شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ادي ريكن بيكر
هذه قصة رجل عاش كما يبدو محصناً ضد الموت، رجل تحدى المهالك وظل يداعب الموت في أخطر المواقف مدة ربع قرن من الزمن.. اشترك في مائتي مسابقة للسيارات يندفع بالسيارة في أقصى سرعتها حتى ليخيل للرائي أن السيارة تطير في الهواء من شدة السرعة، وفي أيام الحرب العالمية عام 1918 أسقط ستاً وعشرين طائرة ألمانية كان يهاجمها في الجو تحت وابل من رصاص الرشاشات التي كانت تفتحها عليه طائرات الأعداء، فكان الرصاص يمر من بين يديه ومن خلفه على قيد شعرة من جسمه، ورغم كل ذلك كان يخرج من المعركة من دون أن يحدث له أقل خدش في جسمه.. نعم هذه هي القصة الواقعية للقومندان الطيار رئيس أشهر فرقة طيران في الحرب العالمية الأولى القومندان ((ادي ريكن بيكر)):
((اشتغلت عقب الحرب العالمية الأولى مديراً لمكتب ألطف رجل عرفته في حياتي، كان هذا الرجل هو السير روس سيمث الأسترالي المشهور من رواد الطيران الأول وأول طيار طاف حول نصف الكرة الأرضية بطائرته)) وكان الشبه كبيراً بين الرجلين ادي ريكن بيكر والسير روس، فقد كان كلاهما من أشهر رجال الحرب العالمية الأولى الذين أثبتوا بطولات خالدة في الحروب الجوية في الوقت الذي كان فيه الطيران لا يزال بدائياً. كان كلاهما هادىء الطبع رطب الحديث بعيداً جداً في مظهره وأخلاقه عما يتصوره الإنسان في رجل الحرب الذي اعتاد أن يجلس خلف المدفع الرشاش يرسل من الجو أسباب الفناء على الأرض.
كان ادي ريكن بيكر حتى الثانية عشرة من عمره فتى همجياً حاد الطبع لا يعرف النظام، يترأس عصابة من أبناء الجيران يقذفون مصابيح الشوارع بالأحجار ويحدثون المشاكل مع الناس.
وكان الفتى لا يزال سادراً في غيه عندما وقعت الكارثة التي هزت كيانه وحولته في لحظة واحدة من فتى طائش إلى رجل مسئول؛ فقد توفي والده وأصبح المسئول الوحيد عن الأسرة - هكذا عبر هو عن نفسه في هذه الفترة من حياته - وفي اليوم الذي دفن أباه قرر أن يحمل العبء بكل عزم وشجاعة فترك المدرسة والتحق بالعمل في إحدى معامل الزجاج بمرتب بنسين ونصف بنس في الساعة وعمل اثنتي عشرة ساعة في اليوم، وكان يسير سبعة أميال يومياً إلى المعمل صباحاً ومثلها مساءً ليوفر خمس بنسات أجرة الترام.
لقد صمم الفتى أن يسير قدماً وأن يستهين بكل عقبة تقف أمامه، وضاق ذرعاً بالعمل الرتيب في معمل الزجاج فتركه محتقراً له، وتاقت نفسه إلى عمل مبدع خلاق فاختار أن يكون فناناً يسرح بأحلامه وخيالاته في ألواح فنية يضفي عليها الخطوط والألوان، فبدأ يدرس الرسم في مدرسة ليلية وتحصل على وظيفة للنحت على الرخام في محل يصنع شواهد القبور، ولا يزال الشاهد الذي نحته بيده لقبر والده باقياً حتى الآن على القبر تذكاراً لهذه الفترة من حياته، غير أنه قيل له إن العمل في نحت الرخام مضر بالصحة. وقال بيكر: لا أريد أن أموت شاباً! فتركت عمل النحت لأفتش عن عمل أسلم..
وكان عمره أربعة عشر عاماً عندما وقف على الرصيف في صباح مشرق كان له أثر حسن في مستقبل حياته، وركب أولى سيارة رآها في حياته، ذلك الاختراع السحري الذي بهره وهو يراه لأول مرة يسير في شوارع كولومبس فيها دوي يرسل من ماتوره العجيب النغمات العجيبة، وقد دارت مع دورة عجلاته عجلات القدر بالنسبة لحياة بيكر، فتغير مجرى حياته منذ ذلك الصباح تغيراً تاماً، وقبل أن يتم الخامسة عشرة من عمره تحصل على عمل في مرأب ((قراش)) وتعلم القيادة عندما كان يطلب إليه تقديم السيارات وتأخيرها حسب طلب العمل.
واستهواه العمل في المرأب، فلم يلبث أن بنى في فناء داره محلاً خاصاً وجمع فيه العدد والمعدات اللازمة وشرع يحاول وضع تصميم لسيارة خاصة به.
وما إن سمع أن مصنعاً للسيارات افتتح في كولومبس حتى هرع إليه يلتمس عملاً، وبعد أن تردد عليه ثماني عشرة مرة تمشياً مع روتين: ((راجعنا في الأسبوع الآتي)) ضاق ذرعاً وذهب في هياج رأساً إلى صاحب العمل الذي أدهشه دخول الفتى عليه في هذه الصورة وقال الفتى: اسمع يا سيدي! جئتك بنبأ قد لا تدري عنه شيئاً، إن أرض المصنع في غاية القذارة، إني مستعد أن أعمل من الغد في تنظيفه وشحذ العدد والقيام بمهمة المراسلات، وسأله المدير عن الراتب الذي يطلبه لمثل هذا العمل فأجاب بأن الراتب لا يهم كثيراً.. فكل الذي كان يسعى إليه الفتى فرصة البدء في العمل وقد حصل عليها.
واشترك في قسم الميكانيكا في إحدى مدارس المراسلات، وبذلك أعد نفسه لكل الفرص التي أتيحت له فيما بعد، ومنذ ذلك التاريخ اطرد تقدمه السريع: عامل فرئيس للعمال، فمساعد مهندس، فمهندس مسئول، ثم رئيس للمبيعات، ثم مدير الفرع.
وغلا الدم في جسمه من جديد، وتاقت نفسه للمغامرات والاندفاع بسرعة نحو المجد، واستهواه فيما استهواه صيحات الإعجاب واستقبالات الابتهاج الجارف التي كان يرددها الجمهور للفائزين في سباق السيارات، فهيأ نفسه لتلك المغامرات المثيرة وقد كان يعلم أنه حادّ الطبع سريع الانفعال، فعالج الحدة واستمر يرسم ابتسامة صناعية على شفتيه حتى تغلب على حدة طبعه وأصبحت الابتسامة التي كانت صناعية ابتسامة طبيعية على شفتيه واشتهر بها.. كان يعرف أن تفادي مخاطر سباق السيارات المفاجئة المهلكة يحتاج إلى أعصاب من جديد، فهجر التدخين والشراب وجعل يدلف إلى فراشه في الساعة الثامنة، وعندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره أصبح بيكر من اشد المغامرين في سباق السيارات؛ وقد يكون من المفارقات العجيبة أن تعرف أنه اشترك في أكبر مسابقات للسيارات وقطع بها آلاف الأميال خلال الثلاثين سنة الماضية، فعل كل ذلك ولم يكن يحمل رخصة قيادة وما زال كذلك حتى هذا التاريخ.
وكان لا يؤمن بشعارات الحظ السعيد، وقد اعتاد أصدقاؤه أن يهدوا له هذه الشعارات مثل أرجل الأرنب وصور مصغرة من حدوة الحصان وتمثال الأفيال التي تعارف الأمريكان عليها بأنها مجلبة للحظ، وكان يوماً مسافراً في إحدى القطارات فجمع من تلك الهدايا وفتح نافذة القطار ورمى بها في مفاوز كنساس.
وعندما دخلت أمريكا الحرب العالمية الأولى، كان ريكن ألمع رجل في قيادة السيارات في أمريكا، فعين رئيساً عاماً لفرق السيارات في الجيش، ولم يلبث أن احتقر هذا العمل فقد أصبح عملاً عادياً بالنسبة لطبيعته المغامرة فتركه واقتحم ميدان الطيران.
وفي غضون ثمانية عشر شهراً كان اسمه الأول بين أبطال الجو في الحروب الجوية ونال عدداً من أكبر الأوسمة من الدول الثلاث الكبرى.
إذا كنت من هواة قراءة كتب المغامرات، فما عليك إلا أن تزور إحدى المكتبات وتطلب ((كتاب القتال في الجو)) الذي ألفه ادي ريكن بيكر فستجده محشواً بمواقف البطولة والمغامرات والخروج من المآزق الخطيرة في أحلك الظروف، إنه يحوي فصولاً مثيرة في تاريخ الطيران الحربي.
كان يلتقط العنب من تحت الكروم يعيش عليه ليستطيع أن يوفر أجرة سكنه فأصبح اليوم يكسب في كل ثانية جنيهاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :702  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 111 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج