الحلقة - 1 - |
(دخول الليل نسمع بعدها صوت عاصم يقول): |
عاصم: ورست سفينة الظلام على شاطىء الليل وأرخى الشفق أشرعته الحمراء على صفحة الماء، وسكن الشاطىء المعربد قبل ساعات إلا من أمواج ناعمة حالمة تغسل وجه الرمال وتطفىء جوفها الملتهب… |
عاصم: وازدانت السماء الدنيا بمصابيح النجوم الراقصة، وتلألأت أنوار المدينة فدبت الحياة من جديد في دورها وقصورها، وشوارعها وحواريها، وملاهيها ومقاهيها… |
(يستمر عاصم بعدها في كلامه وهو يقول): |
عاصم: وسرت لا أدري إلى أين تقودني قدماي، وقد رق النسيم وترامت إلي من بعيد أنغام موسيقى حالمة، فاستروحت نفسي وانتعشت روحي فنسيت كل شيء حولي وتسمرت مشاعري وحواسي إلى تلكم الأنغام الجميلة… |
(نسمع صوت سيارة مسرعة وصوتها وهي ترتطم بعاصم فيصرخ ويقع أرضاً وصوت سوسن يقول): |
سوسن: قف يا ضاهر.. لقد صدمت إنساناً.. إنه لا يتحرك.. هيا بنا نسعفه.. |
ضاهر: تقولين إنه لا يتحرك.. ربما مات… |
سوسن: تعال ننظر.. ونسعفه على أية حال… |
ضاهر: الصدمة قوية ولعلّه مات.. فلنهرب.. فلم يرنا أحد… |
سوسن: إن لم ترك عيون الناس فعين الله التي لا تنام قد رأتك… |
ضاهر: اتركيني من مجادلاتك فلن أطاوعك على البقاء.. إنني لم أقصد قتله ولا صدمه بالسيارة وإنما وقف هو في طريقها فصدمته… |
سوسن: على كل حال ما وقع قد وقع والمهم هو إسعاف الرجل… |
ضاهر: إسعاف الرجل معناه وضع نفسي تحت طائلة القانون ورحمة رجال الشرطة… |
سوسن: لم الحكم على نفسك بهذا الشكل، فقد تأتي تحقيقات الشرطة في صالحك… |
ضاهر: لا أريد أن أعيش على أمل سراب… هيا بنا قبل أن يجتمع الناس… |
سوسن: لا يا ضاهر سوف أبقي مع أخي مصطفى بجوار المصاب ما دمت لا تريد أن تبقى… |
ضاهر: أما أنا فلن أسلم نفسي للبوليس.. باي.. باي… |
سوسن: إنك جبان.. إنك وحش.. عديم الشفقة والإنسانية.. الحمد لله الذي تكشفت لي قبل أن يرتبط مصيري بمصيرك.. هيا يا مصطفى.. |
(وتركض نحو المصاب فتراه ينزف فتصرخ وتقول): |
سوسن: يا بوليس، يا بوليس، يا عالم.. يا ناس.. إنسان صدمته سيارة أسعفوه.. أعينوه.. إنه يموت أنجدوه… |
(ويتسامع بعض المارة بصوتها، كما يخرج بعض سكان البيوت المجاورة على الصوت فيقول أحدهم): |
أحدهم: يا ناس.. اطلبوا النجدة والإسعاف من أقرب هاتف… |
سوسن: هاتوا أي سيارة ننقله فيها إلى أقرب مستشفى… |
أحدهم: ولكنه ينزف يا هوه وبحاجة إلى إسعاف أولي وهو في محله… |
(نسمع بوق سيارة الإسعاف التي تنقل المصاب إلى أقرب مستشفى نسمع بعدها صوت فؤاد وهو يقول): |
فؤاد: أين سوسن يا ضاهر؟ |
ضاهر: ألم تأت بعد؟ |
فؤاد: لقد كانت برفقتك فأين تركتها؟ |
ضاهر: تركتها تعتني بالمصاب الذي صدمته بسيارتي… |
فؤاد: وهربت يا بطل وخلفتها بجانبه!… |
ضاهر: طلبت منها أن تهرب معي لأنه لم يرنا أحد ولكنها لم تطاوعني.. وذهبت لإسعاف المصاب.. |
فؤاد: أتظن أنك ستنجو من العقاب؟… |
ضاهر: إذا لم تبلغ أختك الشرطة عني… |
فؤاد: إذا لم تبلغ أختي عنك فأنا الذي سأبلغ الشرطة عنك، لأنك لست إنساناً وعليك أن تعتبر خطبتك لأختي مفسوخة منذ الآن… |
ضاهر: يجب أن أسمع هذا الكلام من أختك يا فؤاد… |
(تدخل سوسن وما إن يراها فؤاد حتى يقول): |
فؤاد: سوسن.. أختي.. |
سوسن: لقد سمعت ما قاله ضاهر… |
فؤاد: ما رأيك؟ |
سوسن: خذ هذا خاتم خطبتك يا ضاهر واعتبر الخطبة مفسوخة.. والآن… |
ضاهر: والآن ماذا؟ |
سوسن: تفضل يا حضرة الضابط… خذ… هذا طلبتك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت عاصم يقول): |
عاصم: والله ما أدري يا وجدي ماذا كانت عليه حالتي لو لم يقيض الله لي تلك الفتاة الشفيقة الرحيمة… |
وجدي: كنت في عداد المرحومين… |
عاصم: أجل يا أخي أجل.. لقد جمع الله كل فضائل الإنسانية في قلب تلك الفتاة… |
وجدي: وجميع كل الرذائل في قلب خطيبها الجبان الحقير.. قل لي.. |
عاصم: ماذا أقول لك؟ |
وجدي: هل زارتك هذه الفتاة بعد أن ثبت إلى رشدك؟… |
عاصم: إنها تقريباً تزورني كل يوم مع أخيها… |
وجدي: سمعت أنها من عائلة محترمة وأصل رفيع… |
عاصم: ولا أدلّ على رفعة اصلها من الشيء الذي فعلته معي… |
وجدي: أجل يا عاصم أجل ولكن… |
عاصم: ولكن ماذا؟ |
وجدي: إني لأتساءل ما الذي جمع بين هذه الفتاة الطيبة الكريمة المحتد وذلك الفتى المجرم؟!… |
عاصم: أخوها فؤاد… |
وجدي: كيف؟ |
عاصم: ضاهر المجرم كان زميلاً لفؤاد في الجامعة.. وزمالة الدراسة جذورها عميقة… |
وجدي: أجل.. أجل.. |
عاصم: وضاهر من شباب اليوم الذين يغرون الفتيات بأناقتهم ومظهرهم… |
وجدي: فهمت.. فهمت.. وهكذا وقعت الفتاة النبيلة في شباك المجرم السافل… |
عاصم: ومن حسن حظها أن يقع ذلك الحادث كي ينكشف ضاهر لسوسن على حقيقته… |
وجدي: مصائب قوم عند قوم فوائد.. هل اسم الفتاة سوسن؟ |
عاصم: نعم… |
وجدي: اسم جميل على مسمى أجمل.. سمعت أن خطبتها لضاهر قد فسخت… |
عاصم: نعم… هكذا قيل لي… |
وجدي: ها.. ما رأيك؟ |
عاصم: رأيي في أي شيء؟ |
وجدي: تتقدم أنت لخطبتها… |
عاصم: أنا يا وجدي أنا!… |
وجدي: نعم أنت… |
عاصم: أين الثريا من الثرى؟ |
وجدي: لا ثريا ولا ثرى.. المهم القلب.. إذا أحبتك الثريا نزلت إلى الثرى.. ثم.. |
عاصم: ثم ماذا؟ |
وجدي: أنت فتى جامعي وستبعثك الدولة للتخصص في هندسة الخرسانة المسلحة… |
عاصم: إن شاء الله.. إذا ما شفيت.. |
وجدي: ولكنك ستبرأ بإذن الله… |
عاصم: الحديث في هذا الموضوع سابق لأوانه… |
وجدي: فليكن ما تريد.. على فكرة.. متى سيسمح لك الطبيب بالخروج… |
عاصم: غداً على الأرجح… |
وجدي: إذن سآتي غداً إن شاء الله لنقلك للدار… |
عاصم: ألف شكر يا وجدي، إن شاء الله نسعى في أفراحك… |
وجدي: سوا سوا يا عاصم |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت فؤاد يقول): |
فؤاد: ما بك يا سوسن؟ أراك قلقة مهمومة!… |
سوسن: لا شيء يا أخي لا شيء.. |
فؤاد: يجب أن تكوني منشرحة الصدر بعد أن خلصك الله من ذلك الكابوس البغيض… |
سوسن: الحمد لله يا أخي.. الحمد لله الذي خلصني من ضاهر… |
فؤاد: وخلصني أنا معك.. لأني أنا الذي أقنعتك بالزواج منه والحمد لله الذي لم يتم.. إذ لو تم لبقيت معذب الضمير طول عمري… |
سوسن: وأنا ربما بقيت في العذاب طول عمري… |
فؤاد: والآن ما رأيك؟ |
سوسن: ها.. إن شاء الله مشروع زواج جديد… |
فؤاد: أعوذ بالله.. لقد أقسمت ألا أتدخل في أي زواج… |
سوسن: المثل يقول: اِسعَ في جنازة ولا تسعَ في زواجة.. والآن ما هو الأمر الذي كنت تريد رأيي فيه؟ |
فؤاد: ما رأيك لو تكملين دراستك في الخارج فتحققين بذلك الرغبة التي كنت حرمتك إياها بإقناعك بالزواج من ضاهر.. |
سوسن: كأنك تقرأ ما يدور بخلدي يا أخي.. كنت أريد مفاتحتك في هذا الموضوع فسفري للخارج فيه قضاء على الإشاعات المتناثرة من جهة وإشباع لرغبتي في استكمال دراستي من جهة أخرى… |
فؤاد: توكلنا على الله.. خذي في تهيئة ما تحتاجينه لهذه السفرة، وأنا من جهتي سأتولى تهيئة التأشيرات وجميع اجراءات السفر الرسمية… |
سوسن: حسناً ولكن… |
فؤاد: ولكن ماذا؟ |
سوسن: من سيعتني بك في غيابي؟… |
فؤاد: سأحضر خالتي وزوجها من القرية ليسكنا معي.. |
سوسن: ولكن زوجها مرتبط بعمل هناك.. |
فؤاد: سأطلب من الشركة التي يعمل بها أن تتدبر له العمل نفسه هنا… |
سوسن: أوه.. نسيت أنك عضو في مجلس إدارة تلك الشركة… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت سليم يقول): |
سليم: ما يزال ما فعلته سوسن بك يا ضاهر حديث الناس بالرغم من أن سوسن سافرت للخارج لاستكمال دراستها، ولكن آثار فعلتها ما تزال حية في الأذهان… |
ضاهر: صدقت يا صديقي سليم إن ما فعلته سوسن وأخوها فؤاد معي كان مبعث استغراب ودهشة كل من عرف أو سمع به… |
سليم: ما في شك.. ما في شك.. لقد أساءا إليك إساءة لا تغفر… |
ضاهر: ولكن… |
سليم: ولكن ماذا؟ |
ضاهر: بعض الناس يلومونني على أنني تخليت عن إنسانيتي فلم أسعف من صدمت وتركت خطيبتي سوسن تقوم بإسعافه… |
سليم: إن الذنب ذنب سوسن، كان يجب أن تطاوعك ثم… |
ضاهر: ثم ماذا؟ |
سليم: عملها أظهرك أمام الناس بمظهر الجبان وأظهرها هي بمظهر البطلة وكله على حسابك… |
ضاهر: والله يا سليم صرت أستحي أن أخرج من البيت أو أغشى المجتمعات فإينما سرت رمقتني العيون ولسعتني الألسن بأقذع السباب والشتائم… صدقني لقد فكرت.. |
سليم: فكرت في ماذا؟ |
ضاهر: فكرت أن أهاجر من هذا البلد إلى بلد لا يعرفني فيها أحد.. |
سليم: دعك من هذه الأفكار السوداء، فكلام الناس ستذروه رياح الزمان.. والمهم.. |
ضاهر: المهم ماذا؟ |
سليم: أن تتحدى المجتمع.. تتحدى الناس.. تخرس الألسنة بالألسن والكلام بمثله وفلوسك تستطيع أن تخمد أي عاصفة تثور في وجهك… |
ضاهر: يا لأفكارك النيرة يا سليم! |
سليم: كذلك يمكنك أن تتزوج بأحسن من سوسن خلقاً وخَلقاً وأصلاً وفرعاً… |
ضاهر: لعلَّ هذا أهم ما يشغل بالي في الوقت الحاضر، فصفعة سوسن ما تزال آثارها على خدي… |
سليم: هل وصلت إلى رأي في هذا الموضوع يا صديقي… |
ضاهر: أراني على وشك الوصول إلى قرار حاسم في هذا الشأن… |
سليم: ومن هي صاحبة الحظ السعيد يا ضاهر؟ |
ضاهر: ستكون مفاجأة لك يا صديقي؟… |
سليم: أرجو أن تكون مفاجأة سارة… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت وجدي يقول): |
وجدي: أراك تخرج كل مساء إلى الشاطىء الذي وقع فيه لك الحادث.. وتقعد في المكان نفسه الذي أصبت فيه… |
عاصم: أجل يا وجدي أجل.. إنه نقطة التحول في حياتي… |
وجدي: لقد قلت لك أطلب يدها يومئذ ولكنك لم تطاوعني.. وها أنت تجد نفسك أنك غارق في حب سوسن إلى أذنيك… |
عاصم: لقد حاولت يا وجدي أن أتغلب على أحاسيسي وشعوري نحو سوسن، بل لقد حاولت في بعض الأحايين أن أخدع نفسي.. ولكن وجدت مقاومتي أخيراً تنهار وتتحطم وينكشف ما حاولت جاهداً أن أخفيه… |
وجدي: ولكنك فوت عليك الفرصة عندما كانت سوسن هنا… |
عاصم: صدمت، ولهذا تجدني أعض أصابعي ندماً وأسرع كل يوم إلى مكان لقائنا الأول أعيش على فتات الذكريات.. |
وجدي: أخشى عليك من صدمة أخرى يا عاصم… ربما تكون القاضية… |
عاصم: ليتها تكون يا وجدي.. |
وجدي: لا قدر الله يا أخي… إنك في مقتبل العمر وريق الشباب، والمستقبل أمامك والفتيات على رأس من يشيل كما يقول المثل… |
عاصم: ولكن سوسن نسيج وحدها يا وجدي… |
وجدي: طالما تلد حواء فليست هنالك فتاة عليها نسيج وحدها… |
عاصم: هذا رأي أصحاب القلوب الخالية… |
وجدي: ولكن عقولنا عامرة بالأماني والأحلام الجميلة.. |
|