شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حجوا قبل أن لا تحجوا
(حديث شريف)
شاء القدر المحتم أن تندلع نار الحرب في القارة الأوروبية وأن يتعالى لهيبها فيشرف على الدنيا ويرمي أناساً بالشرر ويكتنس آخرين في الطريق ويملأ قلوباً بالفزع والروع.
والحرب الأوروبية كما تصور بالدعايات حرب بين الديمقراطية والأرستقراطية ولكن الصراع المتفاني والإلحاح في الخصومة كشف الغرض المستتر وبين المغزى واضحاً صريحاً، فهو صراع تجاري تسري كل دولة من ورائه إلى تقوية نفوذها والسيطرة على المواد الخام لتسد بها مطالب المعامل والفبارك التي هي في حاجة مستمرة إلى أسواق للتصريف والإنتاج.
ومهما يكن من أمر فإن هذا الظرف قد هيأ للشرقيين فرصة حميدة لتدعيم كيانهم والظهور بالمظهر اللائق كلمة ذات شأن لها مكانتها الممتازة في مجرى الحوادث العالمية، والمسلمون بالأخص قد أثبتوا لأنفسهم في غير فرصة من الفرص في هذا الظرف الأوروبي العصيب مكانة اجتماعية وأدبية واستقلالية ممتازة، فلم يلتفتوا إلى هذا النزاع القائم ولم يعطوا هذه الحرب أهمية إلا من ناحيتها الدبلوماسية، ولذلك قد برهنوا على شخصية إسلامية ممتازة وأظهروا تقدماً محسوساً في طرق تفكيرهم وأساليب حياتهم وبرهن ملوكهم وزعماؤهم على إخلاص وتضحية يستحقان التقدير والإعجاب.
وموافقة شهور الحج لهذه الحوادث الأوروبية المريعة هيأت للمسلمين فرصة جديدة لإثبات كيانهم وتدعيم التدليل على شخصياتهم المستقلة وابتعادهم الأكيد عن شوائب التأثر والانفعال.
ولقد صمد زعماء المسلمين في كل قطر وفي كل فج للدعاية عامة للحج بكل قوة وحزم ووضحوا هذه الحقيقة الناصعة لكل مسلم استطاع أن يفهمها ولكل مسؤول استطاع أن يقدرها، وساعد ملوك المسلمين في ناحية وفي كل قطر كل من أراد الحج وسهلوا له كل صعوبة عرضت فتضاعف موكب الحج عما كان ينتظر وكان في ذلك مظهر رائع من مظاهر التضامن والاستقلال.
ثم إن المسلمين في حاجة في هذا الظرف إلى الانقطاع والتبتل والدعاء والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ليكسبهم الكثير مما خسروه وليعيد لهم مجدهم التليد، وما أروع هذا المعنى وأبهاه في هذا الموقف العظيم في عرفات.
والحجاز اليوم بفضل سياسة مليكه المحبوب الرشيدة وسهر حكومته الموفقة رغيد العيش مؤمن السبل فسيح الرحاب يجد فيه الحاج طمأنينة الحياة ولذة العبادة وهدوء النفس وراحة الضمير، وليس لمن تخلف من عذر وقد دعا الداعي وتفتحت الأبواب وازدهرت أيام العبادة وبدت ساعات التجلي تلمع في أفق عرفات.
أيها المسلمون:
لقد أذن مؤذن الحج ودعا داعيه، فهل علمتم أنكم مطالبون في هذا العام بواجب اجتماعي إلى جانب واجبكم الديني؟ هل علمتم أن هذا العصر عصر الدعايات وعصر القوة وعصر الجرأة والإقدام؟ وفي اجتماعكم بعرفات مثل رائع للدعاية الموفقة والقوة الموهوبة والجرأة التي يحسب لها ألف حساب.
وقد وفقتم إلى القيام بهذا الواجب الاجتماعي إزاء واجبكم الديني الأهم خير قيام فهنيئاً لكم وثوابكم عند الله جزيل.
أيها المسلمون:
من استطاع أن ينتحل لنفسه الأعذار الموهومة وأن يبرر تخلفه عن إجابة داعي الله بحوادث بعيدة عن الحقيقة والواقع، فإنه لن يستطيع أن يموه على الله، فلنكن كالمسلمين الأولين لا تزحزحنا الحوادث ولا يؤثر فينا الإغراء والتضليل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :572  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.