شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عوامل تكوين الشباب المدني اليوم وغداً
مقدمة
إن الأشياء لا تأتي من فراغ ولكنها دائماً ترتكز على دعائم أقلها الأعراف بين الناس. وفي الأعراف تتكون التقاليد ومن التقاليد تأتي العادات ومن العادات ما هو سيىء ومنه ما هو عظيم، والأشياء ربما تكون أحداثاً جساماً وربما تكون قرارات وأنظمة وحياة شعوب، وفي كل الحالات هناك الدائرة التي ينطق فيها الزمن ويصبح فيه الحاضر مستقبلاً ومن ثم ماضياً وكل ماضِ يصنع التاريخ، والأمة التي ليس لها تاريخ إنما هي أمة تعيش الضياع، لأن رجلاً بمفرده لا يصنع تاريخاً وإنما يربط سلسلته بمن سبقوه. وأروع الأجيال تلك التي تضيف من براعة حاضرها إلى عظمة ماضيها شيئاً يمزجهما معاً فتقوى الأيام على احتضان الأمم فيبقى الجمال متغلباً على جوانب الظلمة التي لا بد وأن يعايشها أي من أبناء آدم.
كنت وعدت منذ شهور وأسابيع - لا أذكر بالضبط - أن أكتب في هذا الموضوع إجابة لرغبة صديقي الأستاذ ضياء الدين رجب، وأنا وإن كنت مديناً لجماعة المحاضرات بهذا الوعد فإنه جدير بي أن أصرح هنا بأني طالما ترددت في الوفاء به واخترت النكوص عن الاستثقال بعبئه، وذلك لما يتطلبه هذا البحث من المس المؤلم لكثير من جوانب حياتنا العامة التي لها أثرها الفعَّال في تكوين الشباب المدني الذي هو عليه اليوم وما يكلفه هذا المس من إثارة الرأي العام وما توحيه هذه الإثارة لبعض المغرضين للنيل والتشويه من سمعة الكاتب الباحث وما يوحيه الحكم. على أن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل إن الكلام على الشباب لا بد أن يجر بطبيعة الحال إلى الكلام على الشيوخ باعتبارهم مكوني هذا الشباب وعليهم وحدهم تبعة ما فيه من نقص وعيب، كما أن لهم وحدهم ما عليه هذا الشباب من موجبات الفخر والزهو، ولا أظن أبداً مهما غالطت نفسي وحاولت من القلم لطفاً ورقة أن أكتسب الرضا من إثارة هذا الموضوع.
على أن التردد نفسه عيب من عيوب النفس وهو في جملة المآخذ التي نريد أن نأخذها على شبابنا الناهض فلا يصح أبداً أن نتصف به ونكون عند حد قول الشاعر: طبيب يداوي الناس وهو مريض: ومع هذا فإني واثق بأني لا أعدم عطفاً وتقديراً من بعض هذا الشباب الذي أدرك ما بنفسه من العيوب وسعى بجهد لانتزاعها من نفسه تغالبه في ذلك العوائد والتقاليد، بل أنا على يقين كبير بأني ولا بد واجد من بين الشيوخ أنفسهم من يعطف على هذه النزعة ويقر بأن هذا الزمن يتطلب من الشباب غير ما أعدوهم له وهم على ذلك محزونون آسفون، وهذا يكفي لأن يحملني على الإقدام وتحمل المسئولية ولا أدعي العصمة في البحث، بل إني حريص كل الحرص على أن أفتح باب البحث على مصراعيه وأستثير بكلمتي هذه كتابنا الأفاضل من شيوخ وشبان فتتبارى في بحثه وتمحيصه أقلامهم لنتمكن بعد ذلك من تلافي النقص ونقوي موجبات الكمال في شبابنا الناهض، غير أني أقول بملء شدقي أن رائدي في هذا البحث هو الإخلاص وحب الإصلاح إن أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
من التمشي مع الحقيقة بل من الإنصاف لشباب المدينة أن نحلل الظرف الذي نشأ فيه والعوامل التي كونته وأن نذكر العوائد والتقاليد التي هيمنت على تكوينه هذا التكوين المشوب بالضعف والانحلال قبل أن نفتح شفتينا بالحكم عليه أو له.
الظرف الذي كون شباب المدينة الذي يصح لنا أن نتكلم عنه كمثير لهذه الكلمة وباعث لها ينقسم إلى ثلاثة أقسام أو بعبارة أدق يتكون من ثلاثة أدوار يختص كل دور منها ببواعث وموجبات مباينة كل المباينة عن مثلها في الدور الثاني. وهذا الاضطراب في البواعث والموجبات كان من أسوأ ما مني به أبناء هذا البلد بالنسبة إلى البلاد الأخرى التي حلت عليها مثل هذه البواعث وذلك لمحل هذه البلاد وانعدام وسائل المادة فيها.
الدور الأول:
ويبتدىء الدور الأول من أواخر حكم الأتراك، فمعظم الذين نعني بالبحث عنهم في هذه الكلمة هم من مواليد ذلك العهد، وجدير بنا أن نمهد للكلام على ذلك العهد بتقدمة من كلام الأستاذ أحمد أمين العالم الاجتماعي المصري المعروف، يقول الأستاذ أحمد أمين في مقال كتبه في الرابطة العربية تحت عنوان (الشرق يتطلب أخلاقاً جديدة) ((أصيب الشرق من قديم بأنواع من الحكم أتلفت نفسه وأفسدت خلقه، فحكم الأتراك لبلاد الشرق كان أشبه بحكم الإقطاع، يعينون الوالي على الشام أو مصر أو العراق وهو يلتزم لهم بمال يؤديه كل سنة ثم هو بعد مطلق اليد في التصرف فكأن كل قطعة مزروعة يؤجرها المالك لمن رسى عليه المزاد وليس يهم المالك شيء ما دام المستأجر يدفع الأجرة فأساس الحكم عندهم منفعة لأنهم يرون سطوته لا حد لها ولا يرون سلطة أخرى تحاسبه على عمله: فلا يرون وسيلة للمحافظة على أرواحهم وأموالهم إلا بالاستكانة والملق والغش والكذب والخداع ثم الكسل والخمول لأنهم لم يأمنوا أن تكون ثروتهم لهم وأن تكون نتيجة سعيهم وكدهم لأنفسهم فيكفي الوالي ومن يلوذ به أن يشتهي مصادرة غني في أملاكه فيتم له ذلك في هدوء وسكون كأنه عمل مألوف مشروع ومن أجل هذا ساءت الزراعة وكسدت التجارة وتعطلت الأعمال ومن أجل هذا أيضاً كان الناس يحمدون الله على الفقر أكثر مما يحمدونه على الغنى لأنهم يرون كل يوم أحداثاً تصادر فيها أموال الأغنياء وتدبر الدسائس والمؤامرات لاغتيالهم، أما الفقير فيحمد الله على السلامة وأنه لم يكن موضعاً لنظر الولاة وذوي النفوذ. فنتيجة كل هذا أن تسود في الأمة أخلاق العبيد فخير الأخلاق عندهم التواضع وخير ما في الدين الاستسلام لقضاء الله وقدره وخير علاقة بين الرئيس والمرؤوس هو الأمر من الأول حسبما يشتهي لا حسبما ينبغي والطاعة العمياء من الثاني.
ومن يعرف الأستاذ أحمد أمين ويعرف مكانته العلمية العالية ودقة نظرته في شؤون الشرق الاجتماعية يعرف ما لكلمته هذه من الوصف الصادق والأثر الصحيح لذلك العهد الذاهب.
وإذا كان هذا شأن الولايات التي كانت تستغل الدولة أموالها فما بالك بالولاية التي كانت تعطيها الدولة ولا تأخذ منها؟
كبار الرجال:
ما هي الخصائص التي تميز كبار الرجال عن غيرهم؟
لو ألقي علينا هذا السؤال مفاجأة وطلبت الإجابة عنه حالاً وباختصار لأجبنا:
أولاً: شدة حساسيتهم وسعة مداركهم.
ثانياً: خصوبة خيالاتهم وسعة مداركهم.
ثالثاً: قدرتهم على الصبر والاحتمال والاستمرار في العمل لتحقيق الهدف.
وهذه الصفة الأخيرة هي أهم الصفات الثلاث. وقد يستغرب البعض إعطاءنا الأهمية الكبرى للصفة الأخيرة إذ إن المعروف أن من أبرز صفات الأذكياء التعجل وعدم القدرة على المداومة والاستمرار. ويتميز ثقلاء الفهم بالجد والجهد والاستمرار في العمل وهذا صحيح، فلو أردنا أن نضرب الأمثال لاستطعنا أن نعين كثيراً من الأذكياء يتصفون بالتعجيل وضيق الصدر وسرعة الملل - ولكننا لا نجد شخصية واحدة من بين المشاهير لم تكن حياتها كلها جهداً وعرقاً مع الذكاء وحسن الفهم.
وفي تتبعي سير المشاهير ودراستي لتاريخ حياتهم وجدت أن الصفة التي تكاد تكون لازمة في حياة كل عظيم هي العمل والجهد والاستمرار، وأعجب ما يلمسه الباحث في تاريخ هؤلاء الكبار أن أيامهم الأخيرة تمتاز بالجهد والكد والاستمرار وتكون ختاماً لأعمال جليلة ذات آثار خالدة.
وقد أصبحتُ بعد هذه الدراسة أؤمن بأن الجهد والعمل المستمر هما صفة الرجل الكبير.
وعندما يذكر عندي بالثناء شاب ظهرت عليه دلائل النبوغ، فأول سؤال اسأله عنه: هل هو دائم الاستمرار على العمل؟ فإذا قال نعم امتلأت نفسي اعتزازاً وفخراً به.
أيها الشباب إن الجهد والعمل والاستمرار هما صفة الرجل الكبير فاعمل باستمرار لتكون رجلاً عظيماً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :580  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 65 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .