شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فيصل.. هل فطنا له لنتجاوب معه ونحقق المعجزة
مجتمعنا اليوم يعيش في تجربة من أعنف التجارب التي مرت به ويمر بفترة من أدق فترات حياته، ذلك لأن هذا المجتمع عاش حقبة كبيرة من الزمن - عشرة قرون أو أكثر - تتجاذبه تيارات كثيرة مختلفة كان من أسوأها تحكم الاستعمار وتحكم الفرد والصراع العقائدي العنيف، وكانت نتيجة هذا التجاذب انفصالنا التام عن ماضينا المجيد وخلق مجتمع تسيطر عليه الأنانية وتتحكم فيه الفردية وتشمخ فيه نفوس ضللها الجهل وطغت عليها المادة فحجبت عن عيونها نور الحق وانتزعت منها خلق الرحمة والعطف والقناعة وأنستها واجبها نحو وطنها ومن يعيش فيه من الطبقات الفقيرة الكادحة.. نعم هذا هو المجتمع الذي عشنا فيه وتمكنت مبادئه من نفوسنا فعبدنا المال ولم نتحرج في جمعه من حلال وحرام، بل لم نتحرج وقد تخمت نفوسنا أن ننتزع اللقمة من فم الآخرين لنزيد بها رصيدنا في البنوك ونكثر في عدد ما نملك من عقار، وانحرفنا عن المثل العليا فلم نؤمن بالكفاية والعدل ولم تعرف أطماعنا وشهواتنا حدوداً تقف عندها، فكلما زاد رصيدنا زدنا جنوناً وتكالباً، ووقفنا سداً منيعاً في وجه تقدم الآخرين، ولم نكن نحن وحدنا الذين يعيشون في مثل هذا المجتمع المتكالب، بل إن الأمم الآسيوية والإفريقية التي ابتليت بالاستعمار بجميع أشكاله، عاشت في أقسى التجارب من حياة الإقطاع الذي ركزه الاستعمار وشمله بعنايته ورعايته وهو يوهم الإقطاعيين أنه حليفهم وصديقهم ليقفوا في صفه ضد الكثرة من أبناء وطنهم ويجعلوا منهم عبيداً يهيئون الخامات لمصانع أسيادهم المستعمرين.
وكان لا بد مهما طال الأمد أن تتهيأ الظروف لتوقظ الشعوب المغلوبة على أمرها فاستيقظت، وهال الاستعمار أن تأخذ هذه اليقظة طريقها الصحيح فتنقلب الكفة ويلحقه الضرر.
إن أخوف ما يخافه الاستعمار رجوع الأمم الإسلامية إلى مبادىء دينها فيعيد حكامهم سيرة عمر رضي الله عنه وخلفائه، ويعيد تجارهم سيرة عثمان رضي الله عنه، ويعيد علماؤهم سيرة مالك بن أنس رضي الله عنه، بما كانوا عليه من زهد وتقوى وتضحية بالنفس والمال في سبيل الصالح العام. إن الصراع الذي يدور حولنا الآن صراع عنيف سيجرفنا تياره إذا نحن لم نصمد وترددنا في الاستجابة إلى ما دعانا إليه ديننا الحنيف من تحقيق الكفاية والعدل لكل مواطن يعيش في مقاطعاتنا الكبيرة الواسعة في القرية والمدينة، بل وفي كل شبر من هذا الوطن الحبيب. فالقناعة والشهامة وفسح المجال للآخرين ليعيشوا كما نعيش وليتمتعوا كما نتمتع، أخلاق دعا إليها الإسلام وحققها سلفنا الصالح في النموذج الذي قدموه من أنفسهم وتضحياتهم وزهدهم، فعلى من يا ترى تقع تبعة هذا الواجب المحتم، يقول فيصل في خطابه. ((أيها الإخوان الكل مواطنون فالمستهلك مواطن، وصاحب المؤسسة مواطن والتاجر مواطن وصاحب الشركة مواطن، فيجب أن يتحمل كل فرد ما يخصه في خدمة هذا الوطن الكريم ويجب أن تتحمل الحكومة ما يعجز عنه أفراد هذا الشعب مما يجعلهم في راحة تتيح لهم الحياة الكريمة والعيش الرغد وأن تكون ساهرة على مصالحهم مراعية الجميع بنظرة المساواة والعدالة.
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا دائماً هداة مهتدين وأن يعيننا بجهودكم إن شاء الله لما فيه الخير والصواب)).
إن فيصلاً يقول إن تبعة نجاح الحكومة في تحقيق الرفاهية والعدالة والكفاية لجميع المواطنين تقع على جميع المواطنين: على التاجر وصاحب الشركة وصاحب المؤسسة، فهل وعينا مغزى هذا الكلام وما فيه من تخطيط دقيق لمجتمع جديد أساسه العدل والكفاية والمساواة؟ بل هل في استطاعتنا أن نعي مغزى هذا الكلام ونحن نعيش في مجتمع أهبل ليس في ذهن أفراده صورة تخطط له نهج الحياة ليعرف كيف يعيش ولماذا يعيش؟! إن الذي يعيش ليكدح بجنون ليجمع أموالاً يكدسها في البنوك وليبني عمارات يشمخ بها أنفه مفاخراً. ويجري وراء إشباع غرائزه الحيوانية ويهزأ ويحتقر الآخرين ليس بإنسان: إنه حيوان تظهر حيوانيته بكل وضوح عندما يهلك غير مأسوف عليه، ويترك كل ما جمع لورثة أفسدتهم رخاوة الثراء وقتل إنسانيتهم التكالب عليه، فإذا كنا نريد حقاً أن نحيا حياة كريمة أساسها الكفاية والعدل فلا بد أن نسعى لنكون أفراداً صالحين نعين ((بجهودنا)) كل من يريد لنا الخير ولمجتمعنا الصلاح والرفاهية والتقدم.
إننا نخطىء كل الخطأ عندما نفكر أن نجاح الفرد إنما يتحقق بنجاحه في جمع أكبر قدر من المال وفي اقتنائه أكبر عدد من القصور. لا. أبداً، فنجاح المرء إنما يتحقق بمقدار ما يحققه من خدمات لوطنه ومواطنيه وما يتركه وراءه من أعمال تتحدث عنه كلما تحدث المتحدثون عن الحقل الذي عاش فيه. إن هذا التوجيه في خطاب فيصل يطالبنا في عبارات ذات مغزى بعيد - بعيد جداً، يطالبنا بأن يصحح كل فرد منا نظرته إلى الحياة ليعرف ما له وما عليه قبل أن تضطر الحكومة لتجبره على معرفة هذا الواجب المقدس. إن الكلمة موجهة إلى الطبقة الخاصة من كل صنف، الطبقة الفاهمة الواعية التي تطالب بالإصلاح وتطالب بتحقيق العدالة وتطالب أن تعيش حرة كريمة، فالتجار مطالبون بأن يقنعوا بالربح المعقول ومطالبون بأن ينظروا إلى المستهلك كمواطن من حقه أن يتمتع بالكفاية والعدل، وعليهم أن يعطوه حقه فلا يستنفدون كل قرش في جيبه ليملأوا جيوبهم وليرفعوا رصيدهم في البنوك، وأن لا يلحسوا القدح كله من خيرات البلاد ولا يتركوا لغيرهم نصيباً. وصاحب الشركة مطالب أن يدعم اقتصاد وطنه فيوفر لوطنه المبالغ التي يسعى فيجمعها بجنون الشره والطمع لتخرج من دائرة فلك اقتصاد بلاده وتتحول إلى عملات أجنبية تملأ خزائن الشركة التي يمثلها ليحقق لنفسه نصيبه من الكسب. إن إغراء المواطنين كل سنة بموديل جديد دون ضمان من الشركة للموديل القديم، كما تفعل الشركات نفسها في بلادها وفي البلاد الواعية التي تعاملها وجلب قطع الموديلات القديمة بطرق لا تضمن إحياءها، يحول قرش المستهلك الكادح إلى أكوام (خردة) من الحديد ترمى في المزابل والحفر، وأصحاب المؤسسات العامة مطالبون بتقدير حاجة المستهلك فلا يجعلون من حاجته وسيلة للاستغلال. إن ما يدور حولنا من صراع يحتم علينا وإن لم نستقم فسوف نرى أنه لا بد مما ليس فيه بد. إن فيصلاً قد أعطى لكل مواطن حقه في أن يستمتع بجهده وماله وأعطاه حقه من واجب الحكومة في صيانة هذا الجهد والمال وتعهد باسم الحكومة التي يرأسها أن يوفي ما يعجز الفرد أن يوفيه إذا أدى كل منا ما عليه من واجب نحو هذا الوطن، ونحن المسئولون عنه جميعاً حكومة وشعباً. إن كل كلام يقال وكل دستور يكتب لا يمكن أن يثمر أو يفيد ما لم تتحول معانيه إلى عقيدة يطبقها كل فرد في حياته العملية تطبيقاً صادقاً مخلصاً.. فهل نحن على استعداد لنحول كلام فيصل إلى عقيدة نطبقها ونسير على نهجها لنساعد ((بجهودنا)) على تحقيق الأمل المرجو ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب ونعطي الحق قبل أن نقسر عليه؟ فإن لم نفعل فهناك طريق آخر (وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ فلنصلح أنفسنا ولنكن هداة مهتدين نعين ((بجهودنا)) إلى الخير ونعيش في ظل ديمقراطية إسلامية صحيحة بتحقيق الكفاية والعدل لكل مواطن وفي كل بيت.
والله الموفق وهو مناط الأمل والرجاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :532  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 75 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.