الحلقة - 7 - |
يحيى: يا له من توقيع كريم، لعلّه أقصر وعيد وجهه خليفة إلى عدوه.. |
الرشيد: يجب المباشرة في تجهيز الحملة قبل أن يدركنا الشتاء فشتاء بلاد الروم شديد وقارس كما تعلم.. |
يحيى: ومن يأمر أمير المؤمنين أن يكون معه من القواد؟ |
الرشيد: عبد الملك بن صالح، إبراهيم بن جبريل، حازم بن خزيمة.. |
يحيى: أمر أمير المؤمنين.. |
الرشيد: سوف يعلم نقفور من هو هارون الرشيد سألقنه درساً يكون له عبرة ولمن يأتي بعده من قياصرة الروم.. |
يحيى: ومتى يرى أمير المؤمنين أن يسير إلى القتال؟ |
الرشيد: كلما أسرعنا كان أحسن خشية مداهمة الشتاء.. |
يحيى: أستأذن أمير المؤمنين.. |
الرشيد: في أمان الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عاتكة تقول): |
عاتكة: ما لسيدتي ساهمة شاردة الفكر؟ |
زبيدة: كيف لا أكون كما ترين وأمير المؤمنين يعد العدة لحرب الروم.. |
عاتكة: أهي أول غزوة يذهب إليها أمير المؤمنين؟ |
زبيدة: لا.. لقد غزا الروم أكثر من مرة ولكن.. |
عاتكة: ولكن ماذا؟ |
زبيدة: هذه الغزوة بالذات.. أنا متخوفة منها.. |
عاتكة: لم يا مولاتي وأمير المؤمنين قد تمرس قتال الروم.. |
زبيدة: إن الكتاب الذي وصل من ملك الروم يدل على أن الروم قد استعدوا لهذه الحرب بشكل لم يسبق له مثيل.. |
عاتكة: ومولاي أمير المؤمنين ومن معه من القادة لا شك قد حسبوا للأمر حسابه.. |
زبيدة: ولكنها حرب قد وقّت لها الروم وجعلوها على إقبال الشتاء.. وشتاء بلادهم قارس كما تعلمين وإنني لأخشى على أمير المؤمنين من الحرب بقدر ما أخشى عليه من البرد.. |
عاتكة: ولكن أمير المؤمنين ما يزال والحمد لله في عنفوان شبابه وشدته وقوته.. وإذا كنت تخشين عليه فاحتاطي له ملابس الشتاء أدفأها.. |
زبيدة: صدقت ولكن ليتني أذهب معه.. ليتني أكون بجانبه.. |
عاتكة: أصبري عليه فقد يأخذوك معه وأنا في معيتك.. |
زبيدة: يا ليته يفعل.. يا ليته يفعل.. |
عاتكة: توكلي على الله يا مولاتي.. ومن يتوكل على الله فهو حسبه.. |
زبيدة: إنني متكلة على الله يا عاتكة فهو نعم المولى ونعم النصير.. |
عاتكة: إذن لم هذا القلق يا سيدتي؟ |
زبيدة: إنك لم تتزوجي بعد يا عاتكة حتى تعرفي معنى العاطفة الزوجية.. |
عاتكة: لن أتزوج يا مولاتي حتى لا أتعرض لحرب دائم مع عواطفي.. |
زبيدة: كثيرات غيرك قلنها بسخرية ثم وقعن وغرقن حتى شعورهن.. |
عاتكة: ولكنني أجيد السباحة يا مولاتي ولا خوف علي من الغرق.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها تضحكان) |
زبيدة: يا لقلبك الخلي يا عاتكة.. |
عاتكة: اللَّهم لا تشغله إلا بحبك يا سيدتي.. |
زبيدة: شكراً والآن؟ |
عاتكة: والآن ماذا؟ |
زبيدة: هلمي نجهز لأمير المؤمنين حاجياته لهذه الرحلة.. فمتطلباتها ولا شك كثيرة وهو يترك كل شيء لي كما لو كنت سأرافقه في سفره هذا.. |
عاتكة: أنا بين يديك ورهن إشارتك يا سيدتي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت يحيى يقول): |
يحيى: جعفر.. جعفر.. |
جعفر: نعم يا أبي.. |
يحيى: هل من أخبار عن أخيك الفضل.. |
جعفر: لا يا أبي.. ولكن مما لا شك فيه أنه يبعث بالرجال والعتاد تباعاً.. |
يحيى: هل الامتدادات التي وصلت حتى الآن كافية.. |
جعفر: لا يا أبي.. إننا ننتظر المزيد من الفرسان ورماة المنجنيق والصناع المهرة في رمي النفط. |
يحيى: وماذا عن الرماة.. |
جعفر: العدد غير كافٍ ولكن الأخبار الواردة تذكر أن أعداداً منهم في طريقها إلى بغداد.. |
يحيى: يجب أن تكون الحملة التي يقودها أمير المؤمنين مجهزة أحسن تجهيز ولا سيما والروم لا شك قد استعدوا للمواجهة وإلا لما نقضوا الصلح.. |
جعفر: إنك على حق يا أبي.. ولكني أوصيت أخي الفضل.. |
يحيى: أوصيته بماذا.. |
جعفر: أن يختار الرجال االمعتادين على حرب الجبال والشتاء.. |
يحيى: خيراً فعلت يا بني فإن الروم استنسبوا الوقت المناسب للمعركة فشتاء الأناضول كما تعلم قارس شديد.. |
جعفر: إنني أخشى على أمير المؤمنين من برد بلاد الروم فإنه ربما يغزو لأول مرة على إقبال الشتاء.. |
يحيى: لقد نصحته أن يرسل عبد الملك بن صالح أو حازم بن خزيمة أو غيره من القوّاد ولكنه أصرّ إلا أن يتولى المعركة ويقودها بنفسه.. |
جعفر: لا شك أنه متألم من كتاب نقفور كلب الروم.. |
يحيى: حقاً إنه كتاب مؤلم يا بني.. ولكن نقفور حقير والحقير يجب ألاّ يستغرب المرء ما يصدر منه.. |
جعفر: أريد أن أصحب أمير المؤمنين في غزوته.. فهل لديك مانع يا أبي.. |
يحيى: ولكن هل استأذنت أمير المؤمنين.. |
جعفر: لم أستأذن بعد ولكني رأيت أن أحصل أولاً على إذن منك وبعد ذلك ألتمس صحبة أمير المؤمنين.. |
يحيى: عسى أن لا يؤخر الفضل في إرسال امداداته فإن أمير المؤمنين يسألني كل يوم عن موعد الغزوة.. وأخشى ما أخشى |
جعفر: تخشى ماذا يا أبي.. |
يحيى: أخشى أن يأمر بالسفر قبل أن نستكمل استعداداتنا للمعركة.. |
جعفر: على كل حال أمير المؤمنين كما تعرف يا والدي - يعلم متطلبات معركة كهذه ولكنه يستعجلك خشية مداهمة الشتاء خوفاً على جنوده وعلى نفسه.. |
يحيى: إنه على حق.. إنه على حق.. فعسى أن يكون الفضل عنده مثل هذا الشعور.. |
جعفر: إنني واثق من أن أخي وكذلك بقية العمال الذين أرسلهم إليهم يرسلون المدد تلو المدد بالسرعة الممكنة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الرشيد يقول): |
الرشيد: يا بن الربيع؟ |
ابن
الربيع: نعم يا مولاي.. |
الرشيد: من بالباب؟ |
ابن
الربيع: الأصمعي يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: وحده أم معه غيره.. |
ابن
الربيع: وحده.. |
الرشيد: أدخله وأحجب الناس عنا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها يدخل الأصمعي وهو يقول): |
الأصمعي: السلام على أمير المؤمنين.. |
الرشيد: وعليك السلام .. تفضل واجلس لقد جئت في الوقت المناسب .. |
الأصمعي: الحمد لله على توفيقه.. |
الرشيد: قل لي يا أصمعي.. |
الأصمعي: نعم يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: أخبرني عن أشجع الناس.. |
الأصمعي: لأخبرنك يا أمير المؤمنين ليس عن أشجع الناس بل عن أجبن الناس وأحيل الناس أيضاً وهي قصة كان عمرو بن معد يكرب الزبيدي قد حدثها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.. |
الرشيد: هات.. |
الأصمعي: خرج عمرو بن معد يكرب الزبيدي مرة يريد الغارة فبينما كان يسير بفرس مشدود ورمح مركز إذا رجل جالس وهو كأعظم ما يكون من الرجال خلقاً وهو محتب بسيف فقال له عمرو.. |
الرشيد: ماذا قال له؟ |
الأصمعي: خذ حذرك يا هذا فإني قاتلك.. ومن أنت؟ قال أنا عمرو بن معد يكرب، فشهق شهقة فمات فهذا أجبن من رأيت يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: حقاً أنه أجبن الجبناء.. |
الأصمعي: وخرج عمرو بن معد يكرب يوماً للغارة أيضاً فانتهى إلى حي فإذا هو يرى فرساً مشدوداً ورمحاً مركوزاً وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجة فقال له عمرو؟ |
الرشيد: ماذا قال له؟ |
الأصمعي: خذ حذرك فإني قاتلك.. قال من أنت؟ قال: أنا عمرو بن معد يكرب.. قال: أبا ثور؟ |
ما أنصعتني! أنت على ظهر فرسك وأنا في بئر فأعطني العهد أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري. |
الرشيد: طلب معقول.. |
الأصمعي: فأعطاه عمرو العهد.. فخرج الرجل من الموضع الذي كان فيه ثم احتبى سيفه وجلس فقال له عمرو: ما هذا؟ |
فأجاب ما أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك فإن نكثت عهدك فأنت أعلم فتركه عمرو ومضى.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها الرشيد وهو يضحك ).. |
الرشيد: وهذا يا أصمعي أحيل الناس.. وماذا بعد؟ |
الأصمعي: ثم خرج عمرو يوماً آخر حتى انتهى إلى موضع كان يقطع فيه السابلة فلم ير أحداً فأجرى فرسه يميناً وشمالاً فظهر له فارس.. |
الرشيد: حسناً وماذا بعد.. |
الأصمعي: خذ حذرك، فإني قاتلك فقال الفتى: الويل لك.. من أنت؟ قال أنا عمرو بن معد يكرب فأجاب الفتى الحقير الذليل والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك.. |
الرشيد: يا له من فتى جريء.. |
الأصمعي: فقال عمرو: فتضافرت نفسي إلي وعظم عندي ما استقبلني به وقلت له: خذ حذرك فوالله لا ينصرف إلا أحدنا فقال الفتى الغريب: ثكلتك أمك فإني من أهل بيت ما نكلنا عن فارس قط. |
الرشيد: منطق جميل عسى أن يكون الفتى عند حسن منطقه.. |
الأصمعي: قال عمرو: هو الذي تسمع.. قال الفتى: اختر لنفسك إما أن تطرد لي وإما أن أطردك.. فاغتنمتها منه فقلت: اطرد لي فاطرد.. |
الرشيد: وماذا بعد؟ موقف رائع؟ |
الأصمعي: قال عمرو: وحملت على الفتى حتى إذا قلت، إني وضعت الرمح بين كتفيه إذا هو قد صار حزاماً لفرسه ثم اتّبعني فقرع بالقناة رأسي وقال: |
الرشيد: ماذا قال الفتى الشجاع؟ |
الأصمعي: قال: يا عمرو.. خذها إليك واحدة، فوالله لولا إني أكره قتل مثلك لقتلتك.. |
الرشيد: عظيم هائل.. |
الأصمعي: فتصاغرت نفس عمرو إليه، وكان الموت أحب إليه مما رأى وسمع ولكنه قال.. |
الرشيد: وماذا عنده ليقول؟ |
الأصمعي: قال: والله لا ينصرف إلا أحدنا، فقال الفتى: اختر لنفسك: فقال له: اطردني.. فأطرد لي فظننت إني قد تمكنت منه، واتّبعته حتى إذا قلت.. |
الرشيد: وما عساه أن يقول؟ |
الأصمعي: قال خيل إلي أني قد وضعت الرمح بين كتفي الفتى فإذا هو قد صار ليباً لفرسه ثم اتّبعني فقرع رأسي بالقناة وقال: يا عمرو: خذها إليك ثانية. |
الرشيد: لا شلت يمينك يا فتى.. فماذا صنع عمر بن معد يكرب بعد هاتين الإهانتين..؟ |
الأصمعي: قال عمرو: فتصاغرت نفسي إلي وقلت والله لا ينصرف إلا أحدنا.. |
الرشيد: يا له من مكابر وماذا قال له الفتى الباسل؟ |
الأصمعي: قال له اختر لنفسك.. فقال عمرو: اطرد لي حتى إذا رأى أنه وضع الرمح بين كتفي الفتى إذا بالفتى يثب عن فرسه فإذا هو على الأرض.. |
الرشيد: يا له من فتى عجيب.. |
الأصمعي: فاخطأ عمرو فاستوى الفتى على فرسه واتبع عمرو فقرع بالقناة راسه وقال: يا عمرو، خذها إليك ثالثة ولولا إني أكره قتل مثلك لقتلتك.. |
الرشيد: أكمل يا أصمعي.. فقد شوقتني للنهاية.. |
الأصمعي: فقال له عمرو: اقتلني فإن الموت أحب إلي مما أرى بنفسي وأن تسمع فتيان العرب بهذا فقال الفتى: يا عمرو إنما العفو ثلاث وإني إن استمكنت منك الرابعة قتلتك.. |
الرشيد: لقد أعذر من أنذر.. فماذا كان رد عمرو بن معد يكرب على هذا الإنذار؟ |
الأصمعي: قال فلما سمعت ذلك كرهت الموت وهبته هيبة شديدة وقال للفتى: إن لي إليك حاجة. فقال الفتى وما هي؟ قال عمرو أكون لك صاحباً فقال الفتى.. |
الرشيد: ماذا قال؟ |
الأصمعي: لست من أصحابي يا عمرو.. فقال عمرو.. كان ذلك والله أشد علي وأعظم مما صنع.. |
الرشيد: يا لها من إهانة.. |
الأصمعي: وأي إهانة يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: حقاً إنه أشجع الناس.. يا بن الربيع.. |
ابن
الربيع: أمرنا للأصمعي بخمسمائة درهم.. |
يحيى: ما هذا الذي أسمع يا جعفر؟ |
جعفر: إنها طبول الحرب تقرع.. إنها إيذان بوصول إمدادات كبيرة.. |
يحيى: أأنت متأكد من ذلك يا بني؟ |
جعفر: كل التأكيد يا أبي ولعلي لا أكون مخطئاً إذا قلت لها إنها طبول ربيعة وتغلب وأياد.. |
يحيى: وماذا عن رجال فارس؟ |
جعفر: لعلّهم قادمون بقيادة أخي الفضل.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها أصوات التكبير).. |
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. إلى الجهاد في سبيل الله.. |
يحيى: ما هذه الأصوات يا جعفر؟ |
|