وَجَم اللّسانُ لحادثٍ مستفظعِ |
أوّاه ما أقساهُ يومَ المصرعِ |
نُبِّئتُ بالخبرِ المُشينِ فهالَنِي |
ما قد سمعتُ وليتني لم أسمَعِ |
قدرٌ أتاكَ وأنت تجهلُ أمرَه |
فوقعت مطروحاً بصدق أمع |
دربٌ مشيت به على سيّارة |
فوصلت ((للنمسا)) بقصد تمتُّع |
هلا وجدتَ متاعَ شهرٍ واحدٍ |
في رحلة خُتِمَتْ بِرُزْءٍ مُفْزِعِ |
هلا وجدتَ العيشَ لقمةَ كادح |
أم كنت تعبث في المجال الأوسعِ |
كافحتَ في الدنيا فكنتَ كما نرى |
حَذِراً.. تعثّر عثرة المُتوقِّعِ |
ووقفتَ في عهد الشباب موطداً |
ما كنت مدخراً لعهد تطلعِ |
وأتى المشيب وبعضُ شعركَ أبيضٌ |
كالفجرِ من خلف الظّلام الأسفعِ |
يا أيها الصحفي الذي كانت له |
فلتاتُ فكرٍ من يراعٍ طيّعٍ |
ما كنتُ أدري كيف أنت رسمتَها |
وكأنها اللوحاتُ للمستطِلعِ |
هي في الطرائف روضة معطاءة |
تنداح عطراً في الربيع المُمْرِعِ |
واليوم خلّفتَ الطرائفَ تشتكي |
منعاك في الدنيا شكاةُ توجُّعِ |
وبكاك أهلُك والبنونَ جميعُهم |
وبكاؤهم من حسرةٍ وتصدّعِ |
والصفوةُ الأحبابُ في أحزانهم |
قد شيّعوك إلى الضريح البلقعٍ |
ما مسّهم جزعٌ لحادث صدمةٍ |
لكنّهم صُعِقُوا بفقدِ سُميذَعِ |
في كلّ يوم صاحبٌ مترحِّلٌ |
حملوه فوق قوائمٍ من أربعٍ |
حملوه فوق سواعدٍ مفتولةٍ |
وقلوبهُم في حسرة المُتوجِّعِ |
عبد الحميد.. إذا رحلتَ عن الدنا |
في كل نادٍ أنت فيه، وموضعِ |
إن غاب وجهُك، تحت أستار الثَّرى |
فالود باق في الحشا والأضلعِ |
العزم نهجُك قد رسمتَ طريقه |
للقاعدِ المحرومِ والمتربّعِ |
والصّدق دأبُك قد وضعت أصولَه |
لبنيك للتاريخِ صفحةَ مرجعِ |
شكواك من قلبٍ مريضٍ لم يكن |
سبباً لهذا الحادث المُتسرّعِ |
لكن ابن آدمَ طائر متجوّل |
صياده في جنبه لم يُقْلِعِ |
قد رحت تستشفي وأنت مودَّعٌ |
في رحلة ((دنيا)) ولمّا ترجعِ |
فُوجِئتُ بالنبأ المُشينِ ولم أزَلْ |
أبكيك يا وِدّي بفرطِ الأدمُعِ |
هل يُرجِعُ المفقودَ ذرفُ مدامعِ |
نمْ يا صديقي هانئاً في المضجَعِ |
الموت في الدّنيا طريق قوافل |
كلٌّ يرى محصوله في المجمعِ |
من كان موفورَ العطاء جزاؤه |
يُعطي بميزان الثواب الأرفعِ |
وإذا الذي ميزانه متأرجِحٌ |
يُعطى بمرجوح الكفاءِ الأكتعِ |
قد كنت أحسب أن عودَك مُقبِلٌ |
وإذا مماتُك وثبةٌ من مُسرِعِ |
في ذمّة الخلد المجلّلِ بالسَنا |
في جنّة الفردوسِ أخصب مرتعِ |
حيث النعيمُ تنالُ منه المرتجَى |
ما شاء ربُّك مُعطِياً بتوسّعِ |
إن كان في بعض الرجال نبالةٌ |
فالنبلُ عندك شيمةُ المترفّعِ |
أيّ الرجالِ.. وأنت فينا فاضلٌ |
والفضلُ عندي من سمات الألمعي |
لا كالرجال الواغلين وكلّهم |
مِزَقٌ سداها لحمة بمرقّعِ |
لا ينفع التّرقيعُ فيمن فاته |
ركبُ الحياة وعاش عيشة مُدْقِعِ |
إن الحياة تجدّدٌ وتطلعٌ |
للخير للإصلاح بل للأنفعِ |
المجدُ للإِنسان حيث طموحُه |
متوفِّرٌ في المنتهى.. والمطلعِ |
والعاملون همُ المشاعل في الدّنا |
والفاشلون طحالب المستنقَعِ |