت الأسعار ووقعت أعظم الأحداث وبدأت الحدود تتقلص إلى الداخل، وهاج الناس مندفعين إلى أقصى الغرب وأخذت اجراءات مد السكك الحديدية تتم بسرعة وإجهاد وخططت المدن الجديدة ووقف الأمريكان يتطاحنون على عتبة عصر جديد.
وفي غمار هذا التطاحن والاندفاع المدمر كانت معامل الصلب والحديد التابعة لكارنيجي ترسل دخانها في عمل مستمر ليل نهار، وارتفع الإنتاج وظل يستمر في الارتفاع فجمع كارنيجي ثروة لم يحلم بها شخص مفرد في تاريخ البشرية.
كل هذا ولم يكن كارنيجي يجهد نفسه بالعمل، فكان يمضي نصف وقته في التسلية واللهو، وكان يقول إنه قد جمع حوله من المساعدين من كانوا يعرفون طبيعة العمل أكثر مما يعرف وكان يقف دائماً وراءهم يحثهم ليجمعوا له الملايين.
لقد كان اسكوتلاندياً ولم يكن في شحه اسكوتلاندياً صميماً، فكان يسمح لشركائه في العمل أن يقاسموه أرباحه فساعد في تكوين عدد من أرباب الملايين منهم لم يستطع أحد من الأحياء أن يصنع مثلهم.
لم يدرس كارنيجي في حياته سوى أربع سنوات، ورغم ذلك ألف كتباً كثيرة فكتب عن رحلاته وألف في التراجم والاقتصاد وكتب مقالات متفرقة، فبلغ عدد ما ألف ثمانية كتب، وتبرع بستين مليوناً من الدولارات للمكاتب العامة وثمانية وتسعين مليوناً لنشر التعليم..
كان يحفظ من الشعر مقداراً كبيراً وكان يفضل لبعض الشعراء ويحفظ كل شعرهم وكان يسرد من الذاكرة جميع قصص شكسبير بكل تفاصيلها، ورغم أنه لم يكن عضواً في كنيسة فقد تبرع لها بمبالغ كبيرة.
لقد تبرع بما يبلغ مجموعه ثلاثمائة وخمسة وستين مليوناً من الدولارات، ومعنى هذا أنه كان يتبرع بمليون دولار في اليوم الواحد لمدة سنة.
وقد قامت ضجة كبيرة في الصحف وتعددت الآراء في تحديد الجهات التي كان كارنيجي يتبرع لها، وقدمت الصحف جوائز لمن يدلها على الجهات الحقيقية التي كان كارنيجي يجود عليها بكنوزه الذهبية.
فقد أعلن كارنيجي قبل وفاته أنه من العار أن يموت وفي حيازته أية ثروة!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :681  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 115 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج