الحلقة - 4 - |
يحيى: اللَّهم اكتب لنا الحج إلى بيتك المعظّم في ركاب أمير المؤمنين.. |
الرشيد: وأم جعفر ألا تريد أن تحج؟ |
يحيى: لا.. إنها معتلة الصحة يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: ومن ستأخذ معك من النساء؟ |
يحيى: لا أحد سوى دنانير.. |
الرشيد: دنانير المغنية، ولكنك ذاهب للحج يا أبي.. |
يحيى: لقد طلبت مني أن تحج وألحت في طلبها ومع ذلك فإذا رأى أمير المؤمنين ألا تحج ابلغناها الأمر وعليها الطاعة.. |
الرشيد: أنا لا أمنع أحداً من الحج ولكني أخشى أن تفسد عليك حجك بنوادرها وحكاياتها وأشعارها ومن يدري ربما حين ترى مغني الحجاز تشتاق إلى الطرب.. |
يحيى: سأضعها تحت الرقابة الشديدة يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: وقلبك هل يطاوعك إن رأيت دموعها تمسح على صفحة خدها الجميل.. سبحان من خلق.. |
يحيى: سآخذ عليها العهد يا أمير المؤمنين.. |
الرشيد: أفعل ما بدا لك يا أبي فإنك لا تحتاج إلى من يبصرك بما يجب أو لا يجب.. |
يحيى: ولكن ليس لي غنى عن نصائح أمير المؤمنين وإرشاداته.. |
الرشيد: حسناً فليكن ما يقدره الله ويقضي به.. |
يحيى: هل يأذن لي مولاي بالانصراف.. |
الرشيد: لا بأس ولا تنس ما أمرنا به.. |
يحيى: سيجري تنفيذه في الحال.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الرشيد يقول): |
الرشيد: هل بالباب أحد يا بن الربيع؟ |
ابن
الربيع: ابن السماك وإسحق بن إبراهيم الموصلي. |
الرشيد: فليدخل ابن السماك. |
ابن
الربيع: بالأمر يا مولاي.. |
(يدخل ابن السماك وهو يقول): |
ابن
السماك: السلام على أمير المؤمنين.. |
الرشيد: وعليك السلام.. اجلس وبالقرب مني.. وعظني فإني بحاجة إلى من ينصحني ويرشدني.. |
ابن
السماك: كفى بالقرآن واعظاً يا أمير المؤمنين.. قال الله تعالى:بسم الله الرحمن الرحيم، وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ صدق الله العظيم. (سورة المطففين - آية 1 - 6). |
الرشيد: صدق الله العظيم.. |
ابن
السماك: هذا يا أمير امؤمنين وعيد لمن طفف في الكيل فما ظنك بمن أخذه كله.. |
الرشيد: اللَّهم اجعلنا من المقسطين.. يا بن الربيع.. |
ابن
الربيع: مولاي.. |
الرشيد: علي بشربة ماء.. |
ابن
الربيع: أمرك مولاي.. |
(يؤتى له بشربة ماء فيقول ابن السماك): |
ابن
السماك: يا أمير المؤمنين: لو حبست عنك هذه الشربة من الماء أكنت تفديها بملكك؟ |
الرشيد: نعم.. |
ابن
السماك: يا أمير المؤمنين لو حبس عنك خروجها أكنت تفديها بملكك.. |
الرشيد: نعم.. |
ابن
السماك: لا خير في شيء لا يساوي شربة ماء.. |
الرشيد: يا ابن السماك، ما أحسن ما بلغني عنك.. |
ابن
السماك: إن لي عيوباً لو اطلع الناس منها على عيب واحد ما ثبتت لي في قلب مودة. وإني لخائف في الكلام الفتنة.. وإني لخائف على نفسي من قلة خوفي عليها.. |
الرشيد: جزاك الله عني خيراً يا ابن السماك.. يا بن الربيع.. |
ابن
الربيع: مولاي.. |
الرشيد: أمرنا لابن السماك بألف دينار.. |
ابن
السماك: الدين النصيحة يا أمير المؤمنين ولا خير في نصيحة تباع وتشترى إنني أبتغي الجزاء ممن بيده الجزاء يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الرشيد يقول): |
الرشيد: ابن الربيع.. |
ابن
الربيع: مولاي.. |
الرشيد: فليدخل إسحق الموصلي.. |
ابن
الربيع: أمرك يا مولاي.. |
(يدخل إسحق الموصلي وهو يقول): |
إسحق: السلام على أمير المؤمنين.. |
الرشيد: وعليك السلام.. أجلس.. |
إسحق: هل يسمح أمير المؤمنين بأن أنشده.. |
الرشيد: قل لا عليك.. |
(ينشد إسحق والموسيقى مصاحبة): |
إسحق: |
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري |
فذلك شيء ما إليه سبيل |
أرى الناس خُلاَّن الكرام ولا أرى |
بخيلا له بين الأنام خليل |
وإني رأيت البخل يزري بأهله |
فأكرمت نفسي أن يقال بخيل |
ومن خير حالات التي علمته |
إذا نال خيراً أن يكون ينيل |
فعالي فعال المكثرين تجملا |
ومالي كما قد تعلمين قليل |
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى |
ورأيي أمير المؤمنين جميل |
|
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. |
الرشيد: لا تخف يا إسحق إن شاء الله.. لله در أبيات تأتينا بها ما أشد أصولها، وأحسن فصولها وأقل فضولها.. قد أمرنا لك بخمسين ألف درهم.. |
إسحق: وصفك والله يا أمير المؤمنين لشعري أحسن منه فعلام أخذ الجائزة.. |
(يضحك الرشيد ثم يقول): |
الرشيد: اجعلوها مائة ألف درهم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مراجل أم عبد الله بن هارون الرشيد تقول): |
مراجل: لي مدة عنك يا دنانير فأين كنت؟ |
دنانير: كنت مشغولة بأمر مولاي يحيى بن خالد.. |
مراجل: هل أمره يأخذ كل وقتك بحيث لا يدع لك مجالاً لزيارتي.. |
دنانير: أحسبك يا مراجل مشغولة مثلي بأمر عبد الله.. |
مراجل: صدقت يا دنانير فأنا مشغولة بإيجاد نخبة من العلماء والحكماء حول عبد الله إني أريده أن يتعلم ويتثقف فليس كالعلم سلاح في هذه الأيام.. |
دنانير: صدقت يا أم وإني أهنئك على الصفوة المختارة من العلماء والأدباء والمتفقهين في علوم اليونان.. |
مراجل: الحمد لله على توفيقه يا دنانير.. إني أريد لعبد الله أن يكون إماماً في كل شيء.. |
دنانير: لقد أضأت له الطريق وعبدت له السبيل والحمد لله عنده من الاستعداد ما يبشر بالخير وأرجو لك العمر المديد حتى ترى ثماره ما غرست.. |
مراجل: حسبه الأمين أن يكون أبو نواس من أخص ندمائه. |
دنانير: وأن يكون الأصمعي والكسائي من خلص جلسائه عبد الله المأمون.. |
مراجل: ذلك توفيق من الله سبحانه وتعالى ولكن.. |
دنانير: ولكن ماذا؟ |
مراجل: لم يمنعني أن أتنسم أخبارك وأخبار عنان، وبذل، وذات الخال.. |
دنانير: ليتك سمعت ذات الخال وهي تنشد لجرير قصيدته: |
مراجل: هات شيئاً منها فقد اشتاقت نفسي إلى سماع الشعر والنشيد من فيك.. |
(دنانير تنشد شعر جرير ): |
دنانير: |
أتذكر إذ تودعنا سليمى |
بعود بشامة سقي البشام |
بنفسي من تجنبه عزيز |
علي ومن زيارته لمام |
ومن أمسى وأصبح لا أراه |
ويطرقني إذا هجع النيام |
متى كان الخيام بذي طلوع |
سقيت الغيث أيتها الخيام |
|
مراجل: الله أكبر.. الله أكبر.. ما أعذب ما كنت تقولين وتنشدين غير إني أريد أسمع منك شعر ابن الدّمينة (جرى السيل): فبالله إلاّ ما أنشدتيه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها دنانير تنشد): |
دنانير: |
جرى السيل فاستبطاني السيل إذ جرى |
وغاضت له من مقلتيّ غروب |
وما ذاك إلا أن تيقنت أنه |
يسر بواد أنت منه قريب |
أيا ساكنى شرقي دجلة كلكم |
إلى القلب من أجل الحبيب حبيب |
|
مراجل: الله.. الله.. لقد كاد دمعي يفيض كما فاض دمع ابن الدّمينه.. |
دنانير: كيف أنت يا مراجل والحج في هذا العام؟ |
مراجل: النية غير موجودة عندي في الوقت الحاضر غير أني لا أدري ما سيجد معي عندما يقترب الموسم.. |
دنانير: ولكن زبيدة عازمة على الحج في هذا العام.. |
مراجل: إنها تجري استعدادات ضخمة له.. ألا تنوين يا دنانير الحج؟ |
دنانير: بلى يا مراجل بلى.. لقد رجوت يحيى بن خالد أن يأخذني معه إلى الحج.. |
مراجل: لو لم تكن زبيدة عازمة على الحج لذهبت ولكنك تعرفين غيرة زبيدة مني وحفيظتها علي.. |
دنانير: حتى أنا يا مراجل لم اسلم من غيرة زبيدة ولولا أنها تلهث بالغيرة منك ما سلمت من شرها.. |
مراجل: لا تقطعيني من زيارتك يا دنانير فأنت تعلمين منزلتك مني.. |
دنانير: أعلم ذلك وأراني مقصرة وذنبي كبير وعفوك أكبر.. وأستودعك الله فقد أبطأت على يحيى وقد ينشغل باله عليّ لأنه لا يدري أين أنا.. |
مراجل: في حفظ الله وأمانه وإلى اللقاء.. |
دنانير: إلى اللقاء.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الفضل بن يحيى): |
الفضل: أعزك الله يا أبي.. أمرتني أذكرك بحديث أبي خالد.. |
يحيى: نعم يا بني نعم.. |
الفضل: هل لك أن تقوله لي فقد شاقني اهتمامك بأمره أن أعرف شيئاً عنه.. |
يحيى: كنا بالعراق أيام الخليفة المهدي وكنت فقيراً معدماً واشتد بي الأمر حين قالت والدتك وهي تبكي إنّا كتمنا حالنا وزاد ضررنا ولنا ثلاثة أيام ما عندنا شيء نقتات به. |
الفضل: يا إلهي! ألهذا الحد كانت حالك يا والدي.. |
يحيى: فبكيت يا بني بكاءً شديداً وبقيت حيران مطرقاً مفكراً.. ثم تذكرت منديلاً كان عندي فقلت لهم. |
الفضل: قل يا أبي فإن قلبي يكاد يتفطر حزناً.. |
يحيى: قلت لهم ما حال المنديل قالوا هو باقٍ عندنا فقلت ادفعوه إلي فأخذته وبعته بسبعة عشر درهماً دفعتها إلى أمك وقلت أنفقوها إلى أن يرزق الله غيرها.. |
الفضل: وبعد.. |
يحيى: ثم بكرت من الغد إلى باب أبي خالد وهو يومئذ وزير المهدي والناس وقوف على باب داره ينتظرون خروجه.. فخرج عليهم راكباً فلما رآني سلم علي وقال: كيف حالك. |
الفضل: فماذا قلت له يا أبي؟ |
يحيى: قلت يا أبا خالد: ما حال رجل يبيع من منزله بالأمس منديلاً بسبعة عشرة درهماً.. فنظر إلي نظراً شديداً وما أجابني.. فرجعت إلى أهلي كسير القلب وأخبرتهم بما اتفق لي.. |
الفضل: فلاموك.. |
يحيى: بلى.. قالوا بئس ما فعلت توجهت إلى رجل كان يرتجيك لأمر جليل فكشفت له سرك فأزريت عنده بنفسك وصغرت عنده منزلتك فما يراك بعد اليوم إلاّ بهذه العين.. فقلت.. |
الفضل: قلت ماذا؟ |
يحيى: قلت قد قضي الأمر بما لا يمكن استدراكه.. فلما كان من الغد بكرت إلى باب الخليفة.. |
الفضل: الخليفة المهدي يا أبي.. |
يحيى: بلى.. فلما بلغت الباب استقبلني رجل فقال لي. قد ذُكِرْتَ الساعة بباب أمير المؤمنين فلم ألتفت لقوله، واستقبلني آخر فقال لي كما قال الأول ثم استقبلني حاجب أبي خالد.. فقال لي.. |
الفضل: ماذا قال لك؟ |
يحيى: أين تكون قد أمر أبو خالد بإجلاسك إلى أن يخرج من عند أمير المؤمنين فجلست حتى خرج فلما رآني دعاني وأمر لي بدابة فركبت وسرت معه إلى منزله فلما قال: |
الفضل: قال ماذا؟ |
يحيى: علي بفلان وفلان الحنّاطين فاحضرا.. فقال لهما: ألم تشتريا مني غلات السواد بثمانية عشر ألف ألف درهم قالا بلى: قال: ألم اشترط عليكما شركة رجل معكما؟ قالا بلى.. |
الفضل: وماذا بعد؟ |
يحيى: قال أبو خالد: هذا هو الرجل الذي اشترطت شركته لكما ثم قال لي قم معهما |
(يدخل الفضل ابن الربيع وهو يقول): |
ابن
الربيع: أمير المؤمنين يدعوك ويستعجلك الحضور.. |
يحيى: للحديث بقية يا بني.. |
|