الحلقة - 5 - |
الفضل: إني جد متشوق إلى تتمة الحديث يا أبتاه... |
يحيى: ولكن أمر أمير المؤمنين يجب تلبيته... |
الفضل: أمر أمير المؤمنين مطاع رافقتك السلامة يا أبي... |
يحيى: لن يطول غيابي عنك يا بني فانتظرني ريثما أعود... |
(يذهب يحيى وابن الربيع تدخل دنانير وحين يراها الفضل يقول): |
الفضل: أهلاً بملكة الشعر والغناء.. |
دنانير: لا تثر غروري يا فضل.. |
الفضل: شكراً يا دنانير على هذا الإطراء.. |
دنانير: إنني لم اقل إلا الحقيقة وهي سر اجتذاب الكثيرين إليك.. |
الفضل: أراك تثيرين غروري أنا أيضاً.. |
دنانير: المعدن الطيب كلما صقلناه ازداد جودة ولمعاناً وأنت يا سيدي كلما أطربناك وامتدحناك ازددت تواضعاً على تواضعك وجوداً على جودك ونبلاً على نبلك.. |
الفضل: وأنت كلما استثرناك أخرجنا من دفائن كنوزك ما يبهر الأبصار ويأخذ بمجامع القلوب.. |
دنانير: أراني مهما قلت يا سيدي فلن أصل إلى بعض ما قاله ذلك الأعرابي فيك.. |
الفضل: أتحفظين ما قاله ذلك الأعرابي..؟ |
دنانير: ومن ذا الذي لم يحفظ بل ويردد ما قاله ذلك الأعرابي فيك.. |
الفضل: اسمعيني يا دنانير فمن فيك يحلو الإنشاد.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها دنانير تنشد): |
ولائمة لا منك يا فضل في النوى |
فقلت لها، هل يقدح اللوم في البحر |
أتنهين فضلاً عن عطاياه في الورى |
فمن ذا الذي ينهي السحاب عن القطر |
كأن نوال الفضل في كل بلدة |
تحدّر ماء المزن في مهمة قفر |
كأن وفود الناس في كل وجهة |
إلى الفضل لأقرأ عنده ليلة القدر |
|
الفضل: أحسنت يا دنانير ما أروعك وأنت تنشدين وتغنين وتتحدثين.. لقد أمرت لك بعشرين ألف درهم على حسن إنشادك.. |
دنانير: جوزيت خيراً يا سيدي لعمري ما صدق شاعر فيما قال مثل صدقك فيما قلت.. |
إذا ملكت كفّي منالاً ولم أنل |
فلا انبسطت كفي ولا نهضت رجلي |
على اللَّه إخلاف الذي قد بذلته |
فلا يبق لي بخلي ولا متلفي بذلي |
أروني بخيلاً نال مجداً ببخله |
وهاتوا كريماً مات من كثرة البذل |
|
(يدخل يحيى بن خالد البرمكي وحين يرى دنانير يقول): |
يحيى: أنت هنا يا دنانير؟ |
دنانير: أجل يا مولاي كنت في انتظارك فهل أبقى أو أخرج.. فلعلّ بين مولاي وابنه حديث لا يصح لمثلي حضوره.. |
يحيى: أنت منا يا دنانير وما عندنا ما نخفي عنك ولكن الحديث الذي بيني وبين الفضل لا يهمك سماعه فهلاّ انتظرتني عند أم جعفر؟ |
دنانير: بالأمر يا سيدي.. |
يحيى: رحم الله من أحسن تأديبها.. |
الفضل: صدقت يا أبي إنها في منتهى الأدب والكياسة.. |
يحيى: والآن أأنت مستعد لسماع بقية قصة أبي خالد.. |
الفضل: كيف لا يا أبي وأنا أنتظر بفارغ الصبر.. |
يحيى: حسناً إلى أين وصلنا؟ |
الفضل: وصلنا إلى قول أبي خالد لك: اخرج مع بياعي الحنطة لتأخذ حصتك في الشركة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت يحيى يقول): |
يحيى: وخرجت معهما فقالا لي أدخل معنا بعض المساجد حتى نكلمك في أمر يكون لك فيه الربح الهنىء فدخلنا مسجداً فقالا لي.. |
الفضل: ماذا قالا يا أبي؟ |
يحيى: إنك تحتاج في هذا الأمر إلى وكلاء وأمناء وأعوان ومؤن لا تقدر منها على شيء فهل لك أن تبيعنا شركتك بمال نعجله لك فتنتفع به؟ |
الفضل: وماذا قلت لهما يا أبي؟ |
يحيى: قلت لهما كم تبدلان لي؟ فقالا: مائة ألف درهم.. فقلت لا أفعل. |
الفضل: نعم ما فعلت يا أبي وبعد.. |
يحيى: فما زالا يزيداني وأنا لا أرضى إلى أن قالا لي: ثلاثمائة ألف درهم ولا زيادة عندنا على هذا.. |
الفضل: حسناً يا أبي وماذا بعد؟ |
يحيى: فقلت حتى أشاروا أبا خالد قالا: ذلك لك.. فرجعت إلى أبي خالد وأخبرته.. |
الفضل: وماذا فعل أبو خالد؟ |
يحيى: دعا بهما وقال لهما: هل وافقتما على ما ذكر يحيى؟ قالا: نعم.. قال: اذهبا فانقداه المال الساعة ثم قال لي: |
الفضل: ماذا قال لك؟ |
يحيى: أصلح أمرك وتهيأ فقد قلدتك العمل.. فأصلحت شأني وقلدني ما وعدني به، فما زلت في زيادة حتى صار أمري إلى ما صار.. |
الفضل: ما أعظم ما فعل أبو خالد يرحمه الله.. |
يحيى: صدقت ولكن ما تقول في ابن من فعل بابيك هذا الفعل؟ وما جزاؤه؟ |
الفضل: ذلك حق لعمري وجب عليك يا أبي له.. |
يحيى: والله يا ولدي ما أجد لابنه مكافأة غير أني أعزل نفسي وأوليه.. |
الفضل: وأراك ما وفيته يا أبي حقه.. |
يحيى: سأتركه إذن لك فأوفه حقه وحق أبيه وزيادة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت عاتكة تقول): |
عاتكة: سيدتي، سيدتي.. |
زبيدة: ما وراءك يا عاتكة؟ |
عاتكة: عندي لك خبر لو سمعته لسجدت شكراً لله.. |
زبيدة: قولي وطمنيني.. |
عاتكة: امتدح ربيعة الرقي العباس بن محمد بن علي بقصيدة قال فيها: |
ما أن أعد من المكارم خصلة |
ألا وجدتك عمها أو خالها |
وإذا الملوك تسايرت في بلدة |
كانوا كواكبها وكنت هلالها |
إن المكارم لم تزل معقولة |
حتى حللت براحتيك عقالها |
|
زبيدة: قصيدة رائعة جميلة لا شك أن العباس عم الخليفة أجازه جائزة سنية.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها ضحك عاتكة وهي تقول): |
عاتكة: لو قلت لك يا سيدتي ربما لا تصدقينني.. |
زبيدة: قولي فأنت مصدقة عندي.. |
عاتكة: أجازه العباس دينارين فقط لا غير.. |
زبيدة: أجادة فيما تقولين أم تراك تهزلين..؟ دينارين لو قلت ألفان ربما استصغرت الجائزة فكيف وهي ديناران.. |
عاتكة: أقسم إنها ديناران.. |
زبيدة: يا إلهي أجن العباس ثم ماذا كان رد الفعل عند ربيعة الشاعر.. |
عاتكة: غضب وقال لرسول العباس خذ الدينارين فهما لك على أن ترد إلى الرقعة من حيث لا يدري العباس ففعل الرسول ذلك فأخذها ربيعة وأمر من كتب في ظهرها.. |
زبيدة: ماذا كتب.. قصة طريفة وغريبة.. |
عاتكة: |
مدحتك مدحة السيف المحلي |
لتجري في الكرام كما جريت |
فهبها مدحة ذهبت ضياعاً |
كذبت عليك فيها وافتريت |
|
ثم دفعها إلى الرسول وقال: ضعها في الموضع الذي أخذتها منه.. ففعل.. |
زبيدة: إن العباس يستأهل ذلك.. وماذا بعد؟ |
عاتكة: غضب العباس حين قرأها وركب من فوره إلى أمير المؤمنين فسأله عما يغضبه فأجابه: هجاني ربيعة الرقي. فأمر أمير المؤمنين بإحضار الشاعر.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى صاخبة تسمع بعدها صوت الرشيد يقول وهو غاضب): |
الرشيد: أتهجو عمي وآثر خلق الله عندي لقد هممت أن أضرب عنقك.. |
ربيعة: يا أمير المؤمنين والله لقد امتدحت عمك بقصيدة ما قال أحد مثلها من الشعراء في أحد من الخلفاء ولقد بالغت في الثناء، وأكثرت من الوصف.. فإن رأي أمير المؤمنين أن يأمر بإحضارها فعل.. |
الرشيد: هلاَّ أمرت يا عماه أحد خدمك بإحضار القصيدة فإني أحب أن أتأكد من حقيقة ما قاله الشاعر.. |
عاتكة: وتلكأ العباس فقال له أمير المؤمنين: |
الرشيد: سألتك بحق أمير المؤمنين إلا أمرت بإحضارها.. |
عاتكة: فأحضرت القصيدة بعينها فاستحسنها أمير المؤمنين واستجادها وأعجب بها وقال: |
الرشيد: والله ما قال أحد من الشعراء في أحد من الخلفاء مثلها، ولقد صدق ربيعة فبّر.. |
عاتكة: ثم التفت أمير المؤمنين إلى عمه وقال: كم أثبته عليها.. فسكت العباس وتغير لونه وغص بريقه فقال ربيعة: |
ربيعة: أثابني عليها بدينارين يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: إنك تقول ذلك يا ربيعة لأنك واجد على عمي.. بالله عليك يا ربيعة كم أثابك؟ |
ربيعة: والله، يا أمير المؤمنين ما أثابني إلا بدينارين.. |
عاتكة: فغضب أمير المؤمنين غضباً شديداً ثم خاطب عمه قائلاً.. |
الرشيد: فضحت أجدادك وفضحتني وفضحت نفسك.. ثم نادى: يا غلام.. أعط ربيعة ثلاثين ألف درهم وخلعة وأحمله على بغلة.. |
ربيعة: حفظ الله أمير المؤمنين وأعز به هذا الدين وأهله.. |
الرشيد: يا ربيعة أقسمت عليك أن لا تذكر عمي بشيء في شعرك لا تعريضاً ولا تصريحاً.. |
زبيدة: لقد لقنه أمير المؤمنين درساً لا ينسى.. ولكن أتريدين مني أن أسجد شكراً لله على هذه القصة.. |
عاتكة: لا يا سيدتي وإنما لما استتبع هذه القصة.. |
زبيدة: ما هو؟ |
عاتكة: عدل مولاي أمير المؤمنين عما كان اعتزم عليه من خطبة ابنة عمه العباس لنفسه.. |
زبيدة: صدقت.. حقاً لقد وجب علي السجود حمداً لله وشكراً على انصراف أمير المؤمنين عما كان ينوي فعله.. |
عاتكة: والآن وقد انتهيت من الحمد والشكر لله تعالى ألا تريدين حضور الاجتماع الذي دعت إليه أم عيسى ولبابة ابنتا علي بن الله بن عباس.. |
زبيدة: شكراً لك يا عاتكة لقد ذكرتني باجتماع هام لا سيما ونحن في وقت يجب على المرأة أن تشترك في الجهاد لإعلاء كلمة الله.. |
عاتكة: أجل يا سيدتي.. لقد اتسعت رقعة الخلافة وبدأ أعداؤها ينقضون عليها من أطرافها وعلينا نحن النساء واجب كبير في معركة المصير.. |
زبيدة: علينا أن نجند الممرضات، وأن ندربهن تدريباً جيداً على فنون الإسعاف والتمريض.. |
عاتكة: واستعمال السلاح وركوب الجياد فأم عيسى ولبابة يجدن ركوب الخيل واستعمال القوس والنشاب والسيف والرمح كأي فارس من الفرسان.. |
زبيدة: ولم لا يا عاتكة أرأيت إلى نساء الكرد والترك كيف يحملن السلاح ويركبن الجياد ويقارعن الفرسان.. |
عاتكة: هيا بنا يا سيدتي إلى الاجتماع فقد حان موعده.. |
(نقلة صوتية حربية نسمع بعدها صوت جعفر بن يحيى وهو يقول): |
جعفر: لقد استعمل أمير المؤمنين على حرب الوليد بن طريف الشاري قائداً لا أظنك ترضى عنه.. |
يحيى: من هو؟ |
جعفر: يزيد بن مزيد الشيباني.. |
يحيى: (مندهشاً) يزيد بن مزيد الشيباني.. |
جعفر: بلى يا أبي بلى.. |
|