شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عادة كتابة المذكرات... (3)
كل متحدث بارع يستطيع أن يكون كاتباً بارعاً..
إن لفظ الكتابة له في نفوس بعض الناس تأثير عجيب، فبمجرد أن يمسك أحدهم القلم ليكتب، يصيبه من الدهشة ما يصيب أي إنسان يدخل حفلاً مكتظاً لم يسبق له الحضور في مثله، فتتوتر أعصابه ويغص بريقه.
ومن المسلم به أن هناك تأثيراً سيكولوجيًّا للألفاظ المكتوبة يتأثر به كل إنسان ولكن هناك أشخاصاً كثيرين يصيبهم التوتر والرعشان عندما يمسكون القلم ليكتبوا؛ فهم يعتقدون أن الكتابة صناعة خاصة لا يستطيع أن يزاولها كل إنسان ويثبط عزمهم خوفهم من ركاكة الأسلوب والأخطاء النحوية وينفعلون بتأثير وهْم خاطىء يصور لهم أن هناك فرقاً كبيراً بين الكتابة والتحدث وأن الكتابة سر وصناعة.. وفاتهم أن كل متحدث بارع يستطيع أن يكون كاتباً بارعاً، وكل من استطاع أن يفكر تفكيراً سليماً استطاع أن يكتب كتابة سليمة.
أعرف كثيراً من الناس وشباباً بالأخص يغشون المجالس ويملأونها بأحاديثهم الرائعة يستمرون فيها ساعات وساعات، ولكنهم عندما يطلب إليهم كتابة الموضوع الذي تحدثوا عنه لا يجدون في رؤوسهم ما يكتبون، وتجدهم يتحسرون على عجزهم قائلين: إننا عندما نتكلم لا نهيىء فكرنا للكلام بل إن اللسان لينطلق عند الكلام انطلاقاً، ولكننا عندما نريد أن نكتب لا بد لنا أن نفكر فيما نكتب. وقد يكون هذا صحيحاً، ولكن الواقع أنك إذا تكلمت لا بد أنك قد فكرت فيما تقوله قبل أن تقوله وهذا التفكير يأخذ سرعته المتلاحقة في الكلام لأنك لم توجه له اهتماماً خاصاً عندما تكتب، ولو فعلت مثل ذلك عندما تكتب لوجدت أنه لا فرق بين ما تقول وما تكتب، إلا أنّ إعطاءك أهمية خاصة للتفكير عندما تهم بالكتابة، هو الذي يشعرك بالفرق الكبير بين الكتابة والكلام، وهو فرق ليس بكبير كما تتوهم؛ أما في كتابة اليوميات، فإن هذا الفرق يجب أن يتلاشى لأنك إنما تكتب لنفسك وفي دائرة خاصة.
إن بعض المبتدئين عندما يمسكون القلم يتملكهم شعور مزعج من الكتابة فهم يتصورون أن الكتابة ترجمة عسيرة للكلام، فإذا أرادوا الكتابة فكروا بطريقة خاصة ورتبوا الكلمات في أذهانهم قبل أن ينطقوا بها، فإذا نطقوا بها ترددوا في كتابتها ويقولون في أنفسهم، لا بد أن يكون للكتابة أسلوب خاص غير أسلوب الكلام، فإن هذه الجملة لا يمكن أن تكتب مثل ما نطقناها ولا بد من تغييرها إلى أسلوب رصين ويغيرونها فعلاً ويستمرون في التردد حتى تسأم نفوسهم ويضعون القلم في يأس.
إن الذين يكبرون في أنفسهم ما يجب التزامه في الكتابة من أسلوب وبناء الجمل وقواعد النحو والإملاء، حري بهم أن يعرفوا أن كتّاب العصر الأدبي المزدهر في القرون الأولى لم تكن لديهم أية فكرة عن القواعد والإملاء والأسلوب فتلك - التزامات أحدثها المتأخرون فلم يكن يُعرف النحو والإملاء والأسلوب. في ذلك الزمن ومع ذلك فكل هذه القواعد مقتبسة مما كتبوا وتحدثوا به.
أما في عصرنا، فإنك لا تستطيع أن تعتمد إلا على القليل من الأدباء الذين يحرصون على التزام القواعد والإملاء؛ أمّا عن الأسلوب، فالأسلوب الذي يجري على لسانك دون تكلف فهو الأسلوب المقبول وعندما يكون الإحساس صادقاً والانفعال مكتملاً، فإنه يبلغ حد الروعة. أما ذلك التركيب الذي تجهد في ترصيفه وترصيصه وتشدّ كلماته شداً إلى بعضها وتعيي فكرك وقلمك في إنشائه فثق أنه أسلوب ثقيل مهما كان الجهد الذي بذلته فيه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :572  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 95 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.