شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفتاة البكماء الصماء العمياء التي زاحمت نابليون
يقول مارك توين الكاتب المشهور ((إن أعظم شخصيتين لامعتين كان لحياتهما دوي سمعه سكان هذا العالم في كل مدينة وفي كل قرية هما شخصيتا ((نابليون)) و ((هيلين كيلر)). وعندما قال مارك توين قولته هذه كانت هلين في الخامسة عشرة من عمرها ومضى الزمن ولا تزال هلين كما هي أعجوبة القرن العشرين.
وهلين كيلر فاقدة البصر كلياً، ولكنها مع ذلك قرأت من الكتب ما لم يستطع قراءته الكثيرون من المبصرين. ويقدر ما تقرؤه هلين بقدر ما يقرؤه الرجل المتوسط بمائة مرة. هذا عدا ما تصرفه من الوقت في تأليف الكتب، وقد ألفت مسرحية عن نفسها مثلت فيها هي نفسها. إنها صماء كاملة الصمم ولكنها تستمتع بالموسيقى خير مما يستمتع بها كثير من مكتملي السمع، ومنذ كان عمرها التاسعة فقدت النطق، ومع ذلك فقد حاضرت في كل ولاية من ولايات الاتحاد الأمريكي وتصدرت صورها صحفها مدة أربع سنوات ثم طافت أوروبا كلها في رحلة عامة.
ولدت هلين كيلر كأي طفلة عادية مستكملة جميع أجزاء خلقتها الطبيعية وفي السنة الأولى ونصف الثانية من ولادتها، كانت تسمع وترى كأية طفلة أخرى بل إنها كانت تناغي وتتحدث، وفجأة مرضت مرضاً خبيثاً أفقدها بصرها وسمعها ولما تتجاوز الشهر التاسع عشر من عمرها، فحلت بها الكارثة وكادت تفقد وجودها وكانت تنمو وكأنها حيوان متوحش في صحراء قاحلة. فكانت تلقي في وجه من يكون أمامها بأي حاجة تقدم إليها ولا تعجبها وتحطم كل ما يقع عليه بصرها ولا تستأنس به. وعندما يقدم إليها الطعام كانت تحشو به فمها بكلتا يديها، وإذا حاول أحد أن يصلح خطأها تلقي بنفسها إلى الأرض وترفس بيديها ورجليها وتصرخ صراخاً مزعجاً. وفي يأس بالغ بعثها والدها إلى معهد ((المكفوفين)) في بوسطن يتلمسون لها معلماً وهناك ظهرت في حياتها ((مانسفيلد سوليوان)) كملاك أضاء ظلام حياتها الدامسة في صورة المعلم، وكانت المعلمة في الثانية والعشرين من عمرها وافقت على ترك عملها في معهد بوسطن لتعمل في عمل كان يبدو عقيماً بل محالاً - في تعليم طفلة عمياء صماء بكماء - وكانت حياة المعلمة هي الأخرى حياة مليئة بالمآسي والفواجع والآلام والفقر والعوز، فعندما بلغت العاشرة من عمرها أرسلت هي وأخوها إلى أحد الملاجىء وكان الملجأ مزحوماً فاضطرا أن يناما في الغرفة التي كانت تسمى بغرفة الموت، الغرفة التي كانوا يضعون الأموات فيها انتظاراً لاجراءات الدفن، ولم تمض سنة حتى توفي الأخ بعد أن عانى من المرض كل العناء. وعندما بلغت مانسفيلد الرابعة عشرة من عمرها ضعف بصرها إلى حد العمى تقريباً فأرسلت إلى معهد العميان لتتعلم القراءة والكتابة بطريق اللمس، وتحسن بصرها أخيراً فلم تعم ولكن العمى لاحقها بعد خمسين عاماً وقبيل وفاتها.
وتقول أنا سوليوان: ((إني مهما حاولت فإني لا أستطيع أن أحدثكم في ألفاظ محدودة كيف حدثت المعجزة وكيف أني في شهر واحد نجحت في التفاهم مع طفلة تعيش في ظلام دامس وصمت رهيب.
واسمعوا القصة ترويها هلين كيلر في كتابها ((قصة حياتي)) فإن أحداً لم يقرأها إلا ورسخت في ذهنه تلك العبارات التي دخلت فيها السعادة في قلب طفلة صغيرة صماء بكماء عمياء. واليوم الأول الذي أدركت فيه أن هناك وسيلة تصلها بغيرها ممن يعيشون على هذه الأرض - قالت هيلين: ((لا يمكن لأحد أبداً أن يتصور طفلة أسعد مني عندما كنت مستلقية في مجلس في نهاية ذلك اليوم المفعم بالبهجة والحبور والسعادة التي كنت أعيش فيها والتي جلبها لي ذلك اليوم المليء بالأحداث والذي كان اليوم الأول في حياتي الذي كنت أنتظر فيه ما بعده في شغف وتلهف)).
وعندما بلغت هلين العشرين من عمرها كانت ثقافتها تؤهلها للانتساب إلى كلية ((رادكليف)) وكانت معلمتها ترافقها لتنقل إليها محاضرات الكلية! ولم يكن تقدمها في الكلية بأنها كانت تقرأ وتكتب كأي تلميذ آخر، بل إنها استطاعت أن تقوي ملكتها في التحدث والتفاهم. وكانت أول جملة تعلمت النطق بها: ((إني لست بكماء الآن)) وكانت ترددها المرة بعد المرة وهي تتمايل في نشوة وعجب! ((إني لست بكماء الآن!)) وهي تتكلم الآن وفي حديثها لكنة أجنبية وتكتب مؤلفاتها ومجلاتها ومقالاتها على الآلة الكاتبة بطريقة بريل أو النقاط البارزة وعندما تقوم ببعض التصحيحات على الهامش تقوم بها بعمل إخراق برأس دبوس الكتابة على الحاشية. إنها تسكن في ((فورست هل)) وهي ضاحية من ضواحي نيويورك، ولا يبعد سكني عنها كثيراً، وعندما أخرج لأتمشى ألاحظها بعض الأحيان تقطع بستانها جيئة وذهاباً مع كلبها العزيز، وقد لاحظت أيضاً أنها عندما تسير تتحدث مع نفسها ولكنها لم تحرك شفتيها عندما تتحدث كما نفعل أنا وأنت بل كانت تحرك أصابعها وتتكلم مع نفسها بلغة العلامات!
قالت لي سكرتيرتها إن حساسية الآنسة كيلر نحو الجهات ليست بأفضل من حساسيتي وحساسيتك، فهي غالباً ما تضيع طريقها داخل بيتها، وعندما تتعثر في شيء من الأثاث تفقد كل شعورها.
يقال عن كثير من المكفوفين غيرها إن لهم حاسة سادسة وقد أثبت التحليل العلمي أن لها حاسة ذوق وشم تقارب حاستنا في الذوق والشم. أما حاسة اللمس عندها فعميقة جداً تستطيع أن تفهم كلامك عندما تتحسس شفتيك في رفق وأنت تتكلم، وتتأثر بالموسيقى عندما تعزف عندما تضع أصابعها على خشبة العود أو البيانو، حتى الإشارات اللاسلكية تفهمها من إحساسها بالاهتزاز، إنها تصغي إلى الموسيقار بلمس حنجرة موفق وتتأثر بأغانيه ولكنها تعجز عن الغناء والتنغيم، وإذا حدث أنك صافحت هيلين مرة فإنها ستعرفك إذا صادف أن صافحتها بعد ذلك بخمس سنوات. وتعرف بعمق حاسة اللمس عندها ما إذا كنت مبتهجاً أو ناجحاً أو فاشلاً.
وهي تمارس هواية التجديف وركوب الخيل في الغابات وتلعب الداما والشطرنج في لوحة عملت خصيصاً لها وتلعب أيضاً الورق بورق ذي نقاط بارزة، وغالباً ما تقضي الساعات في النسج والحياكة في الأيام الممطرة. والناس عموماً يقدرون أن العمى كارثة تصيب الإنسان فتحرمه نعمة البصر، ولكن هلين كيلر تقول إنها كانت لا تهتم كثيراً بالعمى لو حظيت بنعمة السمع وإنها وهي تعيش في الظلام الدامس والصمت المطبق تتمنى لو أتيح لها أن تستمع إلى الأصوات الحنون من حولها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1192  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 102 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج