الابن العاق |
رائده: لقد أوتي حماد صبر أيوب يا ماجده… |
ماجده: أجل يا رائده إنه كما قلت.. لقد عشت طوال الخمس عشرة سنة على أحر من الجمر.. لا ليلي ليل ولا نهاري نهار… |
رائده: معك الحق يا أختاه، فقد كان أهلك وصديقاتك يشفقن عليك، أما عدواتك فكن ينثرن كل مدة شائعات زواج حماد.. بل ويمعن في القول فيذكرن اسم الزوجة المرشحة… |
ماجده: وأخيراً شاءت إرادة الله أن تقطع ألسنتهن فأكرمتني بهذا المولود… |
رائده: جعله الله من أبناء السلامة وأقر به عيون والديه… |
ماجده: يا رب.. شكراً لك يا أختاه… |
رائده: يجب أن تعرفي يا ماجده هذه الحقيقة وتضعيها نصب عينيك… |
ماجده: ما هي يا رائده؟ |
رائده: لولا غلاوتك على حماد وحبه الخالد لك ما صبر خمس عشرة سنة بدون أن يرزق منك طفلاً… |
ماجده: إنه من الرجال النوادر… |
رائده: يجب أن تحرصي عليه أشد الحرص.. فإنه جوهرة نادرة بين الرجال.. أنظري إلى.. |
ماجده: أعرف يا رائده، لقد تزوج عليك زوجك ثلاث نساء لأنك لا تلدين له إلا البنات كأنك أنت التي تصنعينهن بيدك… |
رائده: أجل إنه لا يذكر قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ. صدق الله العظيم (الشورى آية 49 - 50). |
ماجده: صدق الله العظيم.. لقد ذكرتني بقول الشاعرة.. |
رائده: ماذا قالت: |
ماجدة: |
ما لأبي حمزة لا يأتينا |
يظل في البيت الذي يلينا |
غضبان ألاَّ نلد البنينا |
تالله ما ذلك في أيدينا |
فنحن كالزرع لزارعينا |
ننبت ما قد غرسوه فينا |
|
(نسمع صوت الطفل تتخلله موسيقى نسمع بعدها صوت الشيخ بشير يقول): |
رائده: أجل، لقد كان حالها كحالي اليون إن لي بها أسوة، والآن أستاذنك… |
ماجده: ألا تريدين أن تحضري حفل التسمية… |
رائده: إن شاء الله سأحضره… ربنا يجعله من طويلي الأعمار وألف مبارك.. وإلى اللقاء.. |
ماجده: الله يبارك فيك، إلى اللقاء… |
بشير: ها يا حماد… مبارك الوافد الجديد.. قدوم خبر إن شاء الله… |
حماد: الله يبارك فيك يا شيخ بشير… |
بشير: ماذا أعزمت أن تسميه يا حماد.. |
حماد: لا أدري، ولكني سأترك لعمه الشيخ يوسف ليسميه… |
بشير: أو تترك لأمه أن تختار، ففي أيامنا هذه الست هي التي تختار عادة… |
حماد: ماذا تعني.. هل النساء أصبحن قوامات على الرجال؟ |
بشير: لا يا حماد.. ولكني أرجح أن لوالدة الطفل دالة كبيرة عليه… |
حماد: كيف عرفت هذا يا شيخ بشير… |
بشير: صبرك عليها خمس عشرة سنة من دون وليد أكبر دليل… |
حماد: الصبر حصيلة الإيمان والحمد لله.. لقد كنت أعتقد أن العاطي هو الله والرازق هو الله والمولود عطية منه وقد شاء فله الحمد والشكر أن يكرمني بهذه النعمة… |
بشير: بالشكر تدوم النعم يا حماد… بورك فيك… |
حماد: ثم إني أنا أو زوجي ليس بيدنا شيء، فلماذا لا أصبر وهي نعم الزوجة الوفية العليمة بواجبها نحو زوجها… |
بشير: بورك لكما في حياتكما الزوجية وأقر الله عينيكما بالمولود السعيد.. فارجو أن تحسنا تربيته… |
حماد: بالطبع يا شيخ بشير… |
بشير: وإلا يكون الحرمان الطويل سبباً في انتهاج سياسة الدلع والتدليل… |
حماد: أجل أجل… |
بشير: فالحصول على الشيء بعد طول الانتظار قد يعمي الأبصار عن جادة الصواب، فأرجو أن يلهمكما الله طريق الرشاد والسداد… |
حماد: اللَّهم آمين… |
بشير: أستاذن يا حماد… |
حماد: لا تنس أنك مدعو لحضور حفل التسمية… |
بشير: إنني كثير النسيان فعسى أن تذكرني… |
حماد: إن الحفل غدا بعد صلاة العشاء متصلاً… |
بشير: سأحضر مع الشيخ يوسف بإذن الله… سلام عليكم… |
حماد: وعليكم السلام.. وفي حفظ الله وأمانه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت رائدة تقول): |
رائده: أتذكر يا توفيق… |
توفيق: أي شيء يا رائده… |
رائده: حماد وولده وحيد.. |
توفيق: ماذا دهاه؟ |
رائده: كبر وكبرت معه مشاكل حماد وزوجه ماجده… |
توفيق: هل من جديد؟ |
رائده: أنت تعرف أن وحيد خلق وفي فمه ملعقة من ذهب كما يقول المثل… |
توفيق: بلى.. بلى.. |
رائده: وقد أفرط والداه في تدليله حتى شب سليط اللسان شرس الأخلاق،.. |
توفيق: هذا ما لاحظته يا رائده على وحيد.. إنه لا يتورع عن إهانة والده أمام الناس إذا لم يستجب لطلباته.. أو حتى إذا أغلط وسأله مرة عن عدم مواظبته على المدرسة.. |
رائده: هذه نتيجة الحنان القاتل.. كم مرة نصحت ماجده بأن تضغط على أعصابها فتقسو على ولدها فكانت تجيبني.. أتدري بماذا؟ |
توفيق: لا… |
رائده: ما شافْتَكْ يا نون حتَّى شابت العيونْ… |
توفيق: كنت أظن أن حماد هو الذي كان يدلل ابنه وحده.. إذن، فهما مشتركان في الجريمة وعليهما أن يتجرعا هذه النتيجة حتى الثمالة.. |
رائده: ولذلك قللت من زيارتي لماجده لأني رأيتها تتضابق من نصائحي لها… |
توفيق: كثير من أصدقاء حماد تجافوه لأنهم كانوا لا يتحملون غلاظة ابنه وحيد، إن بذاءة لسانه لا يسلم منها كل من زار والده.. وأنا منهم لقد أهانني مرة فكدت أضربه ولكني تمالكت زمام أعصابي.. |
رائده: سوف يجلب على والديه الدمار والخراب… |
توفيق: سمعت أن الشيخ يوسف أخا حماد قد تخاصم معه من أجل هذا الولد لأنه زجره أمام حماد الذي وقف بجانب ولده ضد أخيه الأكبر فما كان من هذا إلا أن أقسم ألا يدخل لها داراً… |
رائده: وقد علمت من زوجه أنهم ينوون مغادرة البلدة… |
توفيق: إلى أين؟ |
رائده: إلى بلد زوجته فله فيها تلامذة ومريدون كثيرون تدبروا له عملاً مجزياً في بلدتهم… |
توفيق: لا حول ولا قوة إلا بالله.. لقد خسر هذا البلد شيخاً فاضلاً تقياً ورعاً… |
رائده: وخسرت أنا شخصياً زوجته الصديقة الوفية… |
توفيق: وقد علمت أن شلة من قرناء السوء قد التفوا حول وحيد وأنه يسهر معهم ليلياً سهرات صاخبة حمراء… |
رائده: شيء مؤسف ومحزن يا توفيق ليتهم لم يرزقوه… |
توفيق: ندعو الله لابنهما ولهما بالهداية والرشاد… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت حماد يقول ): |
حماد: إنني حزين ومغتم يا شيخ بشير… |
بشير: لقد ارتكبت خطأ لا يغتفر… |
حماد: لا أدري كيف أكفر عنه… |
بشير: تذهب إلى أخيك الأكبر ومعك ابنك وحيد وتسترضيانه.. |
حماد: أخشى أن يصدنا لأنك تعلم أنه عصبي المزاج… |
بشير: لا أظن يا حماد.. المهم أن تسرع في الذهاب وإذا رأيت… |
حماد: رأيت ماذا؟ |
بشير: أن أذهب معك فأنا على أتم الاستعداد… |
حماد: على كل حال يسعدني أن تذهب معاً.. |
(يدخل وحيد وهو يقول ): |
وحيد: نذهب إلى أين يا أبي؟ |
حماد: إلى عمك يوسف… |
وحيد: ولماذا؟ |
بشير: تقول لماذا يا وحيد؟ |
وحيد: أنا لم أوجه إليك الكلام يا عم بشير، إني أكلم أبي… |
حماد: ما هذا الكلام يا وحيد.. عيب يا ولد… |
وحيد: وأي شيء قلته حتى تعيبه؟ لقد تدخل في الحديث بيني وبينك وليس من شأنه أن يتدخل بين والد وولده… |
حماد: ولكنه مثل أبيك وأعز… |
وحيد: أنا آسف يا عم بشير… |
بشير: لا تأسف يا وحيد، فالحق عليَّ لأني تدخلت فيما لا يعنيني… |
حماد: لا تؤاخذه يا شيخ بشير وأرجو عفوك عما صدر منه… |
وحيد: ولم كل هذا يا أبي؟ أنا لم أقل شيئاً يغضب العم بشير… |
بشير: لا.. أنت معصوم من الخطأ.. وأنا المخطىء.. سلام عليكم… |
حماد: يا شيخ بشير.. أرجو أجلس ولا تؤاخذ ابني.. ارجع… |
بشير: عندما تحسن تربية ابنك وتأديبه… |
وحيد: إنني مؤدب يا عم بشير… |
حماد: وحيد… وحيد.. أسكت يا وحيد.. عد من فضلك يا شيخ بشير.. أرجوك.. أرجوك.. |
بشير: سألحق بأخيك يوسف ولن أعيش في بلد تعيش فيه مع هذا الولد السفيه… |
وحيد: مع السلامة.. يا شيخ بشير… |
حماد: لا حول ولا قوة إلا بالله.. لقد فقدنا بسببك يا وحيد أخاً كريماً وصديقاً عزيزاً.. ربنا يهديك… |
وحيد: راح يا أبي راح.. ستجد في البلد كثيرين غيره… |
(تدخل ماجدة وهي تقول): |
ماجده: ماذا جرى يا أبا وحيد؟ |
حماد: سلمي ابنك يا أم وحيد… |
ماجده: ماذا فعلت يا بني… |
وحيد: لم أفعل شيئاً يا أماه… |
حماد: لقد أغضبت الشيخ بشير فخرج وأقسم ألا يعود حتى نحسن تربية وحيد… |
وحيد: كنت سأرد عليه بجواب قاسٍ، ولكني أكرمته من أجلك.. أنا ذاهب للسهر مع أصحابي.. هات يا أبي.. هاتِ يا أماه… |
ماجده: هل أنفقت كلما أعطيناك… |
وحيد: وكم أعطيتني؟ |
ماجده: عشرون جنيهاً… |
حماد: وأنا مثلها… |
وحيد: إذا لم تعطياني قتلت نفسي وأرحتكما مني… |
ماجده: لا.. لا.. يا ولدي.. خذ.. |
حماد: وهذه مني أنا، مع السلامة.. إياك أن تتأخر حتى تستطيع الذهاب للمدرسة غداً… |
وحيد: كل يوم مدرسة.. كل يوم.. غداً راحة لأني سأسهر الليلة مع اصحابي… تصبحون على خير… |
ماجده: مع السلامة، ربنا يهديك… |
حماد: احرص من السواقة بسرعة فاطرق مزدحمة… |
(يذهب وحيد فتقول ماجده): |
ماجده: لقد أفلت زمام الأمر من يدي ويدك. سيضيع وحيد في زحام الحياة وسوف يلعننا الناس لأننا لم نحسن تربيته… |
حماد: أترانا نستطيع إصلاحه بعد أن شب عن الطوق… |
وحيد: يجب أن تتدبري هذا المبلغ من أرض، من سماء.. لو كان أبي حياً ما أحوجني إلى وجهك الزفت.. |
ماجده: وجهي أنا أمك زفت.. أهذا جزاء تربيتي وصبري الطويل… |
وحيد: لا تكثري من الكلام.. إذا ما عندك (مصاري) هات مصاغك وجواهرك… |
ماجده: من أين لي يا حسرة… |
وحيد: إنها في هذه الخزنة الحديدية.. هاتها بالمعروف وإلا حطمت الخزنة… |
ماجده: سوف تندم على أعمالك حين لا ينفع الندم… |
وحيد: الله الله يا ستنا الشيخة، هات الفلوس وإلا كسرت الخزينة وكسرت… |
ماجده: وكسرت ماذا.. رقبتي.. ليتك تفعل لأني أستحق ذلك.. أستحق جزاء جنايتي وسوء تربيتي لك… |
وحيد: هات أحسن لك يا شيخة.. أعصابي أصبحت لا تتحمل… |
ماجده: خذ لا بارك الله لك أيها الابن العاق… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت توفيق يقول): |
توفيق: أسمعت آخر الأخبار يا شيخ بشير…؟ |
بشير: عن أي شيء…؟ |
توفيق: عن وحيد أبن المرحوم حماد… |
بشير: ماذا عنه؟ |
بشير: ماذا عنه؟ |
توفيق: شوهد على أحد أبواب المساجد وهو يستجدي ويقول: |
بشير: يقول ماذا؟ |
توفيق: تصدقوا علي فأنا من قد عرفتم… |
صوت
صادر
من
مكان
بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. صدق الله العظيم (الأحقاف آية 15). |
|