شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة - 2 -
نابل: أنتظر أم نرجع لنخبر حناطة بما رأينا..؟
أصوات: إن حناطة لا يبعد عنا كثيراً فلننتظره عند الماء..
نابل: ولم لا ننتظره هنا حتى ندله على مكان الماء ثم..
أصوات: ثم ماذا؟ أتخشى أن نفزع الأنثى والطفل؟
نابل: ربما فلماذا العجلة.. انظروا هاهو ركب عمي حناطة يصل في أثرنا..
أصوات: إنه هو.. إنه هو..
(موسيقى تسبق وصول حناطة الذي نسمعه يقول):
حناطه: ما وراءك يا نابل..
نابل: الخير يا عماه.. انظر هناك ألا ترى شيئاً..
حناطة: إني أرى خيالاً ولكني لا أستطيع تجسيده.. قل ما هو؟
أصوات: إنه الماء يا حناطة.. إنه الماء..
حناطة: الماء.. لقد صدق حدسي..
نابل: الماء وامرأة وطفل بجانبها عليه.
حناطه: امرأة وطفل بجانب الماء ولا رجل البته.. شيء غريب وعجيب ما عهدي بحياة لإنسان أو حيوان في هذا الماء..
نابل: إنه الماء الذي جلب الحياة لهذا الوادي..
حناطه: لقد وصلنا وإني الآن أرى امرأة وطفلاً بجانبها والماء يسيل بغزارة ويزمزم..
أصوات: الماء.. الماء..
حناطه: يا قوم إياكم أن تردوا على الماء قبل أن نستأذن من الأنثى التي تجلس بجواره فإنه ملك لها من ربها الذي فتق لها هذا الماء..
نابل: هلمّ كلمها يا عماه وأستأذن لنا منها..
(يتقدم حناطة ثم يستأذن قائلاً):
حناطه: حييت يا هذه وبورك لك في طفلك.. أتأذنين لنا أن نرد الماء؟
نابل: إنها تتكلم يا عماه بلغة غريبة..
حناطه: إنني أعرف لغتها وسأكلمها بها..
نابل: أي لغة تتكلم يا عماه..
حناطه: إنها تتكلم بلغة فراعنة مصر..
نابل: إذن فهي مصرية..
حناطه: بلى..
نابل: كلمها إذن..
حناطه: حسناً سأكلمها..
(يذهب إليها والموسيقى مصاحبة نسمع بعدها صوت نابل يقول):
نابل: أتراها تقبل أن نرد اليوم..
أصوات: إن لم تقبل فسنرد بالقوة..
نابل: ولكنها أنثى ضعيفة وعلينا أن نكون عوناً لها لا عليها..
أصوات: سنرى ما تتمخض عنه مقابلة حناطة للأنثى..
(يعود حناطة فيقابله نابل قائلاً):
نابل: ما وراءك يا عماه؟
حناطه: إنها تقول لا مانع عندها من أن نرد الماء ولكن..
نابل: ولكن ماذا؟
حناطة: ألا يكون لنا حق في الماء فإذا قبلتم فأنزلوا على الرحب والسعة أو خذوا حاجتكم وانصرفوا..
أصوات: قبلنا بما اشترطت..
نابل: عماه.. ألم تسألها كيف جاءت إلى هنا أو من أتى بها إلى هذا المكان؟ ومن حفر هذا البئر؟
حناطه: سألتها فقالت إن زوجها نبي يدعى إبراهيم وقد أحضرها إلى هنا وتركها وطفلها وديعة لله وانصرف..
نابل: وبعد يا عماه..
حناطه: ثم عطشت وعطش ابنها وصار يبكي فاستقبلت الوادي فلم تبصر أحداً ثم..
نابل: ثم ماذا؟
حناطه: قالت: لو مشيت بين هذين الجبلين ربما وجدت ماء أو على الأقل أتفادى رؤية ابني وهو يموت من العطش.
نابل: قصة مؤثرة يا عماه.. مؤثرة.. أكمل..
حناطه: ثم سعت بين الجبلين سبع مرات وهي تسمع صوت الطفل وما أن انتهت من الشوط السابع حتى سمعت انفجاراً أعقبه دوي لم تسمع صوت الطفل..
نابل: وبعد.. يا عماه.. وبعد..
حناطه: فهرعت إلى المكان التي تركت به الطفل وإذا بها ترى الماء ينبثق من بين يدي الطفل وقدميه ويفور فصارت تحوطه بالحجارة وتغرف منه وتملأ قربتها..
نابل: وحق إله هود يا عماه أن الذي فجر الماء لهذه الأنثى وطفلها بهذا الوادي الأجرد هو رب زوجها النبي إبراهيم..
حناطه: وهل يخامرك شك في ذلك؟
صوت صادر من مكان بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم: 37).
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بأجراس الدواب ووقع حوافرها نسمع بعدها صوت صرواح يقول):
صرواح: ولم تصرين على السفر معي إلى أهلك يا رندة؟
رندة: لا أدري يا صرواح ولكني أحس بانقباض شديد أخشى معه أن يكون لحق بأهلي سوء..
صرواح: لحق بأهلك سوء.. أراك تتنبئين..! أأصبحت نبية؟
رندة: حاشا لله أن أفكر في مثل هذا ولكني أعرف هواجس قلبي كثيراً ما صدقتني..
صرواح: لعلّك اشتقت إلى أن تعرفي مصير الطفل الذي تركناه مع أمه بالوادي الأجرد.. لا شك أنه كبر وأصبح فتى.
رندة: على كل حال طريقنا سيمر بالوادي الأجرد وهناك سنعرف أخباره وأخبار أمه إن كانا ما يزالان على قيد الحياة..
صرواح: أنا سآتيك بأخبارهما فلا تجشمي نفسك عناء هذه الرحلة الشاقة.
رندة: أتظن أنني أرغب في السفر من أجل أن أعرف مصير الطفل وأمه..
صرواح: إذن فمن أجل هواجس وظنون لا ترتكز على حقائق..
رندة: ألا تستطيع أن تسأل من بحارة السفن اليمنية التي تمخر عباب بحر القلزم إلى مصر عن أخبار الكنعانيين..
صرواح: إلى هذا الحد أنت مولعة بالأخبار..
رندة: ولكن والدي يسكنان شمال بلاد الكنعانيين فإذا لم يكن هنالك حرب بينهم وبين جيرانهم من الفراعنة والحثيين أو بين الفراعنة والحثيين فأهلي بخير..
صرواح: فهمنا الخطر الذي يتهدد أهلك من أي حرب بين الكنعانيين والدول المجاورة لهم ولكن ما هو الخطر إذا ما نشبت حرب بين الحثيين والفراعنة..
رندة: الخطر يكمن في أن بلاد الكنعانيين هي دائماً جسر للغزاة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وبالعكس..
صرواح: الآن فهمت.. فهمت.. سأسأل وآتيك بالخبر اليقين..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت حناطة يقول):
حناطه: إن أم إسماعيل تشكركم على العريش الذي أشدتموه لها ولأبنها..
نايل: إنه واجبنا يا عماه تجاهها وتجاه ابنهما الذي أصبح واحداً منا بعد إن سمحت لنا بالسكنى والاستيطان بهذا الوادي..
حناطه: يا إلهي ما كان يخطر لنا ببال إننا سنقرر الاستيطان بهذا الوادي الذي يتهيبه الناس ويخشونه..
نابل: إنها رحمة الله التي باركت هذا الوادي بهذا الطفل وأمه ففجرت لهما هذا الينبوع الذي لا ينضب..
حناطه: أخشى أن تتسامح القبائل بهذا الماء فتهاجر إليه..
نابل: أعندك شك في أن هذا الوادي سيعمر بالسكان فيصبح جناناً خضراء بعد أن كان صحاري جرداء..
حناطه: صدقت يا بني.. لقد قالت لي أم إسماعيل أن النبي إبراهيم حين تركها وحدها مع طفلها رفع يديه ضارعاً إلى رب السماء ودعا بشيء لم تسمعه..
نابل: إنها صادقة.. إنها دعوة النبي إبراهيم قد استجابها ربه..
حناطه: على كل حال لقد اخترنا أماكن حصينة بهذا الوادي نرد منها خطر الغزاة والبغاة والظالمين..
نابل: ثق يا عماه أن رب إبراهيم حين أمره بأن يسكن ابنه وفلذة كبده بهذا الوادي سوف ينعم بالأمن والاستقرار فلا يظلم به أحد ولا يسفك فيه دم..
حناطه: يا قوم لقد استوطنتم هذا الوادي فماذا ترون أن نسميه..
أصوات: قل أنت فالرأي الأول والأخير لك..
حناطه: أريد أن أسميه وادي إبراهيم فما رأيكم؟
أصوات: رأي سديد.. رأي سديد..
نابل: عماه.. انظر هناك على الربوة..
حناطه: أية ربوة يا بني؟
نابل: الربوة التي تسكنها أم إسماعيل وولدها..
حناطه: ماذا هنالك.. إن بصري ضعيف كما تعرف..
نابل: إني أرى شيخاً بجانب العريش..
حناطه: شيخ بجانب العريش.. من هو يا ترى؟
نابل: لا أدري يا عماه ولكن الذي يبعث علي الدهشة والتساؤل هو من أين أتى ومتى؟
حناطه: يخيل إلي أنه إبراهيم النبي..
نابل: ولكن كيف جاء ومتى؟
حناطه: إنه نبي ومجيئه معجزة والمعجزات لا تعلن..
أصوات: من ذلك الشيخ الغريب الواقف بجانب عريش إسماعيل وأمه؟
حناطه: أظن أنه النبي إبراهيم والد إسماعيل.. هيا بنا فإن كان سلمنا عليه وإن كان غيره منعنا أم إسماعيل وولدها منه..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى القافلة نسمع بعدها صوت صرواح يقول):
صرواح: إنك تفكرين كثيراً يا رندة منذ غادرنا اليمن في طريقنا إلى الشمال..
رندة: أفكر في أهلي وما يعانون من ويلات الحرب الفاشية بين الحثيين والفراعنة.
صرواح: ولكن شرود ذهنك ازداد ونحن نقترب من الوادي القاحل الأجرد..
رندة: لا شك أني أفكر في الطفل وأمه ماذا صنع الله بهما؟ أماتا من العطش أم عادا من حيث جاءا مع إحدى القوافل؟
صرواح: ثقي إن رب إبراهيم الذي أمره بأن يترك زوجه وطفله بهذا الوادي الأجرد سوف يحفظهما من كل سوء..
رندة: لا بد أن الطفل إن قدرت له النجاة والحياة قد أصبح في مصاف الشباب.. من يدري؟
صرواح: الله الذي خلقه أدرى به..
رندة: انظر يا صرواح؟
صرواح: ماذا انظر؟
رندة: طيور كثيرة تحوم فوق سفوح الوادي..
صرواح: إنها من دون شك تحوم على الجيف وبقايا طعام القوافل التي مرت بهذا الوادي..
رندة: ولكني لا أشم رائحة كريهة ولا سيما والريح شمالية..
صرواح: أتظنين الطيور تحوم حول الماء.. من أين للماء أن ينبجس في هذا الوادي المحرق.. على كل حال سوف نرى حين نصل ما إذا كانت الطيور تحوم حول الماء أم حول الجيف..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى صاخبة نسمع بعدها صوت الشماخ يقول):
الشماخ: حدثنا يا حناطه فحديثك عن وادي إبراهيم وما ظهرت فيه من عجائب أزكى مشاعرنا واستفز حماسنا قل كيف بنى إبراهيم هذا البيت؟
حناطه: عندما جاء إبراهيم إلى هذا الوادي للمرة الثالثة وقد كبر ابنه إسماعيل واشتد ساعده واكتملت قواه قال له..
الشماخ: ماذا قال له؟
حناطه: يا بني إن الله قد أمرني أن أبني له بيتاً..
الشماخ: يبني له بيتاً..؟
حناطه: بلى فقال له إسماعيل وأين يا أبي فأشار له إلى أكمة مرتفعة على ما حولها وعليها رضراض حصباء يأتيها السيل من جميع نواحيها ولا يركبها..
الشماخ: أجل اذكر أن هذا الرضراض عندما كنا نمر بالقوافل قبل أن يعمر هذا الوادي بعد ظهور الماء فيه… وماذا بعد؟
حناطه: فقام إبراهيم وإسماعيل يحفر القواعد والأساسات وكان إسماعيل يحمل إلى أبيه الحجارة على رقبته وإبراهيم يبني بنفسه..
الشماخ: ولا أحد معهما؟
حناطه: أبداً..
الشماخ: وأين كنتم يا حناطه وقومكم.
حناطه: كنا نتفرج مشدوهين..
الشماخ: شيء غريب.. وبعد؟
حناطه: فلما ارتفع البناء وشق على إبراهيم تناوله قرب له إسماعيل حجراً يقوم عليه أبوه ليبلغ المدى الذي يمكن أن يبلغه فوق الحجر حتى أكمل بناء البيت كما ترى..
صوت صادر من مكان بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم، وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ صدق الله العظيم (سورة البقرة آية 127 - 128).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :882  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 63
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج