النجاة أو استجابة الدعاء |
فادية: صادق.. صادق.. خذ.. أحمل… |
(نسمع بكاء طفل وصوت صادق يقول): |
صادق: يا إلهي.. يا فادية.. الريح شديدة.. والأمواج عالية.. |
فادية: إنها تكاد تبتلع سفينتنا يا أخي… |
(نسمع اصطفاق الموج وارتطامه بالسفينة وصوت صادق يقول): |
صادق: لا حول ولا قوة إلا بالله.. ليتنا لم نأخذ معنا ابنك ((فادي)).. |
فادية: ليتنا استمعنا إلى نصح صاحب الجزيرة الذي ألحّ علينا بعدم السفر في هذا الجو العاصف… |
صادق: خشيت أن يدركنا الليل فيضطرنا للنوم بالجزيرة وليس فيها وسائل الراحة… |
فادية: إنها خير من النوم الأبدي في قاع البحر… |
صادق: هكذا قدر لنا ولا راد لقضاء الله وقدره.. انظري… |
فادية: أنظر ماذا؟ إني لا أكاد أبصر شيئاً لقد عشيت عيناي من رذاذ الموج وهو يتكسر على جدار السفينة.. |
صادق: يجب أن نتجلد يا فادية ونصبر ونقابل هذه الشدة بشجاعة المؤمن الصابر… |
فادية: لولا بقية إيمان بصدري لملأت أرجاء السفينة بعويلي وصراخي… صادق.. إن العاصفة تشتد والموج يعلو وكأنه موج فوقه موج. |
صادق: إنه أسود من قوة الريح… فلنبتهل إلى الله نسأله النجاة والسلامة… |
فادية: بل نسأله حسن الخاتمة فإني أرى أنه لا سبيل إلى النجاة… |
(أبواق السفينة تذوّي، وصوت الربان من المايكرفون يقول) |
الربان: إلى الداخل يا معشر الركاب.. إلى غرفكم.. لا تأخذكم الأمواج… |
صادق: هيا يا فادية.. هيا.. |
فادية: هيا نتلو ما تيسر من آي الذكر الحكيم ونتشهد، فساعة الغرق وشيكة الوقوع… |
صادق: تشجعي يا أختاه.. لا تخافي.. أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله… |
(نسمع صوت انفجار قوي يعقبه صراخ النساء والأطفال وصوت الربان يقول): |
الربان: ارتطمنا بحاجز صخري.. أنزلوا قوارب النجاة… |
نسمع هدير الموج وزئير العاصفة وصوت صادق يقول: |
صادق: فادية.. فادية.. أختاه.. أين أنت.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول ولا قوة إلا بالله… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت نادية تقول): |
نادية: يا ترى يا جلال.. هل وصلتك رسائل من فادية وصادق؟ |
جلال: يا نادية… |
نادية: غريب وعجيب.. قلبي على ولدي انفطر وقلب ولدي من حجر.. |
جلال: يظهر أن المصيف الذي ذهبوا إليه ألهاهم بمناظره الجميلة. |
نادية: يعني هل عجزوا عن إرسال ولو كرت بوستال فيه مناظر من البلد الذي هم حتى نشاركهم في الاستمتاع بمنظره… |
جلال: الغائب حجته معه وربنا يجعله خيراً… |
نادية: يا رب.. فتأخر رسائلهم يشغل بالي كثيراً حتى صرت أرى في المنام رؤيا وأحلاماً مزعجة… |
جلال: إن هي إلا أضغاث أحلام يا نادية.. يمكن زودت عيار العشاء. |
نادية: اللهم اجعله خيراً. |
جلال: لا بد وأنهما مشغولان بالطفل ولا سيما نادية التي ازداد تعلقها به بعد أن ترمَّلت.. |
نادية: أجل كانت ترى فيه حبها الذي فقدته في حادث السيارة المشؤوم… |
جلال: دنيا كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام… هيا بنا يا نادية.. |
نادية: إلى أين يا جلال؟ |
جلال: إلى بيت الأستاذ حسيب والد الدكتور فياض… |
نادية: أأنت على موعد معه؟ |
جلال: بلى.. بلى.. |
نادية: إذن أمهلني ريثما أغيّر ملابسي.. |
جلال: وأنا أيضاً، فملابسي ليست ملابس خروج… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الدكتور فياض يقول): |
فياض: ما الرأي يا أبي… |
حسيب: إنها كارثة بني فياض، أخشى على صحة جلال من وقعها… |
فياض: ما العمل.. ووزارة الصحة التي وقع في بلدها الحادث قد وضعت صادق وأخته نادية في مستشفى الأمراض العقلية… |
حسيب: والطفل… |
فياض: غرق وجثته محفوظة في إحدى لثلاجات التابعة لوزارة الصحة هناك بانتظار حضور أحد من أهل المصابين أو دفن الجثة في حال عدم وجود أقارب لهم… |
حسيب: لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنه حادث أليم.. لا أدري كيف يكون وقعه على جلال وزوجه… |
فياض: أنا أخشى على خالتي نادية أكثر من عمي جلال.. فالرجل عادة أكثر تجلداً من المرأة في الشدائد… |
حسيب: جلال وزوجه سيأتيان لزيارتنا هذا المساء فابق يا بني بجانبي فربما احتجنا لإسعافك… |
فياض: سابقى بجانبك يا أبي… ولكن أرجو ألا تتردد في نقل الخبر إلى عمي جلال لأن وزارة الصحة كلفتني بذلك بصفتي أحد أقارب المصابين… |
حسيب: سأفعل جهدي.. اللَّهم أعني.. وأنزل صبرك وسكينتك في قلبي جلال ونادية.. |
فياض: ربنا قدر ولطف يا والدي إذ حفظ صادق وناديه من الغرق… |
حسيب: ولكن فقدان الذاكرة يا بني نوع من الموت إذ هما أشبه بالحي الميت… الذي لا أمل في شفائه… |
فياض: هناك أمل في الشفاء، فالطب الحديث قد وجد علاجاً لكثير من الأمراض العصبية.. |
حسيب: أرجو أن يكتب لهما الشفاء فبعض الشر أهون من بعض… |
فياض: المهم ندعو الله لخالتي وعمي بالصبر الجميل على مصابهما الأليم.. |
(يقرع جرس الباب فيقول حسيب): |
حسيب: إنهما يا فياض.. أسرع واستقبلهما فإني أخشى أن ينقل الخادم لهما خبر الفاجعة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت طبيب مستشفى الأمراض العقلية يقول): |
الطبيب: شفيق كنت ربان السفينة وقيامك الفينة بعد الفينة بزيارة المريضين قد يفيد في إعادة الذاكرة إليهما… |
شفيق: بأمرك يا حضرة الطبيب.. وسأضع نفسي تحت تصرفك… |
الطبيب: شكراً.. شكراً.. |
شفيق: ماذا فعلتم بجثة الطفل الغريق… |
الطبيب: ننتظر وصول أقارب المصابين هذا المساء… |
شفيق: سؤال يا سيدي الطبيب وأرجو ألا أحرجك به… |
الطبيب: قل وأوجز فوقتي ضيق… |
شفيق: هل من أمل في شفاء المصابين؟ |
الطبيب: نحن الأطباء دائماً متفائلون.. |
شفيق: الحمد لله.. الحمد لله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت حسيب يقول): |
حسيب: الصبر جميل يا جلال فالله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. صدق الله العظيم (سورة الحج آية 34 - 35). |
جلال: صدق الله العظيم.. سنصبر يا حسيب على ما أصابنا.. والحمد لله على كل حال.. |
حسيب: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على جماعة من صحابته فقال: أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا.. فقال عمر رضي الله عنه: نعم يا رسول الله.. قال: وما علامة إيمانكم؟ قالوا: نشكر على الرضاء ونصبر على البلاء ونرضى بالقضاء. فقال صلى الله عليه وسلم: مؤمنون ورب الكعبة…
|
نادية: اللَّهم ثبّتنا على الإيمان والامتثال لقضاء الله وقدره… |
جلال: كيف وجدت صادق وفادية دكتور فياض؟ |
فياض: أنا شخصياً وكطبيب عندي أمل كبير في شفائهما… |
نادية: والطبيب المداوي ماذا يقول؟ |
فياض: هو من الرأي نفسه يا عمتي.. |
حسيب: صدقني يا سيد جلال أنا أيضاً مع تأملي من المنظر الذي رأيت فيه صادق ونادية كنت أحس بأنهما سيشفيان بإذن الله… |
جلال: يا ما أنت كريم يا رب… |
فياض: والذي يبعث في نفسي التفاؤل هو الاستلطاف المتبادل بين صادق والممرضة عواطف.. |
ناديه: الممرضة عواطف من هي؟ |
فياض: هي ابنة ربان السفينة التي غرقت وهي ممرضة في هذا المستشفى.. لقد لاحظت أنها تعتني به عناية زائدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى رايت صادق يرتاح إلى وجودها بجانبه.. |
جلال: إذن أنت من أنصار القائلين بأن الحب يلعب دوراً كبيراً في شفاء بعض الأمراض… |
فياض: ولا سيما في حالات الأمراض العقلية… |
ناديه: أرجو أن يحقق الله مرئياتك يا بني… |
فياض: هيا بنا يا عمتي نزور فادية، فوجودك بجانبها قد يفعل فعل السحر… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت حسيب يقول): |
حسيب: وأنا مطمئن يا جلال بأن الحب الذي بدأت أمائره تظهر على ولدي الدكتور فياض والراحة التي تشيع في محيا فادية عندما تراه سيكون له الأثر الكبير بعون الله في شفائها… |
جلال: ماذا أقول سوى يا رب… |
حسيب: جلال أرى الربان شفيق في طريقه إلينا… |
جلال: إن الرجل جزاه الله خيراً لا يتركنا منذ قدمنا إلى بلاده.. لقد كان وما يزال لنا نعم الدليل والمساعد الأمين.. |
حسيب: أمة محمد إلى خير يا جلال… |
شفيق: السلام عليكم… |
حسيب وجلال: وعليك السلام يا سيد شفيق… |
جلال: هل من جديد؟ |
شفيق: تجدد الأمل في شفاء المريضين بإذن الله… |
حسيب: من أين علمت؟ |
شفيق: من ابنتي نرمين المسؤولة عنهما… |
جلال: الله يبشرك بالخير… |
حسيب: والآن ما هو برنامجنا اليوم يا شفيق.. |
شفيق: سنذهب لزيارة السفارة لشكرها على ما قدمته من مساعدة لكما في الحادث الأليم… |
جلال: كأنك تقرأ ما بخاطرنا يا شفيق.. بورك فيك.. |
شفيق: هيا بنا… |
حسيب: ألا تريد أن ترى ابنتك نرمين.. |
شفيق: لقد كنت عندها قبل مجيىء إليكما.. |
جلال: إذن هيا بنا إلى السفارة… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت فياض يقول): |
فياض: كم أنا مسرور يا عمتى من التقدم الذي طرأ على صحة فادية… |
نادية: أي تقدم يا دكتور فياض وأنا أراها كما هي منذ مجيئنا هنا.. حتى الكلام لا تتكلم… |
فياض: كيف يا عمتي لا تتكلم.. |
نادية: إنها تخلط شعبان برمضان والسبت بالجمعة.. |
فياض: هذا صحيح ذلك لأنها لا تعي ما تقول.. ولا يرتسم في ذاكرتها شيء مما تقولين حتى تجيب عليه فهي أشبه بالعجماوات… |
نادية: وأمي إلى متى ستظل على هذه الحال. |
فياض: الله يعلم يا عمتي ولكن… |
نادية: ولكن ماذا؟ |
فياض: بدأت فادية بالكلام بعدما كانت لا تتكلم أبداً كما أخبرني الطبيب المعالج - إن دل فإنما يدل على تحسن في الوضع.. |
نادية: وصادق ما رأي الطبيب المعالج فيه.. |
فياض: إنه يأمل بعد أن تتحسن صحة صادق وأخته فادية أن يقوم بتجربة عليهما يعتقد أنها بإذن الله ستعيد إليهما ذاكرتهما المفقودة. |
نادية: أأنت واثق يا فياض من مقدرة الطبيب المداوي؟ |
فياض: بكل تأكيد هو من الأطباء القلائل المختصين والمتمكنين من عملهم… |
نادية: ربنا يكتب لهما الشفاء على يديه… هل ستشترك مع الطبيب المعالج؟ |
فياض: نعم يا عمتي وكذلك… |
نادية: وكذلك من؟ |
فياض: نارمين الممرضة.. |
نادية: نارمين ابنة الربان شفيق… |
فياض: نعم يا عمتي.. |
نادية: لماذا؟ |
فياض: هذا سر المهنة يا عمتي.. |
نادية: هل عند والدك وعمك جلال علم بهذه التجربة المرتقبة… |
فياض: أجل أجل… |
نادية: وما هو نوع التجربة يا بني؟ |
فياض: هذا وأيضاً سر من أسرار المهنة.. المهم… |
نادية: المهم ماذا؟ |
فياض: الدعاء لله بأن يكتب التجربة النجاح… |
نادية: هذا ما أدعو به ليل نهار… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الطبيب المعالج يقول): |
الطبيب: شفيق.. شفيق.. |
شفيق: نعم يا دكتور… |
الطبيب: هل أنت مستعد… وهل كل شيء جاهز لهذه التجربة؟ |
شفيق: أجل يا سيدي… |
الطبيب: والدكتور فياض هل جهَّز نفسه؟ |
شفيق: بلى وسبقنا إلى المكان ومعه فادية.. |
الطبيب: وصادق.. |
شفيق: أخذته ابنتي الممرضة نارمين إلى المكان نفسه.. |
الطبيب: إذن لم يبق إلا أنت وأنا… |
شفيق: أجل… |
الطبيب: أمتأكد من أن كل شيء على ما يرام.. |
شفيق: كل التأكيد يا سيدي.. |
الطبيب: توكلنا على الله… |
شفيق: توكلنا على الله… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت جلال يقول): |
جلال: لقد طال وقت التجربة يا حبيب وقد بدأت أشعر بالقلق… |
حسيب: أعتقد أنه لا موجب للقلق… |
نادية: كيف يا أخي ولا سيما ونحن لا نعرف نوعية التجربة… |
حسيب: كوني مطمئنة فالله سيكلؤهم بعين عنايته التي لا تنام.. |
جلال: يا رب.. يا رب! |
نادية: يا رب.. يا رب! |
(يدخل الطبيب المداوي ومعه الدكتور فياض وخلفهم صادق وفادية ونارمين، وما أن يرى صادق والده حتى يسرع إليه وهو يقول): |
صادق: بابا.. بابا.. |
فادية: ماما.. ماما.. |
جلال
وحسيب: الحمد لله.. الحمد لله.. |
|