الحلقة - 2 - |
عامر: يلحق بها قائلاً عودي يا وضحه.. قبل أن تقتلك العاصفة.. عودي.. |
وضحه: لا تجيب نداءه بل تصرخ ولدي.. ولدي.. ولدي.. |
(أصوات مبهمة من النساء والأطفال تعلو وتنخفض.. تبدأ العاصفة في الهدوء ويخف هطول المطر فيقول عامر): |
عامر: ارجعي يا وضحه.. الريح سكتت.. والمطر توقف.. وسيارة خالد في طريقها إلينا.. |
(تقف سيارة خالد وقد رأت الجموع الزاحفة التي بهرها نور السيارة فتوقفت هي أيضاً.. ينزل خالد وما أن رأته حتى اندفعت إليه وارتمت على صدره وهي تقول وتبكي): |
وضحه: ولدي.. الحمد الله على سلامتك.. الحمد لله.. |
خالد: لا تبك يا أماه.. إنني بخير.. بخير والله الحمد.. |
أصوات: إنها دموع الفرح يا خالد.. |
خالد: والدي.. أهلي وأقاربي.. لقد كلفتم أنفسكم ما لا تطيقون فخاطرتم بأرواحكم في سبيل إنقاذي.. مشكورين.. مشكورين.. |
عامر: عودي يا وضحه ومن معك قبل أن يفتك بكن البرد.. |
خالد: خذها يا فرهود ومن معها بالسيارة.. أما أنا فسأمشي مع والدي ومن معه.. |
الجميع: بورك فيك.. بورك فيك.. |
(تختلط أهازيج العائدين وفرحتهم نسمع بعدها صوت عامر يقول): |
عامر: شب النار يا سعد واطعمها حطبك الكبير وهات القهوة والشاي. وأنت يا حمد عجل بالزاد فقد اجهدنا ضيوفنا واتعبناهم معنا.. |
الضيف
الأول: استغفر الله يا شيخ عامر.. نحن كنا مثلك خائفين على زين الشباب خالد... |
الضيف
الثاني: الحمد لله الذي نجاه ونجانا معه... |
خالد: في الحقيقة مرت بنا ساعة زمان.. الريح تعصف والمطر ينهمر ومسّاحة السيارة من شدة المطر بطلت تشتغل فقررنا الوقوف حيث نحن حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً... |
أحد
الحاضرين: حقاً أنها مخاطرة ربنا سلمكم من السيول ما جرفتكم مع سيارتكم.. |
خالد: سائق السيارة اسمه ماهر وهو حقاً ماهر فقد وقف بنا في مكان عال عندما رأى أنه لا يستطيع السير... |
عامر: المسلِّم ربنا وقد قدر لكم السلامة والحمد لله... |
الجميع: الحمد لله.. الحمد لله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (خطار) يقول): |
خطار: لا حس ولا خبر عن هاني وتوفيق.. أين تراهما الآن؟ |
جبورة: يقيني أنهما الآن في طريقهما إلى الجهة التي أرسلتهما إليها.. |
خطار: أخشى أن يكون قد حدث لهما حادث فالسفر بالصحراء مخيف... |
جبور: ولكنهما ذهبا مع سائق خبير بالصحراء.. |
خطار: ليتني ذهبت بنفسي ولم أوكل إليهما المهمة فما حك جلدك مثل ظفرك.. |
جبور: ولم المجازفة يا خطار والمهمة التي أرسلتهما لها لا تستحق كل هذا الاهتمام.. |
خطار: ولكنك تعرف أني رجل أعمال وأُحِِبَّ أن أفعل كل شيء بنفسي.. |
جبور: ولكن الثقة رأس مال رجل الأعمال فهل رأس المال من الليرات والدولارات.. |
خطار: هذا صحيح.. ولكنهما تأخرا يا جبور.. |
جبور: الغائب حجته معه يا خطار فاهدأ وضع أعصابك في ثلاجة وثق برجالك تنجح في أعمالك.. |
خطار: ولكني دخلت في مناقصة وأخشى تأخرهما يضيع عليّ فرصة الحصول عليها.. |
جبور: فليكن ما يكون.. فقد وهبك الله من المال الكثير فلتأت المناقصة أم لم تأت في (ستين داهيه) |
(تصاحب دخول ليلى وهي تقول): |
ليلى: بنسوار مسيو جبور.. |
جبور: قولي مساء الخير يا مدموزيل.. |
خطار: قولي لعمك مساء الخير فإنه عربي قبل كل شيء وعربي بعد كل شيء. |
ليلى: صباح الخير يا أنكل.. |
جبور: ولماذا أمزجتها بأنكل يا روح عمك.. |
ليلى: إنها مثل (مدموزيل) يا عماه.. واحدة بواحدة... |
جبور: يا سلام ما أشد ذكاءك يا حبيبتي ربنا يحرسك من العين. |
خطار: ليلى... ما هو برنامجك ليوم غد يا حبيبتي.. |
ليلى: غداً الأحد (يا بابي).. أنسيت مشوار الأرز.. |
خطار: أوه.. والله نسيته تماماً.. ولم أتذكره حتى عندما رأيتك تحملين ما أعددته من أدوات الصيد على فكره يا جبور.. ليلى صيادة ماهرة.. |
جبور: صيادة غزلان أم عصافير.. |
ليلى: وأين هي الغزلان يا عم جبور.. |
جبور: في الصحراء.. |
ليلى: وهل نحن في الصحراء أم في لبنان وأحراش لبنان.. |
خطار: إنها صيادة عصافير ماهرة.. فنحن في كل رحلة نرجع بصيد كثير نأكل منه ما نأكل ونهدي منه أصدقاءنا. |
جبور: ليتني من الأصدقاء.. |
خطار: ولكنك كنت في أوروبا يا جبور ولم تعد إلا من أيام. على كل حال حسابك (محسوب) في رحلات الصيد المقبلة... |
ليلى: ما رأيك لو تسعدنا بصحبتك في رحلة الغد؟ |
جبور: حبذا يا بنيتي.. لو لم أكن مرتبطاً بموعد مسبق.. ولكني أرجو ألا أحرم من رحلاتك للصيد مستقبلاً وإني أعد نفسي مدعواً إليها من الآن.. |
ليلى: بكل تأكيد يا عمّو.. |
جبور: والآن استأذنك يا أبو ليلى حتى تستعدا لرحلة الغد التي أتمنى أن تكون ممتعة... |
خطار: شكراً.. مع السلامة.. |
ليلى: مع السلامة.. |
(ليال الصحراء الجميلة نسمع بعدها صوت الضيف الأول): |
ضرغام (1): كثر خيرك يا شيخ عامر.. |
ضرغام (2): ديارك عامرة.. |
عامر: مهَنََّى ولكنم عندك مثنَّى.. |
أحد
الحاضرين: كفيّت ووفيّتَّ يا أبو خالد.. |
عامر: قهوة يا ولد.. قهوة.. |
ضرغام (1): سبحان الله ما أجمل سكون البادية بعد تلك العاصفة العاتية... |
أحد
الحاضرين: القمر يتلألأ والليالي صافية وكأن لم يكن هنالك مطر غزير أو رياح لها زئير... |
ضرغام(2): إن هذا الصفاء وهذا السكون هما سر جمال البادية وسر تفضيل بعض الناس لها على المدن وضجيجها وصخبها.. |
عامر: شاي يا ولد.. سنِّعه زين.. |
ضرغام (1): وخالد أتراه يفضل حياة البادية على حياة المدينة.. |
خالد: لهذه جمالها ولتلك جمالها.. ولو خيّرت لفضلت البادية فقد رُبيت بين أحضانها... |
ضرغام (1): أأنت عازم على السكنى بالبادية بعد تخرجك في الجامعة... |
خالد: ولم لا.. فالبادية ستصبح جنة بعد أن يوضع مشروع تحضير البدو موضع التنفيذ... |
ضرغام (2): هل هنالك مشروع لتحضير البدو... |
خالد: أجل يا ضيفنا فحكومتنا تدرس المشروع مع الاخصائيين وستبدأ في تنفيذه فور انتهائها من دراسته.. |
ضرغام (1): حقيقة ستصبح بواديكم جنان الله على أرضه... |
ضرغام (2): ومتى ستنتهي من دراستك يا خالد؟؟ |
خالد: هذه السنة إن شاء الله... وقد جئت لزيارة والدي بمناسبة عطلة الربيع.. |
ضرغام (1): أدعو الله لك بالتوفيق والنجاح.. |
عامر: خالد.. |
خالد: نعم يا أبي |
عامر: ضيوفنا صار موعد نومهم... |
ضرغام (1): وخالد يا شيخ عامر.. إنه بحاجة إلى الراحة بعد ذلك التعب الشديد. |
خالد: لقد ارتحت وسعدت برؤياكم.. |
ضرغام (2): شكراً.. شكراًً.. |
عامر: هيا يا ضيوفنا.. هيا.. |
ضرغام (1): تصبحون على خير.. |
عامر: تصبحون على خير.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (وضحه) تقول): |
وضحه: حبيبي ولدي خالد.. يا ما أنت كريم يا رب.. والله ما ظننت أني ألقاك بعد تلك العاصفة العاتية. |
خالد: ولكنك خاطرت يا أماه بنفسك.. |
وضحه: والله ما دريت بحالي يا ولدي وما تمالكت شعوري وأنا أسمع صراخ النساء والأطفال إلا أن أخرج من خدري لإنقاذك.. |
خالد: ولكنها مجازفة أحق بها الرجال من النساء.. |
وضحه: الولد غالي يا خالد.. غداً تجرب وتعرف صدق ما أقول.. |
خالد: على كل حال ربنا قدر ولطف.. |
وضحه: كيف دروسك وعلومك.. |
خالد: زينه يا أماه وكل شيء على ما يرام... |
وضحه: أبوك لم لم يأت معك..؟ |
خالد: إنه ذهب يتفقد أفراد العشيرة كعادته.. |
وضحه: أذهب وحده؟. |
خالد: ذهب ومعه منصور وفارس.. |
وضحه: خيراً فعل فالليلة بردها قارس وستطوف بنا الذئاب والضباع وقد عضها الجوع بنابه.. |
خالد: لقد صادفت في طريقي عدداً لا بأس به من الذئاب والضباع.. |
وضحه: هذا يدل يا بني على أن سنتنا سيكون شتاؤها قاسياً.. |
خالد: أعانكم الله عليها يا أماه... |
وضحه: ألست بحاجة للنوم يا بني؟ |
خالد: إني والله بحاجة شديدة إليه ولكن انتظر عودة أبي لأتحدث معه قليلاً ثم آوى إلى فراشي... |
وضحه: حسناً.. إني أسمع خطو أبيك ومن معه... |
خالد: أنت مرهفة الحس يا أماه.. |
وضحه: لقد أرهفت البادية حسّنا وشعورنا.. حتى صرنا نسمع دببب النمل وهو يدخل في أماكنه... |
(يدخل الشيخ عامر دخول).. |
خالد: أنك ترهق نفسك يا ولدي.. |
عامر: هذه ضريبة المسؤولية يا بني.. فالعشيرة أمانة في عنقي وعلي أن أحافظ على هذه الأمانة.. |
خال: ولكن ليس إلى الدرجة التي تضحي بنفسك فيها.. ثم لا تنسى.. |
عامر: أنسى ماذا؟ |
خالد: لا تنسى أنك دخلت في طور الشيخوخة فيجب أن تحسب لصحتك حسابها.. |
عامر: العمر بيد الله يا بني.. فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.. |
خالد: والله سبحانه وتعالى يقول: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. |
وضحه: إن والدك يا خالد مولع بالمجازفة والمخاطرة.. ليتك تراه في ليالي الشتاء القارصة وهو يخرج من تحت فراشه الدافىء ليتفقد أفراد العشيرة ولا سيما الفقراء منهم... |
خالد: ليتك توكل هذا الأمر يا والدي إلى أحد أتباعك.. مثلاً منصور يا أبي إنه شاب في عنفوان شبابه ويستطيع تحمل هذا العبء.. |
عامر: سأفكر في الأمر يا بني.. |
وضحه: لا بل يجب أن تقرر ذلك فتفكيرك يأخذ أياماً وليالي.. |
(نسمع عواء الذئاب ونباح الكلاب فيقول عامر): |
عامر: ليلتنا ستكون شديدة وقاسية أعاننا الله عليها.. |
يشتد عواء الذئاب ثم يعقبه أصوات طلقات عيارات نارية نسمع بعدها صوت عامر وهو يخرج من الخدر صارخاً: |
عامر: يا قوم! يا قوم! الذئاب! الذئاب! أوقدوا النيران وأطلقوا الرصاص وافتكوا بها قبل أن تفتك بكم.. |
(ضجيج وهرج ومرج وركض وجري وأصوات مبهمة تختلط بأصوات طلقات الرصاص وعواء الذئاب).. |
|