شرب الخمر |
مها: رباه.. إلى متى يظل مجدي سادراً في دروب الجهالة والغواية والفسق والفجور. |
هاني: ماما.. ماما.. |
مها: حبيبي هاني.. ألا تزال ساهراً.. نم يا حبيبي.. نام.. سهرت عليك العناية. |
هاني: وأنت يا ماما.. أتبقين هكذا ساهرة حتى الصباح.. لا تنامين. |
مها: أنا أنتظر عودة أبيك يا هاني. |
هاني: وأين يسهر والدي إلى هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ |
مها: لا بد وأن لديه بعض الأعمال الهامة سهر حتى ينجزها. |
هاني: ولكتي أتسأل يا أماه؟ |
مها: تتساءل عما ذا يا بني؟ |
هاني: هل أعمال والدي تتطلب أن يسهر الليل وينام النهار. لما لا يكون العكس يا أباه؟ |
مها: هذا قدر خطة والدك بيديه. |
هاني: وأنت ما ذنبك يا أماه حتى تسهري بالليل لتواصلي العمل بالنهار.. أنظري إن صحتك تنتقل من سيء إلى أسوأ... إني أخشى عليك يا أماه.. أخشى عليك... |
مها: لا تخف يا حبيبي فالله سيدني بعونه وقوته حتى أستطيع الصعود أعلم المكتوب الذي قدر لنا... |
هاني: ولكن هذا المكتوب أو القدر تقولين أن والدي قد خطه بيديه.. فلماذا تكونين الضحية أو كبش الفداء... |
مها: مسؤولية الزوجية تتطلب كثيراً من التضحية.. |
هاني: ولماذا تكون التضحية من الجانب الضعيف؟ |
مها: هذه قسمتي ونصيبي يا بني... |
هاني: هيا يا أباه تعالي... نامي... فقد بدأت في الأفق تباشير الفجر... |
(نسمع قرع جرس الباب وأصواتاً غامضة فتهرع مها لفتح الباب وقبل أن تفتحه تقول): |
مها: من بالباب؟ |
هاني: ماما.. لا تخافي.. أنا معك... |
حمدي: أنا حمدي يا أم هاني.. افتحي بسرعة... |
هساني: أنا أفتح الباب.. اختبيء يا ماما... |
(يفتح الباب فيدخل حمدي وفريد وهما يعضدان وجدي فيقول هاني): |
حمدي: أسكت يا هاني والدك لا يحتاج إلى مستشفى.. أنك تعرف دواءه... |
هاني: حسناً... ساعدونا على ادخاله إلى غرفة نومه... |
(نسمع صوت وجدي وهو يبذي كما يبذي السكارى صوت وقوعه على السرير وأخيراً صوت حمدي يقول): |
حمدي: أدفووه لعله ينام.. سلام عليكم... |
هاني: وعليكم السلام شكراً يا عمي حمدي... مع السلامة... |
(نسمع صوت هذيان وجدي فتلتفت مها إلى هاني وتقول): |
مها: اذهب إلى فراشك يا هاني وسأتولى أنا العناية بأبيك... |
هاني: وكيف أتركك وحدي ووالدي على هذه الحال؟ |
مها: ولكني تعودت على هذه الحال من سنين يا بني... |
هاني: من سنين يا ماما ووالدي مصاب بهذا المرض.. لماذا لم يتداوى؟ |
مها: إنه قدر خطه بيديه... |
هاني: والله ما أنا فاهم ما تقولين... |
مها: نم يا بني فالسهر قد أتعبك ووراءك مدرسة في الصباح... هيا إلى مخدعك.. هيا.. |
هاني: حاضر يا ماما.. والله معك.. الله معك.. |
(نسمع صوت أذان الفجر ثم صوت مها تقول): |
مها: إلهي أما لهذا الليل من آخر.. بعنا ما فوقنا وما تحتنا وقد جاء دور هذا البيت الذي نسكنه ووجدي لا يفيق من سكره.. أللهم تب عليه وارفع عنه هذا البلاء وأرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسقى مختلطة بأصواتاً الباعة وأزيز السيارات ووقع أقدام المشائين وأخيراً نسمع صوت الأستاذ محسن): |
محسن: توالت المصائب والفتن، وكثرت الحواث والمحن، وانقلبت المقاييس، وتغيرت المفاهيم فما كان صالحاً بالأمس أصبح طالحاً اليوم والعكس بالعكس فماذا ترى يا شيخ مبارك؟ |
مبارك: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (سورة الرعد: 11). نحن يا أستاذ محسن تنكبنا جادة الصوائب، وانغمسنا في ملذاتنا وشهواتنا، واستبعدنا عن ديننا واتخذنا شعارات زائفة ضالة مضللة… |
محسن: بلى يا شيخ مبارك بلى.. |
مبارك: فإذا كنت أنت أو أنا نضج من هذا البلاء الذي نزل بنا فإنا هو عقاب من الله سبحانه وتعالى على ما قدمت أيدينا.. |
محسن: إنني لعلى يقين يا شيخ مبارك بأن ما حلاَّ بنا أنا هو ابتلاء من الله تعالى يمحص به عباده ليخرجوا منه وهم أشد ما يكونون استمساكاً بعقيدتهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم… |
مبارك: أجل يا محسن أجل.. ولكن يجب ألا نقف موقف المتفرج من الأحداث الجارية وهذه الموجات العاتية من الكفر والإلحاد.. |
محسن: بلى يا شيخ مبارك بلى.. وماذا ترانا نفعل… |
مبارك: علينا أن نرشد الناس ونبصرهم بالعواقب الوخيمة وما ينتظرهم من عقاب في الدنيا والآخرة إذا هم استمروا في طريق الغواية وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (سورة آل عمران: 104).. |
محسن: صدق الله العظيم.. |
الدلال: حراج.. حراج على أثاث بيت (وجدي).. مين يزيد.. هذا طقم الكنب (20) عشرين… |
أحد الزائرين: خمسة وعشرون.. |
مزايدة آخر: ثلاثون.. |
الدلال: على أونا.. على دوا.. مين يزيد.. مين.. مبروك.. اسمك؟ |
المزايد الأول: جمعان.. |
الدلال: مبروك يا جمعان.. ادفع واحمل… |
(نسمع صوت بكائها وابنها هاني، يستمر الدلال في ندائه): |
وهذا طقم غرفة الطعام بخمسة.. مين يزيد.. فينكم يا مشترين.. فينكم بخمسة.. بخمسة.. |
المزايد: بسبعة.. الدلال: بسبعة.. بسبعة.. مين يزيد؟ |
المزايد الثاني: بثمانية.. |
الدلال: بثمانية.. بثمانية.. |
مزايدة: بعشرة… |
الدلال: بعشرة.. بعشرة.. مين يزيد… فينكم يا راغبين في المال الجيد.. فينكم.. |
لا أحد يزيد.. بعشرة.. على أونا على دوا.. مبارك.. مبروك.. اسمك.. |
المزايد: مجاعص.. |
الدلال: مبروك يا مجاعص.. مبروك.. ادفع واحل… |
وهذه الفرش والطراريح والمساند والمخدات بعشرة.. بعشرة.. مين يزيد.. مين… |
أصوات: مسكين صدمته السيارة.. الدم يتدفق من فمه.. إصابته خطيرة… |
أحدهم: النجدة.. الإسعاف… |
الضابط: إلى اقرب مستشفى.. |
الشيخ مبارك: سمعت بالحادث الفظيع..؟ |
محسن: أي حادث يا شيخ مبارك؟ |
الشيخ مبارك: صدمت إحدى السيارات صاحبنا (وجدي) صدمة خطيرة نقل على أثرها إلى المستشفى.. |
محسن: لا شك أنه كان مخموراً عندما صدمته السيارة.. |
الشيخ مبارك: لا يستبعد ذلك فقد اصبح والعياذ بالله صدمنا… |
محسن: لقد باع ما فوقه وما تحته حتى بيته وأثاث منزله في سبيل ارتكاب شر الكبائر.. أنا لا أريد أن أعود… |
الشيخ مبارك: لماذا يا محسن إنه صديق لنا قديم بيننا وبينه عيش وملح كما يقول.. كما أنه مسلم وعلينا واجب زيارته… |
محسن: لقد سمعت ولا أدري هل هو حديث صحيح أو قول مأثور… |
الشيخ مبارك: ما هو يا محسن؟ |
محسن ((لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يشرب الشارب الخمر وهو مؤمن)) أبهذا المعنى… |
الشيخ مبارك: هب أن ذلك صحيحاً، فالزيارة مستحبة وواجب إنساني… |
محسن: إذا كنت سأذهب فإنما هو من أجلك يا شيخ مبارك فوجدي ليس إنساناً.. إن الحيوانات أحسن منه.. الرجل الذي يترك زوجه وولده يتكفأون الناس وبالعربي الفصيح: يستجدون بينا هو منهك في سكره وعربدته لا يستأهل أن يكون إنساناً له كرامة أشأن.. |
الشيخ مبارك: صدقت يا محسن ولكن الله سبحانه وتعالى قد قدرك فقمت بواجب قرابتك لزوجة وجدي فأخذتها إلى دارك وأكرمتها وأحسنت معاملتها هذا شيء سيكافئك الله.. ولعلّ الله يكافئك أيضاً على هذه الزيارة هيا بنا.. هيا.. |
محسن: حاضر يا شيخ مبارك حاضر.. هيا بنا… |
مها: كيف حال وجدي يا دكتور؟ |
هاني: كيف حال أبي يا دكتور طمني عليه… |
الطبيب: إنه بخير.. لقد زال عنه الخطر ولكن هناك خطراً أشد من هذا.. |
مها: ما هو يا دكتور.. ما هو؟ |
الطبيب: كبد زوجك يا أختي أصبح تالفاً فيه ضمور من شرب زوجك للخمر.. إذا لم يتركها ويعالج معالجة دقيقة فالموت يتهدده في كل دقيقة… |
مها: لا حول ولا قوة إلا بالله… |
هاني: بابا كان يشرب.. أنا الآن أدركت لماذا كان يسهر كل ليلة.. |
مها: ارجوك يا حضرة الدكتور أن تزجي إليه بهذه النصيحة فلعلّ الله يهديه على يديك.. |
الطبيب: أليس لزوجك أصدقاء من الناس الصالحين؟ |
مها: كان له العديد منهم ولكنهم انصرفوا عنه عندما رأوه يسير في طريق الضلال والغواية.. |
الشيخ مبارك: السلام عليكم… |
محسن: السلام عليكم.. |
الطبيب: وعليكم السلام.. |
الشيخ مبارك: كيف حال وجدي يا دكتور؟ هل زال عنه الخطر؟ |
الطبيب: زال والحمد لله.. |
مها: يا دكتور.. الشيخ مبارك من العلماء الأجلاء وقريبي الأستاذ محسن تلميذ للشيخ مبارك.. أرجوك أن تخبرهما بالخطر الذي يتهدد حياة زوجي… |
وجدي: أشهدوا علي أني تبت لوجه الله.. لن أعود إلى تعاطي الخمر.. وأشهد الله على ذلك وهو خير الشاهدين.. |
صوت صادر من مكان سحيق: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ. صدق الله العظيم (المائدة: 91). |
|