شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عدم القنوط
نسمع ضرب السياط (الكرابيج) وصوت صرخات وأنات وآهات المعذبين نسمع بعدها صوت مراد يقول والألم ظاهر في كلامه:
مراد: آثار الجلد بالسياط تؤلمني.. أنظر إن الدم ينزف منا ولا من مسعف..
جواد: وأنا يا مراد آثار الكي كما ترى فظيعة ومبرحة..
مراد: إلى متى سنظل في ليل هذا العذاب؟
جواد: أظنه ليل طويل إلا إذا حدث ما ليس في الحسبان..
مراد: ومتى يحدث ما ليس في الحسبان؟
جواد: ذلك علمه عند ربي..
مراد: ليتنا نموت تحت سياط الجلد بدلاً من الموت (بالقطاعي)..
جواد: تراودني نفسي أن أطلب من الذي يقوم بتعذيبي أن يكون في محل قاتل لعلي أستريح إلى الأبد مما أنا فيه..
مراد: يظهر أننا يئسنا من رحمة الله يا جواد.. مع أننا كمسلمين يجب ألا نقنط من رحمة الله..
صوت صادر من مكان بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ (الحجر: آية 56).
جواد: أسمعت يا مراد..
مراد: سمعت.. ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون‍ ونحن ولله الحمد غير ضالين.. فعلينا أن نصبر ونتحمل..
جواد: نعم.. يجب يا مراد فأنا مطمئن أن الله سينجينا من هذا الكرب العظيم..
(نسمع ضجة وقعقعة سلاح وسقوط قتلى وأنَّات جرحى تختلط بموسيقى مناسبة نسمع بعدها صوت مراد يقول):
مراد: ما هذا الذي أسمع يا جواد؟
جواد: كأنه قعقعة سلاح.. أترى..
مراد: ترى ماذا؟
جواد: فوج جديد من المعتقلين…
مراد: لا أظن..
جواد: إذن فما سبب هذا الضجيج؟
(نسمع بعض الطلقات فيقول مراد):
مراد: أتسمع الطلقات؟
جواد: أجل.. أجل..
مراد: يخيل إليّ أن هناك محاولة لتخليصنا مما نحن فيه وربما غير ذلك..
جواد: ربما ولكن..
مراد: ولكن ماذا؟
جواد: لم لا ننتهز فرصة هذه الحركة وانشغال الحراس بها فنهرب في غفلة منهم..
مراد: هيا بنا.. ولنقرأ ما روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأه حين خرج من داره التي كان يحاصرها مشركوا قريش ليلة الهجرة إلى يثرب..
جواد: اقرأ أنت وسأردد معك التلاوة فإني لا أحفظها..
مراد: بسم الله الرحمن الرحيم: وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ. صدق الله العظيم. (سورة يس: آية 9).
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تسمع بعدها صوت جواد يقول):
جواد: الحمد لله يا مراد.. لقد نجونا..
مراد: أسرع يا جواد لنختبىء في أحد الكهوف حتى يدخل الليل ونتابع قرارنا..
جواد: سر أمامي وأنا اتبعك فإني لا اعرف موقع الكهف..
مراد: اتبعني..
جواد: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله…
مراد: ها نحن نصل إلى الكهف سالمين ولله الحمد..
جواد: الحمد لله.. يا إلهي.. أنه كهف غريب في موقعه وتكوينه..
مراد: لا يمكن لقوة الظالمين أن تهتدي إليه..
جواد: كيف اهتديت إليه يا مراد؟
مراد: اهتديت إليه بطريق الصدفة.. فقد كنت اصطاد في تلك المنطقة وبينما كنت أطارد صيدي اختفى مني فجأة فطفقت أفتش عليه..
جواد: وفي أثناء تفتيشك اهتديت إلى هذا الكهف..
مراد: أجل.. لقد رايته وهو يدخله..
جواد: هيا بنا ندخل ولنأخذ قسطاً من الراحة استعداداً للمرحلة القادمة من الفرار..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت توفيق يقول):
توفيق: أرى أفواج الفارين بدينهم تزداد يوماً بعد يوم يا شيخ ياسين..
ياسين: يظهر أن سياسة البطش والتنكيل على أشدها عندهم حتى فاؤوا إلينا بهذه الأعداد الهائلة…
توفيق: وقد فتحت بلادنا صدرها لهؤلاء اللاجئين فأكرمت وفادتهم وسهلت لهم سيل العيش لكريم فيها.. جزاها الله عنهم خير الجزاء..
ياسين: وبين القادمين شباب على درجة عالية من التثقيف الديني والعصري..
توفيق: توفيق: وبينهم من استطاعوا أن يفروا بعوائلهم..
ياسين: لقد سمعت منهم حكايات أشبه بالأساطير عما لاقوه في فرارهم من أجل الحفاظ على دينهم وأخلاقهم وتقاليدهم بعد أن طغت موجة من الفساد والإلحاد في بلادهم..
توفيق: لقد جاءني اليوم اثنان من هؤلاء اللاجئين يطلبان عملاً فيمصنعي يعيشان منه وكان أحدهما ملماً بإدارة المصانع والآخر بالأمور الحسابية.
ياسين: هل وظفتهما عندك؟
توفيق: أخذت الملم بإدارة المصانع.. واسمه مراد..
ياسين: والثاني.. ماذا فعل الله به؟
توفيق: وعدته بأن أسعى لإيجاد عمل له.. فهل لديك مكان له؟
ياسين: أجل يا شيخ توفيق أرسله غداً إليّ..
توفيق: إنني على موعد معه غداً وسأبعث به إليك..
ياسين: خيراً تفعل يا أخي..
توفيق: أرجو أن يكونا عند حسن الظن بهما..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عايدة تقول):
عايدة: علمت أن والدك الشيخ توفيق قد عيّن مديراً لمصنعه أحد الشباب الذين جاؤوا إلى بلادنا فراراً بدينهم..
فدوى: نعم يا عايدة وهو على جانب عظيم من الدين والتقوى وحسن المعاملة..
عايدة: صدقت.. فقد سمعت والدك يحمده ويثني عليه أمام والدي ويقول إنه استطاع أن يكتسب محبة زملائه الموظفين وإخوانه العمال في المصنع..
فدوى: وسمعت أنا أيضاً أن أباك الشيخ ياسين قد استخدم محاسباً لشركته مؤهل جداً وملم بالأمور الحسابية بالإضافة إلى رصيد طيب من الأخلاق وحسن السير والسلوك..
عايدة: إن المحاسب الذي عينه والدي هو ابن عم للمدير الذي عينه أبوك واسمه جواد.. وهو جميل الخُلق والخَلق..
فدوى: وابن عمه مراد ايضاً ولولا التعب والتعذيب الذي تعرضا له لكان لهما فتنة يوسف..
عايدة: لا أدري هل لهما زوجات وأطفال في وطنهما الأصلي..
فدوى: لا أعلم لأني لم أسأل ولكن..
عايدة: ولكن ماذا يا فدوى؟
فدوى: لم هذا الاهتمام منك بجواد؟
عايدة: إنه ضعيف ولاجىء وهو أحق بالعناية والرعاية..
فدوى: هذا العطف والاهتمام هو لهذين الأمرين فقط.. ضيف ولاجىء أم..
عايدة: أم ماذا؟
فدوى: بداية..
عايدة: بداية ماذا؟
فدوى: استلطاف و… و…
عايدة: إنك تحملين كلماتي أكثر ما تطيق.. إذا كان هذا تصويرك أو تأويلك لكلامي فما معنى ما سمعت من أنك أقنعت والدك بإسكان مراد في الشقة الملحقة بالفيلا التي تسكنين مع أبيك فيها..
فدوى: هو من قبيل الإشفاق على اللاجىء الغريب الذي قد لا يجد المكان المناسب الذي يرتاح فيه من جهة ومن جهة أخرى ليكون بقرب المصنع حتى يشرف عليه مباشرة..
عايدة: ليكون بقرب المصنع أم بقرب الدار..
فدوى: قولي ما شئت فهذا هو السبب..
عايدة: أنت يا فدوى أو أنا يا عايدة يريد كل منا أن يستغفل الآخر فلم لا نكون صرحاء مع بعض.. ولا سيما ونحن كالأخوات..
فدوى: إنك تضعين النقط على الحروف يا عايدة.. وأحب أن أقول لك إنني منذ رأيت هذا الضيف لا أدري ماذا أصابني..
عايدة: إنك تنطقين بلساني ولنترك للزمن ايجاد الحل لما نحن فيه..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مراد يقول):
مراد: لقد أكرمنا الله يا جواد فنجاناً من الكرب العظيم وبدل عسرنا بيسر وها نحن نعيش في بحبوحة من النعيم فعلينا..
جواد: علينا ماذا؟
مراد: أن نحمد الله سبحانه وتعالى ونشكره في السر والعلن..
جواد: الحمد والشكر لله..
مراد: وأن نخلص في العمل الذي أنيط بنا..
جواد: وهذا واجب بل فرض..
مراد: وأن نخصص نسبة من رواتبنا للجمعية التي تأسست لإغاثة اللاجئين من أبناء بلدنا..
جواد: هذا حق فالله تعالى يقول: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ. لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (المعراج: آية 24 - 25).
مراد: إن الشيخين توفيق وياسين عضوان بارزان في هذه الجمعية..
جواد: سمعت أنهما من المؤسسين وقد أراد أعضاء الجمعية انتخاب أحدهما رئيساً والآخر وكيلاً ولكنهما اعتذرا وفضَّلا أن يضعا مقاليدها في أيدي الشباب لأنهم أكثر نشاطاً وحركة..
مراد: حقاً أنهما شيخان يتمتعان بعقلية نيرة وتفكير سليم..
جواد: لقد صقلتهما السنون والتجارب يا مراد..
مراد: أجل ولكنهما استفادا وأفادا من هذه السنين وتجاربها ولا أدل على ذلك من إسهامهما في مشاريع التنمية الاقتصادية وأعمال البر والإحسان..
جواد: ليت الله يمن عليهما بأولاد يرثون أعمالهما ويترسمون خطاهما بعد عمر طويل ولكن ليس لكل منهما إلا بنت واحدة..
مراد: الله سبحانه وتعالى يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ صدق الله العظيم (الشورى: آية 49).
جواد: صدق الله العظيم.
مراد: هذه حكمة الله يا جواد.. المهم..
جواد: المهم ماذا؟
مراد: هل أنت مرتاح في سكنك؟
جواد: إنه كما رأيت لا بأس به ولكنه بعيد عن مركز العمل وزحام المواصلات متعب.. وإني أفكر في شراء سيارة..
مراد: كنت أفكر في أن أطلب من الشيخ توفيق أن يسمح لك بالسكنى معي..
جواد: شكراً يا مراد ولكن ذلك لا يحل مسألة المواصلات..
مراد: ليت الشيخ ياسين يتدبر لك سكنا بالقرب من قصره القريب من مركز الشركة..
جواد: ليت وعسى لا تجديان شيئاً.. المهم الحمد لله الذي وجدنا عملاً نعيش منه..
مراد: صدقت يا جواد.. صدقت الحمد لله.. الحمد لله..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الشيخ توفيق يقول):
توفيق: كيف وجدت موظفك الجديد يا شيخ ياسين؟
ياسين: أتعني جواد..
توفيق: أجل.. أجل..
ياسين: إنه محاسب حاذق ملم بعمله ويقوم حالياً بتنظيم حسابي لأعمال الشركة على أحدث الطرق الحسابية الحديثة.. وأنت كيف موظفك مراد؟
توفيق: نعم الموظف الإداري الحازم العارف بواجباته.. لقد أجرى عدة ترتيبات في الجهاز الإداري للمصنع من شأنها زيادة الإنتاج وتنظيم وسائل تسليم الطلبات لأصحابها في سرعة مذهلة..
ياسين: إنه توفيق من الله لنا ولهم.. لا تتصور مبلغ محبتي لجواد.. فهو دمث الأخلاق خفيف الروح أرجو ألا يفكر في العودة يوماً إلى وطنه الأصلي..
توفيق: وأنا مثلك.. أرجو ألا يخطر مثل هذا الخاطر في عقل مراد الذي أرضى كل واحد في المصنع وفي خارجه حتى في الدار زوجتي وابنتي معجبات به..
ياسين: وأنا أيضاً عندي في البيت الرضا يشمله من الزوجة والابنة..
توفيق: صدقني لو تقدم مراد إليّ يطلب ابنتي لما ترددت في تزويجه منها..
ياسين: وأنا أيضاً ولكن..
توفيق: ولكن ماذا؟
ياسين: ربما يكون لهما زوجات وأولاد في بلدهما..
توفيق: لا أظن يا شيخ ياسين لأني ما أحسست في حديثي مع مراد أي صدى لذلك.. إنه حين يذكر وطنه يذكر الاضطهاد ويدعو الله بالخلاص لمواطنيه..
ياسين: أما جواد فيذكر دائماً أخاه وزوجته وأطفاله ويدعو الله لهما بالخلاص مما هم فيه…
توفيق: هذا إحساس ينذر بالعودة في الوقت الذي تنجاب فيه سحابة الطغيان عن بلده..
ياسين: ليس ذلك ببعيد.. ولا أدري ما العمل إذا ما أراد العودة..
توفيق: ربنا يسخر بأحسن منه أو منهما.. ولو أني يا شيخ ياسين أحس من ابنتي فدوى اهتماماً خاصاً بمراد تباركه أمها..
ياسين: يظهر أن بنتينا وقعتا في حب هذين الموظفين فأنا ابنتي عايدة تشيد دائماً بجواد وتثني أمها على ذلك..
توفيق: الخيرة فيما يختاره الله..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت فدوى تقول):
فدوى: ما هي آخر الأخبار عن جوادك يا عايدة..
عايدة: لا جديد عنه فسكناه بعيداً عنا يجعلني في جهل مطبق عن أخباره..
فدوى: ولكني علمت أنه يتردد دائماً على سكن مراد..
عايدة: إذن فأنت أعلم بأخباره مني..
فدوى: صدقيني يا عايدة حتى أخبار مراد الذي يسكن بجوارنا لا أدري عنها شيئاً.. ذلك لأني لم أشاهده يقف في بلكونة أو يتمشى في الحديقة حتى النور في شقته يكون خافتاً..
عايدة: إن هذا العمل يرفع من قيمته ويدل على أنه وقريبه يحافظان على حرمة الجوار..
فدوى: هذا هو الواقع يا أختاه ولكن..
عايدة: لكن ماذا؟
فدوى: زارتنا قبل يومين زوجة رئيس جمعية اللاجئين وطلبت التحدث إلى والدتي على انفراد وبعد ذلك قامت فهاتفت والدتك لتحدد لها موعداً لزيارتها..
عايدة: هذا صحيح لقد رأيت هذه السيدة تزور والدتي وتتحدث معها على انفراد فقلت في نفسي لعلّه حديث عن جمع تبرعات ومن هذا القبيل..
فدوى: كيف وجدت والدتك بعد هذه الخلوة..؟
عايدة: كانت منشرحة الصدر ووالدتك كيف كانت يا فدوى؟
فدوى: كانت مسرورة جداً تتطلع إلي وهي تبتسم..
عايدة: ماذا تظنين؟
فدوى: في رأيي أن الزيارة لا تتعلق بإعانة بل بخطبة..
عايدة: أنظري يا فدوى..
فدوى: أنظر ماذا؟
عايدة: أبوك وأبي قادمان..
فدوى: مجيىء غير منتظر لعلّه خير..
عايدة: إن شاء الله خير..
(يدخلان والشيخ توفيق يقول):
توفيق: بارك لهما بالعريسين مراد وجواد يا شيخ ياسين..
ياسين: مبارك يا ولديَّ مبارك..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :621  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 79 من 83
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.