شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جاك لندن
(المتشرد الذي اجتاز الامتحان الثانوي في ثلاثة أشهر وألف واحداً وخمسين كتاباً في ثمان عشرة سنة)، كان يتغفل مأموري قطارات الشحن ويندس بين البضائع ليتنقل من قرية إلى قرية ويطوف على الأبواب باباً فباباً يلتمس لقمة العيش.
قبض عليه البوليس بتهمة التشرد وحوكم وحكم عليه بالأعمال الشاقة مدة ثلاثين يوماً في إصلاحية السجون، فكان كل صباح يأخذ معوله ويمضي في كسر الصخور ولم يقدم له طول هذه المدة طعام سوى الخبز والماء.
وبعد ست سنوات فقط - تصور ست سنوات! من هذا التاريخ، أصبح هذا المتشرد العاطل الذي كان يطرق الأبواب التماساً للقمة العيش، أصبح موضع اهتمام الناس في الساحل الغربي، وكانت النخبة من رجالات المجتمع الراقي في كاليفورنيا تتسابق إلى التقرب إليه والاحتفاء به، ويقابل أينما حل بترحاب وتأهيل من الأدباء والنقاد ورؤساء التحرير باعتباره من ألمع رجالات الأدب في عصره.
لم يلتحق بالمدارس الثانوية إلا بعد التاسعة عشرة من عمره، وتوفي وهو في الأربعين وخلف ثروة أدبية هائلة… واحداً وخمسين مؤلفاً.
أعرفت من هو؟
إنه الأديب الذائع الصيت ((جاك لندن)) مؤلف ((نداء المتوحشين)).
عندما كتب جاك لندن روايته ((نداء المتوحشين)) عام 1930 أصبح في يوم وليلة من أشهر الكتّاب وأصبح رؤساء التحرير يتزاحمون عليه ليفوزوا بسبق الحصول على إنتاجه.
ولكن هذا العمل الذي أصاب به مرمى نجاحه الأول لم يعد عليه بالكسب المادي إلا قليلاً، فقد ربح منه الناشرون ومن بعدهم المخرجون في هوليود ملايين الدولارات، أما هو فقد باع حقوق النشر بألفي دولار فقط.
((إذا أردت أن تؤلف كتاباً فأهم ما تحتاج إليه هو أن تكون لديك صور مختزنة عما تريد أن تكتب عنه)) هذه القاعدة التي اتخذها أساساً لكتاباته هي سر نجاح جاك لندن المدهش في جميع مؤلفاته، فقد اختزن في نفسه عشرات الآلاف من الصور والظلال المختلفة الأشكال والألوان في المدة القصيرة المضطربة التي عاشها، فقد مارس شتى الأعمال وزاول شتى المهن فاشتغل بحاراً وزاول القرصنة وعمل في مناجم الذهب واشترك في صيد عجول البحر في أقصى الشمال وجاب أكثر من نصف الكرة الأرضية هائماً على وجهه متشرداً. وكثيراً ما كان يطوي أيامه على الجوع وينام في الحدائق العامة وفي طيات أكوام التبن وصناديق العربات وينام بعض الأحيان على الأرض الصلبة تحت السماء، فإذا صحا وجد نفسه غارقاً في بركة من الماء. وقد أصابه الاضمحلال مرة فراح في نوم عميق وهو مدسوس بين القضبان تحت عربة من عربات قطار الشحن، وقبض عليه مئات المرات وأودع في سجون أمريكا. وفي جولاته المتعددة حول العالم دفع إلى السجن في المكسيك ومنشوريا واليابان وكوريا.
اتسم طابع حياته في طفولته بالفقر المدقع والكد والجهد وعاش عيشة انطلاق مع عصابة اختارت منطقة عربدتها على طول ساحل خليج سان فرانسيسكو، وكان عندما تذكر أمامه سيرة المدارس والتعليم يرفع صوته مقهقهاً ويمعن في الانهماك في لعبة ((الهوكي)) التي كان يهواها.
وفي جولة من جولاته الطائشة كانت نقطة التحول، فقد قادته رجلاه إلى مكتبة من المكتبات العامة ووقع في يده كتاب ((روبنسن كروزو)) وافتتن بقراءته إلى حد أنه لم يشعر بحاجته إلى الطعام؛ وقد دخل المكتبة وهو في طريقه لتناول طعام العشاء وعاد في اليوم الثاني إلى المكتبة وأنهمك في مطالعة الكتب لقد انفتحت أمامه آفاق جديدة وعاش في دنيا مليئة بالعجائب والغرائب كدنيا بغداد في قصص ألف ليلة وليلة ومنذ ذلك اليوم وغلته لا ترتوي من مطالعة الكتب، فكان يلتهم كل ما يقع تحت يده منها، لا يفرق بين الكتب الأدبية والعلمية والثقافية وكتب المذاهب، وعندما بلغ التاسعة عشرة من عمره عزم أن يريح جسده من اللف والدوران وأن يستغل قواه العقلية. فقد تعب من التشرد وتعقب البوليس ومأموري قطارات السكة الحديدية الذين كانوا يضربونه على رأسه بفوانيسهم الحمر زاجرين مؤنبين.
وفي سن التاسعة عشرة دخل إحدى مدارس اكلوهاما الثانوية في كاليفورنيا، وأنكب على الدراسة ليلاً ونهاراً لم ينم غير ساعات قليلة.
وحقق الأمر المدهش، فقد كرس مجهوده وحشد المعلومات التي كان يدرسها الطلاب في أربع سنوات في ثلاثة أشهر، وفاز في الامتحان!
وانخرط في سلك طلاب كلية كاليفورنيا، وبروح الطموح التي ملأت جوانب نفسه في أن يصبح كاتباً كبيراً، راح يدرس كتب الأدب لكبار الكتاب ويعيد قراءتها مرات ومرات. ثم بدأ الإنتاج، بدأ بقوة ووفرة فكان يكتب في اليوم الواحد خمسة آلاف كلمة بمعدل رواية كاملة خلال عشرين يوماً.
وبعث مرة ثلاثين رواية لمختلف الصحف في وقت واحد، ولكنها ما لبثت أن أعيدت إليه جميعها فلم يكن حسّه الأدبي المبدع قد نضج بعد.
وبعد لأي نالت روايته ((عاصفة على شواطىء اليابان)) الجائزة الأولى في سباق أقيم في سان فرانسيسكو، وكانت الجائزة اثنين وعشرين دولاراً فقط وكانت صدمة شديدة فقد عجز عن تسديد أجرة الغرفة التي كان يسكنها!
كان ذلك في عام 1896 وفي هذا العام عاشت أمريكا في قلق وعاش أبناؤها عيشة أبطال الروايات في القصص الخيالية، فقد اكتشف الذهب في مقاطعة كلونديك.. وانتشرت برقيات الإغراء في جميع أنحاء القارة فهزت النفوس وجرفتها فترك أصحاب الأعمال أعمالهم وهرب الجنود من الجيش وهجر الزراع مزارعهم وأغلق التجار متاجرهم وتحركت مواكبهم نحو مناجم الذهب وكانت جموعهم تسير كالسيل المنهمر يغذون السير يتسابقون على كنوز الذهب تحت أرض الجنوب!
وكان جاك لندن ضمن هذه الجموع، وعاش أشد أيام محنته يمني نفسه بسبائك الذهب في أرض الذهب في كلونديك. وتحمل في هذه الأيام شدائد وأخطاراً لا تخطر على بال، فقد كان الغلاء شديداً والبرد قارساً والدرهم عزيزاً، وكان ينام على الأرض في جو درجة حرارته 64 تحت الصفر ثم ماذا؟ لقد عاد من كلونديك خائباً لا يملك في جيبه درهماً واحداً.
واشتغل بعد ذلك في أي عمل صادفه مهما كان نوع العمل، اشتغل في غسل الأطباق ومسح البلاط والأحواض والمعامل.. وما لبث أن ضاق ذرعاً بالعمل فصمم ذات يوم أن يترك العمل الجسماني إلى غير رجعة وأن يخصص كل وقته للأدب ولم يكن في جيبه في ذاك الوقت سوى دولارين.
كان ذلك في عام 1898 وبعد خمس سنوات من هذا التاريخ كان قد نشر ست روايات ومائة وخمساً وعشرين قصة قصيرة وأصبح أشهر كاتب في الأدب تتحدث عنه أمريكا كلها.
وفي عام 1919 توفي جاك لندن بعد ثماني عشرة سنة من اشتغاله بالتأليف، وكان يؤلف في المتوسط ثلاث روايات في السنة إلى جانب عدد كبير من القصص القصيرة، وكان وارده الشهري ضعف وارد رئيس الولايات المتحدة.
ولا تزال كتبه مرغوبة في أوروبا، وتعد من أكثر الكتب انتشاراً في العالم من كتب أي أديب أمريكي آخر.. روايته ((نداء المتوحشين)) التي لم يكسب منها سوى ألفي دولار، ترجمت إلى عشرات اللغات وبيع منها أكثر من مليون ونصف مليون نسخة وهي أعظم رواية أمريكية قُرئت في أنحاء العالم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :586  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 114 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.