شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في موكب الأفراح
هذا الشعور المتدفق وهذا التهليل العميق الذي قابل به الكتاب والصحافة تعيين الأستاذ السيد أحمد جمجوم وزيراً للدولة وعضواً في مجلس الوزراء فيه دلالة واضحة على الفرحة التي عمت بهذا الاتجاه الجديد في تقدير العاملين.
فسر البعض هذا التقدير بأنه اتجاه نحو الشباب الجامعي وفسره آخرون بأنه تقدير للعلم والمعلمين، وأنا لا أنكر على الشباب جهادهم في سبيل الحصول على الشهادة الجامعية، ولا أنكر على المثقفين من غير الجامعيين ما أحرزوه بكفاءتهم من مكانة علمية عالية، لكني أحب أن نستخلص من هذه المناسبة حقيقة فاتت على الكثيرين منا بحكم حداثة نهضتنا، نحسب أن الشهادة صانعة المركز العالي المرموق، وحق على الأمة والحكومة أن تستقبل حملة الشهادات لترفعهم على أكتافها وتجلسهم على عرش الوظيفة المرموق.
إن الأمم المتمدنة لا تحسب التعليم إلا أمراً محتماً على كل فرد ليكسب به صفة الإنسان الذي يعيش في هذا العصر ويستطيع أن يثبت وجوده بين سكان هذا العالم وإن لم يفعل فلا فرق بينه وبين أي كائن حي لم يرتق إلى درجة الإنسان على ما أظن، فسبيل العلم والمعرفة هو تناول التهيؤ والاستعداد. وكل ما بين صاحب الشهادة وبين أي إنسان من فرق هو أن صاحب الشهادة العالية قد استعد لاستقبال الحياة بسلاح أستخلصه من دراسته لعلوم الحياة وفنونها واكتسب خبرة وتجارب الأجيال من قبلنا واستنار بها. أما من لم تتح له سبل التهيؤ والاستعداد فنزل ميدان الحياة أعزل فإن سبيله إلى النجاح ما من دراسته لعلوم الحياة وفنونها واكتسب خبرة وتجارب الأجيال من قبلنا واستنار بها. أما من لم تتح له سبل التهيؤ يمر به من حوادث وتجارب تتكيف كيفما هيأتها البيئة والظروف. فالفرق بينهما من هذا الوجه كالفرق تماماً بين الجندي النظامي المدرب الذي نزل ميدان الحياة بسلاحه وعتاده وبين المحارب الساذج الذي دفعته إلى ساحة الميدان ضرورات الحياة فتصدى لها واستوحى من وقائعها أسباب نجاحه.
وكلا الرجلين في نظري معرض لأسباب الفشل والنجاح، فإننا لا نستطيع أن نحكم على حامل الشهادة بالنجاح بمجرد استقباله للحياة العملية إذ قد يفشل وقد يكون فشله ذريعاً لكنه فشل مضاء بنور العلم يستمد منه الهمة والعزم للكفاح من جديد - وقد يفشل الرجل الآخر ولكنه فشل مظلم يؤسس الحقد والكراهية في نفس صاحبه فينفث سمومها على المجتمع البريء. وكما يكون فشل المثقفين مضاء بنور العلم فكذلك يكون نجاحهم - فالمثقف المتحلي بالخلق العالي لا يمكن أن يكون نجاحه أبداً سبباً للانتقام والتشفي، لأن العلم سيكون سبيله في تقدير الخصومة الشريفة وتقدير التضحية الفردية في سبيل المجتمع العام.
وكما يكون فشل غير المثقفين من الناس فشلاً مظلماً يؤسس الحقد والكراهية في نفس صاحبه، فكذلك يكون نجاحهم فقد يقودهم هذا النجاح إلى التشفي والهدم وحماية وتمكين من يتوهمون أنهم من المخلصين الأوفياء فيقوون بذلك في المجتمع عنصراً خفياً من المرتزقة والمنافقين والهدامين.
ما أردت أن أقوله واستطردني البحث إلى غيره هو أن على الشباب أن يفهموا أن الشهادات العالية والثقافة الواسعة ليست هي سبل الثقة والتقدير، وإنما السبيل المحتم لذلك هو الجهد والجلد والإخلاص والخلق العالي والإنتاج.
وعلى قدر ما أفهم، فإن الحكومة لم ترفع إلى هذا المنصب الجليل السيد أحمد جمجوم لثقافته الواسعة وشهاداته الجامعية فحسب، بل كان الحساب الأول في هذا التقدير هو ما أثبته هذا الشاب المكافح من الجهد والصبر عليه والاستقلال في الذات والترفع عن المباذل والتضحية في سبيل الوصول إلى الهدف!
لقد بدأ هذا الشاب حياته مديراً مساعداً لضريبة الزكاة والدخل فلم يتأفف ولم يتشدق بل نزل ميدان العمل بجهد صامت حتى إذا أبرز عملاً صالحاً ارتقى به إلى كرسي المدير العام وهو مركز كما نعرف جميعاً تهون دونه المطالب لدى الكثيرين! ولكنه لم يفكر فيه ولم يتشبث به عندما دعاه داعي الوطن لكفاح من نوع جديد.
كفاح لا يضمن نتيجة حاسمة ولكنه قمين بوجوب التضحية من أجله فلبى النداء ووضع غير آسف سني خدمته وثمرة جهاده على كرسي الرئاسة وغادرها إلى ميدان العمل الحر فكافح ونجح! وكان هذا النجاح طوراً شامخاً على أرض الوطن لا يمر بساحته إنسان واعٍ إلا ويرفع يده بالتحية ويذكر العاملين فيه بالاعتزاز والفخر والإعجاب.
إنك إذا أردت أن تتلمس سر النجاح في العمل فتلمسه في خلق وجلد وكفاءة وإخلاص العاملين فيه.
وهذا السر في نجاح معمل الإسمنت هو الذي رفع صاحبه إلى مرتبة أكبر في قلوب المواطنين.
إن الذي أريد أن أقوله للشباب الذي تسيطر عليه فكرة التطلع إلى المراكز العليا بشهاداته التي يحملها. إن الشهادات لا تعني إلا أن تكون سلاح الجهاد فابدؤا بها السلّم من أوله وأبرزوا بنتائج أعمالكم وهذه النتائج هي التي ستخطو بكم إلى الصدارة.
وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ التوبة: 105).
لو كانت الشهادة العالية وحدها هي الوسيلة إلى المقام الرفيع لكان لها جامعيون سابقون ولنال التقدير من لا يستحقه.
وتحياتي وتقديري وإعجابي لمعالي السيد الوزير أحمد صلاح جمجوم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :662  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 59 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج