الحلقة - 6 - |
يحيى: إنه نعم القائد ولكن.. |
جعفر: ولكن ماذا؟ |
يحيى: عيبه أنه شيباني أي من قوم الثائر الوليد بن طريف الشاري.. |
جعفر: هذا ما جعلني أسرع إليك فلعلّك تعرف أمير المؤمنين عن تعيينه ليزيد وليرسل غيره من القواد وما أكثرهم.. |
يحيى: ألم تفلح أنت في التأثير على أمير المؤمنين.. |
جعفر: لقد حاولت ولكني فشلت تجاه إصرار الخليفة ولعلَّ سيدي الوالد يفلح فيما فشلت فيه.. |
يحيى: لست متأكداً يا بني ولكني سأحاول ومن الله التوفيق.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ميخائيل قائد جيش الروم يقول): |
ميخائيل: سيدي الأمبراطور.. |
نقفور: ما وراءك يا ميخائيل؟ |
ميخائيل: المسلمون.. |
نقفور: ماذا عنهم؟ |
ميخائيل: إنهم مشغولون في هذه الأيام بحروبهم الداخلية في خراسان ونيسابور والري وفي الجزيرة.. |
نقفور: بلى يا ميخائيل.. وماذا عندك؟ |
ميخائيل: أرى أن ننتهز هذه الفرصة للانقضاض عليهم واسترجاع كثير من الأراضي والحصون التي استولوا عليها وفك الأسرى الذين وقعوا في أيديهم.. |
نقفور: ولكننا يا ميخائيل ما نزال نعاني من بعض أمورنا الداخلية.. |
ميخائيل: لقد استتب كل شيء لسيدي الأمبراطور وأرى أنها فرصة العمر.. |
نقفور: أخشى أيها القائد.. |
ميخائيل: تخشى ماذا؟ |
نقفور: إن هذا الصراع المتفجر بين المسلمين سوف يستمر ما لم يظهر لهم عدو من غيرهم فإذا ظهر تركوا العداوة بينهم وتآلفوا على العدو.. |
ميخائيل: ما يقوله سيدي الأمبراطور وما يبدو له من مخاوف هو في محله ولكن.. |
نقفور: ولكن ماذا؟ |
ميخائيل: لو سمح لي مولاي الإمبراطور أن أتحمل مسؤولية هذه الحرب عنه لأني واثق من النتائج.. |
نقفور: فليكن ما تريد.. |
ميخائيل: شكراً لسيدي الإمبراطور.. راجياً أن أكون عند ثقة مولاي وحسن ظنه بي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الرشيد يقول): |
الرشيد: ابن الربيع.. |
ابن
الربيع: مولاي.. |
الرشيد: من بالباب في مسائنا هذا؟ |
ابن
الربيع: علي بن حمزة الكسائي؟ |
الرشيد: ادخله في الحال.. |
ابن
الربيع: بالأمر يا مولاي.. |
الأمين: أننتظر يا أمير المؤمنين؟ |
الرشيد: بل تبقى أنت وعبد الله فإني أريد أن تتعرفا إلى عالم من علماء الأدب ورواته.. وسأختبره أمامكما لتريا صدق ما أقول.. |
عبد
الله: حفظ الله أمير المؤمنين وأبقاه.. إنني كنت مشوقاً للتعرف به فقد ذكر لي أكثر من واحد عن علمه وأدبه.. |
الرشيد: ستعجبان به يا بني.. وستدهشان من سعة اطلاعه ومعرفته.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها دخول الكسائي وهو يقول): |
الكسائي: السلام على أمير المؤمنين.. |
الرشيد: وعليك السلام يا أبا حمزة.. تفضل واجلس بجانبي.. |
الكسائي: أعز الله أمير المؤمنين وأدام توفيقه ونضر أيامه ولياليه.. |
الرشيد: أرأيت إلى هذين الغلامين أمامك.. |
الكسائي: بلى يا أمير المؤمنين أتقصد النيرين.. |
الرشيد: إنهما ولداي محمد وعبد الله.. |
الكسائي: بورك فيهما.. إنهما خير خلف لخير سلف.. لقد أسرني أمير المؤمنين بمعاينة نعمة الله على أمير المؤمنين فيهما.. |
الرشيد: هيا سلما على أشهر نحاة الكوفة وأحد القراء السبعة وفي الطليعة من رواة الأدب والشعر (يقومان فيسلمان عليه والكسائي) يقول: |
الكسائي: ما شاء الله.. إنهما كوكبا أفق.. ما أشوقني إليهما.. لقد أسعدني أمير المؤمنين بمرآهما فليهنأ بهما وليحفظهما الله ويقر عيني ملأى بهما.. |
الرشيد: هيا اجلسا إلى اليمين واليسار مني.. يا ابن الربيع أحجب عنا الناس.. |
ابن
الربيع: بالأمر يا مولاي.. |
الرشيد: يا علي.. ما زلت ساهراً مفكراً في معاني أبيات قد خفيت علي.. ولعلّي لا أثقل عليك إن سألتك.. |
الكسائي: استغفر الله يا أمير المؤمنين لعمري أنه اعتزاز لي يا مولاي وفخر فإن رأي أن ينشدني هذه كان ذلك تكرماً وتشريفاً لي منه.. |
الرشيد: |
قد قلت قولاً للغراب إذ حجل |
عليك بالقود المسانيف الأول |
تغد ما شئت على عجل |
|
الكسائي: نعم يا أمير المؤمنين.. إن ألعير إذا فصلت من خيبر وعليها التمر يقع الغراب على آخر العير فيطرده السواق. والشاعر يريد أن يقول: تقدم أيها الغراب إلى أوائل العير فكل على غير عجل.. |
الرشيد: ما هي القود؟ والمسانيف؟ |
الكسائي: القود الطوال الأعناق، والمسانيف المتقدمة.. |
الرشيد: |
وإني وإن عثرت من خشية الردى |
نهاق حمار إنني لجزوع |
|
الكسائي: نعم يا أمير المؤمنين كان الرجل إذا دخل خيبر أكب على أربع وعشر تعشير الحمار، وهو أن ينهق عشر نهقات متتابعات.. يفعل ذلك ليدفع عن نفسه حمى خيبر.. |
الأمين: إنه منظر يبعث على الضحك يا أمير المؤمنين.. |
عبد
الله: الحمد لله على الإسلام الذي ارتقى بالعقلية العربية من ذلك الحضيض في التفكير إلى هذا الأفق الواسع من العلم والمعرفة فقضى على الخزعبلات والبدع والأوهام.. |
الكسائي: ما شاء الله يا عبد الله.. ما شاء الله.. إنك تقول حقاً يا أبني.. |
الرشيد: يا علي ما معنى هذا البيت؟ |
أجاهل أنت (بيقورا) مضرمة |
ذريعة لك بين اللَّه والمطر |
|
الكسائي: كانت العرب يا أمير المؤمنين إذا أبطأ المطر شدت العشر والسلع وهما ضربان من النبت في أذناب البقر وألهبوا فيه النار، وشردوا البقر تفاؤلاً بالبرق والمطر.. |
عبد
الله: وهذه يا أمير المؤمنين أليست من الخرافات والمعتقدات التي قضى عليها الإسلام وأبطلها فقال عزمن قائل وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (الشورى: 28). |
الكسائي: صدق الله العظيم ((بورك فيك يا عبد الله وبورك لأبيك في)). |
الرشيد: |
بمنحدر من رأس برقاء حطه |
تذكر بين من حبيب مزايل |
|
الكسائي: إنه يعني الدموع، والبرقاء، العين لأن فيها سواداً وبياضاً وحطه أسأله وحبيب: محبوب، ومزايل: مفارق. |
الأمين: انظر يا أخي إن أمير المؤمنين وقد فتن بمعرفة الكسائي الواسعة يجذبه إلى صدره ويقول له: |
الرشيد: للَّه در الأدب، يا ابن الربيع. |
ابن
الربيع: مولاي.. |
الرشيد: أحمل إلى منزل الكسائي خمس بدر على أعناق خمسة خدم يلزمون خدمته.. |
الكسائي: لقد غمرني أمير المؤمنين ببره وفضله وخيره ونعمائه.. |
الرشيد: إنك أهل لكل مكرمة.. يا علي.. |
الكسائي: مولاي.. |
الرشيد: ألا تستنشدهما؟ |
الكسائي: حسناً.. هات يا محمد.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها ينشد الأمين): |
الأمين: |
أرى الناس في الأخلاق أهل تخلق |
وأخبارهم شتى فعرف ومنكر |
قريباً تدانيهم إذا ما رأيتهم |
ومختلفاً ما بينهم حين تخبر |
فلا تحمدن الدهر ظاهر صفحة |
من المرء ما لم تبل ما ليس يظهر |
فما المرء إلا الأصغران لسانه |
ومعقوله والجسم خلق مصور |
وما الزين في ثوب تراه وإنما |
يزين الفتى مخبوره حين يخبر |
فإن طرة راقتك منهم فربما |
أمرّ مذاق العود والعود أخضر |
|
الكسائي: أحسنت هذه من قصيدة سويد اليشكري التي كانت العرب تسميها في الجاهلية (اليتيمة).. هات يا عبد الله.. |
إني امرؤ لا يعتري خلقي |
دنس يفنده ولا أفن |
من منقر في بيت مكرمة |
والأصل ينبت حوله الغصن |
خطباء حين يقوم قائلهم |
بيض الوجوه مصاقع لسن |
لا يفطنون لعيب جارهم |
وهم لحسن جوارهم فطن |
|
الكسائي: أحللت يا عبد الله هذه لقيس بن عاصم المنقري.. |
الرشيد: يا علي كيف مذهبهما وجوابهما وإنشادهما؟ |
الكسائي: يا أمير المؤمنين هما قال الشاعر: |
أرى قمري مجد وفرعي خلافة |
يزينها عرق كريم ومحتد |
يسدان آفاق السماء يتيمة |
يؤيدهما حزم وعضب مهند |
سليلي أمير المؤمنين وحائزي |
مواريث ما أبقى النبي محمد |
|
الرشيد: لا فض فوك يا علي.. |
الكسائي: أمتع الله أمير المؤمنين بهما، وآنس رعيته ببقائه وبقائهما، فما رأيت أحداً من أولاد الخلفاء أذرب منهما لساناً ولا أعذب كلاماً ولا أحسن ألفاظاً.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عاتكة تقول): |
عاتكة: لقد حجب أمير المؤمنين الناس عن زيارته الليلة واكتفى بمجالسة الكسائي وابنيه محمد وعبد الله.. |
زبيدة: إنه يريدهما أن يتأدبا بآداب الكسائي ويتعلما منه بعض ما آتاه الله من واسع العلم والمعرفة.. |
عاتكة:حقاً يا سيدتي إن الكسائي بحر من العلم في النحو والقراءة والآداب والنوادر.. |
زبيدة: ليت مجالس محمد الأمين تحفل بمثل الكسائي إنني جداً حزينة يا عاتكة.. |
عاتكة: على ماذا يا مولاتي؟ |
زبيدة: على محمد الأمين.. |
عاتكة: لماذا؟ |
زبيدة: لأنه لا يجالس أمثال الكسائي والأصمعي بل ترين أمثال أبي نواس وخلف الأحمر من خلص جلاسه وندمائه.. |
عاتكة: هل نصحته يا سيدتي؟ |
زبيدة: لقد بح صوتي وذهبت محاولاتي أدراج الرياح.. |
عاتكة: لعلّ اللائمين لا يعرفون ذلك.. |
زبيدة: إنهم ليسوا لائمين بل مخلصين لي.. إنهم يظنون أني أمهد لمحمد الأمين الانغماس في مجالس اللهو والشرب.. وما دروا أني أحاول أن أجنبه الانحدار إلى الهاوية.. |
عاتكة: ليت مراجل ودنانير تعرفان هذه الحقيقة أنهما في طليعة اللائمين والشامتين.. |
زبيدة: يا لحسن حظ مراجل بعبد الله المأمون أنه يجمع خيرة الأدباء والعلماء والمفكرين حوله ولا سيما المتضلعين بالعلوم اليونانية.. |
عاتكة: أدع للأمين بالرشد والهداية.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت زبيدة تقول): |
زبيدة: يا رب! يا رب! |
الرشيد: ما هذا الذي في يدك يا أبتي؟ |
يحيى: كتاب يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: ممن؟ |
يحيى: من نقفور ملك الروم.. |
الرشيد: فضّه واقرأه عليّ.. |
يحيى: من نقفور ملك الروم إلى هارون العرب، أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام السبيدق.. |
يحيى: فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً تحمل أضعافه إليها.. لكن ذلك لضعف النساء وحماقتهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها، واقتد نفسك بما يقع به المصادرة لك وإلا فالسيف بيني وبينك.. |
الرشيد: أبلغ الأمر بهذا القذر السافل المنحط أن يوجه إليّ مثل هذا الكتاب؟ أكتب له الرد على ظهر خطابه.. |
يحيى: تفضل يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم.. قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه.. |
|