شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سومرست موم
ترى أية قِصة كنت تختار لو خطر لك أن تختار أعظم قصة مثلت على المسرح منذ نشأة المسرح في العالم؟
لقد قدم نقاد المسرح في نيويورك استفتاء سرياً عن أعظم عشر روايات مثلت على المسرح فحازت الدرجة الأولى رواية ((هملت)) التي كتبها شكسبير قبل ثلاثة قرون. أما الرواية الثانية التي حكم لها بالفوز، فلم تكن كما يتوقع الكثيرون إحدى الروايات العالمية المشهورة مثل رواية ماك بث، أو الملك لير، أو تاجر البندقية. بل كانت الرواية الحديثة ((الغيث))، نعم الغيث تلك الرواية التي تصارع فيها الجنس والمذهب مصارعة عنيفة، أنشب كل منهما أنيابه وأظفاره في الآخر في منطقة بحر الشمال.
إن الرواية مقتبسة من قصة قصيرة كتبها سومرست موم وقد ربح منها أربعين ألفاً من الجنيهات، ومع ذلك فإنه لم يمض في كتابتها أكثر من خمس دقائق، وإليك قصة هذه القصة:
كان موم قد كتب قصة قصيرة أسماها ((سادي تمبسن)) ولم يهتم بنشرها بعد كتابتها فوضعها في أحد أدراجه، وحدث أن زاره في إحدى الليالي السيد جون كالتون، وعندما تهيأ السيد كالتون للنوم أصابه القلق فطلب من مضيفه شيئاً يقرؤه ليجلب لعينيه النوم، فناوله مسودة لقصة ((ساري تومبسن))، وسحرت القصة كالتون وهزت كيانه، فقام من فراشه على الأرض ويتخيل أشخاص الرواية على الورق ويقدر أنها ستكون الرواية الخالدة له إذا قدر لها أن تظهر على خشبة المسرح.
وفي الصباح دخل على موم وهو يقول إن لحوادث هذه الرواية مجالاً كبيراً على المسرح، لقد كنت أفكر في ذلك كل الوقت لقد بدأت مطالعتها لأجلب النوم لعيني، ولكن مطالعتها طيرت النوم من عيني فلم يغمض لي جفن لحظة واحدة، لقد مضى ليلي وأنا أتخيل الروعة والحيوية التي تمثلها حوادث هذه القصة لو قدر لها أن تظهر على المسرح.
ولم تؤثر كلمات كالتون الحماسية على موم فأجابه بلهجته الإنكليزية الهشة: صحيح من الممكن أن تصلح حوادث هذه القصة لتمثل على المسرح، غير أنها ستكون تمثيلية مهزوزة لا يلبث أن ينصرف الجمهور عن مشاهدتها خلال اسابيع قليلة، وهذا لا يغري على بذل الجهد في سبيل تحويلها إلى تمثيلية، ولكن الرواية التي فكر موم أنها لا تستحق جهد تحويلها إلى تمثيلية أكسبته أربعين ألفاً من الجنيهات.
عندما أتم تحويلها إلى تمثيلية استجابة لإغراء صديقه كالتون، انصرف عنها كثير من المخرجين وأكدوا جميعاً أنها ستخفق، وبعد لأي قبل سام هاريس إخراجها وكان قبوله لإخراجها لأنه رشح لها ممثلة ناشئة تدعى جين ايجل، ولكن الوكيل عارض في ذلك وطلب أن تكون البطولة لممثلة معروفة... وأخيراً أعطي الدور لجين ايجل فقامت به خير قيام ومثلت بقوة وانفعال وإحساس، حتى نالت لقب الممثلة العاطفية في برودوي، وعرضت الرواية أربعمائة وخمس عشرة مرة استقبلها الجمهور المحتشد في كل مرة بضجيج الحماس ونداءات التلهف.
لقد كتب سومرست موم روايات كثيرة جديرة بالتقدير مثل عبودية الإنسان، والقمر، وستة بنسات، والبرقع المصبوغ، وكتب أيضاً عدداً من التمثيليات الناجحة، ولكنه حتى الآن لم يكتب مسرحيته هو نفسه والمنتظر أن تكون أشهر مسرحياته.
كثيرون من الناس يصفونه اليوم بأنه عبقري، ولكن الواقع أنه كان كاتباً خائباً من الناحية المادية لمدة أحد عشر عاماً منذ بدأ يكتب.. تصور أن هذا الرجل قدر له أن يربح من الكتابة مبلغ 200،000 جنيه كان دخله قبل أحد عشر عاماً مائة جنيه في السنة فقط، وأنه حاول أن يتحصل على عمل له راتب ثابت. فلم يستطع وقال موم: كان علي أن استمر في كتابة القصص لأني فشلت في الحصول على عمل له راتب ثابت. وقال له أصدقاؤه: إنه من الحماقة أن يداوم على الكتابة وهو من متخرجي كلية الطب، ونصحوه أن يترك الخيال إلى العمل في اختصاصه، ولكن لم يكن هناك من يستطيع تحويله عن عزمه، فقد عزم أن يكتب اسمه بخط عريض في صفحات الأدب الإنكليزي الخالد.
وقد قال لي بوب ريلي مؤلف ((صدق أو لا تصدق)) قال لي: قد يعمل الإنسان في عبودية سنين طويلة وهو مغمور ثم لا يلبث أن يرتقي سلم الشهرة في ظرف خمس دقائق، وهذا ما حدث بالضبط لموم وريلي.
وسأحدثكم كيف ارتقى موم سلم الشهرة: كانت تمثيلية ((بعض الناس)) تمثل على أحد مسارح لندن، وفجأة وجد المخرج نفسه في خيبة أمل لعدم إقبال الجمهور على التمثيلية، ورأى مدير المسرح أنه في حاجة ماسة لإنقاذ الموقف وتغيير التمثيلية بأي تمثيلية أخرى يتلهى بها الجمهور مدة يسيرة من الزمن حتى تتاح له الفرصة لإخراج رواية جديدة مضمونة الرواج، وفي حالة الارتباك هذه بدأ المخرج يبحث في أدراجه فعثر على رواية لسومرست موم مطمورة بين الأوراق في أحد الأدراج، كان اسم الرواية ((السيدة فردريك)). لقد مضى عليها عام كامل في هذا الدرج، وكان المخرج قد سبق أن قرأها وقدر أنها ليست في مستوى رفيع ولكنه الآن قدر أنها ستضمن الجمهور لبضع أسابيع فأخرجها حالاً..
ماذا كانت النتيجة؟
لقد كانت النتيجة معجزة! فقد أقبل الجمهور في لندن على مشاهدتها إقبالاً منقطع النظير، وأصبحت مشاهدها أحاديث المجتمعات في لندن، وكانت سبباً في تعميم النشوة في إنجلترا، كما لم تستطع أن تفعله رواية من قبلها منذ صدور محاورة أوسكار وايلد.
وكان أن انهالت طلبات مديري المسارح في رجاء وإلحاح على سومرست موم يرجون الحصول على رواية من رواياته لتمثل على مسارحهم، وراح موم بدوره يفتش في أدراجه لينفض غبار النسيان عن مسودات رواياته القديمة ويقدمها للملتمسين والراجين، ولم تمض بضع أسابيع حتى مثلت له ثلاث روايات على أشهر مسارح لندن وبدأت الشهرة تنحدر إليه في صورة جدول منساب من الذهب. وازدحم على بابه الناشرون، وارتمى بعضهم فوق بعض، كل منهم يرجو أن يحظى برواية هذا العبقري الجديد، وبدأت المجتمعات تمطره بدعوات التكريم، ويتقرب إليه الكبراء والمشاهير. وهكذا بعد أحد عشر عاماً من الجحود والنسيان، وجد موم نفسه محاطاً بكل معاني الشهرة والإجلال.
أخبرني موم أنه لا يكتب أبداً بعد الساعة الواحدة. وقال إن فكره يتوقف تماماً بعد الظهر. لقد اعتاد أن يجلس في أعلى مكان في دارته الأنيقة على ضفاف الريفيرا في فرنسا، ويكتب، أنه قبل أن يبدأ الكتابة يدخن غليوناً ويقرأ ساعة واحدة في أحد كتب الفلسفة، وعندما احتلت فرنسا عام 1940م فر إلى إنكلترا ولكنه عاد إلى فرنسا بعد الحرب حيث يقيم حتى الآن.
وقد أخبرني أنه لا يؤمن بالخرافات، ومع ذلك فإنه يحتفظ بحرز يقيه العين بين طيات كتبه ونقش الحرز نفسه على أطباق طعامه، وكذلك نقشه على موجوداته الثابتة وورق اللعب الخاص به. وعندما سألته هل إنه حقيقة يؤمن بالخرافات، لم يزد على أنه ابتسم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :867  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 108 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.