الحلقة - 3 - |
حناطة: أدركت الآن الحكمة من وراء ترك النبي إبراهيم لزوجه هاجر وطفلها في هذا الوادي الأجرد؟ |
الشماخ: أجل يا حناطة إنها قصة رائعة تتجلى فيها قدرة الله.. وحكمته ورحمته فانبثاق الماء كان لحكمة يريد الله منها أن يعمر هذا الوادي وتدب فيه الحياة فيطمئن الناس إلى السكنى به من دون خوف أو فزع.. |
حناطة: ثم إن هذه القداسة التي أضفاها الله على هذه الأرض حين أمر نبيه إبراهيم بإسكان زوجه وولده فيها جعلها تمتاز عن غيرها من بلاد الله. |
الشماخ: أجل يا حناطة.. إنها أرض يجب أن تخلص فيها النوايا، وتصفو القلوب.. أرض يجب أن يعيش الناس فيها متحابين لا بغضاء ولا شحناء ولا نهب ولا سلب ولا قتل ولا قتال.. |
حناطة: أرض مقدسة كهذه لا يا شماخ لا شك يستجاب بها الدعاء.. |
الشماخ: هنيئاً لكم يا ساكنيها.. هنيئاً لكم.. |
حناطة: الحمد لله لقد أصبح هذا الوادي بلداً طيباً ومكاناً مقدساً وهذا البيت مثابة للناس وأكمنا ومهوى أفئدة، ودار عبادة ككل من يؤمنون برب هذا البيت.. |
الشماخ: صدقت يا حناطة.. صدقت.. |
حناطة: ألا تريد أن تسكن معنا..؟ |
الشماخ: بودي ورب إبراهيم ولكني دليل للقوافل والدليل لا وطن له.. |
حناطة: حسبت أنك ستسكن مع مضاض بن عمرو الجرهمي بعدما سمح له إسماعيل بالسكنى في أعلى الوادي. |
الشماخ: يا ليت.. يا ليت.. |
(يسمعان قرع طبول تختلط بموسيقى نسمع بعدها صوت حناطة يقول): |
حناطة: أسمع قرع طبول ودفوف تختلف عن قرع طبول ودفوف مضاض بن عمرو.. أترى هي لقبيلة غير جرهم؟.. |
الشماخ: أجل يا حناطة إنها طبول قبيلة قطورا وشيخها السميدع وهو ابن عم مضاض بن عمرو.. |
حناطة: وأين سيكون منزلهم.. |
الشماخ: بأسفل الوادي.. |
حناطة: هلم بنا نشهد دخولهم.. |
الشماخ: شبعت من رؤية المواكب والأظعان.. |
حناطة: ولكن المواكب في هذا الوادي لها طابع خاص.. |
الشماخ: ما هو يا حناطة..؟ |
حناطة: أن تشهد لوافد القبائل من كل فج عميق على الاستيطان بهذا الوادي الذي كنا نخشى المرور به ونحسب له ألف حساب.. |
الشماخ: بلى.. بلى وإنها لظاهرة تستدعي الانتباه غير أننا إذا نظرنا إلى ما أنعم الله به على هذا الوادي من القداسة والبركات والخيرات كن كل الثمرات وجدنا الحل العجيب لذلك. |
حناطة: أجل يا شماخ فما نشاهد ونلمس أن هو إلا استجابة من الله لدعاء نبيه إبراهيم بدليل هذا الإقبال المنقطع النظير من الناس على سكنى هذا الوادي.. |
الشماخ: وهذه النعم والنعم والخيرات التي نراها وما كنا نحلم أن نراها.. فهل شكرنا الله نعمه وآلاه..؟ |
حناطة: لا يا شماخ فما يزال بيننا الجاحدون والناكرون والناسون. |
الشماخ: أخشى أن يصيبنا ما أصاب الأقوام التي كفرت بأنعم الله وجحدتها.. |
حناطة: العلّك تلمح إلى ما تخشاه من قبيلة جرهم على هذا الوادي.. |
الشماخ: بلى.. بلى.. |
حناطة: لا تخشى على هذه البقعة فالله شرفها بأول بيت وضع الناس لعبادة خالقهم.. |
الشماخ: أجل.. أجل.. |
حناطة: وتوافد الناس وسكنوا حول البيت يبك بعضهم بعضاً.. |
الشماخ: إنهم يتزاحمون حول البيت يدف بعضهم البعض الآخر.. |
حناطة: وقد رأى قومنا ومن جاء بعدهم وقد امتلأ الوادي بالناس أن يسموا هذا المكان (بكة) أو مكة ولكنهم أجلوا ذلك حتى يستشيروا النبي إبراهيم فيه.. |
لشماخ: رأي سديد ولكني أريد أن أسألك.. |
لشماخ: فهمت ما يراد من تسمية (بكة) ولكني لم افهم ما المراد من تسمية (مكة). |
حناطة: ذلك لأن البقعة أصبحت دار عبادة يتوجه الناس فيها إلى رب هذا البيت يسألونه المغفرة والعفو عن الذنوب فالمراد من هذه التسمية أنها تمك الذنوب أي تخرجها وتذهبها وتمك العصاة أي تهلكم وتخرجهم منها. |
الشماخ: النسيان في محلها.. ولكني أقول أيضاً بأن دخول قبيلتي جرهم وقطورا بهذه الجبلة والأبهة كدخول الفاتحين لا دخول الذين يبتغون العيش والاستقرارفي بلد أراد الله لها الاستقرار.. |
حناطة: لعلّ مخاوفك في محلها فنحن العمالقة أصبحنا نخشى أن يقع صدام بيننا وبين جرهم أو قطورا بعدما رأينا لقطورا هذه الجياد ولجرهم الإبل والماشية.. ولكن.. |
الشماخ: ولكن ماذا؟ |
حناطة: فلندع رب هذا البيت أن يجنبنا جميعاً شر الغزو والفجور حتى لا يصيبنا ما أصاب غيرنا من الأقوام في سالف العصور والأزمان.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت صرواح يقول): |
صرواح: أرأيت يا رندة كيف أن رب إبراهيم قد حفظ الطفل وأمه وهاهو يكبر ويتزوج ويطلق زوجته الأولى لأنها لم تنجب منه.. |
رندة: لقد علمت أنه طلقها لأنها لم تنجب منه ولأنها حين زار النبي إبراهيم ابنه ولم يجده لم تحسن استقباله.. |
صرواح: وهانحن اليوم نمشي لنهنيء مضاض بن عمرو بخطبة ابنته رعلة لإسماعيل ابن النبي إبراهيم فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء.. |
رندة: ومتى ستتم المصاهرة؟ |
صرواح: في الأيام القريبة القادمة يا رندة وسيحضرها النبي إبراهيم لأنه هو الذي أمر ابنه إسماعيل بمصاهرة مضاض ثم.. |
رندة: ثم ماذا يا صرواح؟ |
صرواح: لقد رأيت تحركات غريبة في مضارب مضاض بن عمرو والسميدع فسألت فقيل لي إنها استعدادات للحج.. |
رندة: حج ماذا تعني بذلك؟ |
صرواح: عندما كان أتم النبي إبراهيم بناء البيت الذي أمره الله ببنائه ألم يقل: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. |
رندة: بلى.. بلى.. |
صرواح: وسيحج النبي إبراهيم بالناس ليريهم مناسكهم التي أرسل الله الروح الأمين جبريل أن يريه إياها.. |
رندة: ألا نحج يا صرواح؟ |
صرواح: ولم لا وهل هنالك حج أفضل من الحج مع النبي إبراهيم.. |
رندة: قل لي يا صرواح ما هي قصة الروح الأمين جبريل والمناسك؟ |
(موسيقى تصويرية نسمع بعدها صوت صرواح يقول): |
صرواح: بعد أن أكمل النبي إبراهيم بناء البيت جاءه جبريل فقال له: طف بالبيت سبعاً فطاف به سبعاً وكان هو وإسماعيل يستلمان الأركان كلها في كل طواف.. |
رندة: ونعم وبعد.. |
صرواح: فلما أكملا الطواف صليا ركعتين خلف مقام إبراهيم ثم سار به جبريل فأراه المناسك كلها الصفا والمروة ثم دلف به إلى مكان سمي فيما بعد مني.. |
رندة: ولم سمي مني؟.. |
صرواح: لأن جبريل سأل النبي إبراهيم وهما يدخلان ذلك المكان.. ماذا تتمنى؟ فتسكن الجنة.. |
رندة: فسمي المكان مني.. |
صرواح: وحين هبط النبي إبراهيم من عقبة مني تمثل له إبليس عند جمرة العقبة فقال له جبريل: ارمه فرماه بسبع حصيات فغاب عنه. ثم برز له عند جمرة العقبة الوسطى فقال جبريل: |
رندة: ماذا قال له؟ |
صرواح: أرمه فرماه بسبع حصيات فغاب عنه ثم برز له عند جمرة العقبة السفلى فقال له جبريل: أرمه. فرماه بسبع حصيات فغاب ولم يعد يراه بعد ثم.. |
رندة: ثم ماذا؟ |
صرواح: مضى إبراهيم في حجه وجبريل يوقفه على المواقف ويعلمه المناسك حتى وصلا إلى مكان قال له بعده جبريل عرفت مناسكك قال إبراهيم: نعم فسميت المكان عرفة.. |
رندة: يا لها من قصة رائعة ثم ماذا؟ |
صرواح: ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج فقال: ((يا رب ما يبلغ صوتي))؟ فقال له الرب: إذن وعليّ البلاغ فإذن وقال: |
رندة: ماذا قال؟ |
صرواح: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم.. |
صوت
صادر
من
مكان
بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ صدق الله العظيم. (الحج : 26 - 29). |
رندة: لقد زدت من شوقي للحج فعسى أن يكتب الله لي ذلك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت الشماخ يقول): |
الشماخ: تتواتر الأخبار عن حج النبي إبراهيم في هذا العام فهات ما عندك عن الحج يا حناطة فقد أنعم الله عليك بالعلم والمعرفة بملازمتك للنبي إبراهيم كلما جاء إلى مكة.. |
حناطة: الحج شيء جديد ولكنه لا يخالف الفطرة البشرية فالإنسان ما زال باحثاً عن شيء يراه بعينه فيوجه إليه شوقه ويبل به حنينه ويشبع به رغبته في الدنو من الخالق.. |
الشماخ: صدقت صدقت.. |
حناطة: ولم يزل الإنسان باحثاً عمل طويل شاق يكفر به عن ذنوبه الجسام ليتغلب به على وخز ضميره وتأنيب الحس الديني.. |
الشماخ: بلى.. بلى.. |
حناطة: ولم يزل الإنسان في حاجة إلى مشهد ديني عظيم يلتقي فيه أصحاب العقيدة الواحدة على صعيد واحد للتعارف والتشاور وتبادل المنافع وهذا هو الحج.. |
الشماخ: هل يوجد عند غيرنا من الأمم حج كالذي دعا إليه النبي إبراهيم..؟ |
حناطة: لا.. ولكن لم تخل أية أمة من الأمم من أسفار دينية ومناسك مشهورة يجتمعون فيها فيذبحون الذبائح ويقربون القرابين.. |
الشماخ: قل لي يا حناطة ما هي قصة الذبح في المذابح؟ |
حناطة: سأرويها كما سمعتها من النبي إبراهيم قال: رأيت رؤيا. ورؤيا الأنبياء وحي، وتكررت هذه الرؤيا فعرف النبي إبراهيم أنها أمر من ربه يجب أن ينفذه.. |
الشماخ: ماذا كانت الرؤيا؟ |
حناطة: رأى إشارة بذبح ولده إسماعيل.. |
الشماخ: ذبح فلذة كبده إسماعيل يا لها من رؤيا.. |
حناطة: تنفيذ كهذا يحتاج إلى موافقة الذبيح.. |
الشماخ: أي إنسان يرضى أن يذبح ثم كيف قاوم النبي إبراهيم عاطفة الأبوة يا لحراجة موقفه.. |
حناطة: لم يكن قلب إبراهيم كقلب كل إنسان.. إنه قلب ملأته المحبة الإلهية والمحبة لا تعرف شريكاً ولا تحتمل عديلاً فكيف وهي المحبة الإلهية.. |
الشماخ: يا له من امتحان قاسٍ يا حناطة قل ماذا كان جواب إسماعيل على طلب أبيه؟ |
صوت
صادر
من
مكان
بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ صدق الله العظيم. (سورة الصافات آية 102). |
حناطة: وهنا يقع ما لا يصدق العقل فيخرج الولد مع والده ليذبحه وكلاهما مطيع لربه مستسلم لأمره.. وتتجلى هذه الطاعة بأجلى مظاهرها.. |
الشماخ: كيف يا حناطة كيف.. أرى شعر رأسي يقف من الفزع.. قل. |
حناطة: تعرض لهما الشيطان فحاول صرفهما عن التنفيذ وزين لهما العصيان، وحبب لهما الحياة فرفضا الانصياع لإغرائه.. واستسلم إسماعيل للذبح. |
الشماخ: يا إلهي إن جسمي يقشعر من هول الموقف.. |
حناطة: ووضع النبي إبراهيم السكين على حلقوم ولده يحاول ذبحه وهنا وقع ما أراده الله وفدى إسماعيل بكبش من الجنة يذبح مكانه وجعلها سنة باقية في عقبه وأتباعه يجدون فيها الذكرى الذبيح العظيم.. |
الشماخ: قل لي بربك ما هي إرادة الله بهذا الأمر..؟ |
حناطة: كان المراد والمقصود من الذبح ذبح الحب الدنيوي الذي ينازع الحب الإلهي ويقاسمه وقد ذبحه النبي إبراهيم فعلاً حين وضع السكين في حلقوم ولده إسماعيل.. |
صوت
صادر
من
مكان
بعيد: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ صدق الله العظيم (سورة الصافات آية 103 - 110). |
|