شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإجابة عن الاستفتاء بعنوان مشروعاتنا في الخمس سنوات
أخي الأستاذ عبد القدوس الأنصاري صاحب مجلة ((المنهل)).
أنت محرج يا أستاذي العزيز.. دعني أقل بصراحة ودون مجاملة، فأنا وأنت قد شببنا عن الطوق ولا داعي للمجاملات والعنف في طمس حدود المواقف الحساسة التي نمر بها أو تمر بنا من مراحل حياتنا التطورية؛ فإن هذه المرحلة الدقيقة بل هذه الفرصة السانحة قد تفلت من يدنا إذا نحن لم نخلص القول فيها لله ولرسوله ولأولي الأمر، فإن المجاملات والملاطفات قد حجبت عن أعيننا وأعينهم الكثير من الحقائق الواجب معرفتها.
دعني أقل لك في تفسيرك للتطور في النواحي الاقتصادية والثقافية والعمرانية والأدبية بخمس سنوات قد تعرف مشاكل مجتمعنا تقدير فيه من التفاؤل والمجاملة أكثر مما فيه من الحقائق والنظرة العميقة، وأنت وقد شببت عن الطوق - على حد تعبيري - يجب أن تقف موقف الصريح المخلص، وقد كنت تقف في جميع مواقفك موقف الصريح المخلص.. فمجاملتك فيما مضى كانت هي الموقف الصحيح لأن الوعي في ذلك الزمن لم يتفتح، ولأننا جميعاً نحن قد توصلنا إلى فهم الحقيقة عن علاقة الحاكم والمحكوم.
والحقيقة التي يجب أن نقرها جميعاً أن الحكومة لم تكن قد غفلت في يوم من الأيام عن أن تعرف حقيقة واجبها نحو الشعب، ولكن الشعب هو الذي كان يتخبط في ظلام الجهل وأثقال التركة التي خلفتها عصور الأرستقراطية الحاكمة في عهد الأتراك البائد.
فجلالة المرحوم الملك عبد العزيز مؤسس هذه الدولة الفتية، كان يؤمن بأن ثبوت الحكم إنما يتوقف على فهم صحيح لحقوق الحاكم والمحكوم.
وكان رحمه الله حريصاً على أن يوطد ثقة الحكومة بالشعب وثقة الشعب بالحكومة ولكن عبقريته الفذة كانت تصطدم بعقلية شعب لم يستجب للغايات البعيدة التي كان يجاهد ويجالد في سبيلها. لم يكن هناك شعب يفهم هذه الحقائق، لم يكن هناك شعب يعرف أن الأمن سبيل الاستقرار فاضطر أن يفهمه ذلك بالقوة والشدة والقسوة، لم يكن هناك شعب يعرف أن العدالة الاجتماعية سبب من أسباب الرفاهية العامة، فكان يحقق هذه العدالة بطرق متعددة فيها تهديد وفيها إغراء، فكنا نسير رغم أنوفنا إلى حياة أفضل.
وبعد أن طوى التاريخ هذه الصفحة صفحة الملك المؤسس رحمه الله، بدأنا نستشرف حياة جديدة. حياة تتميز بالوعي من جانب الحكومة هي الأساس الوطيد لرفاهية الشعب ونجاح الحكومة، ولكن رواسب الماضي في أعماق نفوسنا جعلتنا نقول في كل شيء ولا الضالين أمين.
إن تطوراً نريد أن نلمس أثره في خمس سنوات لا يمكن أن يتم إلا في مجتمع تمت له أسباب هذا التطور؛ فالتطور في الشؤون الاقتصادية يستلزم أن تكون الجماعة التي تتحكم في اقتصاد البلاد هي الفئة التي درست هذه العلوم وهضمتها ثم اكتسبتها تجربة وحنكة، الفئة التي نزلت الميدان بجيوب فارغة وعقول عليمة فارتقت السلم حتى بلغت مداه، إن هذه الفئة لم تخلق بعد في مجتمعنا، إن أصحاب العلوم والفنون من رجالنا جبنوا من أن ينزلوا الميدان بجيوبهم الفارغة وعلومهم المدروسة ليرتقوا السلم من أول درجاته وما زالوا يفتشون عن الكرسي الكبير. أما الذين يمسكون بيدهم ميزان الاقتصاد، فهم تلاميذ من أسميهم بأصحاب الاستعمار الاقتصادي، هؤلاء الذين يرسمون الخطط ليجعلوا سائر المملكة تعتمد في اقتصادياتها على الوارد الخارجي، فهم لا يؤمنون بالثروة الوطنية ويرون في الإقدام عليها مغامرة وجهاداً يبعدون عن التورط فيه؛ حتى ولو قدر لهم النجاح فهم يعيشون بعقليتهم الفردية يطلبون الكسب من أقرب طريق ويزهدون في أن يسيروا في طريق شائك معقد كما تصوره عقليتهم الفردية المحدودة. إن الخطط الاقتصادية لرفع المستوى يجب أن يضعها علماء مجربون وينفذها شعب فاهم واع. لذلك، فإني أرى أن تطورنا الاقتصادي سيمر بهذه التجربة في سنواته الخمس التي بدأها، فإن خاب ظني - وأرجو أن يخيب - وحدث تطور جوهري في هذه الفترة فستكون المعجزة. ولا غرابة فإن حياة مجتمعنا تسير دائماً في تطورها بالمعجزات، المعجزات التي يحققها العالم الذي يحيط بنا ويجذبنا إليها تياره الجارف بقوة وعنف. إنشاء الطرق وتسهيل المواصلات من أهم أسباب النشاط الاقتصادي، فما الذي حققناه في ذلك في مدى السنوات الطويلة الماضية حتى نستخرج النسبة للتطور في السنوات الخمس المقبلة. أين سكة حديد الرياض - حائل - المدينة - جدة؟ هذا المشروع الذي تم درسه قبل سنوات، وأعلن العزم في بدئه؟ أين هو وماذا فيه؟! إن إنشاء السدود والبحث عن مكامن المياه في أجواف الأرض ونشر المحطات الأرتوازية في كل منطقة وفي كل مكان أثبت العلم وجودها فيه. إن البحث عن مكامن المياه في أجواف الأرض والبحث عن الأراضي الصالحة لزراعة أنواع الحبوب والموالح من أهم أسباب الانتعاش الاقتصادي، فأين هي الهيئات العلمية التي تجوب المملكة لهذا الغرض الكريم؟! لقد سمعنا كثيراً عن العزم والحزم وعن الدراسات الفنية لكل هذه المشروعات، ولكن دور العمل قد تأخر كثيراً.
إن هذه الخطوات هي بعض لوازم التطور للانتعاش الاقتصادي، فهل سنخطوها في السنوات المقبلة؟.. أرجو ذلك.
أما عن التطور الثقافي في هذه المدّة ففي وسع كل من أخذ ورقة وقلماً أن يعرف مقدار مداه، فخريجو الجامعات من أبنائنا لا يزيدون على المائة في كل سنة على أكبر تقدير، وعلى ذلك فسيزيد المثقفون خمسمائة في هذه المدة وخذ مثلهم من المتعلمين من أصحاب الجهود الخاصة، فما هي نسبة ألف شخص لسكان المملكة جميعاً، هذا إذا قدرنا أن جميعهم من المفلحين؟!.
إن التطور الثقافي الجوهري يستلزم محو الأمية وفرض تعميم التعليم الإجباري في مراحله الابتدائية، فهل يتحقق هذا في مدى خمس سنوات؟!
أما عن التطور الأدبي فسيكون بطيئاً، ذلك لأن الأدب إنما يخصب ويؤتي أكله الطيب في أمة تطورت أذهانها وسمت غاياتها وارتفع مستواها العلمي فتخطت النظرة المادية إلى المبادىء الروحية السامية.
أما التطور العمراني، فمن الحق أن نقول إننا خطونا فيه خطوات واسعة، فهذا التطور العمراني في مدننا كافة هو زينة على عروش من خشب. إن هذه الزينة إنما تأخذ شكلها الرائع البديع إذا حققنا في السنوات الخمس المقبلة انصرافنا عن إنشاء المباني والقصور إلى إنشاء الطرق وتسهيل المواصلات وربط المملكة بالسكك الحديدية التي يسبب وجودها وجود صناعات حيوية لسد حاجات مستلزماتها الكثيرة والمختلفة.
وبعد، فإن التطور الذي يجب أن نسعى إليه حكومة وشعباً هو التطور في بناء الأفراد وتكوين الأسرة وإيجاد المجتمع الراقي وإعادة الثقة المفقودة بين الأفراد وتدعيم الثقة في الحكومة والشعب. إننا في حاجة إلى هذا التطور، ومن مراحله أن تنشىء الحكومة وزارة للشؤون الاجتماعية والإرشاد يتولاها كبار رجال العلم والفكر يسعون لبث العقائد الصالحة ويهيئون حياة القناعة والاستقرار، ومن أهم أسباب الاستقرار أن تنشأ وزارة للصناعة لتهيئة العمل الشريف للمواطن الصالح.
وبعد، فلست يائساً ولكني (زعلان) زعلان لأننا رغم إمكاناتنا الهائلة لتحقيق الكثير من أمانينا، فإننا ما زلنا نحبو وقد ضيعنا مقياس التوازن بين القول والعمل.
حقق الله الأمل وأيد نهضتنا من عنده.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :600  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج