شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التشجيع الحكومي للأدب والثقافة (1)
بمناسبة تقرير عشرة آلاف ريال للمؤلفين سنوياً
ليس في مقدور الباحث عن مدى تشجيع الحكومة للأدب والثقافة في هذه البلاد أن يؤتي البحث حقه دون أن يتطرق إلى التعرض لما كانت عليه الحالة الثقافية والاجتماعية والأدبية قبل تسلم الحكومة الحاضرة زمام الأمر، والتعرض لمثل هذا البحث فيما اعتقد عرض غير مشرف ولكنه حقيقة واقعة وأمر لا بد منه لإعطاء هذا العنوان الذي فرضته إدارة المنهل الغراء حقه من البحث والإيفاء.
إن الحالة العامة في البلاد العربية التي قدر لها أن تكون تحت نير الحكم التركي في عهودها السابقة حالة تكاد تكون متشابهة الصور متوحدة الأهداف تسير إلى غاية واحدة هي تفكيك عرى الوحدة العربية وتتريك العروبة، وتفكيك الوحدة وهدم الكيان لا يتأتيان إلا بالجهل المطبق والفقر المدقع وسياسة التوجيه للباب العالي وقد كفل الحكم الطويل للأمة الحاكمة ما أرادت فلم تترك بلداً عربياً تخلت عنه إلا والفقر المدقع والجهل المطبق ثابت الأركان في العامة من طبقات الشعب والشقاق والنفاق والشره والطمع والتنازع والتناحر على الكراسي في الطبقات العليا وهذا أمر تعاني أثره البلاد العربية اليوم في نفوس زعمائها الذين قدر لهم أن ينشأوا في ذلك الوسط الموبوء رغم الخطوات العلمية الجريئة التي خطتها البلاد.
أما بلادنا فبحكم وضعها الديني فقد كانت أسوأ حظاً من البلاد العربية الأخرى ذلك لأن ساسة ذلك الوقت كانوا يعتبرونها البلاد الإسلامية الأولى التي لها حق الزعامة والحكم الذي كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم أنهم قد اغتصبوه وكان ثوب العنت الذي لبسته هذه البلاد ثوباً أنيقاً جذاباً ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، فكنت ترى العطف الحكومي قد تجلى في هذه المخصصات الكثيرة باسم خيرات الحرمين التي أنتجت الكسل والخمول، وفي ترك حبل الظالمين على غاربهم باسم الرأفة والعطف على سكان الحرمين التي أنتجت قسوة وجبروتاً ليس لهما في الدنيا مثيل وفي المحسوبية والظرفية التي أنتجت جهلاً مطبقاً وغروراً مبيناً، عبيداً في زي سادة وجهلاء في زي علماء ومعطوفاً عليهم في زي عاطفين حياة كلها زيف وكلها تناقض وكلها غرور، وتخلت الحكومة التركية عن أمة بلغت حدها في الترف والجهل والغرور، انشقت أحزاباً وتفرقت شيعاً فكانت أشبه بطفلة لعوب اختار لها سيدها أفخم قصوره وأحاطها بأبهج الرياش وأعز الحلى، وكان إن دار الزمن دورته فتخلى عنها هذا السيد وسلب منها رياشها الفاخر وحليها الثمين فعاشت كالكسيح تعلل نفسها بالأماني وتهدئها بعودة الأيام وترى في كل جديد عدواً لدوداً، فدخول المدارس عندها سبيل الخروج عن الدين واستعمال السيارات استعمال للشرور واستعمال الطائرات تحد للخالق في جوه اللانهائي، وأمة هذا شأنها ماذا عسى أن يتعلم أبناؤها وماذا عساهم أن يعملوا لفك القيود التي كبلتها بهم دهور الجهل الطويلة!.
لقد لمح بارق الأمل في الثورة العربية ولكن ماذا عسى أن يعمل زعماء قد تربوا في ظلال الباب العالي وتأثروا في تربيتهم بحياته المعقدة وسياسته الخرقاء، إنهم لم ينجحوا فسياسة قد تحقق فشلها لا يمكن أن تنجح خططها من جديد وأعتقد أن الحكومة السعودية كانت السند الأول لتلك الفئة من الشباب الذين تفتحت أعينهم فرأوا شعاع العلم الوضاء يشع من حولهم وقد حرصوا على الارتواء من مناهله.
هذه حالة الشباب العربي السعودي عندما تسلمت الحكومة العربية السعودية زمام الأمر في هذا البلد، وفتحت الحكومة صدرها للشباب ومدت يدها بلباقة وحذر تنشل كل من لمست فيه الخير والإخلاص لبرنامجها الإصلاحي العام فبدأت البعثات الإفرادية وتشجيع الشباب الذي كان مغترباً في ذلك الوقت في سبيل العلم وتطورت الثقة فتطور التشجيع فكثر عدد المدارس وكثر عدد البعثات وتعددت اختصاصات المبتعثين وخطا المتعلمون خطوات جريئة فسمعت عن أول مؤلف حجازي تلاه مؤلف ومؤلف وهكذا بدأت الحركة الفكرية تأخذ طريقها في النمو.
ولا شك عندي أن الفضل فيما وصلت إليه حالة التعليم والتأليف حتى الآن عندنا هو للحكومة وحدها ذلك لأن الأمة حتى الآن لا تزال في حاجة إلى تطور مفتعل في تفكيرها القومي، والاجتماعي.
ولو أردت أن أضرب لك مثلاً بالمتعلمين الحديثين في الخمس والعشرين سنة الماضية لما استطعت أن أخرج لك متعلماً واحداً لم يكن للحكومة يد في تعليمه وكذلك قل في المؤلفين وأصحاب الصحف، وما بالك في أمة وضعت عبء تعليم أبنائها الفقراء منهم والأغنياء على الحكومة وما بالك في حكومة قد تحملت العبء كاملاً؟ إنه يا صديقي ليس تشجيعاً ولكنه تضحية، إذ إن المفروض في الحكومات أن تعتني بالمصالح العامة وعلى الأمة المتيقظة أن تساعد الحكومة في تعليم أبنائها.
أنا لا أقول إن ما قامت به الحكومة في هذا الباب على مدى الخمس والعشرين سنة الماضية قد أنتج من الرجال ما يتطلبه هذا المدى الطويل من السنين غير أن تضحية الحكومة في سبيل نشر الثقافة والتعليم وتشجيع الصحفيين والمؤلفين أمر واضح ملموس لا غبار عليه ولو أردت أن تفتش إلى جانبه ما أهملته الأمة في هذا السبيل لخرجت تنعى المصير ولعرفت في أي مستوى تستطيع أن تضع أمتنا العزيزة.
لتعش ربع قرن آخر يا أبا نبيه وسترى أن تشجيع الحكومة بل تضحيتها كالثقافة والتعليم والتأليف والنشر ستضاعف لأن الثقة بين الحكومة والشعب قد أخذت طريقها المستقيم ولكن هل يتغير موقف الأمة إزاء هذا الواجب المحتم الذي هو الأساس الأول للنمو والحضارة؟ وهل تستطيعون أنتم يا حملة الأقلام في مدى هذا الزمن أن تنفخوا روح الشعور بواجب العلم والتعليم في جسم الأمة الميت! هذا ما نريده ونتمناه فهل يتحقق هذا الحلم اللذيذ؟ وفقنا الله جميعاً وهدانا سواء السبيل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :599  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 57 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج