باب ما جاء في ولاية قصي بن كلاب البيت الحرام وأمر مكة بعد خزاعة وما ذكر من ذلك |
حدّثنا أبو الوليد قال حدثني جدي: قال حدثنا سعيد بن سالم: عن عثمان بن ساج عن ابن جريج وعن ابن إسحاق - يزيد أحدهما على صاحبه - قالا: أقامت
(1)
خزاعة على ما كانت عليه من ولاية البيت والحكم بمكة ثلاثمائة سنة وكان بعض التبابعة قد سار إليه وأراد هدمه وتخريبه فقامت دونه خزاعة فقاتلت عليه أشد القتال حتى رجع ثم آخر فكذلك وأما التبع الثالث الذي نحر له وكساه وجعل له غلقاً وأقام عنده أياماً ينحر كل يوم ماية بدنة لا يرزأ هو ولا أحد من أهل عسكره
(2)
شيئاً منها يردها الناس في الفجاج والشعاب فيأخذون منها حاجتهم ثم تقع عليها الطير فتأكل ثم تنتابها
(3)
السباع إذا أمست لا يرد عنها إنسان ولا طير ولا سبع ثم رجع إلى اليمن إنما كان في عهد قريش فلبثت خزاعة على ما هي عليه وقريش إذ ذاك في بني كنانة متفرقة وقد قدم في بعض الزمان حاج قضاعة فيهم ربيعة بن حرام
(4)
بن ضبة
(5)
بن عبد بن كبير
(6)
بن عذرة بن سعد ابن زيد وقد هلك كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وترك زهرة وقصياً ابني كلاب مع أمهما فاطمة بنت عمرو بن سعد بن سيل، وسعد بن سيل الذي يقول فيه الشاعر وكان أشجع أهل زمانه: |
لا أرى في الناس شخصاً واحداً |
فاعلموا ذاك كسعد بن سيل |
فارس اضبط فيه عسرة |
فإذا ما عاين القرن نزل |
فارس يستدرج الخيل كما |
يدرج الحر القطامى الحجل |
|
وزهرة أكبرهما فتزوج ربيعة بن حرام أمهما وزهرة رجل بالغ، وقصي فطيم أو في سن الفطيم فاحتملها ربيعة إلى بلادهم من أرض عذرة من أشراف الشام فاحتملت معها قصياً لصغره وتخلف زهرة في قومه فولدت فاطمة ابنة عمرو بن سعد لربيعة رزاح بن ربيعة فكان أخا قصي بن كلاب لأمه ولربيعة بن حرام من امرأة أخرى ثلاثة نفر حن، ومحمود، وجلهمة
(7)
بنو ربيعة فبينا قصي بن كلاب في أرض قضاعة لا ينتمي إلا إلى ربيعة بن حرام إذ كان بينه وبين رجل من قضاعة شيء وقصي قد بلغ فقال له القضاعي: ألا تلحق بنسبك وقومك فإنك لست منا؟ فرجع قصي إلى أمه وقد وجد في نفسه مما قال له القضاعي فسألها عما قال له فقالت: والله أنت يا بني خير منه وأكرم أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وقومك عند البيت الحرام وما حوله. فأجمع قصي للخروج إلى قومه واللحاق بهم وكره الغربة في أرض قضاعة فقالت له أمه يا بني لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام فتخرج في حاج العرب فإني أخشى عليك. فأقام قصي حتى دخل الشهر الحرام وخرج في حاج قضاعة حتى قدم مكة فلما فرغ من الحج أقام بها وكان قصي رجلاً جليداً حازماً بارعاً فخطب إلى حليل
(8)
بن حبشية بن سلول الخزاعي ابنته حبى ابنة حليل فعرف حليل نسبه
(9)
ورغب في الرجل فزوجه وحليل يومئذ يلي الكعبة وأمر مكة، فأقام قصي معه حتى ولدت حبى لقصي عبد الدار وهو أكبر ولده، وعبد مناف وعبد العزى، وعبداً بني قصي فكان حليل يفتح البيت فإذا اعتل أعطى ابنته حبى المفتاح ففتحته فإذا اعتلت أعطت المفتاح زوجها قصياً أو بعض ولدها فيفتحه
(10)
وكان قصي يعمل في حيازته إليه وقطع ذكر خزاعة عنه، فلما حضرت حليلاً
(11)
الوفاة نظر إلى قصي، وإلى ما انتشر له من الولد من ابنته فرأى أن يجعلها في ولد ابنته فدعا قصيا فجعل له ولاية البيت وأسلم إليه المفتاح وكان يكون عند حبى، فلما هلك حليل أبت خزاعة أن تدعه وذاك
(12)
وأخذوا المفتاح من حبي فمشى قصي إلى رجال من قومه من قريش وبني كنانة ودعاهم إلى أن يقوموا معه في ذلك وأن ينصروه، ويعضدوه فأجابوه إلى نصره وأرسل قصي إلى أخيه لأمه رزاح بن ربيعة وهو ببلاد قومه من قضاعة يدعوه إلى نصره ويعلمه ما حالت خزاعة بينه وبين ولاية البيت
(13)
ويسأله الخروج إليه بمن أجابه من قومه فقام رزاح في قومه فأجابوه إلى ذلك فخرج رزاح بن ربيعة ومعه أخوته من أبيه حن ومحمود وجلهمة
(14)
بنو ربيعة بن حرام فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب مجتمعين لنصر قصي والقيام معه، فلما اجتمع الناس بمكة خرجوا إلى الحج فوقفوا بعرفة وبجمع
(15)
ونزلوا منى وقصي مجمع على ما أجمع عليه من قتالهم
(16)
بمن معه من قريش، وبنى كنانة، ومن قدم عليه مع أخيه رزاح من قضاعة فلما كان آخر أيام منى أرسلت قضاعة إلى خزاعة يسألونهم أن يسلموا إلى قصي ما جعل له حليل
(17)
وعظموا عليهم القتال في الحرم وحذروهم الظلم والبغي بمكة وذكروهم ما كانت فيه جرهم وما صارت إليه حين ألحدوا فيه بالظلم، والبغي فأبت خزاعة أن تسلم ذلك فاقتتلوا بمفضى مأزمي منى قال: فسمي ذلك المكان المفجر
(18)
لما فجر فيه وسفك فيه من الدماء
(19)
وانتهك من حرمته فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعاً وفشت فيهم الجراحات وحاج العرب جميعاً من مضر واليمن مستكفون ينظرون إلى قتالهم ثم تداعوا إلى الصلح ودخلت قبائل العرب بينهم وعظموا على الفريقين سفك الدماء والفجور في الحرم فاصطلحوا على أن يحكموا بينهم رجلاً من العرب فيما أختلفوا فيه فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن الليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وكان رجلاً شريفاً فقال لهم: موعدكم فناء الكعبة غداً فاجتمع إليه
(20)
الناس وعدوا القتلى فكانت في خزاعة أكثر منها في قريش وقضاعة وكنانة وليس كل بني كنانة قاتل مع قصي
(21)
إنما كانت مع قريش من بني كنانة قبائل يسيرة
(22)
واعتزلت عنها بكر بن عبد مناة قاطبة، فلما اجتمع الناس بفناء الكعبة قام يعمر بن عوف فقال: ألا إني قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمي هاتين فلا تباعة لأحد على أحد في دم وإني قد حكمت لقصي بحجابة الكعبة وولاية أمر مكة دون خزاعة لما جعل له حليل وأن يخلي بينه وبين ذلك وأن لا تخرج خزاعة عن مساكنها من مكة؛ قال: فسمى يعمر من ذلك اليوم الشداخ فسلمت ذلك خزاعة لقصي وعظموا سفك الدماء في الحرم وافترق الناس فولى قصي بن كلاب حجابة الكعبة وأمر مكة وجمع قومه من قريش من منازلهم إلى مكة يستعزبهم وتملك على قومه فملكوه، وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم وسكناتهم لم يحركوا ولم يخرجوا منها فلم يزالوا على ذلك حتى الآن، وقال قصي:
(23)
في ذلك وهو يتشكر لأخيه رزاح بن ربيعة |
أنا ابن العاصمين بني لؤي |
بمكة مولدي وبها ربيت |
ولي البطحاء قد علمت معد |
ومروتها رضيت بها رضيت |
وفيها كانت الآباء قبلي |
فما شويت أخي ولا شويت |
فلست لغالب إن لم تأثل |
بها أولاد قيدر والنبيت |
رزاح ناصري وبه أسامي |
فلست أخاف ضيماً ما حييت |
|
فكان قصي أول رجل من بني كنانة أصاب ملكاً، وأطاع له به قومه فكانت إليه الحجابة، والرفادة، والسقاية، والندوة، واللواء، والقيادة فلما جمع قصي قريشاً بمكة سمى مجمعاً وفي ذلك يقول حذافة ابن غانم الجمحي يمدحه |
أبوهم قصي كان يدعى مجمعاً |
به جمع الله القبايل من فهر |
هم نزلوها والمياه قليلة |
وليس بها إلا كهول بني عمر |
|
يعني خزاعة قال إسحاق بن أحمد: وزادني أبو جعفر محمد بن الوليد بن كعب الخزاعي |
أقمنا بها والناس فيها قلايل |
وليس بها إلا كهول بني عمر |
هم ملئوا
(24)
البطحاء مجداً وسودداً |
وهم طردوا عنها غواة بني بكر |
وهم حفروها والمياه قليلة |
ولم يستقى إلا بنكد من الحفر |
حليل الذي عادا كنانة كلها |
ورابط بيت الله في العسر واليسر |
أحازم إما أهلكن فلا تزل |
لهم شاكراً حتى توسد في القبر |
|
ويقال من أجل تجمع قريش إلى قصي سميت قريش قريشاً، قال أبو الوليد: وأنشدني عبد العزيز ابن إسماعيل الحلبي في التقرش وهو الاجتماع
(25)
|
أيجدي كثحنا للطعان إذا |
افترش القنا وتقعقع الحجف
(26)
|
|
ولبعضهم
(27)
|
قوارش بالرماح كان فيها |
شواطن تنتزعن به انتزاعا
(28)
|
|
والتجمع التقرش في بعض
(29)
كلام العرب ويقال: كان يقال لقصي القرشي ولم يسم قرشي قبله ويقال أيضاً: أن النضر بن كنانة كان يسمي القرشي وقد قيل أيضاً إنما سميت قريش قريشاً أنها كانت تجاراً تكتسب وتتجر وتحترش
(30)
فشبهت بحوت في البحر. |
حدّثني أبو الحسن الوليد بن إبان الرازي عن علي بن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام قال: قيل لابن عباس: لم سميت قريش قريشاً؟ قال: بأمر بين مشهور بدابة في البحر تسمى قريشاً والدليل على ذلك قول تبع حين يقول: |
وقريش هي التي تسكن البحر |
بها سميت قريش قريشاً |
تأكل الغث والسمين ولا |
تترك فيه لذي جناحين ريشاً |
هكذا في البلاد حتى قريش |
يأكلون البلاد أكلاً كشيشاً
(31)
|
ولهم آخر الزمان نبي |
يكثر القتل فيهم والخموشا |
|
ثم رجع إلى حديث ابن جريج ومحمد بن إسحاق قال: فحاز قصي شرف مكة وأنشأ دار الندوة وفيها كانت قريش تقضي أمورها ولم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي إلا ابن أربعين سنة للمشورة وكان يدخلها ولد قصي كلهم أجمعون، وحلفاءهم فلما كبر قصي ورق كان
(32)
عبد الدار بكره
(33)
وأكبر ولده وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب شرفه كل مذهب وعبد الدار وعبد العزى وعبد بنو
(34)
قصي بها لم يبلغوا ولا أحد من قومهم من قريش ما بلغ عبد مناف من الذكر والشرف، والعز وكان قصي، وحبى ابنة حليل يحبان عبد الدار ويرقان عليه لما يريان عليه من شرف عبد مناف وهو أصغر منه فقالت له حبى: لا والله لا أرضى حتى تخص عبد الدار بشيء تلحقه بأخيه فقال قصي: والله لألحقنه به ولأحبونه بذروة الشرف حتى لا يدخل أحد من قريش ولا غيرها الكعبة إلا بإذنه ولا يقضون أمراً ولا يعقدون لواء إلا عنده وكان ينظر في العواقب فأجمع قصي على أن يقسم أمور مكة الستة التي فيها الذكر، والشرف، والعز بين ابنيه فأعطى عبد الدار السدانة وهي الحجابة ودار الندوة، واللواء، وأعطى عبد مناف السقاية، والرفاده، والقيادة، فأما السقاية فحياض من أدم كانت على عهد قصي توضع بفناء الكعبة ويسقى فيها الماء العذب من الآبار على الإبل ويسقاه الحاج وأما الرفادة فخرج كانت قريش تخرجه من أموالها في كل موسم فتدفعه
(35)
إلى قصي يصنع به طعاماً للحاج يأكله من لم يكن معه سعة ولا زاد، فملا هلك قصي أقيم أمره في قومه بعد وفاته على ما كان عليه في حياته وولى عبد الدار حجابة البيت، وولاية دار الندوة، واللواء فلم يزل يليه حتى هلك وجعل عبد الدار الحجابة بعده إلى ابنه عثمان بن عبد الدار، وجعل دار الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار فلم تزل بنو عبد مناف بن عبد الدار يلون الندوة دون ولد عبد الدار فكانت قريش إذا أرادت أن تشاور في أمر فتحها لهم عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار
(36)
أو بعض ولده أو ولد أخيه، وكانت الجارية إذا حاضت أدخلت دار الندوة ثم شق عليها بعض ولد عبد مناف ابن عبد الدار درعها ثم درعها إياه وانقلب بها أهلها فحجبوها فكان
(37)
عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار يسمى محيضاً،
(38)
وإنما سميت دار الندوة لاجتماع النداة
(39)
فيها يندونها يجلسون فيها لإبرام أمرهم وتشاورهم، ولم تزل بنو عثمان بن عبد الدار يلون الحجابة دون ولد عبد الدار ثم وليها عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، ثم وليها أبو طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، ثم وليها ولده من بعده حتى كان فتح مكة فقبضها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أيديهم وفتح الكعبة ودخلها ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة مشتملاً على المفتاح فقال له العباس بن عبد المطلب بأبي أنت وأمي يا رسول الله أعطنا الحجابة مع السقاية فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا فقال عمر بن الخطاب: رضي الله عنه فما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تلك الساعة فتلاها ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح وقال غيبوه ثم قال: خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله سبحانه، واعملوا فيها بالمعروف خالدة تالدة لا ينزعها من أيديكم إلا ظالم. فخرج عثمان ابن طلحة إلى هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان ابن أبي طلحة فلم يزل يحجب هو وولده، وولد أخيه وهب بن عثمان حتى قدم ولد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وولد مسافع بن طلحة ابن أبي طلحة من المدينة وكانوا بها دهراً طويلاً فلما قدموا حجبوا مع بني عمهم فولد أبي طلحة جميعاً يحجبون، وأما اللواء فكان في أيدي بني عبد الدار كلهم يليه منهم ذوو السن والشرف في الجاهلية حتى كان يوم أحد فقتل عليه من قتل منهم، وأما السقاية، والرفادة، والقيادة فلم تزل لعبد مناف بن قصي يقوم بها حتى توفي فولى بعده هاشم بن عبد مناف السقاية، والرفادة وولى عبد شمس بن عبد مناف القيادة وكان هاشم بن عبد مناف يطعم الناس في كل موسم بما يجتمع عنده من ترافد قريش كان يشتري بما يجتمع عنده دقيقاً ويأخذ من كل ذبيحة من بدنة أو بقرة أو شاة فخذها فيجمع
(40)
ذلك كله ثم يحرز به الدقيق ويطعمه الحاج فلم يزل على ذلك من أمره حتى أصاب الناس في سنة جدب شديد فخرج هاشم بن عبد مناف إلى الشام فاشترى بما اجتمع عنده من ماله دقيقاً، وكعكاً فقدم به مكة في الموسم فهشم ذلك الكعك ونحر الجزور
(41)
وطبخه وجعله ثريداً وأطعم الناس وكانوا في مجاعة شديدة حتى أشبعهم فسمى بذلك هاشماً وكان اسمه عمرو ففي ذلك يقول ابن الزبعري السهمي: |
كانت قريش بيضة فتفلقت |
فالمح
(42)
خالصها لعبد مناف |
الرايشين وليس يوجد رايش |
والقايلين هلم للأضياف |
والخالطين غنيهم بفقيرهم |
حتى يعود فقيرهم كالكاف |
والضاربين الكيس
(43)
تبرق بيضه |
والمانعين البيض بالأسياف |
عمرو العلا هشم الثريد لمعشر |
كانوا بمكة مسنتين عجاف |
|
يعني بعمرو العلا هاشماً فلم يزل هاشم على ذلك حتى توفي وكان عبد المطلب يفعل ذلك فلما توفي عبد المطلب قام
(44)
بذلك أبو طالب في كل موسم حتى جاء الإسلام وهو على ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل بمال يعمل به الطعام مع أبي بكر رضي الله عنه حين حج أبو بكر بالناس سنة تسع ثم عمل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ثم أقام أبو بكر في خلافته ثم عمر رضي الله عنه في خلافته ثم الخلفاء هلم جرا حتى الآن وهو طعام الموسم الذي تطعمه الخلفاء اليوم في أيام الحج بمكة وبمنى حتى تنقضي أيام الموسم. وأما السقاية فلم تزل بيد عبد مناف فكان يسقي الماء من بير كرآدم
(45)
وبير خم
(46)
على الإبل في المزاد والقرب ثم يسكب ذلك الماء في حياض من أدم بفناء الكعبة فيرده الحاج حتى يتفرقوا. فكان يستعذب ذلك الماء وقد كان قصي حفر بمكة آباراً وكان الماء بمكة عزيزاً إنما يشرب الناس من آبار خارجة من الحرم فأول من حفر قصي بمكة حفر بيراً يقال لها العجول
(47)
كان موضعها في دار أم هاني بنت أبي طالب بالحزورة وكانت العرب إذا قدمت مكة يردونها فيسقون منها ويتراجزون عليها قال قايل فيها: |
أروي من العجول ثمت انطلق |
إن قصياً قد وفى وقد صدق |
بالشبع للحي ورى المغتبق
(48)
|
|
وحفر قصي أيضاً بيراً عند الردم الأعلا
(49)
عند دار إبان بن عثمان التي كانت لآل جحش بن رآب ثم دثرت فنثلها جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وأحياها. ثم حفر هاشم بن عبد مناف بذر وقال حين حفرها لأجعلنها للناس بلاغاً وهي البير التي في حق المقوم ابن عبد المطلب في ظهر دار الطلوب مولاة زبيدة بالبطحاء في أصل المستنذر
(50)
وهي التي يقول فيها بعض ولد هاشم: |
نحن حفرنا بذر بجانب المستنذر |
نسقي الحجيج الأكبر |
|
وحفر هاشم أيضاً سجلة
(51)
وهي البير التي يقال لها بير جبير بن مطعم دخلت في دار القوارير فكانت سجلة لهاشم بن عبد مناف فلم تزل لولده حتى وهبها أسد بن هاشم للمطعم بن عدي حين حفر عبد المطلب زمزم واستغنوا عنها، ويقال: وهبها له عبد المطلب حين حفر عبد المطلب زمزم واستغنى عنها وسأله المطعم بن عدي أن يضع حوضاً من أدم إلى جانب زمزم يسقي فيه من ماء بئره فأذن له في ذلك وكان يفعل، فلم يزل هاشم بن عبد مناف يسقي الحاج حتى توفي فقام بأمر السقاية بعده عبد المطلب بن هاشم فلم يزل كذلك حتى حفر زمزم فعفت على آبار مكة كلها
(52)
، وكان منها مشرب الحاج، قال: وكانت لعبد المطلب إبل كثيرة فإذا كان الموسم جمعها ثم يسقي لبنها بالعسل في حوض من أدم عند زمزم ويشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحاج لأن
(53)
يكسر غلظ ماء زمزم وكانت إذ ذاك غليظة جداً، وكان الناس إذ ذاك لهم في بيوتهم أسقية يسقون
(54)
فيها الماء من هذه البيار ثم ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر لأن يكسر عنهم غلظ ماء آبار مكة وكان الماء العذب بمكة عزيزاً لا يوجد إلا لإنسان يستعذب له من بئر ميمون وخارج من مكة، فلبث عبد المطلب يسقي الناس حتى توفي. فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبد المطلب فلم تزل في يده وكان للعباس كرم بالطايف وكان يحمل زبيبه إليها وكان يداين أهل الطايف ويقتضي
(55)
منهم الزبيب فينبذ ذلك كله ويسقيه الحاج أيام الموسم حتى ينقضي في الجاهلية وصدر الإسلام حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب
(56)
والحجابة من عثمان ابن طلحة، فقام العباس بن عبد المطلب فبسط يده وقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمع لنا
(57)
الحجابة والسقاية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيكم ما ترزءون فيه ولا ترزءون منه. فقام بين عضادتي باب الكعبة فقال: ألا إن كل دم أو مال أو مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي هاتين إلا سقاية الحاج، وسدانة الكعبة فإني قد أمضيتهما لأهلهما على ما كانتا عليه في الجاهلية. فقبضها العباس فكانت في يده حتى توفي فوليها بعده عبد الله بن العباس رضي الله عنه فكان يفعل فيها كفعله دون بني عبد المطلب، وكان محمد بن الحنفية قد كلم فيها ابن عباس فقال له ابن عباس: مالك ولها نحن أولى بها منك
(58)
في الجاهلية والإسلام، قد كان أبوك تكلم فيها فأقمت البينة و
(59)
طلحة ابن عبيد الله، وعامر بن ربيعة، وأزهر بن عبد بن
(60)
عوف، ومخرمة بن نوفل، أن العباس بن عبد المطلب كان يليها في الجاهلية بعد عبد المطلب وجدك أبو طالب في إبله في باديته بعرنة
(61)
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها العباس يوم الفتح دون بني عبد المطلب فعرف ذلك من حضر فكانت بيد عبد الله بن عباس بعد أبيه لا ينازعه
(62)
فيها منازع، ولا يتكلم فيها متكلم حتى توفي فكانت بيد علي بن عبد الله بن عباس يفعل فيها كفعل أبيه وجده يأتيه الزبيب من ماله بالطايف وينبذه حتى توفي وكانت بيد ولده حتى الآن. وأما القيادة فوليها من بني عبد مناف، عبد شمس بن عبد مناف ثم وليها من بعده أمية بن عبد شمس، ثم من بعده حرب بن أمية فقاد بالناس يوم عكاظ في حرب قريش وقيس عيلان، وفي الفجارين الفجار الأول والفجار الثاني وقاد الناس قبل ذلك بذات نكيف في حرب قريش وبني بكر بن عبد مناة بن كنانة والأحابيش يومئذ مع بني بكر تحالفوا
(63)
على جبل يقال له: (الحبشي) على قريش فسموا (الأحابيش) بذلك، ثم كان أبو سفيان بن حرب يقود قريشاً بعد أبيه حتى كان يوم بدر فقاد الناس
(64)
عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان أبو سفيان ابن حرب في العير يقود الناس فلما أن كان يوم أحد قاد الناس أبو سفيان بن حرب وقاد الناس يوم الأحزاب وكانت آخر وقعة لقريش وحرب حتى جاء الله بالإسلام وفتح مكة* |
|