هل نحن على أبواب عهد جديد؟ |
أظن أنه لا يوجد في المملكة العربية السعودية اليوم من يشك أن هناك في طول المملكة وعرضها نهضة قوية تدفع النفوس دفعاً إلى طلب الكمال في جميع شؤون الحياة. ونظرة واحدة في حياتنا أمس وحياتنا اليوم تكفي لأن تقنع إقناعاً صحيحاً كل من يتوهم غير هذا. لأنه يوجد بيننا اليوم كثيرون ممن كانوا يعتقدون أن ما في الصحف والمجلات كذباً لا فائدة فيه، وقراءتها خروج على الدين والتقاليد. وهم اليوم يطالعون الصحف بتلهف ويعتقدون أن لمطالعتها الفضل الكبير في تنوير الأذهان وتنمية الأفكار، وكان يوجد بيننا من يرى إرسال الأبناء إلى البلاد الخارجية للتعليم إنما هو تضييع لهؤلاء الأبناء وقسوة يجب أن لا يتصف بها الآباء. وهم اليوم يودون لو ساعدهم الحظ، فيرسلون أبناءهم ليرتشفوا مناهل العلوم من أطراف الدنيا، وبيننا شيوخ كانت طرق العلم مفتوحة أمامهم ولكنهم لم يلتفتوا إليها لانشغالهم بملاذ الحياة. وهم نادمون على ما فرطوا فيه ولا يرضون أن يتصف أبناؤهم بالجهل الذي ذاقوا مرارته، وعرفوا معناه السقيم. |
كل هذا يدل دلالة واضحة على أن الشعور بوجوب النهوض عام في طبقات الشعب وموجود لا شك فيه. إلا أن الجدير بالبحث هو: هل توجد طرق منظمة، وموارد غزيرة لإشباع هذه الرغبة إشباعاً كافياً وتوجيه هذا الشعور توجيهاً منظماً ليأتي بالنتيجة المطلوبة؟ أم أن هذا الشعور المتدفق يغلي في الصدور مدة ثم لا تلبث ناره أن تخبو فلا يأتي بالنتيجة المطلوبة، ذلك ما نريد أن نبحثه ونرجو أن نوفق في بحثنا إلى طريق الصواب. |
إننا نقدر لاطراد هذا النهوض وتمخضه عن عهد جديد وجود أصول أربعة هي: |
(1) وجود مدارس منظمة ابتدائية وثانوية وعالية توافق برامجها مناهج التعليم العام في عموم أقطار العالم المتمدن. |
(2) وجود صحافة عالية تنشر الثقافة بين الجمهور. |
(3) وجود بعثات منظمة إلى البلاد الخارجية. |
(4) تنظيم حياة الشباب تنظيماً يوافق مطالب الحياة. |
ولنبحث عن كل واحد من هذه الأصول على حدة لنتبين مقدار حظنا منه فنقول: |
المدارس: |
لا نشك أن حكومة جلالة مليكنا المحبوب ((عبد العزيز آل سعود)) التي شجعتنا على متابعة النهوض للتخلص من حياة لا تليق بشعب عربي كريم، قد سعت جهدها في تعضيد المعارف وتوطيد مركزها، وقد بذلت وكالة المعارف من جانبها أيضاً جهداً تشكر عليه، فنشرت المدارس الابتدائية في أطراف القطر والمعهد العلمي السعودي بأم القرى الذي هو عبارة عن مدرسة ثانوية مستعدة لتهيّىء تلاميذ للمدارس العالية التي يجب أن توجد في المستقبل القريب. |
الصحافة: |
من حسنات العهد السعودي هذه الروح الصحافية القوية التي نراها في أطراف البلاد، فقد شجعت حكومة جلالة الملك ((عبد العزيز)) الصحافة في الحجاز، وأعطت امتيازات لعدة جرائد ومجلات صدر منها البعض وتوقف، وبعضها لا يزال يصدر حتى الآن، ومنها ما أعطي امتيازه ولم يصدر حتى الآن. |
ونحن هنا نسأل لِمَ لم يصدر ما أعطي امتيازه؟ ولِمَ توقف عن الصدور ما كان صادراً؟! ذلك لأن الصحافة لم تستقر لدينا على أساس قوي، وأنها في حاجة إلى تنظيم كما أنها في حاجة إلى صحافيين مدربين يستطيعون قيادة الجماهير وغرس المبادىء الوطنية والأخلاق الرفيعة في نفوسهم. |
البعثات: |
أما البعثات فليس هناك بعثات منظمة من الشباب المتعلم سوى التي ترسلها الحكومة في مناسبات خاصة؛ لذلك فنحن في أشد الحاجة إلى إرسال البعثات المنظمة من الشباب المتعلم الذي نال قسطاً وافياً من التعليم الحجازي ووجدت فيه أهلية واستعداد للاقتباس من العلوم العالية ما يفيد به أمته وبلاده. وهذا في ما نظن واجب من واجبات الشعب يجب أن يقوم به خير قيام. فالتجار وأصحاب الأملاك هم المسؤولون عن هذا ولن يجدوا لمبراتهم مصرفاً خيراً من هذا، فهو صدقة جارية تثبت لهم الثناء على مر الدهور، ومتى تتابعت البعثات التي ترسلها الأمة إلى جانب البعثات التي ترسلها الحكومة، فستكون نخبة صالحة من رجال العلم والصناعات الذين يكون عليهم مدار النهوض. |
الشباب: |
ليسمح لي الشباب الناهض أن أقول إن حياة أكثر المتعلمين عندنا غير منظمة، فإنك لا تجد بينهم من رسم لنفسه خطة يسير عليها، وكون غاية معروفة يسعى لها في أدوار حياته، بل إن الكثيرين منهم لا يتكلفون عناء التنظيم بل ولا يفكرون فيه فيتركون أنفسهم للظروف تكيفهم كيف شاءت. والعهد الجديد يحتاج إلى شباب منظم يسعى للغاية التي رسمها لنفسه ويقتحم المشاق في سبيل نيلها. |
ذلك ما نرجو أن تنتبه إليه الأيدي العاملة من رجالنا العاملين، فيسعون لحمل الأمة على أخذ المفيد الصالح منها. وعندئذ لا يمضي وقت طويل حتى نصبح أمة حية تأخذ مقامها بين الأمم. |
|