شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( النعمان والشعر ))
ثم طلب الأستاذ حسين نجار من دولة الرئيس النعمان أن يسمع الحاضرين شيئاً من شعره، فرد الأستاذ النعمان قائلاً:
- لم أقل الشعر أبداً إلا في الزنزانة، فقد خطرت لي ذات يوم هذه الخاطرة:
إذا كان لا شِعْرٌ يفيد ولا نَثْـرُ
فليس لكم إلا القبائل والبـدرُ
إلى الله شـكوانا وفيه رجـاؤنا
إذا ضاقت الدنيا وضاق بنا القَبرُ
- وذات مرة جاء اللواء وحيد بعد مرور ستة أشهر عليَّ في الزنزانة المغلقة، واستدعاني أن أخرج لأرى الجو وأرى الشمس، فلما التقيت به صافحني وعانقني، فشعرت بإنسانيتي، فسألني عن الحال فقلت لا نريد إلا شيئًا واحداً، لقد كنا نطالب بحرية القول فأعطونا حرية البول.. قال: كيف ذلك؟
قلت له: إن الحراس لا يفتحون لنا الباب كلما قرعناه، فأبدى تعاطفاً كبيراً ونصح مدير السجن أن يعاملنا معاملة حسنة، ثم مكنني من الاتصال بأفراد أسرتي هاتفياً وكانوا في مصر ولا يعرفون عنا شيئاً ولا نعرف شيئاً عنهم، فلما أعطاني الهاتف تكلمت وكاد يخنقني بالبكاء، وقد ألهبت هذه الحادثة مشاعري فكتبت هذه القصيدة:
يا وحيداً في حفظه للذِمامِ
يا ضياءً في ظلمةِ الأَيامِ
لستُ أَنْسى وقد طَلَعْت بِوَجْهٍ
مُشرقٍ بالبُشرى وبالإِبتسام
تملأُ القلبَ بالسرور وتمحو
ثُلْثَ عام من الشَقَا والظَلام
في ظلام السجون أحيا وحيداً
بين أحلام.. يقظة ومنام
بين جدران غرفة ذات بابِ
مُحكم الغلق أيما إحكام
لا ترى العين وجهَ حُر كريمٍ
أو صَدِيق أو عابرٍ للسلامِ
لا أرى الشَّمْس أو أُحسُ بدفء
من لَظَاهَا يدبُ في الأجسامِ
لا أَرى الجو أو أشم هواءً
غير جو المِرحَاض والحمَّام
لستَ تدري ماذا صَنَعتَ بنفسي
حينَ قَابلْتَني بكل احترامِ
حين قابلتَني بأكرمِ وَجْهٍ
وعِناقٍ ورِفْقةٍ وابتسام
وهَدَمتَ الأَسوار تنقل صوتي
لصغاري وسائر الأرحامِ
بعدما حيل بيننا من شُهورٍ
وأُقيمت كُل السدود أمامي
حينما رنَّ صوت بنتي بسمعي
خَنَقتْني الدُموع بالآلام
بُحَ صوتي عند الحديث إليها
أنكرته من بعدها المُترامي
سألتني مفجوعةً أين صوتٌ
ملء سَمْعِي في يقظتي ومنامي؟
أنتَ حقاً أبي تحدَّث وأَفصح
إن أُمي وأخوتي قُدَّامي
فكتمت الآلام في ذات صدري
وخَزَنْت الدموع للأيام
وتَجلَّدتُ رحمة بِصِغَارٍ
روَّعتهم فَجَائِع الأيام
رُوّعوا قَسْوةً بعهد جمالٍ
مثلما رُوعوا بعهد الإِمام
- هذا الذي يحضرنا منها، ولا داعي لنبش الآلام، ودعونا مع الشاعر حيث قال:
رَوِّح النَفْسَ بالسُّلُو عـليها
لا تَكْن جالبَ الهُموم إليهـا
وإذا مَسَّها الزمـان بـضُرٍ
لا تَكُنْ أنتَ والزمان عليها
- من الأفضل أن نرفه على أنفسنا.
 
ثم طلب الأستاذ حسين نجار من المحتفى به أن يسرد بعض ما يحتفظ به في ذاكرته عن الأندلس.
فقال الأستاذ النعمان: أنا لا أحفظ الشعر إلا إذا كان فيه ألم. قال الشاعر:
إن مـن يجـمع الهـموم عليه
أكلته الهـموم أكـلاً وبيـلا
فإذا ما أطـل رأسـك هــم
قصـر البحث فيه كـيلا يطولا
وإذا ما وجدت في الأرض ظلاً
فـتفيأ بــه إلى أن يــزولا
- وحيا الله الإِخوان الصابرين على هذه الآلام والضجيج.
 
وتفجرت في مجلس الإِمام ذات يوم شاعرية الزبيري فقال:
العيدُ من بسمات ثغرك مُشرق
والدَهْـر حـول جَـلال عَـرْشِك مُطرق
والأرضُ نيِّرةٌ بوجهك تزدهي
والشعب أفئدة بحبك يخفقُ
تبدو لنا فَتَهيم فيك عيوننا
وذُكَاءُ في آفاقها لا ترمقُ
فكأنما صُوِّرت من أَبْصَارِنا
فَتَكاد تخطف بالجفون وتُسرقُ
وتكاد تبلعُ كالنواظر خِلْسَةً
وتشدُ أهداباً عليك وتُغلقُ
ما كنتُ في شِعري بليغاً مفلقاً
لكن علاك هو البليغُ المفلقُ
 
(( مداخلة ))
وهنا قال معالي الشيخ عبد الله بلخير: "أيبعث النعمان من قبره؟"، ليذكر المحتفى به بحادثة:
فتذكر دولة الرئيس محمد النعمان وقال: هذه قصيد قالها الزبيري رحمه الله بعد حادث عام 1948م حيث وقعت في الأسر ودخلت السجن، في حين نجا وهرب الزبيري إلى باكستان، وكان كل همه من مراسلاته للإِمام أن يفرج عن أخيه، ويعتبر أنه هو السبب في نكبتي، فلما بلغه أن الإِمام عفا عني وأطلق سراحي ما كاد يصدق وبعث بقصيدة للإِمام أحمد:
أَيُبعثُ نعمان من قبره
وينحسرُ الهولُ عن نَحرِه
تَقُومُ الجِبالُ على رأسه
فتنجاب كالغيم في مره
وينقض ليث على صدره
فيصبح كالإِلف في بره
إلا إنه ملك طامح
أراد السمو إلى قدره
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :675  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 126 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج