شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وليم شكسبير
كان أثر عقد زواج شكسبير في نفسه أثر الرصاصة تنطلق من فوهة البندقية فتصيب الهدف!!
لم يكن أحد يعيره أي اهتمام في حياته، وحتى بعد مضي مدة سنة على وفاته لم يكن قد عرفه العالم تماماً، ومع ذلك كتبت عنه مئات المقالات وأثارت تلك المقالات عدداً من التعليقات لم تثر مثلها عن حياة أي كاتب من كتّاب ذلك العصر أفنى حياته بين القرطاس والقلم، حتى لقد أصبح آلاف من الناس يقصدون إنجلترا ليزوروا البلد الذي ولد فيه هذا الأديب، وأنا نفسي زرت مرة البلد الذي ولد ونشأ فيه شكسبير عام 1951 وكان يحلو لي أن أجوب تلك الضواحي مبتدئاً من ستارت فورد ومنتهياً بسلاتري واطئاً بأقدامي المواطن والحقول التي كان يجوبها شكسبير بتلهف عندما كان شاباً ريفياً غراً وكان يقوده غرامه وتحثه رجلاه إلى موعد الغرام الذي كان يعز عليه فوات فرصة مع حبيبة القلب ((أنا هاتواي))..
ولم يكن يدور بخلد وليم شكسبير في ذلك الوقت أن اسمه سوف يدوي في هذا العالم، وأن أدبه سوف يبني مجد الفكر الأدبي ويخلد في صفحات الآداب العالمية بالفخر والاعتزاز.
ومن حسن الحظ أيضاً، أنه لم يكن ليتخيل أن غرامه الأول الملتهب سينتهي إلى الحزن والألم ثم إلى سنين متواصلة من الحسرة والندم..
فليس من شك أن خيبة أمل شكسبير في زواجه كانت الحدث الذي هزه بعنف وحول مجرى حياته إلى مجهود أدبي جبار.
نعم إنه أحب أنا هاتواي حباً جنونياً، ولكن هذا الحب لم يلبث بعد أن أخذ فورته أن خبا وأحس شكسبير بانجذابه نحو فتاة أخرى..
عندما علمت أنا هاتواي بعزمه على تركها والزواج بفتاة أخرى، جن جنونها، وفي يأس قاتل راحت تقتحم بيوت جيرانها في البلدة لتقص عليهم قصتها وهي تبكي وتشرح في استحياء الأسباب التي توجب على شكسبير أن يتزوجها.
وأثارت قصتها شهامة جيرانها واستيقظت في نفوس هؤلاء الناس العزة والكرامة وأغضبتهم تلك الحيدة الخلقية من الفتى، فاندفعوا في حماس وإصرار نحو المدينة وألزموا شكسبير أن يصلح غلطه ويتزوج بفتاته أنا هاتواي.
كانت عروس شكسبير تكبره بثماني سنوات، وكان هذا الزواج من بدايته زواجاً بائساً وقصة مضحكة، وكان شكسبير في مواقفه على المسرح ينصح الرجل دائماً بعدم الزواج من فتاة أكبر سناً.
ومن المؤكد أنه لم يعش مع زوجته سوى فترة قصيرة وأمضى سني حياته في لندن بعيداً عنها، وكان لا يزور عائلته سوى مرة واحدة في العام..
إن سترافور - مدينة شكسبير - في عصرنا هذا مدينة من أجمل مدن إنجلترا: أكواخ جميلة مسقفة بالقش وحدائق أنيقة وشوارع متعرجة في شكل هندسي بديع.
أما في العصر الذي كان يعيش فيها شكسبير، فكانت بلدة قذرة يخيم عليها الفقر وتغزوها الأمراض، لم تكن بها مجار وكانت الخنازير تسير في شوارعها تلتهم الفضلات وتلوث الشوارع - ووالد شكسبير - وكان من الرجال الرسميين - جوزي مرة بغرامة لأنه كان يحتفظ أمام داره بفضلات الإسطبل.
إننا هنا في أمريكا نظن أن أسلافنا قد عاشوا أياماً شديدة قاسية، ولكن الحقيقة أن نصف سكان ستراد فور في عصر شكسبير كانوا يعيشون على الإحسان وكانوا أميين، ولم يكن في عائلة شكسبير من يقرأ أو يكتب لا أبوه ولا أمه ولا جده ولا جدته وحتى ولا أحفادهم.
إن الرجل الذي اختاره القدر ليبني مجد إنجلترا الأدبي، اضطر إلى ترك المدرسة ليعمل وهو في الثالثة عشرة من عمره؛ كان والده فلاحاً وصانع قفازات وكان على شكسبير أن يقص شعر الأغنام ويحلب الأبقار ويخض الزبد ويساعد في دبغ الجلود وتنعيمها.
لكنه عندما توفي كان يعتبر من أثرياء عصره، فقد جمع بعد سنين قليلة من وصوله إلى لندن مبلغاً كبيراً من عمله كممثل، واشترى أسهماً في أكثر من مسرح واقتنى العقار وأقرض المال بالفوائد الكبيرة، وكان يقدر دخله بثلاثمائة جنيه في العام وكانت الثلاثمائة جنيه في ذلك الوقت تساوي أضعاف قيمتها الآن؛ وعندما بلغ شكسبير الخامسة والأربعين من عمره كان يقدر دخله بعشرين ألف دولار في العام.
وإنه لتأخذك الدهشة عندما تعلم المقدار الذي أوصى به شكسبير لزوجته من ثروته الكبيرة هذه - إنه لم يوص لها حتى ولو بسنت واحد، وكل الذي أوصى لها به سرير نومه المستعمل، ولم تكن هذه التوصية إلا حاشية كتبت بين سطور الوصية بعد إتمام كتابتها.
إن كتب شكسبير لم توزع في صورة كتب إلا بعد وفاته بسبع سنوات، ويمكنك الآن إذا كنت من عشاق أدب شكسبير أن تتحصل على نسخة من الطبعة الأولى من كتب شكسبير في نيويورك بحوالى ربع مليون دولار.
ومن المؤكد أن شكسبير لم يتحصل في حياته على جزء من مثل هذا المبلغ عند عرضه لأفضل رواياته، مثل هملت أو أحلام ليالي الصيف.
وقد سألت الدكتور نانتي بام الشخص الذي عني بمخلفات شكسبير الأدبية وكتب عنه عدة بحوث - سألته عما إذا كان قد ثبت من التحقيقات التاريخية وجود شخصية شكسبير فأجاب: إن شخصية شكسبير شخصية ثابتة في تاريخ إنجلترا ثبوت شخصية الرئيس لنكولن في تاريخ أمريكا.
ومع ذلك، فإن هناك كثيرين من الناس يعتقدون أن شخصية شكسبير شخصية خرافية وأن كثيراً من الكتب التي طبعت باسمه كتبها كتّاب آخرون ونسبوها إليه.
وعندما زرت بلدة شكسبير كثيراً ما كنت أقف على قبره أتأمل الأبيات الشعرية المنحوتة على شاهد القبر.
أيها الرفيق الطيب! بربك ترفق، فلا تنبش تراب هذا القبر، غفر الله لك، لا تحرك هذه الأحجار، واللعنة على كل من يحاول تحريك عظامي من موضعها..
إن قبر شكسبير يقع في بقعة أمام المنبر في كنيسة القرية الصغيرة..
هل كان اختيار هذه البقعة المميزة لقبر هذا الأديب الإنكليزي الكبير تكريماً وإجلالاً لمكانته الأدبية المرموقة وتقديراً لأدبه الحي الذي لا زال بجدته رغم مر القرون؟!.. كلا! فإن الأديب الذي اختاره القدر ليكون نجماً ساطعاً في سماء الأدب الإنكليزي لم يمنح هذا المقام ليدفن فيه لمكانته الأدبية الخالدة، بل لأنه كان ساعد في إقراض المال لمشروعات بلده، ولولا تلك اللمحة في حياته لكان قبر هذا الأديب الكبير ضائعاً اليوم بين القبور الكثيرة المجهولة؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :652  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 112 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج