شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النجاة أو استجابة الدعاء
فادية: صادق.. صادق.. خذ.. أحمل…
(نسمع بكاء طفل وصوت صادق يقول):
صادق: يا إلهي.. يا فادية.. الريح شديدة.. والأمواج عالية..
فادية: إنها تكاد تبتلع سفينتنا يا أخي…
(نسمع اصطفاق الموج وارتطامه بالسفينة وصوت صادق يقول):
صادق: لا حول ولا قوة إلا بالله.. ليتنا لم نأخذ معنا ابنك ((فادي))..
فادية: ليتنا استمعنا إلى نصح صاحب الجزيرة الذي ألحّ علينا بعدم السفر في هذا الجو العاصف…
صادق: خشيت أن يدركنا الليل فيضطرنا للنوم بالجزيرة وليس فيها وسائل الراحة…
فادية: إنها خير من النوم الأبدي في قاع البحر…
صادق: هكذا قدر لنا ولا راد لقضاء الله وقدره.. انظري…
فادية: أنظر ماذا؟ إني لا أكاد أبصر شيئاً لقد عشيت عيناي من رذاذ الموج وهو يتكسر على جدار السفينة..
صادق: يجب أن نتجلد يا فادية ونصبر ونقابل هذه الشدة بشجاعة المؤمن الصابر…
فادية: لولا بقية إيمان بصدري لملأت أرجاء السفينة بعويلي وصراخي… صادق.. إن العاصفة تشتد والموج يعلو وكأنه موج فوقه موج.
صادق: إنه أسود من قوة الريح… فلنبتهل إلى الله نسأله النجاة والسلامة…
فادية: بل نسأله حسن الخاتمة فإني أرى أنه لا سبيل إلى النجاة…
(أبواق السفينة تذوّي، وصوت الربان من المايكرفون يقول)
الربان: إلى الداخل يا معشر الركاب.. إلى غرفكم.. لا تأخذكم الأمواج…
صادق: هيا يا فادية.. هيا..
فادية: هيا نتلو ما تيسر من آي الذكر الحكيم ونتشهد، فساعة الغرق وشيكة الوقوع…
صادق: تشجعي يا أختاه.. لا تخافي.. أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله…
(نسمع صوت انفجار قوي يعقبه صراخ النساء والأطفال وصوت الربان يقول):
الربان: ارتطمنا بحاجز صخري.. أنزلوا قوارب النجاة…
نسمع هدير الموج وزئير العاصفة وصوت صادق يقول:
صادق: فادية.. فادية.. أختاه.. أين أنت.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول ولا قوة إلا بالله…
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت نادية تقول):
نادية: يا ترى يا جلال.. هل وصلتك رسائل من فادية وصادق؟
جلال: يا نادية…
نادية: غريب وعجيب.. قلبي على ولدي انفطر وقلب ولدي من حجر..
جلال: يظهر أن المصيف الذي ذهبوا إليه ألهاهم بمناظره الجميلة.
نادية: يعني هل عجزوا عن إرسال ولو كرت بوستال فيه مناظر من البلد الذي هم حتى نشاركهم في الاستمتاع بمنظره…
جلال: الغائب حجته معه وربنا يجعله خيراً…
نادية: يا رب.. فتأخر رسائلهم يشغل بالي كثيراً حتى صرت أرى في المنام رؤيا وأحلاماً مزعجة…
جلال: إن هي إلا أضغاث أحلام يا نادية.. يمكن زودت عيار العشاء.
نادية: اللهم اجعله خيراً.
جلال: لا بد وأنهما مشغولان بالطفل ولا سيما نادية التي ازداد تعلقها به بعد أن ترمَّلت..
نادية: أجل كانت ترى فيه حبها الذي فقدته في حادث السيارة المشؤوم…
جلال: دنيا كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام… هيا بنا يا نادية..
نادية: إلى أين يا جلال؟
جلال: إلى بيت الأستاذ حسيب والد الدكتور فياض…
نادية: أأنت على موعد معه؟
جلال: بلى.. بلى..
نادية: إذن أمهلني ريثما أغيّر ملابسي..
جلال: وأنا أيضاً، فملابسي ليست ملابس خروج…
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الدكتور فياض يقول):
فياض: ما الرأي يا أبي…
حسيب: إنها كارثة بني فياض، أخشى على صحة جلال من وقعها…
فياض: ما العمل.. ووزارة الصحة التي وقع في بلدها الحادث قد وضعت صادق وأخته نادية في مستشفى الأمراض العقلية…
حسيب: والطفل…
فياض: غرق وجثته محفوظة في إحدى لثلاجات التابعة لوزارة الصحة هناك بانتظار حضور أحد من أهل المصابين أو دفن الجثة في حال عدم وجود أقارب لهم…
حسيب: لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنه حادث أليم.. لا أدري كيف يكون وقعه على جلال وزوجه…
فياض: أنا أخشى على خالتي نادية أكثر من عمي جلال.. فالرجل عادة أكثر تجلداً من المرأة في الشدائد…
حسيب: جلال وزوجه سيأتيان لزيارتنا هذا المساء فابق يا بني بجانبي فربما احتجنا لإسعافك…
فياض: سابقى بجانبك يا أبي… ولكن أرجو ألا تتردد في نقل الخبر إلى عمي جلال لأن وزارة الصحة كلفتني بذلك بصفتي أحد أقارب المصابين…
حسيب: سأفعل جهدي.. اللَّهم أعني.. وأنزل صبرك وسكينتك في قلبي جلال ونادية..
فياض: ربنا قدر ولطف يا والدي إذ حفظ صادق وناديه من الغرق…
حسيب: ولكن فقدان الذاكرة يا بني نوع من الموت إذ هما أشبه بالحي الميت… الذي لا أمل في شفائه…
فياض: هناك أمل في الشفاء، فالطب الحديث قد وجد علاجاً لكثير من الأمراض العصبية..
حسيب: أرجو أن يكتب لهما الشفاء فبعض الشر أهون من بعض…
فياض: المهم ندعو الله لخالتي وعمي بالصبر الجميل على مصابهما الأليم..
(يقرع جرس الباب فيقول حسيب):
حسيب: إنهما يا فياض.. أسرع واستقبلهما فإني أخشى أن ينقل الخادم لهما خبر الفاجعة..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت طبيب مستشفى الأمراض العقلية يقول):
الطبيب: شفيق كنت ربان السفينة وقيامك الفينة بعد الفينة بزيارة المريضين قد يفيد في إعادة الذاكرة إليهما…
شفيق: بأمرك يا حضرة الطبيب.. وسأضع نفسي تحت تصرفك…
الطبيب: شكراً.. شكراً..
شفيق: ماذا فعلتم بجثة الطفل الغريق…
الطبيب: ننتظر وصول أقارب المصابين هذا المساء…
شفيق: سؤال يا سيدي الطبيب وأرجو ألا أحرجك به…
الطبيب: قل وأوجز فوقتي ضيق…
شفيق: هل من أمل في شفاء المصابين؟
الطبيب: نحن الأطباء دائماً متفائلون..
شفيق: الحمد لله.. الحمد لله..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت حسيب يقول):
حسيب: الصبر جميل يا جلال فالله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. صدق الله العظيم (سورة الحج آية 34 - 35).
جلال: صدق الله العظيم.. سنصبر يا حسيب على ما أصابنا.. والحمد لله على كل حال..
حسيب: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على جماعة من صحابته فقال: أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا.. فقال عمر رضي الله عنه: نعم يا رسول الله.. قال: وما علامة إيمانكم؟ قالوا: نشكر على الرضاء ونصبر على البلاء ونرضى بالقضاء. فقال صلى الله عليه وسلم: مؤمنون ورب الكعبة…
نادية: اللَّهم ثبّتنا على الإيمان والامتثال لقضاء الله وقدره…
جلال: كيف وجدت صادق وفادية دكتور فياض؟
فياض: أنا شخصياً وكطبيب عندي أمل كبير في شفائهما…
نادية: والطبيب المداوي ماذا يقول؟
فياض: هو من الرأي نفسه يا عمتي..
حسيب: صدقني يا سيد جلال أنا أيضاً مع تأملي من المنظر الذي رأيت فيه صادق ونادية كنت أحس بأنهما سيشفيان بإذن الله…
جلال: يا ما أنت كريم يا رب…
فياض: والذي يبعث في نفسي التفاؤل هو الاستلطاف المتبادل بين صادق والممرضة عواطف..
ناديه: الممرضة عواطف من هي؟
فياض: هي ابنة ربان السفينة التي غرقت وهي ممرضة في هذا المستشفى.. لقد لاحظت أنها تعتني به عناية زائدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى رايت صادق يرتاح إلى وجودها بجانبه..
جلال: إذن أنت من أنصار القائلين بأن الحب يلعب دوراً كبيراً في شفاء بعض الأمراض…
فياض: ولا سيما في حالات الأمراض العقلية…
ناديه: أرجو أن يحقق الله مرئياتك يا بني…
فياض: هيا بنا يا عمتي نزور فادية، فوجودك بجانبها قد يفعل فعل السحر…
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت حسيب يقول):
حسيب: وأنا مطمئن يا جلال بأن الحب الذي بدأت أمائره تظهر على ولدي الدكتور فياض والراحة التي تشيع في محيا فادية عندما تراه سيكون له الأثر الكبير بعون الله في شفائها…
جلال: ماذا أقول سوى يا رب…
حسيب: جلال أرى الربان شفيق في طريقه إلينا…
جلال: إن الرجل جزاه الله خيراً لا يتركنا منذ قدمنا إلى بلاده.. لقد كان وما يزال لنا نعم الدليل والمساعد الأمين..
حسيب: أمة محمد إلى خير يا جلال…
شفيق: السلام عليكم…
حسيب وجلال: وعليك السلام يا سيد شفيق…
جلال: هل من جديد؟
شفيق: تجدد الأمل في شفاء المريضين بإذن الله…
حسيب: من أين علمت؟
شفيق: من ابنتي نرمين المسؤولة عنهما…
جلال: الله يبشرك بالخير…
حسيب: والآن ما هو برنامجنا اليوم يا شفيق..
شفيق: سنذهب لزيارة السفارة لشكرها على ما قدمته من مساعدة لكما في الحادث الأليم…
جلال: كأنك تقرأ ما بخاطرنا يا شفيق.. بورك فيك..
شفيق: هيا بنا…
حسيب: ألا تريد أن ترى ابنتك نرمين..
شفيق: لقد كنت عندها قبل مجيىء إليكما..
جلال: إذن هيا بنا إلى السفارة…
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت فياض يقول):
فياض: كم أنا مسرور يا عمتى من التقدم الذي طرأ على صحة فادية…
نادية: أي تقدم يا دكتور فياض وأنا أراها كما هي منذ مجيئنا هنا.. حتى الكلام لا تتكلم…
فياض: كيف يا عمتي لا تتكلم..
نادية: إنها تخلط شعبان برمضان والسبت بالجمعة..
فياض: هذا صحيح ذلك لأنها لا تعي ما تقول.. ولا يرتسم في ذاكرتها شيء مما تقولين حتى تجيب عليه فهي أشبه بالعجماوات…
نادية: وأمي إلى متى ستظل على هذه الحال.
فياض: الله يعلم يا عمتي ولكن…
نادية: ولكن ماذا؟
فياض: بدأت فادية بالكلام بعدما كانت لا تتكلم أبداً كما أخبرني الطبيب المعالج - إن دل فإنما يدل على تحسن في الوضع..
نادية: وصادق ما رأي الطبيب المعالج فيه..
فياض: إنه يأمل بعد أن تتحسن صحة صادق وأخته فادية أن يقوم بتجربة عليهما يعتقد أنها بإذن الله ستعيد إليهما ذاكرتهما المفقودة.
نادية: أأنت واثق يا فياض من مقدرة الطبيب المداوي؟
فياض: بكل تأكيد هو من الأطباء القلائل المختصين والمتمكنين من عملهم…
نادية: ربنا يكتب لهما الشفاء على يديه… هل ستشترك مع الطبيب المعالج؟
فياض: نعم يا عمتي وكذلك…
نادية: وكذلك من؟
فياض: نارمين الممرضة..
نادية: نارمين ابنة الربان شفيق…
فياض: نعم يا عمتي..
نادية: لماذا؟
فياض: هذا سر المهنة يا عمتي..
نادية: هل عند والدك وعمك جلال علم بهذه التجربة المرتقبة…
فياض: أجل أجل…
نادية: وما هو نوع التجربة يا بني؟
فياض: هذا وأيضاً سر من أسرار المهنة.. المهم…
نادية: المهم ماذا؟
فياض: الدعاء لله بأن يكتب التجربة النجاح…
نادية: هذا ما أدعو به ليل نهار…
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الطبيب المعالج يقول):
الطبيب: شفيق.. شفيق..
شفيق: نعم يا دكتور…
الطبيب: هل أنت مستعد… وهل كل شيء جاهز لهذه التجربة؟
شفيق: أجل يا سيدي…
الطبيب: والدكتور فياض هل جهَّز نفسه؟
شفيق: بلى وسبقنا إلى المكان ومعه فادية..
الطبيب: وصادق..
شفيق: أخذته ابنتي الممرضة نارمين إلى المكان نفسه..
الطبيب: إذن لم يبق إلا أنت وأنا…
شفيق: أجل…
الطبيب: أمتأكد من أن كل شيء على ما يرام..
شفيق: كل التأكيد يا سيدي..
الطبيب: توكلنا على الله…
شفيق: توكلنا على الله…
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت جلال يقول):
جلال: لقد طال وقت التجربة يا حبيب وقد بدأت أشعر بالقلق…
حسيب: أعتقد أنه لا موجب للقلق…
نادية: كيف يا أخي ولا سيما ونحن لا نعرف نوعية التجربة…
حسيب: كوني مطمئنة فالله سيكلؤهم بعين عنايته التي لا تنام..
جلال: يا رب.. يا رب!
نادية: يا رب.. يا رب!
(يدخل الطبيب المداوي ومعه الدكتور فياض وخلفهم صادق وفادية ونارمين، وما أن يرى صادق والده حتى يسرع إليه وهو يقول):
صادق: بابا.. بابا..
فادية: ماما.. ماما..
جلال وحسيب: الحمد لله.. الحمد لله..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :997  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 63
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج