الحلقة - 4 - |
(يفتح عاصم البرقية ويقرؤها ثم يضرب على جبينه ويقول): |
عاصم: يا إلهي.. يا إلهي!!.. |
سوسن: ماذا حدث يا عاصم؟… |
ابتسام: ماذا جرى؟ |
عاصم: لا شيء.. لا شيء… |
سوسن: كيف تقول لا شيء وعباراتك تنم على أهمية البرقية.. |
عاصم: بسيطه.. بسيطه… |
ابتسام: قل يا أخي قل وأرحنا… |
عاصم: قرر المسؤولون نقلي من هذه الجامعة إلى جامعة في أمريكا… |
سوسن: من جامعة في أوروبا إلى جامعة في أمريكا.. يا للخبر السييء!.. يا للخبر المسيء!.. |
ماريا: لقد انقلب فرحنا اليوم ترحاً وسرورنا حزناً.. |
سوسن: وتقرر نقلك بدون ذكر الأسباب؟!.. |
عاصم: أجل يا ابتسام… |
ابتسام: وأنا ماذا أصنع في غيابك عني؟… |
عاصم: تعيشين كما تعيش سوسن.. إن أخاها هناك وهي هنا وحدها… |
سوسن: ستسكنين معي يا ابتسام، فشقتي بها غرفة خالية ولكن… |
عاصم: ولكن ماذا؟ |
سوسن: أتعرف من وراء نقلك يا عاصم؟… |
عاصم: لا.. يا سوسن… |
سوسن: لا تقل لا.. فأنت تعرفه ولكنك تترفع عن ذكر اسمه.. |
ابتسام: إذا كان عاصم يعرفه فأنا لا أعرفه يا سوسن وأريد من فضلك أن تذكري اسمه.. |
سوسن: أتجعلني في حل من ذكر اسمه يا عاصم؟… |
عاصم: تفضلي، فلك مطلق الحرية… |
سوسن: إنه ضاهر… |
ابتسام: ضاهر.. ألم يكفه ما فعل بأخي حتى راح يتبعه بمكائده وشروره… |
سوسن: إنه مجبول على الشر… |
عاصم: أرجوك يا آنسة سوسن، لا تهتمي بالموضوع، فالعالم لم تعد فيه للمسافات قيمة… |
سوسن: هذا صحيح، ولكن للدس وقعه وأثره… |
عاصم: ولكنه دس رخيص ومن شخص أنت أعرف الناس بأخلاقه وطباعه.. |
سوسن: ولكنها ضربة موجهة لي ولن أسكت عنها… |
عاصم: إنك أرفع وأسمى من أن تنزلي إلى مستوى الدساسين والتافهين.. وإنها ولا شك طعنة وإنها لغدر، ولكنَّ ما أظهرته يا سوسن من نبل الشعور وكريم العواطف يشجعني على الصبر وتحمل آلام البعد ومرارة الفراق… |
ابتسام: رب ضارة نافعة يا أخي… |
عاصم: أجل يا أختاه أجل… |
ماريا: لم أشأ أن أتكلم حتى الآن ولكني لا أجد مندوحة من الكلام… |
سوسن: تكلمي يا ماريا… |
ماريا: لم تولون نقل عاصم كل الأهمية وتضعون عليه كل هذا اللباس من القلق والخوف؟ وهو يفتح لنا أفقاً جديداً ومجالاً لزيارة أمريكا… |
عاصم: صدقت يا مس ماريا.. صدقت… |
ابتسام: فلننس ما جاء في برقية عاصم.. وتعالوا ننتظم حول المسجل نستمتع بسماع أحدث الأنغام والموسيقى وسأصنع لكن شاياً على طريقة بلادنا… |
عاصم: ابرافو ابتسام.. إنك تتقنين صنع الشاي.. هيا عجلي وأنا سأتولى موضوع الموسيقى… |
ماريا: لا يا مستر عاصم.. اسمح لي فأنا أكثر منك خبرة.. أليس كذلك يا سوسن… |
(وعندما لا ترد سوسن تقول ماريا) لم لا تتكلمين يا سوسن؟.. أراك ساهمة واجمة وكأن هم الدنيا قد نزل عليك.. اضحكي تضحك الدنيا لك)… |
عاصم: مس ماريا على حق يا سوسن.. أنا أشكرك على اهتمامك بأمري وقلقك علي وسأظل أقدر هذا الشعور النبيل ما حييت.. والآن ابتسمي فإن ابتسامتك معين لي ومشجع على تحمل أعباء المستقبل.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت فؤاد يقول): |
فؤاد: مالي أراك مطرقاً كئيباً يا وجدي يطفح محياك بالكدر والتعب والإرهاق! فهل لك أن تخبرني لعلي أساعدك على تخفيف ما بك… |
وجدي: لا شيء يا فؤاد.. لا شيء.. |
فؤاد: كيف؟.. ووجهك يكاد يفضحك… |
وجدي: مأساة يا فؤاد.. وأية مأساة!… |
فؤاد: قل لي يا وجدي فقد شغلت بالي.. |
وجدي: خرجت من داري بعد آذان الفجر الأول هذا اليوم في طريقي إلى المسجد وإذا بي أرى امرأة تجر طفلة وطفلاً ومظهرها يدل على أنها من أسرة محترمة… |
فؤاد: ألم يكن معها رجل؟ |
وجدي: لا.. كانت وحيدة إلا من الطفلين.. فقررت أن أتبعها من دون أن تشعر بمتابعتي المقصودة.. |
فؤاد: يا إلهي، امرأة وطفلان وفي مثل ذلك الوقت!… |
وجدي: وكانت تسرع في مشيها والطفل يقول: ماما.. أنا تعبت… وأمه تجيبه وهي تجره: امش يا ولدي قبل ما يلحق عمك سليم بنا فيضربنا.. |
فؤاد: عمهم سليم يريد أن يضربهما، يا للفظاعة!.. |
وجدي: وما أن سمعت الطفلة كلمة الضرب حتى صرخت.. ماما أنا خائفة.. خبينا يا ماما.. خبئينا ويجيب الطفل قائلاً… |
فؤاد: ماذا يقول الطفل…؟ |
وجدي: لا تخافي يا ماما سأدافع عنك حتى الموت، وتقول له أمه والدموع تخنق عباراتها: تسلم يا روحي.. تسلم يا روحي… |
فؤاد: وبعد يا وجدي وبعد… |
وجدي: وازدادت شكوى الطفلين فلم أطق صبراً واقتربت من المرأة فسلمت وقلت لها… |
وجدي: لقد سمعت كل شيء، فأين ستذهبين مع الطفلين يا أمة الله ألك أقارب؟ فأجابت.. |
فؤاد: ماذا أجابت؟ |
وجدي: قالت إنني غريبة يا أيها الرجل الشفيق، ولكني أريد أن أبتعد بهما عن الخطر الذي يهددهما، فقلت لها: |
فؤاد: ماذا قلت؟ |
وجدي: يا أمة الله، إن لي أماً وأختاً صغيرة وداري قريبة من هنا، فهل لك أن تأوي مع الطفلين إليها وفي الصباح يحمد القوم السرى؟… |
فؤاد: هل رضيت؟ |
وجدي: قالت: حباً وكرامة.. سر أمامي.. وأدخلتهم بيتي ورحبت بهم أمي وفرحت أختي الصغيرة بهم وسردت لنا قصة الطفلين مع عمهما سليم الذي استولى على مال أبيهما ثم.. |
فؤاد: ثم ماذا؟ |
وجدي: قالت: تآمر عمهما مع زوجته على قتل الطفلين فسمعت ذلك الحديث فهربت بهما في الهزيع الأخير من الليل… |
فؤاد: يا للفظاعة.. يا للوحشية.. أعرفت من هو سليم هذا؟ |
وجدي: بلى.. بلى.. |
فؤاد: من هو؟ |
وجدي: إنه الصديق الحميم لنسيبك السابق ضاهر.. |
فؤاد: وافق شنٌّ طبقة.. إن الطيور على أشكالها تقع.. وماذا تنوي أن تفعل بالطفلين وأمهما؟.. |
وجدي: أريد أن أوكل لهما محامياً شرعياً بحقوقهما ولكن… |
فؤاد: ولكن ماذا؟ |
وجدي: أريد أولاً أن أتدبر أجور المحامي… |
فؤاد: هذه بسيطة… |
وجدي: كيف؟ |
فؤاد: سأتبرع بها أنا لوجه الله.. |
وجدي: بورك فيك.. بورك فيك.. وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت ضاهر يقول): |
ضاهر: ما بك يا صديقي سليم؟.. أراك اليوم على غير عادتك.. هل تشكو من شيء؟ |
سليم: بلى… بلى… |
ضاهر: ما هو؟ |
سليم: زوجة أخي.. |
ضاهر: ماذا جرى لها؟ |
سليم: هربت بطفلي أخي البارحة آخر الليل.. |
ضاهر: آخر الليل وحدهما ومع طفلين.. لا.. لا.. غير معقول.. |
سليم: تقول غير معقول، ولكن هذا هو الذي وقع يا ضاهر… |
ضاهر: أنا لا أصدق أنها تجرؤ على الهرب مع طفلين في الهزيع الأخير من الليل… |
سليم: هذا الشيء هو الذي يحيرني وهو الذي يشغل بالي كما ترى… |
ضاهر: ولكن ما الذي دفعها إلى الهرب؟ |
سليم: لا أدري.. |
ضاهر: كيف لا تدري؟.. هل طلبت منك مثلاً أن تتزوج فمانعت؟ |
سليم: لا.. أبداً.. |
ضاهر: هل تشاجرتما؟ |
سليم: نعم، ولكنه شجار يحدث كل يوم كلما عنّ على بالها مسألة ميراث زوجها… |
ضاهر: هل تصرفت بميراث زوجها وبحصص الطفلين؟ |
سليم: لا.. ولكني أستثمر الميراث لصالح الطفلين وأمهما حتى إذا كبرا وجدا ما يكفيهما… |
ضاهر: ما تقوله لا يدفع زوجة أخيك إلى الهرب مع الطفلين.. يجب أن يكون هنالك سبب هام خطير دفعهم للهرب… |
سليم: ربما تريد الزواج وخشيت إني لا أوافق على زواجها… |
ضاهر: كانت ذهبت وحدها وتركت لك الطفلين لأنك أنت الوصي عليهما… |
سليم: لا أدري يا صديقي.. لا أدري… |
ضاهر: قل لي يا صديقي؟ |
سليم: ماذا أقول لك؟ |
ضاهر: كيف علاقة زوجة أخيك بزوجتك.. |
سليم: ليست على ما يرام… |
ضاهر: ولكن حتى هذه العلاقة السيئة لا تحمل زوجة أخيك على ترك البيت آخر الليل وبالطفلين.. لعلّها أحست بخطر عليها فأخذتهما… |
سليم: غير معقول.. غير معقول.. وممن الخطر… |
ضاهر: من أحد أقارب زوجتك أو أقاربك أنت… |
سليم: لو أحست بذلك كانت أخبرتني.. |
ضاهر: إذن ممن؟ |
سليم: لا أدري… |
ضاهر: غير معقول أنك لا تدري وهي والطفلان يعيشان تحت كنفك وتحت رقابتك… |
سليم: ماذا تقول يا صديقي؟ أراك تشير بإصبعك وكأنك تتهمني… |
ضاهر: معاذ الله ولكن… |
سليم: ولكن ماذا؟ |
ضاهر: لعلَّ نفسك سولت لك أمراً والنفس أمارة بالسوء… |
|