أنوار اليقين |
توفيق: أين رأيت فؤاد آخر مرة يا فريد؟ |
فريد: في مقهى النجوم على شاطىء البحيرة.. |
توفيق: إنه مقهاه المفضل.. |
فريد: حقاً أنه مقهى جميل ورواده من الطبقة الممتازة.. |
توفيق: ولكن أسعاره خيالية.. جنونية!.. |
فريد: أسعاره المرتفعة هي للاحتفاظ بصفوة من الزبائن متقاربة الأذواق متجانسة الطباع.. المهم.. |
توفيق: المهم ماذا؟ |
فريد: أن نصطاد (فؤاد) لنضع معاً برنامج رحلة الصيف القادم.. فرحلات الصيف من دون فؤاد ليس لها لون ولا طعم. |
توفيق: إن مقهى النجوم هو خير مكان للقبض عليه.. |
فريد: هذا صحيح، ولكني لا أعرف بالضبط مواعيد ارتياده للمقهى.. |
توفيق: رقم تليفونه عندي.. |
فريد: صح النوم.. |
توفيق: ماذا تقول؟ |
فريد: فؤاد عنده تليفون سري يا حبيبي.. |
توفيق: غير ممكن.. لأن مركزه لا يعطيه حق استعمال تليفون سري.. قل مثلاً.. |
فريد: أقول ماذا؟ |
توفيق: قل إن (فؤاد) ليس لديه تليفون في منزله في الوقت الحاضر أو بالأحرى لم تركب له مصلحة البريد والهاتف تليفوناً في فيلته الجديدة.. |
فريد: أحسن طريقة هي مهاجمته في الفيلا.. نزوره مباركين وتكون فرصة للتحدث عن برنامج الصيف.. |
توفيق: ولكني أحس أن (فؤاد) بدأ يثاقل منا ومن صحبتنا وصار يقلل زيارته لنا بل ويتهرب منا في بعض الأحايين.. |
فريد: ربما دخل واش بيننا.. |
توفيق: لا يستبعد يا فريد فما أكثر الواشين.. إنهم يصطادون في الماء العكر.. |
فريد: أجل، ولقد حذرنا الله سبحانه وتعالى منهم حيث يقول وهو أصدق القائلين: |
بسم الله الرحمن الرحيم، وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ صدق الله العظيم (سورة القلم: الآية 10 - 12). |
توفيق: على كل حال يجب أن نعرف أسباب التحول في صداقة فؤاد لنا.. |
فريد: هيا بنا، فالوقت الآن مناسب لزيارته في فيلته الجديدة.. |
توفيق: ألا يحسن أن نأخذ معنا هدية للمنزل الجديد؟.. |
فريد: وهو كذلك.. هيا بنا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سها تقول): |
سها: ما بك يا عفاف تلهثين.. هل تشكين من شيء؟ |
عفاف: لا أشكو من شيء والحمد لله ولكني أسرعت إليك حين هاتفني أخي فؤاد قائلاً: إنك طريحة الفراش… |
سها: آسفة لإزعاج فؤاد لك.. حقاً كنت متعبة حين هاتفك أخوك، فقد أصبت فجأة بدوار شديد في رأسي وغثيان في نفسي.. |
عفاف: ألم يستدع أخي أي طبيب لمعالجتك؟ |
سها: بلى يا عفاف.. لقد استدعى على عجل طبيب العائلة الذي كشف علي وقال.. |
عفاف: قال ماذا؟ |
سها: إنه يشتبه إني حامل.. وقد أخذ عينة من دمي لزرعها حتى يتأكد من ذلك.. |
عفاف: ألف مبروك يا سها.. ألف مبروك.. |
سها: الله يبارك فيك.. ربنا يجعل قدومه خيراً وبركة.. |
عفاف: اللَّهم آمين.. أنا استأذن.. |
سها: غير ممكن بعد ساعة يعود فؤاد من عمله فكيف تذهبين؟.. |
عفاف: وحسان وتوفيق سيعتني بهما في غيابي يا سها.. |
سها: الخادم عثمان.. |
عفاف: ولكنك تعلمين أني لا أعتمد على الخدم مهما كانوا على مستوى عالٍ من الأخلاق والكفاية، فما حك جلدك مثل ظفرك. |
سها: الحق معك يا عفاف، فحوادث الخدم أصبحت حديث الناس في هذه الأيام.. |
عفاف: ألف مبروك يا سها وعقبال ما نجى ونشرب كراوية المولود.. |
سها: ألف شكر يا عفاف.. |
عفاف: في أمان الله.. |
سها: في أمان الله وحفظه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت فؤاد يقول): |
فؤاد: وهذه هي الحكاية من طقطق لسلاموعليكم.. |
فريد: إذن فظنوني كانت في محلها يا توفيق.. |
توفيق: قاتل الله الواشين والمفسدين.. |
فريد: ولكن الله لا يصلح عمل المفسدين.. |
فؤاد: والله لا يحب المفسدين.. |
توفيق: الحمد للَّه يا فؤاد.. لقد أحبطنا عمل المفسدين بعد أن كادوا يهدمون صرح ودنّا وإخوتنا.. |
فريد: وألف مبروك على الفيلا الحلوة ربنا يجعلها قدم سعد وخير.. |
توفيق: الحمد لله قدمها خير وبركة يا فريد ففؤاد ينتظر حادثاً سعيداً. |
فريد: منزل مبارك ومولود مبارك إن شاء الله.. ولكن كيف عرفت ذلك يا توفيق؟ |
فؤاد: من أختي عفاف ولا شك، فقد هاتفتها وطلبت منها أن تزور سها لأنها كانت متعبة.. |
فريد: يا سيدي نكرر التهاني وندعو الله للجميع بالصحة والعافية واليمن والإقبال.. |
فؤاد: شكراً ربنا يتقبل منك الدعاء… |
فريد: يا رب.. اسمعوا يا جماعة.. صحيح أن الله رد كيد الواشي إلى نحره ولكن.. |
توفيق: ولكن ماذا؟ |
فريد: هل نترك هذا الواشي مطلق الحرية يكيد لهذا وينمّ لذاك.. أو يجب علينا أن نحذر من نعرف منه… |
فؤاد: أنا أرى أن نحذر من نعرف أو لا نعرف منه وأن نسرد مكيدته لنا في كل مجلس نجلس إليه… |
فريد: رأي سديد وردع وزجر شديد للمشأين أمثاله.. |
توفيق: كلام جميل وصلنا إلى نهاية حسنة بشأنه والحمد لله.. والآن. |
فؤاد: والآن ماذا؟ |
توفيق: الصيف على الأبواب.. فما رأيك يا فؤاد؟ |
فريد: تسأله رأيه بل قل له: اخرج لنا من جعبتك العامرة برنامجاً رائعاً يفوق برامج الصيف السابقة. |
فؤاد: إنكم تضعون على كاهلي الضعيف مسئولية لا أستطيع حملها.. |
فريد: قدها وقدود يا فؤاد كما يقول المثل أليس كذلك يا توفيق؟ |
توفيق: أنا شهادتي مجروحة في فؤاد لأنني نسيبه ولكن الشهادة لله إنك يا فؤاد خير حاذق في وضع البرامج.. |
فؤاد: شكراً على هذه الثقة وسأفكر وأعرض.. |
فريد: والآن نستأذن.. |
فؤاد: غير ممكن إلا بعد العشاء على روف الفيلا.. |
توفيق: إذن من فضلك قل لعفاف.. |
فؤاد: وما يدريك أن عفاف هنا.. |
فريد: إذن فاسمح لي أن أكلم أم سامي.. |
فؤاد: (ضاحكاً) أم سامي.. إنها هنا تحضر لنا الدجاج المشوي على الطريقة اللبنانية.. |
فريد: أما قلت لك يا توفيق إن (فؤاد) صانع البرامج.. |
توفيق: وليس المقالب (يضحكون).. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سامي ابن فريد يقول): |
سامي: أقول لك الحق يا حسان أنا غير مرتاح للسفر في هذا الصيف. |
حسان: ولم هذا التشاؤم يا سامي والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يقول: لا عدوى ولا طيرة في الإسلام.. |
سامي: أنا لا أؤمن بالتشاؤم ولا التفاؤل بل أؤمن بقضاء الله وقدره فما قدره الله كائن ولا راد لقضائه ولكن.. |
حسان: ولكن ماذا؟ |
سامي: لا أدري يا أخي، عندي إحساس ضد هذه الرحلة وقلبي منقبض من جهتها.. |
حسان: لا يا سامي يجب أن تنزع هذا الإحساس من صدرك وتنظر لهذه الرحلة بالمنظار الأبيض لا المنظار الأسود ولا سيما والرحلة إلى… |
سامي: إلى أي بلد.. |
حسان: إلى تركيا.. إلى استانبول عروس الدردنيل.. إلى المدينة الغنية بمساجدها وآثارها الإسلامية الخالدة.. |
سامي: على كل حال ارتياحي أو عدم ارتياحي لا يؤثر شيئاً على برنامج الرحلة الذي وضعه عمي فؤاد وتفنن في وضعها كعادته.. |
حسان: هذا صحيح، ولكني أريد أن تذهب معنا في هذه الرحلة وأنت منشرح الصدر مبتهج الخاطر.. |
سامي: سأحاول يا حسان.. سأحاول.. ها هي والدتك قادمة، فلننتظم في مذاكرتنا ونترك الأمر لبادىء الكون.. |
حسان: صدقت فالشاعر يقول: |
دع المقادير تجري في أعنتها |
ولا تبيتن إلا خالي البال |
ما بين غمضة عين وانتباهتها |
يغير الله من حال إلى حال |
|
(تدخل عفاف وهي تقول): |
عفاف: ها يا شباب كيف الهمة.. الامتحانات قربت.. شدو حيلكم.. وجيبوا نتائج كويسة حتى تتهنوا بصيفيتكم.. |
حسان: إن شاء الله يا ماما.. ادعي لنا.. |
عفاف: الدعاء لكم منا في كل الأوقات.. والعمل مطلوب منكم.. |
سامي: كوني مطمئنة يا خالتي سنعمل بكل ما لدينا من جهد وطاقة ومن الله التوفيق.. |
عفاف: ربنا معاكم.. لن أعطلكم عن المذاكرة.. أنا رايحه.. تريدو حاجة.. |
سامي: سلامتك يا خالتي ودعاءك الدائم.. |
عفاف: ربنا يوفقكم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت فريد يقول): |
فريد: مبارك المولود ربنا يجعله من أبناء السلامة ويعيش ويتربى في حياة والديه.. |
فؤاد: الله يبارك فيك يا فريد عقبال ما تشوف أحفادك.. |
فريد: شكراً.. ولقد أحسنت بتسميته (محمد) فخير الأسماء ما حمد وعبد.. |
فؤاد: ربنا يجعله محموداً عند الله وعند خلقه.. |
فريد: آمين يا رب.. قل لي يا فؤاد.. |
فؤاد: تفضل.. |
فريد: أتظن الرحلة سوف لا تؤثر على ابنك ولا سيما وهي رحلة طويلة. |
فؤاد: سأرسل زوجتي مع ابنها بالطائرة إلى استنبول حيث يكون في استقبالها قريب لها هنالك.. أما نحن فسنتوجه بالسيارات.. |
فريد: نعم الرأي يا صديقي.. لقد كنت مهتماً بالأمر وكنت مشفقاً على الطفل وأمه حتى راودتني نفسي أن أحملك على العدول عن الرحلة هذا الصيف.. |
فؤاد: المواصلات اليوم مريحة وميسورة ويمكن للمرأة أن تسافر بوليدها الذي لم يبلغ السبعة أيام وهي مطمئنة بإذن الله إلى سلامته.. |
فريد: إذن، متى سيكون موعد الرحلة بالضبط.. |
فؤاد: تحديد موعد الرحلة يتوقف على ظهور نتائج أولادكم الذين سيتقدمون لامتحان التوجيهية… |
فريد: هذا يعني أننا سنتأخر شهراً على الأقل بعد انتهاء الامتحانات وأنا أرى.. |
فؤاد: ترى ماذا؟ |
فريد: أرى أن نتوجه بمجرد انتهاء امتحانات أولادنا ولا تنتظر النتائج.. |
فؤاد: هذا يعود لك ولتوفيق وأنا مستعد لتنفيذ ما تتفقان عليه.. |
فريد: حسناً.. سوف أتشاور مع توفيق وأتصل بك في أقرب وقت ممكن.. أما الآن فأستودعك الله.. |
فؤاد: مع السلامة وإلى اللقاء. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى صاخبة تختلط بزئير العاصفة وقصف الرعد والبرق وانهمار المطر.. نسمع بعدها صوت توفيق يقول): |
توفيق: العاصفة شديدة يا فؤاد والمطر كأفواه القرب والبرق يخطف الأبصار ولا أرى بصيصاً لأنوار قرية أو مخفر وأخشى.. |
فؤاد: تخشى ماذا يا توفيق؟ |
توفيق: مفاجأة السيول يا فؤاد.. |
فؤاد: ولكن المنطقة التي نسير فيها ليست منطقة سيول.. |
فريد: هل المسافة بيننا وبين اقرب قرية أو مدينة بعيدة؟ |
فؤاد: على الأقل نصف ساعة.. |
توفيق: يا إلهي! إنها مسافة طويلة في هذا الجو العاصف.. |
فريد: لقد أحسنت صنعاً يا فؤاد بإرسال زوجتك وطفلها بالطائرة.. |
فؤاد: لو علمنا كنا أرسلنا أيضاً معها زوجتك وزوجة توفيق.. |
توفيق: قل لا يعلم الغيب إلا الله.. المهم ربنا يكتب لنا السلامة.. |
(يزداد هزيم الرعد والصواعق وانهمار المطر.. نسمع بعدها صوت سامي يقول): |
سامي: أما قلت لك يا حسان إني غير مرتاح إلى هذه الرحلة.. |
حسان: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وهذه سحابة صيف عما قريب تنقشع.. |
سامي: سحابة صيف.. وإذا داهمتنا السيول.. |
حسان: الله ينجينا منها ومن كل كرب.. ألا تذكر الآية الكريمة في سورة الأنعام: |
سامي: أي آية ياحسان، فالبرق خطف بصري والرعد أصم أذني والخوف استولى على كل تفكيري.. قل ما هي الآية؟ |
إحسان: بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ صدق الله العظيم (الأنعام: آية 63 - 64). |
فؤاد: يا أخوة ويا أخوات، أدع الله ينجينا من هذا الكرب العظيم.. قولوا يا رب.. يا رب.. |
(نسمع أصوات الركاب وهم يقولون يا رب والموسيقى نسمع بعدها صوت توفيق يقول): |
توفيق: انظروا يا أخوة.. انظروا.. تلك أنوار قرية أو مدينة.. لقد جاء الفرج.. |
فريد: نعم وتقبل الله منا الدعاء، فها هي العاصفة تهدأ والمطر يكف قولوا معي: يا أخوة ويا أخوات: الحمد لله.. الحمد لله.. |
الجميع: الحمد لله.. الحمد لله.. |
|