ما ذكر من بناء إبراهيم عليه السلام الكعبة |
حدّثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن كثير بن كثير
(1)
عن سعيد بن جبير قال: حدثنا عبد الله بن عباس قال: لبث إبراهيم ما شاء لله أن يلبث ثم جاء الثالثة فوجد إسماعيل عليه السلام قاعداً تحت الدوحة التي بناحية البير يبري نبلاً أو نبالاً
(2)
فسلم عليه ونزل إليه فقعد
(3)
معه فقال
(4)
إبراهيم: يا إسماعيل إن الله تعالى قد أمرني بأمر فقال له إسماعيل: فأطع ربك فيما أمرك، فقال إبراهيم: يا إسماعيل أمرني ربي أن أبني له بيتاً، قال له إسماعيل: وأين؟ يقول ابن عباس: فأشار له إلى أكمة مرتفعة على ما حولها عليها رضراض من حصباء
(5)
يأتيها السيل من نواحيها ولا يركبها، يقول ابن عباس: فقاما يحفران
(6)
عن القواعد ويحفرانها ويقولان: ربنا تقبل منا إنك سميع الدعاء،
(7)
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ويحمل له إسماعيل الحجارة على رقبته ويبني الشيخ إبراهيم فلما ارتفع البناء
(8)
وشق على الشيخ إبراهيم تناوله قرب له إسماعيل هذا الحجر - يعني المقام - فكان يقوم عليه ويبني ويحوله في نواحي البيت حتى انتهى إلى
(9)
وجه البيت، يقول ابن عباس: فلذلك سمى مقام إبراهيم لقيامه عليه. |
حدّثني مهدي ابن أبي المهدي قال حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير - يزيد أحدهما على صاحبه - عن سعيد بن جبير في حديث حدث به طويل عن ابن عباس قال: فجاء إبراهيم وإسماعيل يبري نبلاً له أو نباله تحت الدوحة قريباً من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بولده والولد بوالده قال معمر: وسمعت رجلاً يقول: بكيا حتى أجابتهما الطير. قال سعيد: فقال: يا إسماعيل إن الله عز وجل قد أمرني بأمر قال: فأطع ربك فيما أمرك قال: وتعينني قال: وأعينك قال: فإن الله تعالى قد أمرني أن أبني له بيتاً هاهنا فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من البيت. حدّثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم قال أخبرني ابن جريج قال قال مجاهد: أقبل إبراهيم والسكينة، والصرد والملك من الشام فقالت السكينة: يا إبراهيم ربض على البيت فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من هذه الملوك ولا إعرابي نافر إلا رأيت عليه السكينة قال: وقال ابن جريج: أقبلت معه السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان. |
وحدّثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن ابن جريج قال: قال علي بن أبي طالب: أقبل إبراهيم عليه السلام والملك والسكينة والصرد دليلاً حتى تبوأ البيت الحرام كما تبوأت العنكبوت بيتها فحفر فأبرز عن ربض في أسها
(10)
أمثال خلف الإبل لا يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلاً قال: ثم قال لإبراهيم: قم فابن لي بيتاً قال يا رب وأين؟ قال: سنريك قال: فبعث الله تعالى سحابة فيها رأس تكلم
(11)
، إبراهيم فقال يا إبراهيم إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذا السحابة فجعل ينظر إليها ويأخذ قدرها فقال له الرأس أقد فعلت؟ قال: نعم! فارتفعت السحابة فأبرز عن أس ثابت من الأرض فبناه إبراهيم عليه السلام، قال: وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إبان عن ابن إسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب عن علي بن أبي طالب في حديث حدث به عن زمزم قال: ثم نزلت السكينة كأنها غمامة أو ضبابة في وسطها كهيئة الرأس يتكلم يقول يا إبراهيم خذ قدري من الأرض، لا تزد ولا تنقص، فخط فذلك بكة وما حواليه مكة. |
حدّثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه أنه أخبره
(12)
قال: لما ابتعث الله تعالى إبراهيم خليله ليبني له
(13)
البيت طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة التي عزى الله بها آدم عليه السلام من خيام الجنة حين وضعت له بمكة في موضع البيت الحرام فلم يزل إبراهيم يحفر حتى وصل إلى القواعد التي أسس بنو آدم في زمانهم في موضع الخيمة، فلما وصل إليها أظل الله له مكان البيت بغمامة، فكانت حفاف البيت الأول، ثم لم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة ثم انكشطت الغمامة فذلك قوله عز وجل وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت - أي الغمامة التي ركدت على الحفاف ليهتدي بها مكان القواعد - فلم يزل والحمد لله منذ يوم رفعه الله معموراً. حدّثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم قال: أخبرنا حماد عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة
(14)
عن علي بن أبي طالب في قوله عز وجل إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً قال: إنه ليس بأول بيت. كان نوح في البيوت قبل إبراهيم وكان إبراهيم في البيوت ولكنه أول بيت وضع للناس فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً. هذه الآيات قال: إن إبراهيم أمر ببناء البيت فضاق به ذرعاً فلم يدر كيف يبني فأرسل الله تعالى إليه السكينة وهي ريح خجوج
(15)
لها رأس حتى تطوقت مثل الحجفة فبنى عليها وكان يبني كل يوم سافا ومكة يومئذ شديدة الحر، فلما بلغ موضع الحجر قال لإسماعيل: اذهب فالتمس حجراً أضعه هاهنا ليهدي الناس به، فذهب إسماعيل يطوف في الجبال وجاء جبريل بالحجر الأسود وجاء إسماعيل فقال من أين لك هذا الحجر؟ قال: من عند من لم يتكل على بنائي وبنائك
(16)
، ثم انهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته قبيلة من جرهم، ثم انهدم فبنته قريش. فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تنازعوا فيه فقالوا: أول رجل يدخل علينا من هذا الباب فهو يضعه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بثوب
(17)
فبسط ثم وضعه فيه ثم قال: ليأخذ من كل قبيلة رجل من ناحية الثوب. ثم رفعوه ثم أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، حدّثني جدي قال: حدثني سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة تدله حتى تبوأ البيت كما تبوأت العنكبوت بيتها فرفعوا عن أحجار الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلاً، حدّثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن قتادة في قوله عز وجل: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ قال: التي كانت قواعد البيت قبل ذلك، قال الخزاعي: وحدثناه أبو عبيد الله بإسناد عن سفيان مثله. |
حدّثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم قال: حدثنا أبو عوانة عن ابن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أما والله ما بنياه بقصة
(18)
ولا مدر ولا كان معهما من الأعوان والأموال ما يسقفانه ولكنهما أعلماه فطافا به
(19)
. |
حدّثني جدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن مجاهد عن الشعبي قال: لما أمر إبراهيم أن يبني البيت وانتهى إلى موضع الحجر قال لإسماعيل:ائتني بحجر ليكون علماً للناس يبتدئون منه الطواف
(20)
فأتاه بحجر فلم يرضه فأتى إبراهيم بهذا الحجر، ثم قال: أتاني به من لم يكلني على
(21)
حجرك. |
وحدّثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن بشر بن عاصم قال: أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة والملك والصرد دليلاً يتبوأ البيت كما تبوأت العنكبوت بيتها فرفع صخرة فما رفعها عنه إلا ثلاثون رجلاً فقالت السكينة: أبن علي فلذلك
(22)
لا يدخله إعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة، وحدّثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السرى البصري عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال الله تعالى: يا آدم إني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلي عنده كما يصلى عند عرشي، فلم يزل كذلك حتى كان زمن الطوفان فرفع، حتى بوأ لإبراهيم مكانه فبناه من خمسة أجبل من حرا، وثبير، ولبنان، والطور، والجبل الأحمر. |
وحدّثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عمر بن سهل عن يزيد بن نافع
(23)
عن سعيد عن قتادة في قوله عز وجل: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ قال: ذكر لنا أنه بناه من خمسة أجبل من طور سينا وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحرا، وذكر لنا أن قواعده من حراء. |
حدّثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا العلاء عن عمر بن مرة عن يوسف بن ماهك قال: قال عبد الله بن عمرو أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه بالحجر من الجنة، وأنه وضعه حيث رأيتم، وأنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانكم، فتمسكوا به ما استطعتم فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به من حيث جاء به. |
حدّثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: لما أمر إبراهيم خليل الله تعالى أن يبني البيت الحرام أقبل من أرمينية على البراق معه السكينة لها وجه يتكلم، وهي بعد
(24)
ريح هفافة، ومعه ملك يدله على موضع البيت حتى انتهى إلى مكة وبها إسماعيل وهو يومئذ ابن عشرين سنة وقد توفيت أمه قبل ذلك ودفنت في موضع الحجر، فقال: يا إسماعيل إن الله تعالى قد أمرني أن أبني له بيتاً، فقال له إسماعيل، وأين موضعه؟ قال: فأشار له الملك إلى موضع البيت قال: فقاما يحفران عن القواعد ليس معهما غيرهما فبلغ إبراهيم الأساس
(25)
أساس آدم الأول فحفر عن ربض في البيت فوجد حجارة عظاماً ما يطيق الحجر منها ثلاثون رجلاً، ثم بنى على أساس آدم الأول وتطوقت السكينة كأنها حية على الأساس الأول، وقالت: يا إبراهيم ابن علي فبنى عليها فلذلك لا يطوف بالبيت إعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة فبنى البيت وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعاً من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعاً، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحد وثلاثين ذراعاً وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعاً، فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة الكعب، قال: وكذلك بنيان أساس آدم عليه السلام، وجعل بابها بالأرض غير مبوب حتى كان تبع (أسعد الحميري) هو الذي جعل لها باباً، وغلقاً فارسياً، وكساها كسوة تامة، ونحر عندها. قال: وجعل إبراهيم عليه السلام الحجر إلى جنب البيت عريشاً من آراك تقتحمه العنز فكان زربا لغنم إسماعيل، قال: وحفر إبراهيم عليه السلام جباً في بطن البيت على يمين من دخله يكون خزانة للبيت يلقى فيه ما يهدي للكعبة وهو الجب الذي نصب عليه عمرو بن لحى، هبل، الصنم الذي كانت قريش تعبده ويستقسم عنده بالأزلام حين جاء به من هيت من أرض الجزيرة. قال: وكان إبراهيم يبني وينقل له إسماعيل الحجارة على رقبته فلما ارتفع البنيان قرب له المقام فكان يقوم عليه ويبني ويحوله إسماعيل في نواحي البيت حتى انتهى إلى موضع الركن الأسود قال إبراهيم لإسماعيل: يا إسماعيل أبغني حجراً أضعه هاهنا يكون للناس علماً يبتدءون منه الطواف. فذهب إسماعيل يطلب له حجراً ورجع وقد جاءه جبريل بالحجر الأسود وكان الله عز وجل استودع الركن أبا قبيس حين غرق الله الأرض زمن نوح، وقال إذا رأيت خليلي يبني بيتي فأخرجه له، قال: فجاءه إسماعيل فقال له: يا أبه من أين لك هذا؟ قال: جاءني به من لم يكلني إلى
(26)
حجرك جاء به جبريل، فلما وضع جبريل الحجر في مكانه وبنى عليه إبراهيم وهو حينئذ يتلألأ تلألؤاً من شدة بياضه فأضاء نوره شرقاً، وغرباً ويمناً، وشاماً، قال: فكان نوره يضيء إلى منتهى أنصاب الحرم من كل ناحية من نواحي الحرم قال: وإنما شدة سواده لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية، والإسلام. فأما حريقه في الجاهلية فإنه ذهبت امرأة في زمن قريش تجمر الكعبة فطارت شرارة في أستار الكعبة فاحترقت الكعبة
(27)
واحترق الركن الأسود، واسود وتوهنت الكعبة، فكان هو الذي هاج قريشاً على هدمها وبنائها. وأما حريقه في الإسلام ففي عصر ابن الزبير أيام حاصره الحصين بن نمير الكندي، احترقت الكعبة واحترق الركن فتفلق بثلاث فلق حتى شد
(28)
شعبه ابن الزبير بالفضة فسواده لذلك قال: ولولا ما مس الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها ما مسه ذو عاهة إلا شفى، قال سعيد بن سالم: قال ابن جريج: وكان ابن الزبير بنى الكعبة من الذرع على ما بناها إبراهيم عليه السلام قال: وهي مكعبة على خلقة الكعب فلذلك سميت الكعبة. قال: ولم يكن إبراهيم سقف الكعبة ولا بناها بمدر وإنما رضمها رضماً.
(29)
|
حدّثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: السكينة لها رأس كرأس الهرة، وجناحان. حدّثني مهدي ابن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السري قال: حدثنا قيس بن الربيع عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن علي بن أبي طالب قال: السكينة، لها رأس كرأس الإنسان
(30)
ثم هي ريح هفافة. حدّثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا الفزاري عن جويبر عن الضحاك قال: السكينة الرحمة* |
|