شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
واجب المواطن أيام الحرب (1)
هذا البحث يشمل كل مواطن يشعر بحق الوطن عليه فهو، لا يخص جنساً دون آخر. عندما يدق ناقوس الخطر وتشتعل نار الحرب وتنشر الحكومة في الصحف والإذاعات حاجتها الماسة إلى المتطوعين من أبناء الوطن وتتراكم الأعمال الحربية وتفتح أبوابها للمتطوعين الذين يتفانون في حب الوطن.
عندئذ ترى الناس قد انقسموا بطبيعة الحال إلى فريقين: فريق تتزاحم عليه الأعمال فلا يجد لنفسه فرصة يحك فيها رأسه، وفريق يتزاحم ليقدم نفسه للعمل فلا يجد الطريق إليه، والفريق الأول هو الذي نسميه بالنخبة المختارة والفريق الثاني هو بقية المواطنين الذين لم تسمح لهم الظروف للظهور على مسرح الحياة أو اعتراف المسؤولين بهم ليرتفعوا إلى درجة النخبة الممتازة في نظر المسؤولين، فهذه النخبة ستجد أن الأعمال تتدحرج إليها لتتراكم على مكاتبها في مقادير يذهلون لضخامتها وحاجتها إلى البت السريع والجهد الكبير الذي يمتص حيويتهم ويحطم أعصابهم في ساعات وساعات، وينظر القسم الآخر أمامه فلا يجد عملاً غير عادي يستحق أن يبذل مجهوداً في انجازه. فيقول في تألم وأسف: إن هذا لعجيب أن الأعمال التي تتطلب الإنجازات لكثيرة، وإني على استعداد لأقوم بنصيبي منها.
لماذا لا يتيحون لي فرصة العمل؟ ثم يتأوه قائلاً: كيف أقوم بواجبي في العمل وهم يصدونني عنه ولا يفسحون المجال أمامي - ويشعر بالحسرة والألم والإهمال والظلم الذي يقع عليه.
وأقول أنا إن مثل هذا التفسير صحيح لو كان المجتمع يشبه في شيء سنترال التليفون؛ وأي مسؤول يستطيع أن يجد الشخص المطلوب عندما يتصل بالمركز ويطلب النمرة - ولكن المجتمع لا يشبه في شيء ما سنترال التليفون، فلذلك كان التفسير خاطئاً. ويخطىء المواطنون لو ظنوا أن على المسؤولين أن يسيروا في الشوارع غادين رائحين يدقون أبواب الناس ينادونهم للعمل المفتوح قائلين: تعال يا فلان فأنت الشخص المطلوب. ومهما كانت الأعمال الحربية حقيقة وتطلب سرعة الإنجاز فإن 99% من الذين يرغبون في الفوز بهذا العمل وإنجازه سيجدون أن عليهم أن يطرقوا أبواباً كثيرة ويتحملوا مشقات كبيرة ليعرفوا الطريق أولاً إلى هذا العمل وقد تكون هذه العقبات والمشقات أكبر من أن تحتمل، وعندما يقفون على هذا العمل ويجدونه فلربما - احتاجوا إلى مميزات كثيرة للحصول عليه.
وعندما يصل المواطن إلى هذا الحد ولم يتحقق له الأمل في الحصول على العمل، العمل الذي يراه يتطلب سرعة الإنجاز لإنقاذ الوطن، والذي يتلهف على القيام به قبل فوات الفرصة، والذي جاهد حتى توصل إليه وقدم نفسه متطوعاً للقيام به ولكنه لم يسعد به، ومرة أخرى يحس بالإهانة والكرب ويسأل نفسه: لماذا كل هذا التعنت: إني لا أطلب حسنة بل لا أطلب أجراً لما سأقدم من خدمات؟! إني عندما قدمت خدماتي للمسؤول رفع حاجبيه ونظر إلي نظرة التشكك والارتياب وأمطرني بالسؤال والجواب، واجتزت امتحاناً ليس أسوأ منه إنه امتهان وتحطيم.
وأنا أقول أن كل هذا صحيح ولكني أسأل: هل كان ينتظر هذا المواطن من المسؤول أن ينفذ إلى أعماق نفسه ليعرف مقدار استعداده وإخلاصه؟ إن الوسيلة الوحيدة لمعرفة ذلك هو التحدث إلى المواطن عن طريق السؤال والجواب. فإذا حدث ذلك فإنما هو أمر طبيعي لا غرابة فيه، ومن واجب المسؤول أن يتحقق من صدق رغبتك في التطوع وأن يعرف إلى حد يمكنه أن يثق بك، ولأسير معك خطوة أكبر فلو استقبلك المسؤول بكل ترحاب ولم يبد أي تردد بل صرح لك أنه قد وجد في شخصك المثل الأعلى الذي كان يترقبه، وأكثر من ذلك، التقطك كهبة نزلت من السماء وأسند إليك العمل حالاً. قل لي: إذا حصل هذا ألا تتولاك الدهشة ويدخل الشك والريب في نفسك من هذه المعاملة وتتساءل عن السر في كبرياء وغرور؟!
ولو فرضنا أن هذا المسؤول قد حضر إليك دون أن تذهب إليه ألا وتسائل نفسك في هذه الحالة، ترى ماذا؟ ما هي الأهداف التي يرمي إليها هذا المسؤول من حضوره إلى؟!
إني أقرر حتى ولو كان الجواب بالنفي أن موقف الشك والارتياب الذي يقفه طالب العمل بالحملقة فيه ووزنه ومضايقته بالسؤال والجواب هو نفس الموقف الذي سيقفه المسؤول منك عندما يحضر إليك يسألك العمل في ميدان لا يجد غيرك له وربما كان موقفك منه أكثر كبرياء من موقفه منك!
وعندما يستجيب الإنسان العادي للعرض ويرحب بالعمل المعروض، فإنه دائماً يحتفظ في نفسه بحق الأفضلية حتى ولو تفانى في أداء واجب العمل بكل طاقته وجهده وتراه دائماً وفي كل مناسبة يصر على التمسك بالأفضلية، لأنه لم يكن طالباً بل كان مطلوباً، فبقدر ما في الطبائع البشرية من معاني النبل فيها أيضاً من معاني الانحطاط، وقد تكون هذه الأخيرة في بعض الأحيان وسيلة لا بد من اللجوء إليها تدفع إليها غريزة الغرور أو الانتقام.
قاعدة: إن المتاعب والمضايقات والتعرض لمواقف الشك والريبة جزء لازم من أعمال الحرب لكل متطوع صادق الاحساس لا يعرفه المسؤولون - كما أن الفداء والتضحية جزء لازم لأعمال الجندي الذي حمل السلاح في الميدان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :666  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 80 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج