شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الكتاب الفضي ((المنهل)) في 25 عاماً
وهذا زميل الدراسة الأستاذ عبد الحميد عنبر، عضو مجلس الشورى، يكتب كلمته التالية، تحية للمنهل ويوبيله الفضي، وسيرى القراء في الكلمة كشفاً عن المصاعب التي واجهت صاحب المنهل إبان إصدارها وإماطة اللثام عن سر نجاحه في استمرار إصدارها رغم تلك الظروف القاسية والأحوال الصعبة المراس، المنتشرة الأشواك في كل مكان. وقد استهل الكاتب الفاضل كلمته بهذا البيت:
(لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها)
ثم مضى يقول:
جرى على لساني هذا البيت وأنا أتصور مجلة المنهل الغراء وهي تستعد ليوبيلها الفضي في هذا العام.. واليوبيل الفضي بمجلة المنهل معناه كفاح وجهاد خمسة وعشرين عاماً قضاها صاحب المنهل في البلوغ بمجلته الفتية إلى أبلغ ما يصل به جهاد فرد مكافح.
لا شك أن جيل اليوم لا ينكرون على صاحب المنهل جهاده في سبيل البلوغ بمجلته العزيزة إلى المكانة الرفيعة التي هي عليها اليوم.. ولكن هناك من لا يستطيع تصور ماهية هذا الجهاد العنيف أو الصعاب العسيرة التي ذللها صاحب المنهل بعناده وجهاده وإصراره.. وهذا ما أجرى على لساني هذا البيت:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
وأنا أرجع إلى الوراء ربع قرن من الزمن فأتصور الطالب الناشىء عبد القدوس الأنصاري ينتهز كل فرصة فيولي وجهه شطر باب العنبرية قاصداً مكة (العاصمة) فيستأجر بما جمع من القروش التي اقتطعها من نصيب بطنه، سيارة لتتدحرج به في طريق رملية عسيرة شاقة. ولم يقطع هو ورفاقه هذه الأربعمائة كيلومتر إلا من بعد أن يكون قد انقطع نياط قلوبهم في التغريز والزج والشمس الحامية المحرقة.. ويصل إلى مكة ويتصل بأدبائها وبأصحاب الشأن فيها ويحدثهم بحماسة ولهفة عن رغبته في إنشاء مجلة أدبية تخدم الأدب والعلم في هذا البلد المقدس، وتكون أداة نافعة لإعادة مجد هذا البلد المقدس، بعد أن أتت عليه السنون، وتضافر عليه المستغلون والحاكمون، فامحت أمجاده وأبدل بعروبته الأصيلة بقوميات ونعرات أفسدت حياته ولم تبق له كياناً عربياً ولا عجمياً بل رؤوساً تمثل أفظع اختلاف في التفكير والعادات والتقاليد في الأسرة الواحدة.
ويسمع أهل الرأي والفكر ما يقوله هذا الشاب المغامر ويخفون عن وجهه ابتساماتهم الساخرة.. مجلة أدبية! تتحدث في شؤون الناس ويقلد بها المارقين في البحث والتنقيب وإدخال أنوفنا في شؤون قد تكون سبباً في إغضاب أمم أو دول عزيزة علينا أو أمم لسنا ((قدها)) إن أغضبناها. ونعود إلى حياة القلق والاضطراب بعد الراحة والسكون.. ما هذا؟ كيف يمكن أن نساعد على التمرد؟ أليس في الكتابة في المجلات تسهيل لأسباب التمرد أمام شباب ثائر أحمق؟ إننا رغم حسابنا الدقيق معهم لم نسلم من شطحاتهم وجنونهم في صورة كتب يصدرونها باسم أدب الحجاز وغير أدب الحجاز. فكيف لو أتحنا لهم الفرصة في مجلة تصدر شهرياً!
ويسمع الشاب الوجه الظاهر من كلمات الإطراء والتأييد ما يعرف أنه مجرد مجاملة واستخفاف، ولكنه وهو العارف، يمسك بهذه الخيوط الواهية ويقتحم الدوائر يطلب ويستجدي ويعود بعد جهد بخفي حنين. ويدور الحديث في المجالس والأندية ويتفكر الموسرون وأصحاب الرأي بجنون هذا الأديب المغرور. كيف يمكن أن تسمح الحكومة بإصدار مجلة؟ إنها لو سمحت فإننا لا نقر أن يكون أمر مثل هذه المجلة في يد شاب ناشىء غرير، إن من يقوم على أمر هذه المجلة يجب أن يكون رجلاً عظيماً من كبار رجالات البلد يعرف كيف يسير بها ويرضي تقاليد البلد وأذواقها ويحافظ على علاقاتنا مع الأمم المحيطة بنا والمرتبطة مصالحنا بها. وتنتهي المجالس بضحكات السخرية والاستهزاء.. ويظل الشاب يكاتب رجال العاصمة مستحثاً مهيباً مستعطفاً. وتمر الأيام ويعود بورقة الإركاب التي تحصلها بعد جهد إلى العاصمة ويطرق الأبواب مرة أخرى.
وإن كنت تعرف شخصياً هذا الشاب تعرف كم هو عنيد ومصر لا يتردد أن يصر على نقر الصخرة بالإبرة إذا كان ذلك أمراً لا مناص عنه لتحقيق الهدف. وهو الآن في دروسه لا يهمه إقناع الناس، ولكنه يريد أن يقنع الرسميين ليتحصل على الرخصة. والرسميون أشد صلابة وأكثر حذراً من الشباب الثائر المفقود الثقة.
واستثمر عمله كموظف بديوان إمارة المدينة فجعل يتودد لأميرها ويعمل جاهداً ليل نهار لإرضاء أميره ورئيس ديوانه حتى تم له اكتساب ثقتهما وكانت شهادتهما له عند أصحاب الشأن خير شفيع، وأخيراً أعطي الرخصة على أن لا تتجاوز أبحاث المجلة، الأبحاث الأدبية والدينية والاجتماعية. وبرقت عينا الفتى وهو يتسلم الرخصة وجعل يحملق فيها وهو لا يكاد يصدق أن مسعاه قد نجح، وأنه فعلاً أصبح صاحب مجلة ومديراً مسؤولاً. ثم أفاق من نشوة الفرحة ليجد نفسه من جديد في موقف الحيرة والارتباك وهو يفكر الآن في رأس المال الذي تقوم عليه المجلة، وفي الكتّاب الذين سيدبجون المقالات الأدبية والعلمية والاجتماعية لتضمن للمجلة الرواج والاستمرار. وأين المال والجيب خالٍ وراتب الوظيفة لا يكاد يفي بحقوق البطن، والناس لا يؤمنون بصرف أموالهم على مثل هذه الخزعبلات؟ وأين الكتّاب والبلد ليس فيه إلا من يعد على الأصابع، منهم، وهم على ذلك في غرور وشطحات؟ وحل الفتى المشكلة وهو يقول في نفسه:
لماذا كل هذا التردد وهذا الجبن؟ ليس ضرورياً أن يكون عندي ورق للمجلة لعدة شهور! وليس من الضروري أن أقاول المطبعة لمدة طويلة! يكفي أن أشتري الورق شهراً بشهر، ويكفي أن أدفع أجرة الطبع شهراً بشهر، وهذا كل ما أستطيع أن أفعله.. سأحسم من راتبي مبلغاً أستعين به على سداد قيمة الورق في كل شهر. وكذلك الطبع.. سأجمع بعض الاشتراكات وأدفعها قسطاً للطبع.. وبعد صدور العدد الأول يخلق الله ما لا تعلمون، وموضوع الكتابة يبدو لي بسيطاً، فالمجلة شهرية.. فعلي، أن أكتب طوال الشهر مواد المجلة، وما جاء من الأدباء صالحاً للنشر سوف يترك لي فرصة للراحة والاستجمام.
وخرج الفتى من تفكيره هذا بقرار حاسم، فقد قرر أن يصدر المجلة، ويتحمل كل العبء، وكل الجهد والعرق والسهر.. وصدر العدد الأول من مجلة المنهل، واستمرت المجلة في الصدور، وكان كثيرون ينتظرون وقوفها بين الحين والحين، وكان كثيرون ينتظرون أن يفعل ضيق الأفق فعله في نفوس أصحاب الشأن فيسعوا إلى إنهاء حياتها، لا بد من أحد أمرين: إما إفلاس صاحب المجلة، أو قيام الرأي العام مطالباً بوقف هذا الاندفاع والكلام الفارغ.
ومعذور من لا يعرف حالة الرأي العام في ذلك الوقت؛ فإن كلمة واحدة قد يصور الفهم السقيم لشخص من الأشخاص عدم لياقتها فيسعى مشوشاً صارخاً يتحدى.. ويجد صدى وأذناً، ويكون لذلك تأثير بليغ على حياة المجلة بل على حياة صاحبها ومن له علاقة به.
ولكن المجلة لم تقف رغم الإفلاس ورغم وقوف الكثيرين في وجهها، فقد استمات صاحبها لتعيش، وعاشت المجلة..
وسيجد القارىء إذا رجع إلى أعدادها الأولى أنها كانت تكتب حيناً من ألفها إلى يائها بقلم واحد.. هذا إلى أن صاحب هذا القلم هو الذي كان يعمل بنفسه في كتابة عناوين المشتركين وإيداع المجلة في البريد وتسلم تحاريرها والرد عليها ومعالجة آراء الناقدين.
وسيجد القارىء إذا قارن أعدادها الأولى بما هي عليه اليوم، أنها لم تكن في مستواه العلمي، أقل مما هي عليه اليوم، وإن كانت الآن قد أينعت ثمارها وتفتحت أزهارها وتنوعت أبوابها.
والمتتبع لتاريخ الصحافة في هذه البلاد يجد أن كل صحيفة صدرت لم تسلم من التوقف والمنع والاهتزاز أمام التيارات المختلفة، ومجلة المنهل هي الصحيفة الوحيدة التي قطعت مراحلها وعاشت إلى يوبيلها الفضي دون أن تتعرض لمثل هذه الزوابع.
هذه لمحة من جهاد صاحب المنهل أثبتها للحقيقة والتاريخ كصديق وزميل لصاحبها عرف من أمورها الكثير وكتب عن معرفة وصدق. وإنها لصفحة مشرفة جدير بشباب هذا الجيل أن يأخذ منها درساً لشق طريق النجاح في الحياة.
وقبل أن أختتم كلمتي أهنيء صديقي الأستاذ عبد القدوس على نجاحه الكامل وتوفيقه الكبير في خدمة العلم والأدب في هذا البلد المقدس الطاهر.
والله اسأل أن يزيد في عونه وتوفيقه فيكمل رسالته العظيمة بخير ما يكمل به العاملون المصلحون أعمالهم.
وإلى الأمام، دائماً إلى الأمام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :884  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .